1. سيح العافية السكة الشرقية - ذكريات (١٥د)

      وهي السكة التي تمر أمام الدروازة الشرقية بعد مسجد الغافة، وتبدأ من الجنوب من بيت ولد خير (المرحوم سالم بن سليمان)، وتمر أمام بيت المرحوم ناصر بن عمار وبيت المرحوم حمدون بن حميد، وبيت المرحوم مسلم بن عبيد من الشرق إلى أن تنتهي ببيت المرحومة سلمى بنت سعيد (البيت الذي سكنه ابن أخيها المرحوم سيف بن خالد).

       

      هذه كل السكك التي عهدتها وأسماء البيوت التي على جوانبها في فترة الستينات وحتى نهاية السبعينات قبل أن تمتد الحارة من بعد السكة الشرقية في اتجاه الشرق.

      ومن البيوت التي زادت في منتصف الستينات بيت المرحوم عبد الله بن عمر وبيت المرحوم عبد الله بن حمود بن سلوم، وبيت المرحوم سالم الصوافي وبيت المرحوم سيف بن سعيد ألذي به أكبر فناء بيت (حوش) في الحارة، بناه بعد عودته من أوغندا، وأيضاً بيت المرحوم أحمد بن عمار الذي بناه أيضاً بعد عودته من أوغندا، ومن ثم تلت بقية البيوت بعد عام السبعين ومنها بيتنا الحالي الذي سماه أبي "بيت صلالة" تيمناً بولاية صلالة بمحافظة ظفار حيث خدم والدي في الجيش السلطاني وكان من العساكر الذين شاركوا في حرب ظفار في منتصف الستينات حتى بداية السبعينات.

       

      وهنا تستوقفني قصة جميلة، عندما أتذكر بيت المرحوم عمي سيف بن سعيد، أتذكر عندما اعترضت الشيخ أحمد بن محمد لأسلم عليه، عند هذا البيت وهو مار بسيارته "اللاندروفر" قاصداً السباخ (في الستينات) في نفس الشارع الحالي تقريباً، وكان الشيخ "حمد هو من استوظف أبي في الجيش، وأثناء مناشدتي له عن "العلوم والأخبار"، سألني الشيخ عن حال والدي، فقلت له: منذ فترة وأخباره منقطعة، وبكل براءة ألححت على الشيخ أن يأتي معي للبيت لتناول القهوة، وأعجب الشيخ بالأسلوب ومباشرتي، والترحيب الذي أبديته له فقال: (ما دام الأمر كذلك جيب قهوتك في هذه الشرجة)، وأمر سائقه أن يركن السيارة، ولم أتمالك نفسي من الفرحة، وهرعت إلى البيت وفي خلال خمس دقائق كانت القهوة جاهزة مع التقدوم، وفي أقل من ثلث ساعة تزاحمت الشرجه بالقهاوي، وعندما نظر الشيخ إلى بيت العم سيف وصف طوله (بالريل)، rail يعني كالقطار، وخرج الشيخ من سيح العافية وهو مسرور، وعندما ركب سيارته وصفني "بالداب ولم استطع فك هذه الشفرة إلى اليوم.    

       

      بيت صلاله:

      أطلق المرحوم أبي على هذا البيت اسم (صلالة) على اسم البئر التي حفرت قبل تأسيس المبنى تيمنناً بولاية صلالة التي حارب من أجلها إثناء عمله بالقوات المسلحة، وقد تم بناء ذلك البيت على مراحل في فترات متفاوتة، لضيق المادة بدءاً من نهاية الستينات حتى أتمه في بداية أو منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

       

      وقد شارك في بداية حفر الأساس وصب الأسمنت على الطوب (الطابوق)، ابن عمه الوالد ناصر بن منصور، وبمعاونتي له، ثم استكمل هيكل البيت في بداية الثمينات إلى أن أكتمل بوضعه الحالي في منتصف الثمينات بواسطة عمال مؤسسة الوالد (مؤسسة السناوي).

