1. كلمات لم تغير من وضعنا شيء

      كلمات لم تغير من وضعنا شيء، يرددها المسؤولون في الإذاعات والصحف المحلية، و وضعنا كما هو منذ ٥٠ سنة إنما تغيرت المسميات ودخلت علينا مصطلحات لفظية:- "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، رواد، ورائدات الأعمال، الدعم اللوجستي، حاضنات...إلخ" هناك مقولة لأعرابي الذي سئل: بِمَ عرفتَ ربك؟ فقال: "البَعرةُ تدل على البعير، والأثَر يدل على المسير، ليل داجٍ، ونهار ساجٍ، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير"، هناك مؤسسات حكومية مختصة، و وجهات داعمة ماديا ومعنويا للشباب في السلطنة، تتناقل اعمالها ومنجزاتها إذاعاتنا وصحفنا المحلية؛ ولكن نتساءل أين هذه المنجزات؟ كل ما يقال عن هذه المنجزات غير ملموس، أنا كمواطن أحكم على الظاهر بما أراه؛ لم أر ما أنجز، ما زلت أرى الباعة في جميع المحلات التجارية سوآءا كانت صغيرة أم كبيرة، من محل بيع الكماليات في سوق مطرح السياحي، الى أكبر محل في مجمع تجاري، وإن وجد عماني فإنه لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، و جوده من عدمه مجرد صورة؛ للتحايل على القانون، خاصة في محلات الهيبر ماركت الصغيرة بالمناطق،... بائع براتب زهيد لا يشجعه على الدوام في المحل، نجد ما جاء في القانون شيء وما يعمل به شيء آخر، معظم العمانيين الذين نراهم في المحلات الصغيرة باعة لا يملكون هذه المحلات عدا المكتبات وهي الأخرى لا تسمن ولا تغني من جوع، يباع فيها الادوات الكتابية والقرطاسية، وتصوير المستندات، و احيانا ما ينتج من البيع لا يغطي إجار المحل، والعمانيين الذين نراهم على " الكاشير" في المحلات الكبرى كما أشرت؛ مجرد صورة لتحصيل حاصل
       
      من هم رواد الأعمال الذين نتحدث عنهم ؟ أمن لديه سجل التجاري باسمه، ويمتلك لافتة محل؟. أم الذي يكفل عدد من الوافدين؟ ويسترزق من وراءهم؟ أهذا هو رائد العمل الذي نتحدث عنه؟ يجب أن نكون واقعيين عندما نتحدث، وعدم اقناع المواطن البسيط بكلمات رنانة،...فضفاضة، لا تمد للواقع بصلة، فإنك إن قلت لمواطن بأن لدينا رواد اعمال سيفهم منك بأن رواد الاعمال الذين تتحدث عنهم هم من يكفلون عدد من الوافدين و يقومون بتسريحهم ليسترزقوا من وراءهم، وإلا ما ذا نفسر هذا العدد الهائل من الوافدين الممتلئ بهم الاسواق والمناطق الصناعية في عمان
       
       
      تاجر الجملة وافد، تاجر التجزئة وافد، و من يعمل ويدير اعمال البناء وافد، و من يبيع مواد البناء والمواد الصحية وافد، و من يصلح المركبات ويبيع قطع غيارها وافد، الحداد والنجار وافد، و من يعمل في قطاع الكهرباء وافد، حتى من يبيع لنا النعال والكمة والمصر، ويخيط ملابسنا وافد، و الغريب من يبيع تحف تراثنا وافد أيضا؛ بل يبيع تحف بلاده في نفس المحل، و عندما يزور سائحا بلادنا يصادفه وافد من حافلة المطار حتى منضدة الاستقبال بالفندق،،...في أعين الزائر لعمان بأن نسبة أل ٤٠٪ من الوافدين من تعداد السكان هم المسيطرين للأعمال من أل ٦٠٪ من العمانيين
       
       العماني في الأعمال الحرة؛ يعمل في اعمال متواضعة: سائق، بائع خضار، و بائع أسطوانات غاز، اما من حملة الشهادات؛ فالأغلبية العظمى منهم يعمل في القطاع العام ونسبة قليلة منهم يعمل في القطاع الخاص مقارنة بعدد الوافدين، و بهذه المناسبة لدي قصة طريفة أرى من المناسب أن ارويها لعلها تعزز ما أقوله؛ حدثت عندي قبل ١٥ سنة تقريبا
       
