-
-
موقف لا أنساه - ٢٣٣
في صباح يوم الجمعة، ١٤ يوليو٢٠٢٣، أتت العاملة الفليبينية لتكنس وتنظف بيتي بدارسيت، حيث كنت قد اتفقت معها مسبقاً لتأتي كل صباح يوم جمعة لتنظيف البيت،... بدلاً من العامل البنجالي الذي كان يأتي مرتين في الأسبوع ولا يلتزم بمواعيده، و لم يكن أيضاً أميناً في تكملة وقت عمله
وبعد أن انتهت العاملة "نانت" من تكملة عملها الذي استغرق قرابة الساعتين، طلبت لها سيارة أجرة لتعود إلى مسكنها بالغبرة وأيضاً رافقتها في السيارة لأنزل ببيت والدتي بالخوير، حيث اعتدت أن أتغدا مع والدتي يوم كل جمعة، وألتقي ببعض اخوتي الذين يأتون لزيارتها
وفي أثناء ذلك كان لابد من سرعة التهيأ لأغلاق البيت، لم انتبه، و نسيت وضع مفتاح مدخل مبنى البيت في مكانه السري المعتاد،...خارج المبنى، سحبت باب المدخل لينغلق تلقائيا، بينما مفتاح باب المدخل على طاولة المطبخ في الداخل، وخرجت بمفتاح باب الحوش، هكذا خرجنا من البيت وركبنا السيارة مغادرين المنزل، وفي الطريق أمرت السائق أن يمر بيت والدتي بالخوير أولاً ومن ثم أن يستأنف في توصيل "نانت" الى مسكنها بالغبرة
عندما وصلت الخوير ودخولي المنزل استقبلتني والدتي كالمعتاد من باب مدخل المنزل؛ وأثناء دخولي المنزل، وجدت أنها كانت بمفردها مع الخادمة هذا لأن أختي التي تعيش معها غادرت مع أطفال أختها إلى إمارة دبي لرحلة قصيرة، على أي حال كالمعتاد بعد تناول القهوة شرعت والدتي في الدردشة معي حتى وقت الصلاة ومن ثم تناولنا الغداء معًا
وفي المساء بعد صلاة العصر عدت إلى دارسيت بسيارة أجرة، هذا لأني تركت السياقة منذ انتهت صلاحية رخصة قيادتي أي من حوالي ١٢ سنة، لا استطع اجتياز فحص النظر لتجديد الرخصة؛ بسبب اعتلال شبكة العين نتيجة نراكم مرض السكري،...في الحقيقة ركوب سيارة أجرة أو النقل العام للمجيء إلى دارسيت مرهق لذوي الأمراض المزمنة خاصة لمن ليس لديه المبلغ الكافي ليستقل بسيارة على حسابه، مما يضطر التنقل من سيارة إلى سيارة حتى أن يصل إلى وجهته، إذ المسافة بين الخوير و دارسيت أكثر بقليل من ٢٢ كيلو متر ومعظم سيارات الأجرة تأتيها بالمرور على محطة روي بسب عدد الركاب
استقر سكني في دارسيت بعد أن أخلى ابني البكر بيتي واستقر مع اسرته ببيته بالأنصب، حيث كنت قبل ذلك مقيماً في ولاية إبراء، وأتنقل من حين وآخر بين مسقط وإبراء، أتي مسقط لمراجعة الأطباء، وبيت دارسيت كان ثاني بيت أشيده في التسعينات بعد بيت وادي العدي الذي بنيته في منتصف السبعينات، إلا أني لم أقيم فيه طويلاً لصغر مساحته، وأيضاً بسبب مضايقة الجيران، وسكنت في بيوت إجار متفرقة قبل أن أستقر بدارسيت، ثم انتقلت إلى إبراء بعد تقاعدي في عام ٢٠٠٣م لأسس نشاط تجاري حتى أغطي تكاليف الضرر الذي لحق بي من جراء التقاعد لإجباري المبكر الذي اجبرنا عليه أنا وزملائي المدراء بحجة خصخصة قطاع الاتصالات. هكذا مارست النشاط التجاري لمدة عشر سنوات ومن ثم أغلقته بعد أن استوفيت غرضي منه، وسددت التزاماتي اتجاه البنوك التي لا ترحم، وساعدني أيضاً التعويض المادي الذي ربحته من جراء قضية التظلم التي رفعتها في المحكمة الإدارية ضد عملي، على كل حال كانت تجربة قاسية، سردت تفاصيلها في مقالات سابقة في هذا الموقع، يمكن قراءة مقال رقم ٦٠ و ٦١ بعنوان (ما لا أتمناه أن يحدث) الفقرة الأولى والثانية، من هذا الموقع
