1.  ما لا أتمناه أن يحدث مع ابناءنا - ٠٦١  

        الفقرة الأولى 

      To  read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
       الأول من يوليوتاريخ لن انساه ابدا لأنه التاريخ الذي كنت أعتقد بأنني سأكرم فيه أنا وزملائي عن السنين الطويلة التي افنيناها من عمرنا في العمل، بصرف النظر إن كنا من أفضل الموظفين أو أسوئهم
       
       إذ تكريم قدامى الموظفين تقليد طبيعي عند انتهاء خدمات أي موظف؛ في مؤسسات العمل، حتى إن لم يكن تكريما لجهوده وتفانيه في عمله؛ بل هذا هو حق الزمالة والعشرة التي قضاها الموظف المتقاعد بين الزملاء واروقة المكاتب وهذا من شأنه أيضا أن يرفع الروح المهنية لدى الموظفين، و يعكس للغير مدى ثقافة المؤسسة في تعاملها مع موظفيها، و يحفز الآخرين في المؤسسة على بذل المزيد من الجهد في العمل وينمي فيهم ثقافة الولاء لمؤسستهم، التي يعملون بها
       
       وللأسف ما حدث معنا في عام ٢٠٠٣ لم يكن يتصور أن يأتي من شركة يفترض أن تكون شركة حديثة، تملك ثقافة دولية في تعاملها، تطبق معايير دولية في إدارتها؛ للأسف ما حدث كان عكس ذلك تصرف فردي أو ربما من قبل فئة في الإدارة كل ما يهمهم هو البقاء على كراسيهم، ينفذون قرارا غير مدروس؛ أشبه ما يكون "بتسريح غم". دون سلام ولا كلام
       
       ما زلت أتذكر ذلك الطابور الطويل من مديري العموم ومدراء ورؤساء الاقسام الذين اصطفوا لاستلام رسائل أخطار التقاعد، في مكتب مدير عام خدمات المشتركين،... و كان من يسلمنا موظف اقل من درجة كاتب، ربما "فراش" مما يبدو لي من سلوكه وتصرفاته، والشيء المضحك كان من ضمن الطابور مديره العام،... معنا في الطابور، وتساءلت حينها ماذا عسا أن يحدث لو سلمت لنا الرسائل من قبل شخص في مستوانا الوظيفي، على الأقل من باب الاحترام والتقدير، ألا نستحق ذلك؟ وألم يكن ذلك من اللائق؟ أم كان يقصد من ذلك إهانتنا خاصة أن الموظف كان يتصرف بشكل هيستيري، بأسلوب استهتاري يهذر في كلامه، ظني به أنه، خارج عن إطار الأدب أو السلوك الوظيفي "يبدو أنه منتصرا على رؤساءه".
       
      والغريب عندما حاول بعض هؤلاء المدراء بحسن نية الذهاب إلى مكتب الوزير والرئيس التنفيذي فيما بعد لتوديعهما صدموا بغيابهما معا في وقت واحد؛ كلاهما أخذا إجازة،...لعله هربا عن رجوعهما في القرار، أو ربما خجلا من سوءتهما،...بكل تأكيد قرار الاحالة الى التقاعد كان متوقعا؛ آجلا أم عاجلا، لأنه نهاية كل مستخدم، لذا قوبل من قبل هؤلاء المدراء بصدر رحب عدا الطريقة التي اتخذ فيها القرار وطريقة تسليم الاخطار كانت غير لائقة أن يعامل بها كبار الموظفين بتلك الطريقة الساذجة،... ساهموا في بناء الشركة وانجاحها
       
