-
-
مفهوم الحرية الشخصية - ٠٧٣
أنا لا اؤمن بأن هناك حرية شخصية، أي ان يعمل الشخص ما بباله دون مراعاة للآخرين، ولا أريد أن ادخل في فلسفة تعريف الحرية الشخصية، سوى كان ذلك من مفهوم الفلسفة، او من المفهوم الديني، والسبب بكل بساطة لست مؤهلا لذلك فأنا مهندسا درست الهندسة وامتهنتها وعملت بها و أديت واجب عملي بكل تفاني واخلاص بصرف النظر إلى الظروف التي مررت بها، إلى ان تقاعدت من عملي واصبحت الآن متفرغا لحياتي الشخصية
أنا مدون لدي طاقة ابداعية، وافكار وتجارب مررت بها خلال مسيرة حياتي، عشت وترعرعت في قريتي الصغيرة البسيطة، ومن ثم تغربت في سن مبكر في بداية الستينات إلى خارج بلادي بعد أنهيت دراسة القرآن، سافرت بغرض التعليم و جبت مناطق وبلدان عديدة، وخالطت مختلف الاجناس، خالطهم في معيشتهم و رأيت أطباعهم و سلوكهم، طريقة تفكيرهم، وعندما عدت الى بلدي في نهاية الستينات أو بداية السبعينات تقريبا،... في تلك الظروف المعيشية الصعبة التي وجدتها تأقلمت معها وعشت بها إلى أن فرجهت وتغلبت على تلك الظروف المعيشية الصعبة، التي عانيتها أنا و أهلي وعملت بكل وسعي أن أعين والدي و أساعده في تحمل مسؤولية الاسرة شأني شأن أي شاب عماني أحسنا والديه في تربيته، إلى أن وصلنا الى بر الأمان، و تلك الظروف والتجارب التي مررت بها صقلتني وجعلتني اكبر من سني، وبالتالي اثرت في شخصيتي فوجدت نفسي غير قادر أن اختلط مع من في سني من أقاربي الذين لهم توجهات وافكار طفولية، أراها، او رأيتها شاذة بالنسبة لي في ذلك الوقت، ولكنني تعايشت و تماشيت معها، إلى أن أجد مخرجا، وفعلاً المنحة الدراسية التي حصلت عليها في عام ١٩٧٣ إلى مصر ، ومن بعدها إلى بريطانيا غيرت مجرى حياتي وجعلتني شخص آخر
هناك ابيات من الشعر لأحد أشهر علماء العرب، في فوائد السفر يرددها معظم الناس في عمان عند ذكر موضوع السفر تقول الابيات : تغرب عن الأوطان في طلب العلى، وسافر ففي الأسفار خمس فوائد، تفريج هم، واكتساب معيـــشة، وعلـــم وآداب وصحـــــبة ماجد
التعليم في المدارس التقليدية لا يكفي، إن لم يصاحبه التدريب السلوكي في مدرسة الحياة، حيث يتعلم فيها الانسان من خلالها معاملة الناس، ويطلع على تجارب كبار السن من خلال الجلوس معهم، والاستماع إلى أحاديثهم، إذ هم المدرسة، فقد مروا في نفس مراحل الطفولة التي مررنا بها، خاصة عند مرافقتهم في سفر، أو الزيارات التي يقومون بها لمعارفهم و اصدقاءهم، حيث يتعلم الانسان كيفية مخاطبة الناس والتعامل معهم و "بروتوكولات" الترحيب والتقريب، والمجاملات في الأفراح الاتراح، (أي بما يعرف الآن بالعلاقات العامة)، و تعلم طريقة المجاملة في الحديث، لتجنب الاحراجات التي قد تسبب سوء الفهم ويتعلم أيضاً أساليب الضيافة والانضباط في المجالس، مهندم في لبسه، بحيث يظهر بصورة حسنة يشرف بها أهله وقبيلته والبلد الذي ينتمي إليه، هذا هو اسلوب التربية عايشناه في الماضي، بخلاف الأسلوب الحالي يكاد الإبن أو الابنة لا ير أباهم طوال اليوم، كل واحد منعزل بهاتفه في غرفته، وإذا خرجا خارج البيت يخرجان بملابس البيت، وليس هناك التزام بتناول الطعام في البيت، يتناولان الوجبات السريعة، و يرتادون، المقاهي يجوبون الشوارع، ويقضون معظم وقت فراغهم في أمور لا يستفيدون منها لا ثقافيا ولا اجتماعيا، عدا أنها اهدار للمال، والأغرب من هذا لا يعرفان الأرحام، و الأقارب كل حياتهم افتراضية مبنية على ما يأتي به الانترنت، لا يمكن أن تكون هناك حرية شخصية بالشكل ذا، و بهذا السلوك، طالما الموضوع يتعلق بالتربية
