-
-
الصورة التقطت بفندق شاطيء صور قبل بدأ الرحلة ويبدو في الصورة بمعيتي والدتي، ووالدي و ابني الوارث ومدير الفندق، أم الوارث يبدو غاءبة عن التصوير
التنقل بين المناطق - ذكريات (٩د)
رحلة المشي على الأقدام بمناسبة التاريخ ٩/٩/١٩٩٩
To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع
التنقل بين المناطق
ليس من السهل قبل عام سبعين التنقل بين قرى المناطق في عمان، حتى ولو كانت المسافة قصيرة لا تتجاوز بضع كيلومترات، والسبب هو قلة توفر وسائل النقل المناسبة، أما أن تقطع المسافة مشياً على الأقدام، أو الاعتماد على الدواب. (الحمير). فمثلاً تستخدم الحمير للمسافات القصيرة وفي الطرق الجبلية، و تستخدم النوق لمدى أبعد. و ليس هذا فحسب،، بل هناك تقاليد للخروج لا بد من إتباعها أو الالتزام بها، كحمل السلاح على سبيل المثال.
وفي حالة الخروج من البيت؛ وفي نطاق الحارة أو خارج القرية فإن هذا المشوار يتوقف على نوعية المسافة المراد قطعها، فمثلاً داخل الحارة تحمل العصا (الباكورة) وهي في نطاق مسافة سبلة الحارة، أو المسجد. أما إذا كان المشوار خارج الحارة إلى القرى المجاورة مثلاً، كأن لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد فإنه يكتفى بلبس الخنجر بالإضافة إلى العصا، ولبس المصر (العمامة) إجباري، ولا تلبس الكمة إلا في البيت أو في الحارة. وأذكر عندما كان يرانا كبار السن نخرج إلى السوق بدون خنجر يتم إرجاعنا بالعصا، مازالت عبارة (هين نوك أنت وبطنك ارجع البس خنجرك !) تتردد في ذهني إلى اليوم.
وإذا كانت المسافة أبعد من ذلك فإن حمل السلاح كاملاً يكون إلزامياً وحسب المتوفر، وهو عادة ما يتكون من التفق (البندقية) والمحزم (وشاح الزانة، الرصاص)، والخنجر، والباكورة.
ليس هناك وسيلة لقياس المساقة إذ يحدد نوع السلاح المراد حمله، حيث كان ذلك متعارفاً عليه بالفطرة. يعتبر السلاح في الماضي عند العمانيين من زينة الرجال والوجاهة وقوة الشخصية، بالإضافة إلى كونه وسيلة للدفاع عن النفس. تتوقف نوعية السلاح وجودته حسب إمكانية الشخص وقدراته المادية ويقاس ثراء الشخص من نوعية السلاح الذي يحمله أو يمتلكه. وربما هذه العادة أتت بسبب الحروب الأهلية بين القبائل العمانية وغياب الأمن والنظام العام في الماضي على أثر انقسام عمان إلى طوائف متناحرة، والمطلع على تاريخ عمان القديم سيجد سبب هذا الانقسام، ولا داعي تفصيله هنا قد لا يتسع المقام كونه خارج الموضوع.
التنقل بين مسقط ومناطق الشرقية وأيضاً المناطق الأخرى صعب جداً بسبب قلة توفر وسائل النقل ووعورة الطريق التي تسلكه السيارات من وديان وجبال ورمال وغيرها من الطرق الترابية الغير معبدة، على سبيل المثال: السفر من إبراء إلى مسكد (مسقط) كما نعرفها سابقاً أو باللهجة المحلية، يستغرق ما بين سبع أو ثمان ساعات هذا في حالة عدم وجود وديان سائلة أو عطل ميكانيكي في السيارة، ولا يمكن السفر بدون سيارات الدفع الرباعي مثل سيارات "اللاندروفر"landrover البريطانية، أو"اللاندكروزر" land cruiser اليابانية التي كانت متوفرة في ذلك الوقت، ولكن أكثر سيارات الركاب المستخدمة و السائدة في ذلك الوقت هي الشاحنات (اللوري) من نوع "بتفورد"، و "فورد كندا" التي تستخدم كسيارات شحن و سيارات نقل ركاب في نفس الوقت، حيث يجلس الركاب فوق البضائع إذا كانت الرحلة من مسقط إلى المناطق، أما من المناطق إلى مسقط قد تكون الشاحنات فارغة أو شبه فارغة عند عدم وجود بضائع كالليمون المجفف والبسر (بسر نخيل المبسلي المطبوخ) الذي يجفف و يشحن ليباع في مسقط ومن هناك يصدر إلى الهند.
طاقم هذه الشاحنات يتكون من شخصين السائق يعرف (بالدراول) وهي كلمة أجنبية مشتقة من كلمة Driver ومعاونه (بشكار) الذي يقوم بالأعمال الغير مهنية في الشاحنة بالإضافة إلى مسؤولية إعداد وجبات الطعام للركاب عند الاستراحة.
أصعب الطرق من المنطقة الشرقية إلى مسقط طريق وادي العق، وبعد عبور هذا الوادي تتوقف السيارة في قرية لزغ التابعة لولاية سمائل للصلاة والاستراحة والغداء، أو أحياناً في قرية سرور عند المساء للعشاء والمبيت لأن مسقط كانت تقفل بعد غروب الشمس. أما السيارات القادمة من مسقط إلى الشرقية تتوقف في قرية مقيحفة التابعة لولاية المضيبي أو سمائل، لا أتذكر.
ومن الطرائف التي لا أنساها عن مشكلة النقل تلك التي سرت فيها مشياً على الأقدام اثنان وعشرين كيلومتراً قطعتها من بلدة المضيرب إلى إبراء ربما من المناسب ذكرها في هذا المقام للشباب.