       قبل تقاعدي بسنة نقلت خدماتي من دائرة التسويق التي ساهمت في تأسيسها وإدارتها بمسقط الى شمال الشرقية، وعينت مديرا لمنطقة الشرقية (الجنوبية والشمالية آنذاك) باعتباري من سكانها وعندما اتصل بي "فراش" الوزير ليعلمني بالحضور الى مسقط؛ كنت في طريقي الى المسجد لتأدية صلاة المغرب، وكان هذا الفراش يصر و بإلحاح شديد أن أقابله في الصباح الباكر من اليوم التالي بمسقط... دون تأجيل، ولما سألته عن سبب الحاحه هذا؛ رفض أن يفصح لي بل أكتفى بالقول بأن لديه تعليمات من معالي الوزير لاستدعاءي، و بعد خروجي من المسجد وتأدية الصلاة خمنت السبب؛ وعرفت الموضوع؛ حيث كانت رائحة خبر التقاعد الجماعي بدئت تفوح منذ أسابيع في اروقة مكاتب الشركة بمسقط تستهدف كبار الموظفين، و قدماهم، وقبل ذلك صدر تعديل في الهيكل التنظيمي بالشركة ولم يشمل التغيير الدائرة التي كنت ارأسها، وايضا توقفت جميع المعاملات المعتادة التي كانت تأتي إلى مكتبي، وهذا كان سببا كافيا ليثير الشك في نفسي وتفسير ما سيجري، إضافة الى ذلك كان لدي هاتف منزل خاص باسمي نقل ملفه من دائرتي بإبراء الى مسقط دون علمي خوفا من ألتلاعب بفواتيره
       
       لا أنكر خلال الفترة التي عملت بها في الشركة خاصة في فترة ال ( جي – تي – أو) و عمانتل تشكلت لوبيات " داخل الشركة "هذا من شيعتي وهذا عدوي" سببها التوظيف العشوائي بما يعرف بتوظيف الاقارب كان يوظف كل من لم يحصل على فرصة تكميل تعليمه الجامعي، حيث كانت مخرجات التعليم العام آنذاك في البلاد تفوق استيعاب عدد الكليات والجامعات المتوفرة في البلد، والكل كان يسعى للتوظيف، أو التوظيف ومن خلاله استكمال التعليم على نفقة العمل، وكان هذا فعلا ما حصل حتى أننا اسمينا هذا الحال "بتوظيف الترانزيت" لم يستفد من الموظفين الذين تعينوا في تغطية العجز أو النقص في عدد الموظفين لانهم بكل بساطة لا يملكون أي مهنة، بل كانوا يشكلون عبئا ماليا على موازنة الاقسام، واصبحت الشركة عبارة عن عوائل تناقل بينها اسرار العمل، وكان هذا سببا كافيا أن يخلق مشاكل، وخسر عدد كبير من الموظفين القدامى السابقين في الشركة من فرص التحفيز المتمثلة في التدريب ورفع مستواهم التعليمي؛ وأول من يلام على سوء إدارة الموارد البشرية هم طبعا الرؤساء الذين في المراتب العليا، واصبح من الصعب لرؤساء الدوائر والاقسام الجادين السيطرة على مرؤوسيهم،... على كل حال سبق أن سردت هذه الأسباب التي أدت الى ترتدي سمعة الشركة في مقالات سابقة بهذا الموقع* وبالرجوع الى موضوعنا السابق؛ مع هذا كان لنا أمل أن نكرم بحفلة توديع بعد السنين الطويلة من الخدمة ولكن هذا للأسف لم يحصل، لست ادري لماذا ؟ على الأقل كتقدير للزمالة إن لم يكن للجهود، خاصة كان بعضنا يعمل من عهد شركة الانجليز أواخر الستينات "كابل- أند - وايرلس" قبل أن تصبح؛ "جي- تي- أو" ومن ثم عمانتل، (شركة حكومية)، حتى كان البعض منا مستعد أن يتحمل تكاليف حفلة البسكويت والشاي إذا ما أقيم الحفل الذي سيجمعنا مع زملاءنا لتوديعهم، تقديرا وعرفانا للزمالة والصداقة التي ارتبطنا بها، لتأدية الواجب الوطني، أذكر كاد البعض منا يقضي كل وقته في العمل ربما أكثر مما يقضيه مع أهله خاصة ايام الأعياد و المناسبات الوطنية التي يكثر فيها العمل الفني وتتطلب استنفار من الاختصاصيين لتغطية الحدث بسبب النقص الذي كان في عدد فني الاتصالات في حقبة الثمانينات والتسعينات
       