الحياة ليست ارتداء القبعة، والبنطلون القصير، والقميص، والتجول بالنعال في المراكز التجارية والمقاهي طوال الوقت مع الأصدقاء، أو القيام برحلات شبابية في البراري، ولكن هناك مسؤوليات اجتماعية يتوجب تلبيتها تجاه الوالدين، والأقارب، أو ربما المجتمع برمته، هناك اخلاقيات وجب الالتزام بها، فالمسألة ليست حرية؛ أن يفعل المرء ما يشاء، لا يبالي بالآخرين، لأن الحياة تعاون، و تكافل مهما اختلفت أجناس الناس، وقبل هذا هناك أب و أم وجب على المرء التكفل برعايتهما، فنحن لسنا بمجتمع حيواني،. فقط نشبع رغبات أنفسنا، وعندما يكبر الآب أو الأم وتنحدر صحتهما تتطلب الظروف من يعينهما، والأبناء هم الأولى ليأخذوهما لزيارة أقاربهم، أو إلى المستشفى كلما تطلب ذلك، أو الحاجة للوجود بجانبهم كلما دعت الضرورة والإنسان موصى بوالديه، هذا أقل ما يمكن رد ما أنفقوه علينا في التعليم والتربية
قد يتغاضى الآب عن هذا السلوك طالما هو بصحة جيدة ويقضي احتياجاته بنفسه، او ربما ينشغل في تجارته ولا يوجد لديه الوقت الكافي لمتابعة كل شاردة و واردة في بيته، إذ يعتمد في إدارة البيت على الأم لأن المرأة أولى ببيتها واولادها،... باعتبار الأم هي البيت، ولكن إذا كانت توجهات الأم مغاير؛ متمشيا مع اسلوب نشأتها من الأساس؛... غير مبني على الاستقرار المنزلي؛ فإن هذا لن يصل إلى بنتيجة بشيء، وعندما يكبر الآب ويصبح بحاجة من يرعاه ويخرجه ليقضي أموره سوف لن يجد أحدا، لأن الأبناء قد تعودوا الابتعاد والانشغال عن مساعدته، فهنا يبدأ الآب بالتعب والعناء في معيشته خاصة، إن أدت به الظروف إلى الانفصال عن زوجته، ويبقى وحيدا يعتمد على مساعدة الناس له، لأن الأبناء تعودوا الابتعاد عن أهلهم من الأساس، وعدم الارتباط بهم، خاصة عندما يكون لديهم استقلال مادي واجتماعي.
كثيرا عندما اختلط مع مجموعة من الناس، او الاصدقاء، اسمع من هناك من يردد عبارة أنا حر، و في الحقيقة ليس كل انسان حر بنفسه، وليست هناك حرية مطلقة، على الأقل بالمفهوم الشخصي؛ وليس بمفهوم الفلسفي او بالمفهوم الديني الذي انا لست مؤهل في الكلام عنه، ولكن من خلال تجاربي الشخصية واحتكاك بمختلف الناس في معيشتي وفهمي من الناحية الدينية البسيطة، والاجتماعية بأن الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذا الكون لنتعاون وأن لا نكون فقط نشبع رغباتنا، و أنانيين لأنفسنا، وذلك حتى نعيش في كوكب واحد يسوده السلام، وكثيرا ما ينشأ الخلاف بين الناس سببه الأنانية واشباع رغبات الذات، فالإنسان في نظري ليس لديه الحرية المطلقة أن ينفرد بنفسه فمثلا؛ " اذا كنت لا تمارس الرياضة، وزاد وزنك سوف يجلب لك الامراض المزمنة، كمرض السكري وضغط الدم مثلا، وعندما تصاب بهذه الامراض سوف تستهلك الأدوية التي خصصتها الدولة للعلاج الطارئ، ستزيد بهذا العبء على الأطباء في علاجك؛ فانت جئت بعبء غير متوقع على موازنة الدولة، وبهذا انت لست حرا بنفسك، ان تعمل الرياضة أو لا تعمل، أو أن تنام كما تشاء أو تأكل ما تشاء مما يضر بصحتك لأن حتى هذا دينيا ليس موصى به