في يوم من الأيام زرت أحد أقاربنا في بلدة المضيرب التابعة لولاية القابل (يدعى حمد بن سعيد السعودي - الحارثي والده وعمه سالم يقربا لأجدادي من طرف أمهم - خالة اجدادي) وبعد انتهاء مدة الزيارة أردت العودة في نفس الشاحنة التي جئت بها، ولكنها تأخرت كثيراً عن موعد وصولها من ولاية بدية إلى المضيرب وبعد أيام من الانتظار ذهاباً وإياباً إلى مكان وقوف الشاحنة رأيت من غير المناسب أن أبقى أكثر مما ينبغي في ضيافة قريبنا، فالثلاثة أيام المعتادة للزيارة قد انتهت.
كنت أجلس تحت ظل شجرة الغاف حامل زانتي (الزانة هو السلاح: الخنجر و التفق ومحزم الرصاص) حيث يحمله الفرد في الماضي عند سفره وكلمة زانة مشتقة من الزينة: فيقال زينة النساء لبس الذهب، وزينة الرجال السلب، بفتح السين واللام.
وهكذا، كنت في انتظار الشاحنة من طلوع الشمس إلى صلاة الظهر، ثم أعود مرة أخرى من بعد الغداء إلى غروب الشمس، حينها تذكرت قصة أحد الشياب من حارتنا، يدعى "بابا حسن" حكي لي عنه، بأنه عندما لا يجد عبرة تنقله من إبراء إلى المضيرب، فإنه يستخدم قدميه للذهاب والإياب، غير مبالٍ بوحوش البراري طالما كانت معه مطارته (مطارة تعني مطرة أي قربة الماء وهي مصنوعة من الخلق الخشن)، لذا قررت أن أخوض تجربته، لِمَ لا؟ وأنا أصح منه بدناً.
وبالفعل مشيت إلى إبراء، وكانت بالنسبة لي تجربة جيدة أعطتني ثقة بالنفس استفدت منها في مشوار حياتي، ومن حينها استهوتني رياضة المشي لأني أجد فيها متعة التأمل، ومازلت أقوم بها حتى الآن من دارسيت إلى المركز الصحي بروي عند مراجعة علاج السكري، وأحياناً عند العودة من مستشفى النهضة إلى دارسيت عند مراجعة علاج شبكية العين.
في عام ١٩٩٩م أردت أن أوصل للشباب رسالة أحثهم فيها على رياضة المشي، ونبذ الكسل و ذلك القيام برحلات،...واستكشاف معالم بلادنا الجميلة بعد أن لاحظت أن نوم يوم الجمعة وفي أيام العطلات الرسمية أصبح عادة عندهم، بينما الأجانب يعرفوا عن معالم بلادنا أكثر مما نحن نعرفه عنها، فتجدهم في كل وادٍ، أو سهل أو مغارة يقلبون و يفتشون وينكشون ويننبروا باحثين عن كل ما يمكن الاستفادة منه أو بيعه في بلدانهم، بينما نحن في سبات عنها.
وبعد تفكير عميق قررت أن أقوم بالرحلة في يوم ٩/٩/١٩٩٩ بمناسبة هذا التاريخ واخترت مكان قيام الرحلة من فندق شاطئ صور إلى قرية فنس التابعة لولاية قريات.
وجدت المسافة من الخريطة بأنها مناسبة إذ تبعد حوالي ٣٥ كيلو متراً من ولاية صور، ولكن لا يمكن القيام برحلة المشي على الأقدام دون اكتساب مهارة ولياقة بدنية، وشجعني في ذلك ولدي برغبته في مشاركتي، وكان ولدي في ذلك الوقت في المرحلة الإعدادية كشافاً في مدرسته أراد أن يكون لديه شيء مميز عن زملائه.
قمنا بالتدرب على المشي يومياً لمدة أسبوع استعداداً للرحلة، وآخر تجربة مشي قمنا بها كانت من دارسيت إلى بيت أبي غرب فندق "أديسون ساس" بالخوير، وهي تقريباً نفس المسافة التي ذكرتها بين إبراء والمضيرب، والحمد الله تكللت التجربة بالنجاح.
قبل ذلك التاريخ بيوم أخذت والدي ـ رحمه الله ـ ووالدتي للمبيت معنا في فندق شاطئ صور،،، حتى يلحقوا بنا بالإسعافات ووجبة الغداء عند اكتمال الرحلة، وفي صبيحة ذلك التاريخ المذكور، بعد صلاة الفجر توكلنا على الله أنا و ابني ورافقتنا أمه، بعد أن نالت هي أيضا نصيبها من التدريب. والحمد الله استطعنا أن نتم الرحلة بعد صلاة الظهر وصلنا إلى مشارف مسجد القرية الذي يقع على الساحل في اتجاه قلهات.
وشاركتنا الإذاعة باللغة الانجليزية، وجريدة Times of Oman بمقالة لتغطية الحدث، وكان لهذه الرحلة صدى كبير عند المتابعين، خاصة الأجانب عندما علموا بأن الذين قاموا بالرحلة من غير المألوف من أسرة عمانية بينها امرأة متحجبة. مازلت أحتفظ بنسخة من المقالة حتى اليوم.
مثل ذلك المسلك في نظري كان طبيعياً جداً بالنسبة للعماني. كنا نرى العماني في الماضي يقطع مسافات طويلة على رجليه لجلب الحطب أوعسل النحل من أجل كسب قوته، وأمهاتنا أيضاً كنَّ يقمن بشيء مشابه، رأيت والدتي أكثر من مرة تخرج مع رفيقاتها ومن وقت لآخر لجلب الحطب و قد تصل المسافة إلى أكثر من ١٥ كيلومترا
- عبد الله السناوي - شارك
-