       و للأسف ما أن استلمنا اخطار التقاعد حتى تطاير الجميع عنا، كأننا اصبنا "بعدوى كرونا" اختفى الجميع من وزير و رئيس، للأسف بهذا حرمنا من متعة حفلة الافتراق* أن الاستغناء عن خدمات ماءتي موظف ليس بالهين هناك قواعد، وأصول واجراءات، إذ كان يتوجب اتباعها،...حتى إن كانت سياسة العمل تتطلب تخفيض عدد الموظفين تمهيدا للخصخصة، يجب أن تتم بطريقة بحيث تحفظ للموظف حقه وكرامته وترفع من شأنه عند زملاءه. "ليس أن يعامل كمن لا قيمة له" بعد ثلاثين سنة من العمل شارك بجد في بناء الشركة حتى أن استقامت و استغنت عن إدارة الاجانب

       

      – الفقرة الثانية 

       في اليوم التالي من تسلمي اخطار التقاعد في مسقط؛ عدت الى إبراء لأكمل الأسابيع الثلاثة المتبقية من عملي بالشركة، وكان ذلك في الأسبوع الاول من شهر يونيو، وكانت أيام هذه الأسابيع مملة جدا بالنسبة لي دون أي عمل؛ مجرد خضور، حتى أن سادني الضجر؛ في انتظار بمن سيأتي ليستلم عهدة المكتب و في الحقيقة مرت الأيام ولم يأتي أحد حتى آخر يوم من دوامي في المكتب، حتى مساعدي لم يكترث أن يسألني عن أي شيء، لا أدري... إذا كان قد اتفق معه سرا وتم جرد الموجودات في غيابي – الله أعلم
       
       في الأسبوع الثاني من شهر يوليو ذهبت لقضاء إجازة نهاية الأسبوع المعتادة مع عائلتي في مسقط؛ (الجمعة والسبت)؛ وفي طريق عودتي إلى إبراء صباح يوم الأحد مررت بمقر الشركة لاستلام مخصصات التقاعد المالية، ولكن فوجئت بضآلتها مقارنة بعدد سنين الخدمة التي امضيتها، فراودني الشك في المبلغ الذي استلمنه ولكن آثرت السكوت حتى أرى إذا كان هناك تعليق ما سيأتي من زملائي المحالين معي للتقاعد
       
       وكنت قد حضرت معي عند عودتي الى ابراء "سمبوسة" وعلب من المرطبات للاحتفال مع زملائي في المكتب برحيلي عنهم، وأيضا صادفت المناسبة عيد ميلادي (الخامس عشر من يونيو)، حيث حافظت على تواجدي في المكتب إلى آخر يوم من عملي الذي كان يصادف الثلاثين من يونيو من عام ٢٠٠٣* وخلال شهر يوليو اتصل بي صديق قديم من صلاله زاملني في العمل، ليلفت نظري بأن قرار التقاعد الجماعي الذي أتخذ ضدنا كان مستهدفا، لفئة معينة يراد منه التخلص من بعض الافراد من كبار الموظفين القدامى وأيضا من صغار الموظفين الذين يشكلون فائض في عددهم و على رأس القائمة موظفي الخطوط الذين أتوا من مناطق الداخل
       