       

      كان للوالد حلم قوي في هذا البيت هو أن يجمع أسرته تحت سقف واحد، حتى أن تصميم الغرف الداخلية للبيت مصممة بحيث أن تكون مستقلة لأبنائه الذكور، ولكن الظروف شاءت غير ذلك بسبب زيادة عدد أفراد الأسرة والظروف المعيشية وظروف العمل إلا أن الوالد استطاع أن يحقق حلمه فيما بعد، وذلك بإضافة ثلاثة ملاحق لأبنائه الذكور. وقبل أن توافيه بمدة قصيرة شرع بإضافة ملاحق أخرى لبناته المتزوجات، وقمت أنا بإكمال البناء، بناء على وصيته.

       

      ودوماً كان للوالد ـ رحمه الله ـ سعة صدر وهدوء عند تنفيذ مشاريعه، متأقلماً مع ظروفه ووضعه المادي المتواضع، حيث كان حريصاً على كتمان وضعه، حتى لأقرب الناس عنده، وكان يتمتع برباطة الجأش وقوة التحمل، ويتميز بطول بال لا مثيل له.تلك هي بعض الصفات التي أكتسبها ربما لكونه جندياً محارباً، صفات أصقلت موهبته. ودائماً كان الوالد خبيراً باستغلال الفرص والوقت حيث كان يستغل فترة عدم ارتباطه بعمل في عمل خارجي لبناء مسكنه، وبالرغم من أنه كان يمر بظروف ملحة ومطالبات عمالية بسبب سوء التأخير من زبائنه من الوفاء بحقه، ولكنه كان ملتزماً في أغلب الأحيان بوفاء ديونه وإعطاء كل ذي حق حقه في وقت الاستحقاق بقدر المستطاع.

       

      ولكي يستكمل الوالد البيت الرئيسي المسمى بصلالة قام في الأول ببناء البيت العلوي المعروف لدى العائلة ببيت "البلاويت"plywood والذي أصبح الآن ملحقاًلي وكانت بداية بناء هذا البيت عبارة عن غرف مقسمة في الداخل بخشب المضغوط (البلاويت) والجدار الخارجي من الطوب "طابوق" والأسمنت. فكرة البناء تلك كان قد استوحاها من الجيش وجربها في بيته الذي كان أول بيت بناه بدارسيت وكان هذا الإجراء سريعاً وضرورياً لكي يؤمن مسكناً للعائلة، بعد أن تخلى عن بيت الحدري لأبيه والبيت الشرقي للورثة، وتم استكمال بيت صلاله بالتدريج وعلى راحته، بعد أن بنا بيت البلاويت Plywood ثم بنى الملحق الثاني الذي به أخي الآن، وبعد ذلك تتابعت الملاحق الأخرى.

       

      وعندما بدأ المرض يأخذ منه أي قبل وفاته ربما بخمس سنوات كان مهتماً جداً ببناء السبلة الشرقية داخل البيت (المجلس الحالي) الذي به المكتبة ومعرض الصور، وكأنه على موعد مع قدره، وكان هذا هو مشروعه الأخير في مخططه إلى أن قدر الله ما شاء.

       

      وهذا البيت بما فيه من ملحقات يعتبر رمزاً لترابط عائلة أحمد بن صالح، وأسرهم وقد أوصاني شفوياً قبل وفاته بمده قصيرة أن أحافظ على قيادة العائلة وإتباع نفس سيرته الحميدة سواء كان ذلك مع أهله أو جماعته أو أصدقائه ومعارفه. وأصبحت في هذا البيت "عادة التجمع"فقد اعتادت فيها العائلة وقت الأعياد والمناسبات متجمعين في مكان واحد، وهي من العادات التي يحرص عليها الجميع.

      .

      التركبة منصات طبخ البسر (مطابخ التبسيل)

      لست أعرف من أين أتى مصطلح التركبة، كنت اسمع أمهاتنا في السابق عندما يطبخن بنار الحطب، أو أيام العيد عند طبخ العرسية، بأن نعمل لهن تركبة، أو تاثية، والتركبة هي ثلاث أحجار، أو في الوقت الحالي من الطابوق توضع عليها قدر الطبخ، لا أود أن أدخل في تفاصيل اللغة لأنني بكل بساطة لست مؤهلاً لذلك، ويكفي أن أكون مدوناً، على العموم هي مطبخ بسر الرطب غير الهامد أي غير مكتمل النضج، وتعرف عملية طبخ البسر بالتبسيل. وكلمة تبسيل أظن مشتقة من مبسلي، والمبسلي هو نوع من نخيل التمر رطبه كبير الحجم ولا يأكل إلا تمراً أو يبسل (يطبخ) ويجفف ثم يصدر إلى الهند، وله عندهم هناك عدة استخدامات منها استخدامهم في طقوساتهم الدينية.

