-
-
بساطة الحياةفي إبراء - ذكريات (٨د)
الحياة اليومية
ليس قصدي أن أرسم صورة قاتمة عن حياتنا في الماضي بقدر ما أود أن أبين لأولادي وأحفادي عن أهمية الحفاظ على تراثنا وبعض عاداتنا وتقاليدنا الجميلة، الحمد الله رب العالمين.
في سورة لقمان (الآية 33) قال الله تعالى:(يا أيها الناس اتقوا ربكم و أخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور). وفي سورة فاطر(الآية 05) قال تعالى:(يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)، وهكذا سنجد الآيات تتكرر في سور عدة تحمل الإنسان على أن يعتبر وهذا سبب قناعة الناس في الماضي بسبب مداومتهم قراءة القرآن واستخلاص العبر، فإن "القناعة كنز لا يفنى".
وبهذه الإمكانيات البسيطة التي كانت متوفرة من مسكن ومأكل ومشرب للأسرة في السابق كان الفطور من السح والقهوة (التمر) والعشاء الله يعلم، اقتصاد البيت كان يتوقف على "ست البيت" وشطارتها، فالشخص محظوظ إذا توفرت له الزوجة التي تعرف كيف تتصرف في الأزمات. هناك، لا وجود للخضار أو الفواكه التي نراها في الأسواق في عصرنا هذا، عدا فواكه الصيف البسيطة، مما يتضح أنه كان هناك حالات سوء التغذية، وبسببها تفشت كثير من الأمراض المزمنة، لم نعرفها، كان الأهالي يعزون أسبابها على السحر والحسد، مما زاد في عدد الدجالين والمشعوذين.
كان هناك شبه عيادة وجدت في منتصف الستينات تعرف "بمستشفى إبراء" تقع بحلة المنزفة بها دكتور من جنسية أسيوية مسلم، وممرض عماني درب محلياً على مبادئ بسيطة في التمريض وصرف الأدوية، والأدوية التي كانت تصرف للمرضى بدائية لا يتجاوز استخدامها عن التي تستخدم في الإسعافات الأولية في وقتنا الحاضر، حتى أن البعض منها يتم تحضيرها يدوياً في تلك اللحظة بالهرك والطحن وتصرف في قصاصات ورق من كراسات الدفاتر القديمة، و من الطرائف التي أتذكرها: عندما يأتي فصل الشتاء و يصبح الجو بارداً وجافاً يبدأ الغبار في التطاير (السبخة) من جراء المشي في الطرق الترابية و يلتصق على الساقين والقدمين وقد يصل الغبار إلى الركبة، ويسبب هذا الغبار العالق جفافاً في القدمين والساقين يتقشر الجلد و يؤدي إلى تشقق الجلد، وعندما نذهب لهذه العيادة لتلقي العلاج يصرف لنا في قصاصات الورق grease (زيت تشحيم السيارات)، حيث لا يتوفر في العيادة المرهم أو الفازلين (Vaseline skin jelly الذي يتوفر الآن في أبسط "المحلات التجارية"، بالرغم أن هذا الجلي كان متوفراً في سوق مطرح ومن الأدوية البدائية كالأسبرين والأسبرو ودواء الكحة والأدوية التي تتوفر للأمراض الشتوية، وربما سبب التقصير وعدم توفر الأدوية المناسبة يعود إلى ما يسرق من مال عند شراء الأدوية، حيث في السابق ما كانت توجد رقابة، وكان البقاء للأقوى وصاحب النفوذ، ويعتبر المواطن في ذلك الزمن جاهلاً و عبيطاً في نظر الأجانب.
وبيوت إبراء ليست كلها من طين، بل هي خليط من هذا وذاك حسب المستوى المعيشي للأسرة، فمثلاً تجد أقواس وأعمدة الدهريز من الجص وباقي المبنى من طين، أو تجد الدهريز كله من الجص، هذا حسب يسر العائلة، وهناك بيوت من الجص للهناقرة (مفردها هنقري، يقصد بها الأغنياء) تتكون من طابقين، بنيت هذه البيوت ربما بعد انفتاح زنجبار وهجرة تجار عمان إليها. إلا أن هوللأسف انهارت هذه البيوت كلها ولم تبق إلا أطلالاً بها غائط وبراز العمالة الأسيوية عندما لا يجدون مكاناً يقضون فيه حاجتهم.
- عبد الله السناوي - شارك
-