       وعندما أعدت حساباتي وجدت نفسي لم أصل سن التقاعد الرسمي، الاعتيادي (الستين سنة) إذ ما زلت آنذاك في نهاية لأربعينيات، وأيضا مدة خدمتي في الشركة لم تتجاوز الثلاثين سنة، كما هناك عدد كبير من امثالي، وأيضا الدائرة التي كنت ارأسها لم تغلق، وما زلت أملك الكفاءة حيث انجزت الكثير من التغيير والتطوير في فترة مسيرة خدماتي الفنية بالشركة، ومثلت السلطنة في كثير من المؤتمرات الدولية في مجال الاتصالات، ابرزها "أمو" المنظمة البحرية الدولية، وساهمت في الاقتراح و الاشراف على ادخال خدمة "نفتكس" في المحطة الساحلية الخاصة بالملاحة البحرية، وأيضا ساهمت ببيانات مع المنظمة في عملية التحول من نظام "سولس" النظام القديم، (إنقاذ الحياة في البحر، نظام الاتصال اليدوي) بواسطة شفرات المورس عبر التردد اللاسلكي، و التحول الى النظام الجديد النظام الآلي باستخدام الاتصال عبر الاقمار لاصطناعية الذي يعرف بنظام "جي-أم- دي-أس-أس" النظام العالمي للإنقاذ البحري
       
       كنت أحضر مؤتمرات المنظمة بانتظام باعتباري المسؤول عن المحطة الساحلية التي تمتلكها السركة...الجهة المنسقة في الاتصال بين البحر والبر، مع الجهات الأخرى المعنية بحوادث البحر كالاستغاثة والبحث والانقاذ والتلوث البحري* ليس هذا فحسب بل شاركت وساهمت قبل ذلك في العديد من المشاريع والقائمة ستطول في السرد، منها على سبيل المثال لا للحصر؛ تطوير خدمات التلكس والتلغراف، تراسل المعطيات في الثمانينات (البيانات لشبكات البنوك و مكاتب الطيران)، و استحداث مركز الاتصال في أواخر التسعينات لاستعلامات دليل الهاتف ( كول- سنتر)، وتطوير نظام الورديات لموظفي الهاتف الدولي واستعلامات الدليل حيث كان تحت أمرتي ما يقارب ثلاث ماءة موظف إن لم يكن أكثر من ذلك، موزعين على أربعة اقسام، والسجل حافل بالإنجازات هذا خلاف الدورات التدريبة التي حضرتها في اكثر من ثلاثين دولة حول العالم في آسيا، استراليا، اروبا، وافريقيا وأمريكا* إذن بعد هذه المراجعة لم أر هناك سبب عقابي لإحالتي إلى التقاعد المبكر، فالأمر إذن بالنسبة لي معتاد،...لاتخاذ مثل هذه الخطوات والتي ستفسح مجال جديد لإدخال عناصر جديدة في الخدمة حسب المصطلح (حقن دم جديد في الإدارة) خاصة أن مخرجات التعليم الجامعي في بداية الألفية بدأ يأتي أكله على غرار الآية الكريمة: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) ... حيث بدأت ثماره، وصار الاعتماد على الآلة يكثر بسبب تقدم برمجيات الكمبيوتر الذي اعتمدت عليه وسائل الاتصال، وجاءت من بعده خدمات اتصال حديثة اعتمادا على تقنية الكمبيوتر، زاحمت الوسائل التقليدية؛ كالهاتف الثابت والفاكس والتلكس، والتلغراف، واستغني عنها بالكمبيوتر اللوحي والموبايل (الهاتف المحمول) كل خدمات الاتصال مدمجة في جهاز واحد
       