ومع ذلك ، منذ أن كبر اولادي وتخرجوا وتزوجوا، والتحقوا بالعمل؛ أصبحت أعيش بمفردي في المنزل، و بسبب مرض السكري والأمراض الأخرى ذات الصلة التي أصابتني، أصبحت أفقد ذاكرتي عند وضع الأشياء في مكانها، وأنسى لا أتذكر أين وضعتها في المنزل، لذا ينبغي من يعمل عندي عليه أن يعيد الاشياء في مكانها بعد استخدامها وإلا سأجد صعوبة في العثور عليها، وهذا فعلاً ما حدث يوم الجمعة عندما وضعت العاملة "نانت" المفتاح على الطاولة لو كانت ساعدتني بوضعه في مكانه لما حصل قد حصل عند عودتي إلى المنزل في ذلك المساء
وجدت نفسي خارج البيت محبساً، أتصبب عرقاً من شدة الرطوبة وحرارة الجو، قلق، محتار ما سأفعله، لا يوجد حل إلا في صباح اليوم التالي، إن ما كان يهمني هو إيجاد مكان للمبيت أولاً، حيث كانت نوافذ البيت محكمة الإغلاق
جميع أطر النوافذ مصنوعة من الالمنيوم وابواب فتحاتها من الزجاج، تنفتح بانزلاق أحد الأبواب إلى اليمين ومحكمة بشبك حديدي من الخارج لا يتسنى الدخول من فتحتها الى المنزل إلا بقطع الشبك على أن يكون أحد الأبواب غير مقفل من الداخل
و بسبب القلق والتوتر والارتباك الذي أصابني؛ غاب عن ذهني وجود غرفة الكرفان بحوش البيت، على الرغم أنها أمامي، في الجانب الأيسر من البيت، هذه الغرفة الخشبية أعدت ملحقاً للبيت خصصت للضيوف؛ غرفة نوم بملحقاتها، و مفتاحها أيضا بالداخل. وعند تفقد نوافذ الكرفان وجدتها مفتوحة قليلاً للتهوية ولكنها مرتفعة عن سطح الأرض، صعب الوصول إليها من الخارج دون استخدام سلم،...مرتفعة بحوالي مترين تقريباً لا بد من استخدام سلم للقفز إلى الداخل
أخيرًا تمكنت من الوصول إلى الكرفان من خلال إحدى نوافذه، لكن لم يكن من السهل الدخول والخروج من نافذة على ارتفاع ٢ متر من الأرض دون سلم وكان عليّ الحصول على الطعام والماء لنفسي قبل النوم، كل هذا يجب أن يمر عبر النافذة عدة مرات ولهذا السبب انجرحت في باطن فخذ رجلي اليمنى الذي شلني عن الحركة فيما بعد لمدة اسبوع
في البداية لم اهتم بالجروح التي اصابتني في فخذ رجلي، من التعب والإرهاق الذي أصابني، اعتقدت بأنها مجرد خدوش بسيطة وستزول بمرور الوقت، حتى أني لم أهتم بالنظر إليها، لذا أويت إلى الفراش و نمت نوماً عميقاً إلى اليوم التالي، بعد أن أديت صلاة المغرب وصلاة العشاء، وتناولت شطائر العشاء، ولكن في اليوم التالي عندما أتى صهري ادريس ليزورني ويطمئن علي، ويلبي ما طلبته منه بالأمس اضطررت الخروج مرة أخرى من النافذة وبسبب الارتباك انجرحت مرة أخرى أو ربما ازدادت الجروح عمقاً وسال الدم، إلا أن ادريس لم يتردد فقام بإسعافي فوراً،...بإحضار ما لديه من تضميد في سيارته مدركاً خطورة الجروح بالنسبة لمريض السكري، ثم أتى بالحداد لقطع شبك حديد النافذة، هكذا تمكن ادريس في النهاية من القفز من خلال النافذة لاستعادة المفاتيح من الداخل ومن ثم أعيد تركيب شبك النافذة باللحام كما كان
- عبد الله السناوي - شارك
-