1. سيح العافية سوق السناويين - ذكريات  ( ١٣د)

      هناك أيضاً سوق للسناويين يقع غربي الوادي جنب ضاحيتي التي تعرف بحاجر السوق هذه الضاحية إحدى ضواحي الجد حمود بن جندب ورثها ابنه حمد والد والدتي، ثم خالي وابتعتها أنا من ابن خالي، هذه الضاحية تقع أعلى السوق تفصلها سكة وعلى بضع أمتار يوجد مسجد يعرف "بمسجد السلالة، مازال قائماً حتى عهدنا الحاضر، وربما تابع للسوق الذي سبق ذكره.

       

      يقال بأن تأسيس هذا السوق أتى على إثر نزاع نشب بين السنويين والحرث مما جعلهم يفصلون سوقهم لفترة، وهناك قصة أيضاً رويت لي عن هذا السوق، فقد تم تزويج عشرين سناوياً دفعة واحدة بمهر أقل من قرش لكل منهم.

       

      يقال بأن جد بنات محمد بن راشد وجد جدتي أم أبي وهو أحد وجهاء القبيلة وجد ما يقارب عشرين شاباً أعزب عاطلين عن العمل متمددين تحت ظل سدرة السوق، ومنهم من يلعب الحواليس (وهي لعبة تلعب للتسلية وقت الفراغ بتحريك أحجار على مجموعة حفرصغيرة تسمى بيوت على الأرض)، هؤلاء الشباب غير مبالين بمسؤولية العمل، وكان ذلك وقت الضحى بينما يوجد في الحارة مجموعة من البنات غير المتزوجات فأمر في الحال بأن يزوج هؤلاء الشباب بأقل ما عندهم، حتى يبني فيهم روح العمل والإحساس بالمسؤولية.

       

      السبل (المجالس العامة):

      السبل جمع سبلة، وتلفظ في العامية بسكون اللام، هذا و بالإضافة إلى سبلة البرج والسبلة الحدرية التي سبق ذكرها توجد أيضاً سبلة أخرى صغيرة من طين على شكل غرفة للسناويين تقع جنوب مسجد "اللثاب" (مسجد شجرة الصبارة) بعد مطلع الوادي (مطلاع الصبارة) يستظل تحتها الشياب أو يجلسون داخل السبلة بعد تأدية صلاة الظهر في المسجد أيام القيظ.

       

      يقضي الشياب وقت فراغهم بعد الظهر في أعمال السعفيات من سميم وأجربة للتمر والحصر، معظم هذه المعالم والحرف اندثرت واختفت من إبراء وبالذات في حلة سيح العافية، رحلت برحيل أصحابها (رحمهم الله).

      مطاليع لبلاد:

      مطاليع جمع مطلاع بالمحلية، وتعني مطالع الوادي إلى الضواحي (منطقة المزارع تعرف بالبلاد )، هناك مطالع أخرى تؤدي إلى البلاد، بالإضافة إلى تلك التي ذكرتها منها على سبيل المثال بعد مطلاع الصبارة على اليمين مطلاع ضاحية اللثاب ومطلاع ضاحية الرميلة ومطلاع ضاحية الحاجر ومطلاع السوق الذي تقع عليه ضاحية حاجر السوق. لهذه المطالع أهمية خاصة عند أهل سيح العافية كونها تؤدي إلى مزارعهم، وعندما يتحدثون عنها فإنهم يتحدثون عنها بحميمية.

       

      أفلاج السفالة

      هناك عدد من الأفلاج تجري في قنوات جوفية ضيقة تحت الأرض تأتي من منابع مختلفة وتصنف هذه الأفلاج حسب منابعها على سبيل المثال: غيلية أوعينية ومن الأفلاج التي أعرفها تخص السناويين:فلج "الميانين" الذي سبق ذكره وفلج "الصغير" (بتشديد الياء) والموازي لفلج "أبو مخرين" (أبو منخرين) التابع لقبيلة الحرث، وكلا الفلجين يسقيان مكاناً واحداً ويشتركان في ري ضواحي "لبلاد" التابعة لقبائل الحرث من سكان السفالة. ولقبيلة الغيوث والمطاوقة والعاسرة أفلاجهم الخاصة مثل فلج المعترض لقبيلة الغيوث، وفلج "السراه" للمطاوقة والعاسرة وفلج "زويد" (بشد الياء) ربما لقبيلة المشاهبة. وهناك فلج آخر يسمى الحلالي تشترك فيه معظم قبائل الحرث التي لديها عوابي "القت" بالنجادي.