       و الذي جعلني أن أقود فريق المتظلم من التقاعد التعسفي؛ هو شيء واحد؛ ضآلة مخصصات التقاعد التي صرفت لنا، حيث لم تكن عادلة، وتتوافق مع سنين الخدمة، وايضا اختفاء الوزير والرئيس التنفيذي عن مقابلة توديعنا، مما جعلنا نرفع على الشركة قضية تقاعد تعسفي، والفكرة جاءت في الحقيقة من بعض المدراء - الزملاء في مسقط كانوا يبحثون عن محامي قوي وجيد ليجابه محامي الشركة ومن ضمنهم الأجانب، وكنت قد سبق أن تعاملت مع مكتب محاماه صاحبه محاضر في القانون بإحدى الكليات الجامعية بمسقط فاقترحت عليهم مقابلته، وأذكر تجمعنا بمحطة البنزين بالصاروج و كان يوم الخميس من الأسبوع الأول أو الثاني في شهر يوليو من عام ٢٠٠٣، وبعد اكتمال الجمع اتجهنا إلى المكتب، فاستقبلنا أحد المحامين المصريين بالمكتب بعد أن حددت معه موعد مسبق، وتم التفاوض بالأتعاب ولم يكن المبلغ المطلوب سهلا فانقسمت المجموعة إلى مجموعتين منهم من اتفق مع المكتب ومنهم من خرج ليبحث عن مكتب آخر* بعد ما تم بيننا من اتفاق عدت إلى إبراء لقضاء بعض الوقت مع والدي - رحمه الله، الذي كان مقيما هناك، وايضا للتفرغ في كتابة تقريرا مفصلا للمحامي شارحا فيه كل ما حدث بالشركة من أول تعييني في أغسطس عام ١٩٧٥ حتى أن أحلت الى التقاعد في الأول من يوليو عام ٢٠٠٣، احتوى التقرير على اكثر من عشر صفحات حجم أي-٤، وكان هذا التقرير مفيدا جدا لصياغة صحيفة القضية، ومن ثم اصبحت صحيفة الدعوة جاهزة لتقديمها للمحكمة ربما لأكثر من عشرين شخصا وأيضا بالنسبة للمجموعة الثانية في المكتب الآخر، إلا أن الإجراءات القانونية بما أظن كانت تتطلب تقديم رسالة تظلم للوزير قبل انتهاء الشهر من سريان قرار التقاعد، وفي حالة عدم حصول على الرد يتم رفع الدعوة* وللأسف لما ذهبوا المتظلمون برسائلهم لم تقبل بحجة أن الوزير والرئيس التنفيذي في إجازة والمقصود في الحقيقة المراوغة و عرقلة الموضوع، حتى يسقط حقهم في المطالبة إذا لم يسلم التظلم خلال شهر من سريان قرار التقاعد
       
       وعندما ذهبت إلى مكتب المحامي لأخذ رسالتي لتقديمها لمكتب الوزير علمت بالموضوع، وتعهدت بأن أخذ أيضا رسائل زملائي وتقديمها نيابة عنهم فاندهش المحامي، فطمأنته بأنني سأستخدم الحيل بحيث أن يكون تسليم رسائل التظلمات بمكتب الوزير قانونية، وعندما دخلت مكتب مدير مكتب الوزير لم أجده فقيل لي بأنه في إجازة، ولا يوجد أحد في المكتب عدا الفراش الذي كان يجلس على مكتب المدير، ، الذي غالبا ما يكون عملة تحضير الشاي وتوصيل المراسلات ونسخ المستندات، وعلى الفور خطرعلى بالي ان استخدم معه اسلوب التملق، والمدح المفرط لرفع شأنه حتى يلين وفعلا استحى وسألني عن مطلبي فقلت له لدي بعض الرسائل لزملائي لمعالي الوزير ولست مستعجلا عليها المهم أن توصل، ولكنني أريد التوقيع على النسخ للتأكيد بالاستلام حتى لا أوبخ ، وما أن سلمته الرسائل حتى أخذ التوقيع على نسخها وحدة تلو الأخرى وختمها كلها، وكنت حابسا انفاسي حتى أنتهى التوقيع على آخر نسخة، وهكذا انتهت مهمتي
       
