1. التعليم والظروف المعيشة - ذكريات (٢د) - ٠٠٢ د 

      منهج التعليم
      درست نفس منهج التعليم الذي كان في جيل والدي، يبدأ تعليمنا في سن مبكرة قبل سن السابعة سن تعليم الصلاة، ربما كان قبل ذلك بعام أو بعامين. نبدأ بحفظ بعض الآيات وقصار السور البسيطة التي يمكن حفظها دون أن ندرك معانيها. هكذا بالتدرج حتى أن نحفظ أكبر عدد من السور، والمعيار يعود على المعلم. فكلما كان المعلم جيد المزاج حفظنا أكثر، وإذا تعكر مزاجه نكون أبطأ في الحفظ، ويأمرنا المعلم بأن نقرأ بصوت عالٍ حتى يساعدنا في الحفظ، ربما من كان لديه الشقيقة من أهلنا في ذلك الوقت (الصداع النصفي) بلا شك فإنه لن يقترب من جدار المدرسة من كثرة الصراخ
      منهج دراستنا يبدأ من مدرسة القرآن وبعد أن نختم القرآن يلتحق البعض منا بالجامع لدراسة النحو وعلوم الدين، ومن لا تسمح له ظروفه المعيشية لمتابعة التعلم كأن يكون من أسرة فقيرة فإنه يتفرغ لمعاونة أبيه في المزرعة، والمزرعة تعتبر مصدر الغذاء الوحيد لإطعام سكان القرية، وكانت الزراعة نوعين، زراعة الضواحي: تفسل أي تغرز فيها أشجار النخيل والليمون والمانجو والسفرجل والفافاي والزيتون (الجوافة) والموز. والنوع الثاني العوابي: تزرع فيها محاصيل الحبوب، والخضار، وعلف الحيوانات القت (البرسيم)، وطبعاً كانت وسائل نقل المنتجات الزراعية إلى الأسواق في السابق تتم بواسطة الحمير والبغال. فالبغال والحمير تستخدم للمسافات القصيرة وفي الأراضي الجبلية، بينما الجمال للصحراء والمسافات المتوسطة والطويلة لقدرة تحملها العطش والجوع.# لم أشاهد في عمان الخيل تحمل الأثقال أو الأغراض وتستخدم كاستخدام الحمير والجمال، فكانت الخيل معززة ومكرمة تطعم بطعام الإنسان بالسح والسمن، وربما العسل، ولا يقتنيها إلا الوجهاء، وحتى لو اقتناها شخص ما فإن رعايتها مكلفة، كمن لديه "روز رايز أو لمبرجينا أو فراري" من السيارات الفاخرة، وكنا لا نرى الخيل إلا نادراً، أو عندما تقام السباقات أيام الأعياد والمناسبات الخاصة، كحفل الختان والزفاف عند بعض القبائل وإذا صادف أن رأينا خيلاً مربوطة فإننا نتسابق بنتف خصلة من شعر ذيلها كتذكار غير مبالين ما نناله منها من ركل أو الرفس
      الظروف المعيشية
      وفي أواسط الستينات على وجه التقريب عندما التحق والدي بالجيش وانتقلت للإقامة في معسكر بيت الفلج، كنت أحرص دائما للذهاب كل أسبوع مع العسكر أصدقاء والدي لمشاهدة أفلام رعاة البقر في السينما المكشوفة وذلك كي أرى كيف تجر الخيول العربات واستخدام بنادق المسدس (الطبنجة البسطولة أو الفرد كما نسميه في عمان) للقتال. وفي مصر لم أكن أفرق بين البغلة والفرس، ولكنني كنت استمتع بركوب عربات "الكارو" في عطلة الأسبوع. النخلة صديقة العماني، إذا كان الجمل سفينة الصحراء فالنخلة مطعم الفقراء، تعطينا كل شيء ما لديها من ثمار، وخشب، لبناء مساكننا، وصنع فراشنا، وأواني لطهي طعامنا، وأدوات أعمالنا أقلها ليفها الذي نستخدمه في فرك أواني الطعام عند غسلها. ولا عجب أن أتخذ الإنسان العربي الجمل والنخلة شعاراً له؛ إنه الوفاء بما وهبه الله تعالى له، فنجد سبحانه و تعالى خص النخلة في كتابه الكريم كما ورد في سورة مريم وخص الفلك لينجي بها خلقه كما ورد عن سفينة سيدنا نوح في سورة هود