       

      منابع الأفلاج:

      لست متأكداً من منابع الأفلاج التي أعرفها في سفالة إبراء، وأيضاً لا أعرف عددها، ولكن أعرف أن هناك ما يقارب من 65 فلجاً على ما أظن في إبراء كلها.

       

      ويتهيأ لي بأن منبع فلج "الصغير" من قرب قلعة العين ، وفلج أبو "مخرين" من المكان الذي نصلى فيه صلاة العيد، وفلج زويد له منبعان أحدهما من المكان الذي فيه مساكن الشرطة ومقسم الهاتف بالسفالة، والمنبع الآخر بقرب سبلة البراونة يسمى "السمام" و كلا المنبعين يشكلان فلجاً واحداً يسمى فلج المعترض.

      أما فلج "الميانين" منبعه من قرب المحلات التي تقع جنوب سور المستشفى غرب دكان حمدون الحبسي، و هذه المحلات وقف تابع للفلج، وتمر قناة الفلج في جوف الأرض في الوادي تحت "سدر راشد" إلى أن يصل مجرى الفلج أمام مسجد العلوي ثم إلى الشريعة مصلى النساء، ومن ثم إلى مسجد الحدري إلى أن يصل ضواحي "ميانين"

       

      كلمة "ميانين" تعني "مجانين" حيث أهل الشرقية ينطقون حرف الجيم "ياء" ولهذه التسمية قصة تحدث عنها عمي ناصر بن منصور في مقابلة له مع جريدة عمان من 20 سنة حيث قال: بأنه عندما كان الأهالي يشقون الأرض لجر الفلج من منبعه في وسط الصخور مرعليهم أحد المارة أو مجموعة من الناس وسألوا الأهالي عما يعملونه، فقالوا لهم بأنهم يشقون مجرى لفلج، فقال هؤلاء المارة (اسميكم مجانين أو إنكم مجانين) أي اتهموهم بالجنون، ولما اكتمل المشروع أطلقت التسمية على الفلج وعلى الضواحي التي يرويها.

       

      وقد اشتغلت في صعري كأجير في القناة الجوفية للفلج، وأيضاً في فلج "الصغير"، وكنت أنزل أنا والمستخدمين الآخرين إلى العمق تحت الأرض عند "سدر راشد" لتنظيف قناة الفلج من الشوائب التي تعيق مجراه، ويصل العمق في بعض الأماكن إلى أكثر من عشرة أمتار تقريباً، حتى يكاد الماء يصل إلى مستوى الصدر.

       

      كان عمري في ذلك الوقت ربما لا يتجاوز العشر سنوات وكنت مضطراً للعمل باعتباري الولد الأكبر في أخوتي، أسندت إلي مسؤولية الأسرة، وعلي أن أحل محل والدي، إذ لا بد من معيل للأسرة عن الوالد الذي انقطعت أخباره في حرب ظفار.

       

      وكان مقاولو الفلج يستخدمون الصغار في بعض الأحيان للوصول إلى الأماكن الضيقة في السدود (السدود جمع سد ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن القنوات الجوفية التي تجري فيها مياه الفلج تحت الأرض).

       

      كان مقاولو الأفلاج يستخدمون الصغار للوصول إلى الأماكن التي قد لا يصل إليها الإنسان البالغ وذلك لنحافة أجسامهم، وكان العمل في الأفلاج شاقاً بسبب ما يرفع من أحجار أو طين من مجرى الفلج، وقد يصل ارتفاع منسوب المياه في هذه القنوات الجوفية إلى مستوى صدر جسم الإنسان في بعض الأماكن، ويتم تمرير ما يسحب من طين وحصى للأشخاص الذين في خلف القناة ليرفع بحبل من فتحة القناة إلى الخارج.

       

      وللأفلاج غرضان: لسقي المزروعات وللاغتسال، أما ماء الشرب يستخرج من الآبار لأنه أنقى، وتخصص أماكن للاغتسال في قنوات الأفلاج، عندما يمر الفلج على أماكن السكن، قبل أن يصل إلى الضواحي في قنوات مكشوفة تسمى السواقي ومفردها ساقية.

       

      وتسمى فتحات الاغتسال في قناة الفلج "بالثقبة" أو"الشريعة" (بكسر الشين) تخصص للاغتسال أو الاستحمام. وثقبة الاستحمام عبارة عن حائط صغير على ساقية الفلج تتكون من أربعة جدران وفتحة دخول ويشيد الحائط من الطين أو الأسمنت (الجص) بارتفاع أقل من مترين، و يغطى سقف الحائط بسعف النخيل للوقاية من حرارة الشمس. و يمر الفلج من تحت هذا الحائط عبر فتحتين مدخل ومخرج تسمى "سل الفلج" (بفتح السين)، فتحة لمدخل الفلج وفتحة لمخرجه، ويجلس المغتسل على الساقية عند الاستحمام أو الاغتسال.