مثال؛ سلوكي آخر، فمن يشتري السجاير بماله ويدخنها أمام غير المدخنين ويتأذون من دخانها (بما يعرف بالتدخين السلبي)، فهذا أيضا ليس حرا، لأنه أذى غيره، وضر بصحته، وقد يستوجب علاجه من الموازنة العامة، او من يرمي علب المرطبات بعد تناولها في الطريق دون ان يكلف نفسه بوضعها في حاوية القمامة، فهذا أيضاً ليس حرا، لأن مثل هذا التصرف سوف يكلف الدولة مبلغا من المال في توظيف عدد أكبر من عمال النظافة ليقومون بالتنظيف الزائد، وبالتالي سيزيد العبء على موازنة البلدية المختصة و منها الدولة، حتى إذا لم تكمل تعليمك لتنال شهادة مهنية فأنت أيضاً لست حرا، إذ ستصبح عبئا على موازنة الدولة للانفاق عليك من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، وتنطبق مثل هذه الأمثلة أيضاً على المستهترين و على الذين يقومون بالسياقة المستهترة في الشوارع، او يرفعون من اصوات الموسيقى الصاخبة وما يحدث من ضوضاء من جراء تصرفاتهم، هذه جميعها سلوك خاطئة تنشأ من سوء التربية، بسبب انشغال الوالدين عن أبناءهم وعدم إعطاء الأبناء أولوية الاهتمام بهم، تاركين الأمر على الخادمة، والتي لا تستطيع السيطرة على الابناء، الخادمة لا تربي جيل يعتمد عليه في بناء الاوطان، كما قال الشاعر المصري الشهير الملقب بأمير الشعراء؛ "الأم مدرسة إذا أعدتها، أعددت شعبا طيب الاعراق
في الحقيقة، إن أول من يلام في تربية الابناء هو الآب، لأنه أساء في اختيار الزوجة الصالحة لينجب منها ذريته، وتحسن تربيتهم، فالزوجة على كل حال ليست مكلفة أن تعمل من أجل توفير رغد العيش لأبنائها، طالما الزوج على قيد الحياة، على سبيل المثال في الدين الاسلامي "يقول تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء" أي: الرجل قَيّم على المرأة وهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت، إن القوامة، للرجل وليست للمرأة، وبهذا هو المسؤول عن جلب وتوفير المعيشة المرضية لأبنائه من مأكل ومشرب، وملبس ومسكن وتعليم، ليس الزوجة، الاستثمار في الموارد البشرية لا يقل أهمية، عن الاستثمار في الموارد الطبيعية، بل الموارد الطبيعية لا يمكن الاستثمار فيها دون توفر العنصر البشري، هناك بلدان قامت على الاستثمار في الموارد البشرية دون توفر لديها موارد طبيعية، وذلك بتوفير التعليم والتدريب والتأهيل المناسب، حتى أنها اصبحت من اقوى الدول المصنعة، التي يحسب لها الف حساب في اقتصاد العالم، على سبيل المثال اليابان التي ضربت بالقنبلة الذرية، أبيد الألاف من شعبها مع هذا نهضت معتمدة على مواردها البشرية، إلى أن نالت احترام اعدائها بل استورد منها التكنولوجيا التي ضربت بها
إن مفهوم كل امرأة متعلمة أن تعمل السائد في الخليج بشكل عام، وفي عمان بشكل خاص؛ يجب إعادة النظر فيه, حيث أن هذا لن يترك أي امرأة أن تدير بيتها وترعى اطفالها بنفسها ؛ دون الاعتماد على العاملة الأجنبية، وسيستمر الاعتماد على الخادمة هكذا إلى ما لا نهاية، و سينعكس هذا كما قلت بشكل كبير على سلوك الأطفال وسيصبحون أطفال عمانيون لكنهم أجانب في بلادهم، سيتأثر سلوكهم، ولغتهم، رأينا أطفال رضع كثر يشتاقون مربياتهم عندما تغادر المربية إلى بلادها ، يضربون عن الطعام و تنحف أجسادهم، خاصة الأطفال الذين اعتادوا أن يناموا في حضن المربية عند وقت نومهم، خلاف ذلك تنعدم مسؤولية المرأة في بيتها، إذا كانت العاملة تقوم بكل الأعمال، ستفقد الزوجة أهميتها، وتصبح الزوجة مجرد مقيما، أو زميل سكن
