1. ولاية إبراء وطفولتنا في السابق - ذكريات (١د)

      المقدمة
      عندما يكبر الإنسان وتتعطل عجلاته، و يخرب محركه، و تتقاصر سائر أعضائه عن أداء عملها، ماذا عساه أن يفعل عدا أنه يفسح طريق الحياة لغيره، "خير خلف لخير سلف"، و يبدأ بحزم أمتعته بأعمال الخير، في انتظار موعد الرحيل، لعل سبحانه تعالى أن يكفر عنه سيئاته، و يزيد في ميزان حسناته، ويترك الذكرى الطيبة لمن يأتي من بعده حتى يكمل دورة الحياة
      الله سبحانه تعالى يقول في محكم كتابه: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٧٠)
      عندما يرى الإنسان أن الكل انفض من حوله وبقي وحيداً لأنه أصبح عبئاً على غيره، أو أنه لا يتماشى مع حداثة العصر (موديل قديم) فذلك إنه لم يبق له سوى التأمل فيمن كان قبله، ومن بقي معه ومن سيأتي من بعده، ثم تبدأ بكرة شريط ذكرياته تدور، تعرض له مشاهد من حياته خاصة عندما يكون في خلوة في منتزه أو على الشاطئ مستمتعا بالبحر وبسيمفونية أصواته وتلاطم أمواجه
      حدود الولاية
      ست متأكداً من حدود ولاية إبراء، من أين تبدأ، ولكن إلى وقت قريب كانت هناك لافتة في بداية مدخلها تحمل اسم الولاية وشعارها، وفي السابق كنا نعتبر الولاية تبدأ بعد برج وريد. على كل حال هذا من اختصاص أصحاب الشأن
      في طفولتي كنت أعرف إبراء، هي عبارة عن جزأين علاية وسفالة، أي جزء علوي وجزء سفلي من مناطق الولاية، وعندما اسأل عن إقامتي أجيب بأني من سفالة إبراء. وحكي لنا من قبل بعض كبار السن بأن إبراء في الأصل، هي الجزء الذي يفصل المنطقتين ربما قبل حلة النجادي الحالية. لست متأكداً من صحة هذا الكلام، أما المناطق التي بعد العلاية نعرفها كما هي: الحزم والنصيب، واليحمدي، وقد توسعت هذه القرى الآن وخاصة الأخيرة
      المناطق
      سفالة إبراء بها أيضا عدة حلل، منها على سبيل المثال لا للحصر:(القناطر والبارزة والمنزفة والخويلية والسباخ والمعترض وحلة سيح العافية) وسيح العافية هي الحلة التي أنتمي إليها، كانت تنطق في السابق بحارة "ساح العافية" باستبدال الياء بألف. وعندما نسأل في إبراء عن قدومنا نجيب من حارة الساح للاختصا
      في تلك الحلل التي ذكرتها تسكن قبائل صغيرة متعددة معظمهم أقارب وهي إحدى أفخاذ الحرث. على سبيل المثال السناويون يقطنون سيح العافية، العاسرة، والمطاوقة في السباخ وحلة الجبل والغيوث في المعترض والمعامرة في المنزفة وهكذا...كان في السابق من السهل التعرف على هوية الشخص وذلك من خلال فخيذته وقبيلته، وفي وقتنا الحاضر حلت البطاقة المدنية محل هذا النظام، وبدأت تختفي الانعزالية في هذه المناطق بالتدريج بسبب المخططات الحديثة للأراضي السكنية، وانتقال الناس إلى مناطق أخرى تتوفر فيها الخدمات العامة، وأيضاً حسب ظروف العمل
      في القرية التي عشت فيها طفولتي تصحبني الذكريات إلى مدرسة القرآن وسط القرية التي درست فيها ودرس فيها أهلي، و مازلت أذكر شكل المدرسة المبنية من الطين، وأتذكر أول معلمة بدأنا معها التعليم قبل أن يأتينا معلم ليكمل تعليمنا ويحتفل بتخرجنا معه بالتيمينة (التمامة بإتمام المصحف) حيث يقرأ المعلم الدعاء ونحن خلفه في طابور ندور أزقة الحارة نردد آمين. ولست متأكداً عن اشتقاق كلمة (تيمينة) لربما من (تيامن) بتسكين النون
      كانت تجمعنا براءة الطفولة مع أخواتنا البنات تحت سقف واحد من جذوع وسعف النخيل في صفين منفردين، وكنت أرى وأنا منكباً على المصحف مختلساً النظر قسوة المعلم حينما يخطأ أحدنا في القراءة حتى لو كان بسبب عيب خلقي كالتأتأة مثلاً، لكن كان لا شيء يمنعه من أن يكيل لنا اللكمات والضرب والرفس. لا شك كان لكل منا تحفظه على هذا التصرف، ولكل منا تأملاته و أحلامه الخاصة، لمستقبله، لا توجد منظمة حقوق الإنسان تحمينا، ولا حقوق الطفل التي نعرفها الآن. كان أهلنا عندما يذهبون بنا إلى المدرسة وأول ما يقولونه للمعلم: (هذا ابني لتربيه وإذا اخطأ اقلع منه عينا وابق له عيناً ليرى بها الطريق). إطاعة المعلم في السابق كانت مقدسة وشخصيته مهابة، فلذلك حتى لو أخذ راحته في الضرب والصفع والرفسفلا أحد يسأله ويبقى هو وضميره. لم يكن أسلوب التعليم المتبع في السابق بالترغيب،بل هو كان أكثر بالترهيب، لا يوجد أسلوب ناعم كالذي نراه الآن بالرسوم والألوان والموسيقى والمرح (أرنب و بطة و وزة)... والتلميذ الذي يتأخر عن المدرسة أو يتمارض كرد فعل مما يشاهده يرسل له "كوماندوس" فريق من التلامذة يجرونه بالأهازيج من بيته، إلى المدرسة يعاقب حتى لا يكرر ما فعله، وكان كثير من إخواننا يصابون بعادة التبول من جراء الخوف. طبعا أنا أحكي عن البيئة التي عايشتها، لا أدري عن المناطق الأخرى لربما كانت أفضل.#

      1. عبد الله السناوي - شارك