       

      أما "الشريعة" فهي فتحة مكشوفة على ساقية الفلج لا عليها أي مبنى عدى أرصفة من الجوانب لمنع اندثار التراب على الساقية، ويتوقف طولها حسب عدد المستخدمين من مترين إلى أربعة أمتار، وتستخدم لغسل الملابس (الثياب)، أو غسل أواني الطعام (الوعيان)، أو لغسل الموتى في بعض الأماكن.

      وبالنسبة لفلج الميانين هناك موقعين لهذه الفتحات، وتعرف بثقبة الغافة التي أمام وتحت مسجد العلوي، وثقبة نصير التي أمام الدروازة العلوية، والشريعة مكان اغتسال النساء جهة الوادي تحت بيت الوالد علي بن خالد، والثقبة الحدرية أمام مسجد الحدري، والشريعة على يمين مسجد الحدري أمام ضاحية صغيرة تعرف "بمال الكفن".

      مال الكفن قطعة أرض زراعية "عابية صغيرة" بها عدد ثلاث نخلات من فصيلة "المدلوكي"تقع شمال المسجد الحدري، تقطف أيام القيظ ورعيها يخصص في السابق لتكفين الموتى وهي وقف من قبل أحد الوجهاء جد بنات محمد بن راشد ـ رحمهن الله ـ وهو أيضا جد أم أبي. للأسف قطعة الأرض هذه، لم تعد موجودة لقد ضمت لدورات مياه مسجد الحدري, وقد علمت من الأخ سلميان بن عبد الله بأن المرحوم عمي ناصر بن منصور تبرع بقطعة أرض بديلة عنها من ماله وموقعها في "الميانين" تحت بيته.

       

      مساجد الحارة:

      لقد ذكرت عدداً من المساجد في الحارة ثلاثة منها على مداخل الحارة، المسجد العلوي مقابل الدروازة العلوية والمسجد الحدري الملاصق للدروازة الحدرية ومسجد رشيد (الغافة) على الدروازة الشرقية، وهناك عدد 2 من المساجد يقعان على مرتفعات ضواحي "ميانين" أحد هذين المسجدين يعرف بمسجد سليمان،عهدتها مشيدة بالحصى والجص وهي بنفس حجم مساحة مسجد "سلالة".

       

      بعض علماء السناويين المتواضعين:

      والجدير بالذكر مسجد العلوي والمغاسل التي على الفلج "ثقبة نصير" قد تكون من أعمال الشيخ صاحب المبنى الذي سبق ذكره, وهو قريب في النسب لأحد أجداد ابن خال والدي (العم المرحوم علي بن خالد)، ونعلم بأن جد العم على من كبار علماء السناويين، ويقال بأنه مات على ظهر سفينة شراعية عند عودته من إفريقيا بمرض كان يعاوده في رحلة العودة إلى عمان، وأبو الوالد علي أيضاً عالم مات ودفن في بوجمبورا عاصمة بوروندي.

      .

      هناك علماء آخرون، أمثال جد سليمان بن عبد الله (عبد الله بن محمد بن سيف) الذي توفي ودفن في إفريقيا بأوغندا، ومن العلماء أيضاً محمد بن حمود بن سلوم، وهذا الأخير بالإضافة إلى كونه صاحب علم كان أيضاً صائغا مشهوراً للفضيات, وهناك صائغ آخر للفضيات في الحارة يدعى جمعة بن راشد ومن أبنائه الأحياء الوالد علي بن جمعة أمه أخت غير شقيقة لجدي حمود بن جندب.

       

      كارية نسيج:

      وعن ذكر الصناعات، كانت هناك "كارية" آلة من الخشب تحرك بالقدمين لنسج الوزرة، (الأزرة)، تقع مقابل البيت الشرقي موازية لبيت نصير، في الحقيقة لا أتذكرها ولكن كان السور باقياً إلى ما قبل السبعين، وكلمة كارية يبدو أنها عجمية من أصل "كارجا" مثل كلمة "كرخانة" أي مكينة وكنا نعرف هذه الأسماء في السابق مثل كرخانة خياطة، وكرخانة طحن البن.هناك كثير من الكلمات كنا نستخدمها دون أن ندرك أصلها مثل دختر doctor، دراول driver، ريواس reveres، سيدا يعني على طول، وهكذا منها مصطلحات أوروبية ومنها عجمية، وأفريقية، بحكم تداخل الحضارات.

       

      1. عبد الله السناوي - شارك