انا لا أود أن أعمم بمقالي هذا، ولكن هناك فعلا قضايا اطلعت عليها من خلال الاحتكاك بالأقارب والاصدقاء، فنرى بأن المرأة تود اثبات وجودها وشخصيتها؛ على أنها لا تقل عن الزوج وظيفة، ولا تعليما، وتعامل الزوج كأنه زميل عمل، لا كونه زوج، عليها أن تنصاع لطاعته،... باعتباره ولي أمرها، وآب ابناءها، والدين قد أو صى بان له القوامة، وبسبب الحرية المفرطة التي اقتنعت بها المرأة، تشجعها بعض الوسائل الاعلامية، (عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل في الواجبات والحقوق)، وخلاف ذلك، يجعلها أن تتمادى في تصرفاتها لكي تفرض شخصيتها على زوجها وينتج من هذا نفور، و قضايا تؤدي الى المحاكم وقد اطلعت من خلال الاذاعات التي تبث برامجها على اليوتيوب؛ بأن حكى محامون عن بعض القصص بأن زوجة رفعت قضية تطالب الطلاق او الخلع لأن زوجها لا يسمح لها التأخر عن البيت، واخرى رفعت قضية على الزوج بأنه لا يسمح لها بمشاهدة الافلام المحببة لها، أيعقل مثل هذه القضايا الطفولية تسبب الطلاق؟ هناك احصائيات تشير بأن معظم الطلاق يحدث في السنة الاولى من الزواج، نتيجة عدم النضوج في الفكر، والغيرة، وانشغال كل منهما عن الآخر
نرى ظاهرة جلب الايدي العاملة الاجنبية للعمل في المنازل كخدم او مربيات او سواق عائلة فقط يحدث في دول الخليج، ويتباين عدد هؤلاء الأجانب بين هذه الدول، ولكن معظم هذه الدول تتقارب في عدد المربيات أو خادمات المنازل، بحيث أصبح لا يستغني أي بيت خليجي عن خادمة أسيوية، حتى لو كانت الزوجة أو ربة بيت لا تعمل، وهذا ما نراه خلاف ذلك في الدول الغربية، التي لا نتحدث عنها إلا ماء تصدره لنا من عادات رديئة، ولا نذكر لها العادات الجيدة، فهم احسن منا تخطيطا لبلدانهم في البشر وفي العمران وفي التعليم وخلاف ذلك من تجميل لبلادهم، وأيضاً من ناحية الحقوق والحريات، لديهم قوانين تضمن لكل ذي حق حقه ومعظم نساؤهم يتفرغن لتربية ابنائهم، خاصة عندما تنجب فتجد الواحدة تستقيل من عملها مؤقتا أو تأخذ. إجازة بدون راتب لىتربي ابنائها، ويبقى العمل لها محفوظا إلى أن يصل الابن سن المدرسة، المرأة الأوروبية لا ترضى زوجها أن يأكل خارج البيت إلا إذا كان معزوما، تفضل أن تطبخ له، خاصة في المساء، وقد رأيت هذا عندما سكنت مع عائلة أثناء إقامتي في بريطانيا أثناء دراستي، حتى هنا في عمان مع زميلي في العمل العماني المتزوج بريطانية لا تتركه يأكل خارج البيت، إلا إذا كانت هناك ضيافة، الشيء الآخر حياتهم منظمة و مبرمجة، بما يعرف "إدارة الوقت" إذ كنت أخرج مع العائلة مرة واحدة في نهاية الأسبوع لشراء احتياجات البيت، كل شيء عندهم مخطط له، حتى إني أذكر لا يسمح لي التأخر عن المجيء إلى البيت إلا وجت البيت مغلقا، ولا التأخر عن وجبة العشاء أو الفطور وإلا خسرتها، وأيضا في حالة استضافة لأحد زملائي يجب أن استأذن،