       

      وكنا نعرف التركبة بالمنارة، لوجود برج في التركبة يشبه المنارة وهو منفذ للدخان، و كلمة "بسر" (تنطق بسكون الراء) كما ذكرت، وتعني الرطب قبل أن ينقلب إلى تمر، وكلمة تبسيل أتت من نوع الرطب يعرف بالمبسلي، وهو النوع الوحيد الذي أعرفه في إبراء يطبخ بالماء ويجفف ثم يصدر، و يسمى قبل تجفيفه "فاغور" ربما مشتقة من كلمة (فاغر) وكنا نعطى لنتذوقه أو لأكله، عند عملية التبسيل. وعادة ما يكون التبسيل في منتصف الصيف حيث درجة الحرارة عالية تبلغ ذروتها، فترة وسط القيظ (الصيف)، وحجم رطبة المبسلي يكون أكبر عن بقية أنواع الرطب، وأذكر كنت أرى تمر المبسلي يطعم به الحمير لمدها بالطاقة في الصباح قبل إخراجها للعمل.

       

      وسميت التركبة بالمنارة ربما لوجود في طرف مبناها برج صغير (أو قبة) مخرج للدخان. والمبنى مشيد بالطين وهو عبارة عن قاعدة أو منصة صندوقية الشكل مرتفعة عن سطح الأرض بمتر أو مترين تقريباً، تشبه شكل (الصندوق الأجوف من الداخل) لهذه القاعدة أربعة أضلع وسقف يبلغ أبعاد مساحته من 3×4 إلى 5×4م، مستطيلة الشكل وعلى زواياها الأربع أعمدة من الطين تحمل سقف المظلة من السعف.

       

      على سطح هذه المنصة ثقوب دائرية قطرها يتراوح بين نصف إلى متر تقريباً متصلة بجوفها يوضع عليها مراجل الطبخ (الغلايات) وعددها يتراوح بين واحد إلى ثلاثة حسب كمية وحجم الإنتاج المطلوب من البسر، ومن تحت مبنى المنصة توجد فتحة لإدخال حطب إشعال النار وعادة ما يكون من سعف النخيل الجاف الغير مرغوب فيه، وعند الاحتراق يخرج الدخان من خلال خرطوم أجوف متصل بفتحة البرج أو القبة التي في طرف المنصة.

       

      المراجل تستخدم لغلي البسر مصنوعة من معدن النحاس وتسمى "مراجل صفر" (بفتح الصاد) مقاومة للصدأ وتكون ثابتة في المنصة على مدار العام، ويطبخ البسر بالماء بطريقة الغلي، وعند الانتهاء يخرج البسر من المراجل بواسطة "مغراف" مصنوع خصيصاً لهذا الغرض من عذوق الرطب الجافة، ويلقى البسر الناضج في مكان مخصص له بجانب المنصة على الأرض ثم ينقل بواسطة الحمير إلى المسطاح للتجفيف، وبعد أن يجف يعبئ في أكياس "خيش" ويكون جاهزاً للبيع و التصدير.

       

      المسطاح، هو مكان مسطح على قطعة أرض مسورة بأربع جدران ولها باب، ويفرش البسر في الأرض على المسيلة إلى أن يجف، وعادة ما يكون المسطاح ملاصق للتركبة.

      .

       

      توجد في حارة سيح العافية ثلاث من هذه المنصات "التراكب" واحدة بالقرب من مدرسة القرية ومسجد الغافة وربما كانت تخص جد بناب محمد بن راشد، والثانية حدرى على مرتفعات "ميانين" خلف مسجد سليمان والأخرى علوى غرب بيت نصير.

       

       

       

      1. عبد الله السناوي - شارك