       كنت أراجع دائرة العمل بإبراء، في موضوع لا أتذكره، وصادف أن التقيت بامرأة تعرفني من البدو؛ صاحبة عمل أو رائدة عمل بالمصطلح الحالي،...وجدتها تجادل موظف اصدار "المأذونيات"؛ "مأذونيات" استجلاب ايدي عاملة اجنبية من الخارج، وكنت واقفا خلفها منتظرا دوري، وهي تتلفت يمينا ويسارا لعلها تجد من يساند جدالها مع الموظف، ثم نظرت الى الموظف و سألته: " السناوي كم عامل عنده؟" و كانت تقصدني بسؤالها، فابتسم لها الموظف ورد عليها بهدوء: "لا أحد" لأن الموظف يعرفني، فلم تصدق المرأة وخرجت من المكتب غاضبة لأنها لم تحصل على ما كانت تسعى إليه
       
      سؤالها عني عند موظف "المأذونيات"؛ دفعني الفضول أن أتحرى عنها وعلمت أنها ممن يسرحون العمال بعد الحصول على "مأذونيات" استجلاب العمالة الوافدة، وجعلهم يعملون احرارا بذاتهم، "بما يعرف" بمصطلح عند هؤلاء العمال فري فيزا (تأشيرة حرة) مقابل مبلغ شهري يدفع للكفيل. وبلغ الامر عند مثل هؤلاء الكفلاء الاعتقاد بأن يقاس ثراء ووجاهة الشخص بما لديه من عمالة وافدة، فكلما كان لديه عدد اكبر من هؤلاء العمال كان ثريا
       
       بعد فترة أتت هذه الأخت لمقابلتي في المحل؛ لتسأل إذا كان المحل الذي بجوار محلي شاغرا، فسألتها عن الغرض من السؤال؛ فقالت تريد أن تستأجره لأحد عمالها (ربما المسرحين)، فأجبتها بالنفي، تركتني وتوكلت في سبيلها
       
      كان لدي محل " مكتبة" لبيع الكتب والصحف وأدوات الكتابة والقرطاسية، وتصوير المستندات، إضافة إلى أني أجر مكائن النسخ لمكاتب سند و مكاتب المحامين وأيضا تمويل بعض الدوائر الحكومية بمثل هذه المستلزمات،...مع خدمة الصيانة، وكنت ناجحا جدا، بفضل الزبائن بعد فضل الله سبحانه تعالى، أعمل بإخلاص ليلا نهارا حتى إني جعلت من مسكني ورشة إصلاح لمكائن نسخ المستندات، موظفا كل ما تعلمته واكتسبته من خبرة، سر نجاحي كان الكتمان ما أقوم به خوفا من لصوص المعلومات
       
      كدت لا أنام، قلقا من دين البنك، مقابل مبلغ كنت قد اقترضته قبل إحالتي الى التقاعد الاجباري "التعسفي" أنا ومعي عدد ٥٤ موظفا منهم عدد من المدراء، و مديري العموم ورؤساء الاقسام،... أحلنا الى التقاعد بحجة الخصخصة، دون مراعاة لحقوقنا ما بعد الخدمة؛ بسبب عدم اتضاح القانون لدى الجهة إن كنا موظفين لقطاع عام أم قطاع خاص، مما دعانا لرفع قضية ضد الجهة التي أحالتنا للتقاعد
      ظلت قضيتنا في اروقة المحاكم ما يقارب ٨ سنوات لا يعرف الجهة المختصة التي ستنظر في القضية، هل المحكمة الإدارية أم غيرها، الى أن أخذت المبادرة وذهبت لمقابلة أحد المعارف بالمحكمة العليا لمعرفة الوضع؛ حيث نصحنا بأن نكتب رسالة لجلالة السلطان، حتى يتم إنشاء دائرة بالمحكمة العليا تحدد المحكمة المختصة للنظر في مثل هذه القضية
       
       وفعلا تم ذلك وكنا نتابع جولات المغفور له السامية لتسليم رسالة مطالبنا ولفت نظره تكرار المضوع في جولاته طيب الله ثراه، ويقال عنه أنه غصب على المسؤولين بسبب بطء تنفيذ التعليمات، وأمر بصرف مخصصاتنا المالية فورا بصفة رجعية منذ أن أحلنا للتقاعد وبهذا كسبنا القضية، وكانت هذه التجربة كافية أن تجعلني أن أعيد النظر في أي عمل قوانينه أو اجراءاته مبهمة، ومغايرة عند التطبيق

      1. عبد الله السناوي - شارك