ختى اسلوب التخاطب مع الجيران هناك قواعد وبروتوكول معين، يجب عدم تجاوزه، حتى لا تتسبب في احراج او مضايقة الجار، واذكر ذات مرة أن خرجت من البيت في الصباح قاصدا الكلية؛ وكان الجو مشمسا غير العادة في لندن؛ و أن صادفت خروج جارتنا المسنة من بيتها؛ فحييتها بتحية الصباح فقلت لها: "صباح الخير" فردت علي مشمئزة قائلة: "هل خيرا هذا الصباح؟" فادركت بأن هناك خطأ ما، ربما أنها لا تحب الجو المشمس، وعندما عدت الى البيت في المساء، اخبرت صاحبة البيت الذي اسكن فيه، فقالت هنا يكفي ان تقول "صباح" دون ذكر اي عبارة أخرى اي لا تقول "خير" قد لا يعجب البعض، بسبب اختلاف الامزجة بين الناس، عكس ما تعودنا عليه في .بلادنا لإننا دائما نتفاءل بالخير
هناك مواقف اخرى وعديدة مررت بها التي تبين في اختلاف العادات والتقاليد والاطباع قد لا يتسع المجال في ذكرها، ومن التي مررت بها في اليوم الأول عندما أخذني المرشد الذي استقبلني من المطار من الفندق؛ للسكن في بيت العائلة،... المنتدب من المجلس الثقافي البريطاني الجهة المتكفلة بدراستي واقامتي في لندن، و عندما قابلت العائلة وجلسنا نوقع العقد سألتني صاحبة البيت إذا كنت أود كاسا من الماء، فأجبتها بعبارة "شكرا"،... فأحضرت لي كاس الماء فشربته محرجا؛ لأنني لم اكن اريد الماء، بل قصدت بعبارة "شكرا" أي لا اريد ماءا ولكن بمفهومهم يعني إني أريد أن اشرب ماء، وعندما فرغت من شرب الماء سألتني مرة أخرى؛ "هل تود كاسا آخر؟" فأجبتها أيضاً بعبارة 'شكرا"، فأحضرت لي كاسا آخر، وعندما رأتني انظر اليها باستغراب سألتني إذا كان هناك خطأ ما، فأجبتها في الحقيقة لم أكن أود أن أشرب كاسا آخر، فقالت؛ هنا عندما لا تود أي شيء عليك أن ترد بعبارة لا،..."لا شكرا"، بالرغم أن الماء لم يكن ماءا معدنيا بل كان من الحنفية، مع هذا رأت عدم التخلص منه، فهذا من ضمن أوجه الاختلاف في فهم الثقافات بين الشرق والغرب
لا انكر بأني كنت معجب من الانضباط ودقة الالتزام بالمواعيد، وتقدير الجهود هناك، وهذا مما جعلني شخص آخر مختلف عند عودتي الى بلادي، فوجدت بأننا نعيش في فوضى، لا ندرك قيمة الوقت، ولا نقدر جهود الآخرين، ولا نبالي في استخدام الموارد الطبيعية، وكل شيء نتعامل معه بالجملة، تاركين كل الأمور تجري حسب الظروف، بينما هناك في اوروبا كل شيء لا يمر إلا بتخطيط، وأنا لا أعني هنا بريطانيا فقط، لان بعد ذلك بحكم عملي سافرت إلى بلدان كثيرة بغرض التدريب أو حضور مؤتمرات، طيلة الثلاثين سنة التي عملت بها، سافرت إلى بلدان عديدة في اوروبا وأفريقيا، وأمريكا واستراليا، بالإضافة إلى شرق أسيا، بما فيها اليابان، و اليابانيون لا يقلون دقة عن الاوروبيين في المواعيد، بل ربما افضلهم لأنهم شعب يحترم الوقت وله ولاء لمسؤوله، متفاني في عمله، فكل شيء في اليابان محسوب بالدقيقة ان لم يكن بالثانية، والياباني لا يقبل الرشوة ولا البخشيش، بل يعتبره إهانة في حقه، ومن ضمن الأمور التي تعلمتها الالتزام بالوقت، حتى اذكر في بريطانيا عندما كنت اخرج في الصباح قاصدا الكلية؛ كانت العاملات بكافتيريا الكلية التي اصادفهن في طريقي يضبطن ساعاتهن بموعد خروجي من البيت، واذكر ذات مرة أن توقفت احداهن تنتظرني على قارعة الطريق، فعندما سألتها عن سبب انتظارها قالت لي بأنها تنتظرني وتتساءل عن سبب تأخري، ( لماذا تاخرت؟) فقلت لها كان لدي خلل في حذائي، فالوقت كما يقال في المثل العربي: " كالسيف إن لم تقطعه قطعك
- عبد الله السناوي - شارك
-