1. الحياة في إبرا - ذكريات (٧د)

      الحياة في الماضي

      نظام الأكل عندنا في القرية مرتبط بمواقيت الصلاة، فمثلاً بعد صلاة الفجر، يكون قد حان موعد الإفطار، وعند مطلع الشمس يذهب الناس إلى أعمالهم، وقبل صلاة الظهر عندما تكون الشمس في كبد السماء يحين وقت الغداء، وبعد صلاة الظهر الجلوس في السبلة، وبعد صلاة العصر نهبط إلى السوق لنشتري احتياجاتنا اليومية، وبعد الرجوع من السوق يكون موعد اللعب (الرياضة)، وبعد صلاة المغرب يحين موعد العشاء (بفتح العين)، وبعد صلاة العشاء نذهب للرمسة في الوادي، أوفي الشرجة، وبعد صلاة العتيم (العشاء) نخلد للنوم.

       

      هكذا كان الروتين اليومي، أذكر كان غداؤنا قبل صلاة الظهر، ثم نصلي الظهر بعد قيلولة صغيرة نأخذها في دهريز البيت، وبعد خروجنا من تأدية صلاة الظهر في المسجد نتسابق نحن الشباب لإحضار البن والتمر من بيوتنا، ونتنافس في إعداد القهوة على موقد في السبلة من أجل أن ننال الشكر والثناء من الكبار، وكنا نعد القهوة بنار الحطب، نحمص البن وندقه ثم نطبخه على قدر من الفخار (الدلة).

       

      حضور سبلة الظهر للشباب إجباري، نتعلم من الكبار كل ما هو مفيد لمستقبل حياتنا، ونادراً ما ترى أحداً فارغ اليدين، الكل مشغول في مشغولاته السعفية وصنع الحبال وصنع ما يمكن بيعه لكسب قوت يومه.

       

      ويتم من خلال جلسة السبلة تداول مستجدات الأحداث في الساحة العالمية، وما يهم من أخبار تكون قد وردت في الإذاعة، وكان لا يوجد من سكان القرية من يملك جهاز راديو إلا القليل جداً منهم، ربما آلت إليه من خلال سفره إلى بعض دول الخليج أو أفريقيا. وعندما يعود أحد المغتربين من السفر فإنه يقيم جلسة في السبلة لمدة يومين كجلسة العزاء، لكنها جلسة فرح، يتحدث عن أحوال ووضع العمانيين في البلد التي قدم منها، ويعرف هذا العائد "بالسفري" ويقدم للمهنئين الحلوى بدلاً من التمر، و يأتي إليه الناس من أطراف القرية ليهنئوه بنعمة العودة (بمناسبة وصوله)، لعلهم يسمعون أخباراً طيبة منه عن ذويهم أو يجدون لهم رسائل منهم.

                    

      نظام الاتصال في السابق حتى عام السبعين كان ضعيفاً جداً ويتم عبر الرسائل الشفوية وتسمى (وصاه) أو المكتوبة وتعرف بـ (البروة) وهي كلمة من أصل برتغالي فيما أظن وتعني الرسالة.

      تنقل الرسائل بواسطة أفراد، وإذا كانت لخارج عمان تعطى للشخص الذاهب إلى مسقط ليرسلها عبر البريد، وحتى آخر الستينات كان في عمان مكتب بريد واحد، في مسقط، مخصصة صناديقه لكبار التجار. ويتم توزيع الرسائل الواردة للأفراد من خارج عمان بواسطة هؤلاء التجار ثم يسلمونها لصغار التجار الذين يأتون إليهم من المناطق.

       

      كان السفر من إبراء إلى مسقط يأخذ يوماً كاملاً بسبب وعورة الطريق في وادي العق والذي لا تقطعه إلا الشاحنات الكبيرة التي تأتي بالبضائع، وتستخدم هذه الشاحنات لغرضين هما نقل البضائع ونقل الركاب في آن واحد، ويجب أن يكون السائق ماهراً في قيادتها، ولديه خبرة ميكانيكية جيدة في نفس الوقت يعاونه معاون أو معاونين، يعرف بـ "البشكار" لشحن وتفريغ البضائع وإعداد وجبة الغداء للركاب عند التوقف لصلاة الظهر، وكلمة "بشكار"، قد تكون عجمية، لست متأكدا عن مصدرها.

       

      هناك نوعان من هذه الشاحنات تستخدم بشكل واسع في طرق عمان لا أعرف سر استخدامها ربما لشركات بريطانية من مخلفات الحرب العالمية استوردت من مستعمراتها في الشرق الأوسط، هي الـ Bedford و Ford Canada وتشترى هذه السيارات برخصة من مكتب السلطان السيد سعيد بن تيمور. وكانت هذه الشاحنات تمر عبر إبراء مرة واحدة في الأسبوع قادمة من مسقط متجهة إلى القابل و بدية وعند الرجوع بالعكس.

       

      هكذا كانت الحياة في السابق، بدائية حتى أواخر الستينات (النوم على الحصير وعلى الأرض في غرف من الطين مظلمة قليلة التهوية بعضها لا تزيد مساحتها ربما عن 3×4 متر ليس بها شباك تهوية ولا إضاءة إلا من المرق (تلفظ بسكون الراء، ومفردها مراق) وهي فتحات صغيرة تحت السقف مباشرة، ويختلف التصميم من منطقة إلى منطقة في عمان، حسب ظروف المناخ في كل منطقة.

       

      الإضاءة في الليل من قناديل الكيروسين، وفي ليالي الصيف يكون النوم في فناء البيت (الحوش) على مفرشة من سعف النخيل (الدعن), و يمشي البعض منا حافي القدمين وإذا توفرت له النعال فإنها من المطاط (زنوبة) تلك التي تستخدم في وقتنا الحاضر عند دخولدورات المياه في المساجد، لا تحمي من شوك ولا من حجر، والأكل جماعي في صحن واحد من المعدن وفي جوانبه قد يبدوعليهاالصدأفي بعض الأحيان، مملوءبالأرز مع المرق، أو أرز مع اللبن (الجمبة)، أو أرز مع سمك مجفف (العوال) لا توجد له مدة صلاحية. ولكن كان الناس عندهمالقناعة، وأملها في رحمة الله كبيرة. قال تعالى في سورة هود الآية 6:(وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين).

      1. عبد الله السناوي - شارك