       عندما عدت بالنسخ موقع عليها إلى المحامي؛ اندهش، وسألني ماذا فعلت؟ فقلت له "شوية تكتيكات" لابد منها، ثم سألته هل الإجراءات إن كانت صحيحة؟ فرد بنعم؛ "الفراش الذي استلم منك النسخ وظيفته يسلم ويستلم الرسائل، وهو موظف بمكتب مدير مكتب الوزير يخضع لنظام الخدمة المدنية إضافة أنه ختم على جميع نسخ الرسائل التي تؤكد بالاستلام، وعلينا الآن أن ننتظر الرد، لمدة شهر قبل تقديم صحيفة الادعاء كأجراء قانوني، فأطمئن قلبي؛ ركبت سيارتي وعدت إلى منزلي بدارسيت* بعد ذلك قدمت الدعاوي للمحكمة الإدارية، ومن ثم المحكمة العمالية، وبعدها للمحكمة التجارية، ولم تقبل في جميع هذه المحاكم بسبب سر لا نعرفه، لعل وضع موظفي الشركة القانوني غير واضح؛...إن كانوا يخضعوا لنظام الخدمة المدنية أم العمل، ورفعت القضية بعد ذلك للمحكمة العليا وظلت القضية معلقة لعدة شهور وربما لأكثر من سنه لا نعرف مصيرها ولا نملك عدا الصبر والاتكال على الله* وذات يوم بالصدفة سألت زوجتي عن رقم هاتف الشخص الذي صادفناه في مصعد الفندق بإمارة الشارقة باعتباره من اقرباء زوجة أخيها، فاتصلت زوجتي بزوجة اخيها واحضرت لي الرقم، وكان هذا الشخص أحد قضاة المحكمة العلياء بمسقط، كنت قد تعرفت عليه في بداية السبعينات بالقاهرة عندما كان طالبا بكلية الحقوق هناك، وهو من الطلبة العمانيين القلائل الذين ابتعثوا من قبل أهليهم للدراسة في مصر في سن الصغر* بعد مدة اتصلت بالقاضي، وعرفته بنفسي ومن ثم طلبت منه موعدا لمقابلته بغرض الاستشارة، رحب بي وحدد لي الموعد وقت العصر لمقابلته في مكتبه خارج الدوام الرسمي، الرجل ذكي، ومتواضع، وهادئ - رحمه الله، ولا يبخل بمساعدة أي شخص طالما في إطار القانون،... صراحة هذا الرجل وشفافيته في الحق ربما هي التي كلفته؛ إقالته من منصبه عام ٢٠١٦، بل أتهم في قضية جريدة محلية ذاع صيتها مثيرة للجدل، واحتجز في سبتمبر من عام ٢٠١٦ في مستشفى شرطة عمان السلطانية على خلفية ما صرح به في هذه الجريدة حول القضاء وسير المحاكمة في احدى القضايا التي اشتهرت في ذلك الوقت* توفي - رحمه الله في أوائل عام ٢٠١٩ بعد أن قضى فترة عمل قيادية في المحكمة دامت القرابة اثنى عشر سنه، وعلى كل حال بالرجوع الى موضوعنا السابق؛ ذهبت إليه بصحبة أحد الزملاء من مديري العموم؛ معي في القضية، فبعد أن رآني القاضي تذكرني وتذكر علاقة المصاهرة التي تربطني مع أهله، وبعد تبادل بروتوكول التحية شرحنا له الموضوع، فقال: "موضوعكم بسيط وواضح لا يحتاج إلى محامي، قضيتكم مشابهة لقضية شركة البيبسي كولا،...ارادت الشركة ان تتخلص من موظفيها بحجة الافلاس، إلا أننا اكتشفنا بأن لديها أصول كثيرة فقط إنما بما كانت تريده هو أن تستبدل العمالة المحلية بالعمالة الأسيوية رخيصة التكلفة، فربما بالنسبة لموضوعكم اختلط الأمر على القضاة بين النظام العام والخاص من الناحية القانونية، ويحتاج عندنا هنا في المحكمة تفعيل دائرة الاختصاص العليا لتحدد المحكمة التي تتولى قضيتكم، وهذا الأمر يحتاج لقرار من وزير العدل أو مرسوما سلطانيا ساميا، والحل راجع لكم؛ أما أن تخاطبوا وزير العدل أو الديوان" فاخترنا القرار الأخير، وكان هذا أكبر انجاز لتحريك القضية* اجتمعوا بعض الزملاء وصاغوا رسالة لجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه شارحين فيها القضية بالتفصيل و و قعت الرسالة بعد ذلك من قبل عدد منا، وكانت تسلم في كل جولة من جولات السلطان في المناطق لأحد الوجهاء لتسليمها لجلالته، وكان جلالته في كل مرة يستلم فيها الرسالة يحيلها لوزير الديوان للبت فيها الى أن انتبه جلالته لأهمية الموضوع وأمر فورا تفعيل دائرة الاختصاص بالمحكمة العلياء وتمت إحالة القضية الى محكمة القضاء الإداري آنذاك وحكمت المحكمة لصالحنا، بعد ما يقارب زهاء ثمان سنوات من تردد القضية في اروقة المحاكم
       