      وكان أول ما يتعلمه الفرد منا هو كيف يسعف من سعف النخيل خاصة عندما نلتقي في السبلة بعد صلاة الظهر، نتعلم كيف نصنع سلال من سعف النخيل (القفير، المبدع، المخرفة، خسفة جراب السح، السمة، وأقلها تغليفه حلوى)، ومن لا يتقن صنعة واحدة على الأقل فإنه يعاب ويقال عنه بأنه عاطل، مهما كان مركزه الاجتماعي، حيث كان معظم علماء الدين في عمان أصحاب مهن أو عمال (بيادير) يحرثون الأرض ويزرعون الزرع في أموالهم، بلهجتنا يعني (ما غريب تشوفه ينخبر، يرضم، يقرز، ويهيس ويسقي في ماله).في السابق لا يوجد ترفع عن أدنى الأعمال، ودائماً ما ترى صاحب العلم هادئ الطبع، ومتواضع لأنه واثق من نفسه. هناك أعمال أخرى غير الزراعة يعمل فيها العماني في القرى، فالبدو مثلاً يربون الأغنام ويبيعون الحطب والفحم (الصخام) وينقلون الأسماك على ظهور الجمال من مناطق الساحل إلى مناطق الحضر، ويعملون في غزل الصوف والمشغولات اليدوية الأخرى المتعلقة بالزينة والملابس، وأيضا كانوا يربون نحل العسل ويبيعوننا السماد من مخلفات الأغنام للمزارعين وغيرها من الأعمال الصحراوية وبالمقابل يبتاعون منا التمر ومخلفاته وعلف الحيوانات وسعف النخيل
      ومن الأعمال التي تمارس عندنا النسيج وصياغة الفضيات. أذكر كان عندنا في الحارة شخصان مشهوران في صياغة الفضة والذهب، وأيضاً محل "كارية" آلة نسيج، تنسج بها الوزرة (الإزرة) و الشواذر (غطاء الحريم)..الإنسان العماني متدين بالفطرة، لذا نراه حريصاً على تعليم أبنائه الدين الإسلامي، لأنه يعلم أن الإسلام دين الرحمة ودين الخلق، (إنما الأمم الأخلاق...) كما قال الشاعر، فالأخلاق الحسنة تخلق مجتمعات حسنة. على هذا الأساس كانت تربيتنا في القرية، لأن الظروف كانت صعبة تتطلب منا التكاتف والتكافل والعيش في وئام ونبذ الخصام، الجار مسئول عن جاره، وكل رجل يكبرنا سناً فهو أبونا، وكل امرأة تكبرنا سناً فهي أمنا نخدمها بأعيننا أكثر من أبنائها. المعيشة صعبة، نعيش في بيوت من طين مكونة من صفة ودهريز(دهليز) أرضيتها التراب، وفي ليالي الصيف ننام في الحوش (فناء البيت) على (دعون) صنعناها بأيدينا من سعف النخيل، نغتسل من الفلج نأكل وننام على الأرض مفترشين الحصر من صنع أيدينا. نطبخ طعامنا المتواضع في قدور من الفخار قبل أن تأتينا ألأواني المعدنية من إيران والهند، نتنقل على البغال ومن يملك حماراً كأنه يملك "تويوتا هيلكس" معظمنا يمشي حافي القدمين، لا نعرف الفازلين... ولا غيره، تتشقق أقدامنا من جراء المشي حفاة في التراب في أزقة الحارة، إذ كنا نمشي كما نشاء، بينما أخوانا في أفريقيا ينعمون بالحياة الحديثة في ذلك الوقت من كهرباء وسيارات، يجلسون على الكراسي، وينامون على أسرة ناعمة، ونحن تحت حكم أسرة واحدة، تعشر منتجاتنا الزراعية عندما تدخل مسقط، ندفع أضعاف الضرائب في جمرك حلة السد بروي،،،تفرقنا لماذا؟ كل هذا بسبب خلاف فكري وصراع على خلافة الأرض بين متشدد، وميسر، و معاند ومسهل في البلاد “نزاع لا لنا ناقة فيه ولا جمل “غير مدركين بأن خلافة الأرض لله "وكل من عليها فان" ما ذا نفعل سوى أن نركب الأهوال و نشق عباب البحار لعل الله يجعل لنا مخرجاً. إذاً لا ريب، إن قسا علينا أهلنا في تربيتنا، لا شك لتلك القسوة مبرراتها، وكما يقال فإن: “الشدائد تصنع الرجال".#

      1. عبد الله السناوي - شارك