       و بعد كل هذه الفوضى اصبح علينا تصحيح الضرر من أول شيك مصرفي للتعويض تلقيناه حيث كانت هناك قائمة كبيرة من النفقات علينا أن نضعها في الاعتبار، ومن ضمن هذه القائمة العشرة في الماءة (١٠٪) التي توجب علينا دفعها للمحامي نظير عمله و مصاريف أخرى تكبدناها نتيجة الفرق بين الدخل والصرف طيلة هذه السنوات إضافة الى قسط قرض البنك الذي توجب علينا دفعه بانتظام ورسوم متأخرة للمدارس وأخرى مصاريف حياتية نتيجة اقتراض... متراكم اقتراض من اشخاص، هذا بالإضافة إلى مصاريف تراكمت نتيجة تأخر القضية مما جعل البعض منا يعمل طول الوقت متغيبا عن بيته ليوفي التزاماته باذلا كل جهده من أجل تعويض هذه النفقات حتى اصيب البعض منا بمرض مزمن نتيجة قلق وارق وضغوطات نفسية جعلت منا معطلاً طول الحياة - الحمد الله على كل حال
       
      لست أدري لماذا كان ذاك التصرف من الشركة، باللا مبالاة، والرحمة، تعاملت مع الموظف كقطعة أثاث في مكتب، ولماذا كان ذلك الاستعجال في التسريح التعسفي، الذي كبد الشركة ذاتها آلاف الريالات وربما قرابة المليون ريالا، وجرجرت موظفيها إلى المحاكم، ولكن ماذا عسانا أن تقول: "وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ" وكما تدين تدان، الوزير والرئيس التنفيذي لم يسلموا؛ بل منهم من نقلت خدماته ومن ثم أحيل الى التقاعد، ومنهم من تورط وتعرض لمساءلة قانونية و من حسن الطالع أحداث ٢٠١١ كانت من صالحنا في فهم قضيتنا لدى الرأي العام، وإصلاح الفساد الذي كان سائدا آنذاك مما أدى إلى إعادة النظر في تشكيل الوزاراء، على أثر حادثة القتل التي وقعت في المديرية للتربية والتعليم بمسقط في شهر يونيو من عام ٢٠٠٥ التي راح ضحيتها ٣ أشخاص وانتحار المدرس منفذ العملية نتيجة لخلافاته خع إدارة* والاحتجاجات في صحار ٢٠١١،... لم تكن بمنأى عن الأحداث التي وقعت بين عام ٢٠١٠-٢٠١١ في الوطن العربي في الواقع هي سلسلة من الاحتجاجات في عمان. وجزء من احتجاجات الوطن العربي وشمال افريقيا (ما يعرف بالربيع العربي) يطالب المحتجون بزيادة المرتبات ومنح فرص وظيفية أكبر ومحاربة الفساد، مظاهرات صحار؛ أدت الى حدوث قتل في صفوف المتظاهرين راح ضحيتها أحد المتظاهرين نتيجة العنف الذي اتخذ من قبل أحد المكلفين بإخمادها
       

      1. عبد الله السناوي - شارك