الجانب الإيجابي في كرونا
الإنسان يتعلم من أخطاءه، ولولا الخطأ ما أتت الاختراعات، وما استمرت المحاولات؛ في إجراء التجارب، الإنسان البدائي كان حاله حال الحيوانات لولا أن وهبه الله سبحانه تعالى العقل وجعله يتلمس الأشياء من حوله ويفكر ويتدبر الأمور، هذه المحاولات والتجارب هي التي اوصلت الإنسان إلى الحضارة والمدنية التي انعمنا الله إياها وفرض علينا عبادته لنشكره، كما جاء في سورة ابراهيم مخاطبا سيدنا موسى عليه السلام "وإذ تأذن ربكم لإن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد" والله يبتلي من يشاء من عباده، ولعل وباء كرونا به بعض الإيجابيات يستفاد منها دروسا لإجراء تغيير في مسار حياة الإنسان، فإن "ربّ ضارّة نافعة"، وهذا يعني أن بعض الأحداث المضرّة قد يكون من الممكن أن تأتي بمنافع للناس، وهذا ما جاء ذكره في كتاب الله العزيز "وعسى أَن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون"، هكذا تجري الأمور, فالقرآن ليس مجرد كتاب هداية فحسب؛ بل هو كتاب دليل للحياة أيضا صالح لكل عصر وزمان
وما جاءنا من وباء سوآءا من فعل الإنسان أو الطبيعة ما هو إلا بلاء قدر للإنسان أن يتعلم من حكمة الله في خلقه، بَلاَ؛ بَلاَهُ الله تعالى عباده ليختبرهم.، وفي التنزيل العزيز: الاِنبياء آية ٣٥ "ونَبْلُوَكُمْ بالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ِفتْنَةً". كرونا، أو فيروس التاج، أثبت للعالم بأن العالم عبارة عن قرية واحدة كما وحددتها وسائل الاتصال الحديثة السلكية واللاسلكية والنقل الجوي، وأن السبعة مليار نسمة الذين يسكنون في كوكب الأرض؛ ما هم إلا بشر من جنس واحد مهما اختلفت السنتهم أو بشرتهم، وما يصيب سكان المشرق يصيب أيضا سكان المغرب حيث جاء في سورة الحجرات الآية ١٣ "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" ، اصبح التنقل بين سكان العالم اكثر يسرا، حيث تبين بأن الدول التي تستقبل أكبر عدد من الزوار أكثر عرضة للإصابة بعدوى الامراض، والعدوى تنتشر بتنقل الناس واختلاطهم ببعض، مما يتوجب على الدول أن تتعاون فيما بينها
كرونا أكبر سلاح مجهري فتاكا للبشر أخطر من السلاح النووي في فتك البشر، لا يستهان به لأنه لا يقبل التفاوض، لكنه يَتَجَنَّب شره بالاحتراز، وعدم الاهمال، أو الاستخفاف بالتعليمات والارشاد الصحي
كائن دقيق مجهري أودى بهلاك حياة الملايين من البشر، بالرغم من الجهود الدولية لمكافحته، الا أنه مستمر ينوع سلاحه، يا له من عدو، فاق أي حرب عالمي. إذا أظهرت البيانات التي تنشرها جامعة جون هوبكنز الأمريكية تجاوز إجمالي عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في العالم حاجز المليونين، وهو ما يفوق عدد الوفيات الناتجة عن أمراض الإيدز والملاريا، والكوليرا، والإنفلونزا بأنواعها مجتمعين في نفس الفترة، فإن كرونا بقدر ما هو ضار فإنه لا يخلو بشي من الإيجاب، مثله مثل أي حرب بين دولتين فإن الدولة الخاسرة و المنتصرة كلاهما يستفيدا بعد خروجهما من الحرب في بناء اقتصادهما وهذه حكمة في الحياة؛...لكل سالب موجب، وقوله تعالى في سورة الشرح : "فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا "، رأينا كيف اليابان طورت اقتصادها واصبحت قوة منافسة اقتصاديا لعدوتها امريكا بعد أن اسقطت عليها هذه الأخيرة قنبلتين نوويتين في مدينتي هيرو شيما وناجا زاكي في عام ١٩٤٥ أبيد مابين ١٢٩ و ٢٢٦ شخص من شعبها، لا شك هناك وضع استثنائي ناجم عن انتشار فيروس كورونا في حياتنا ، فالجائحة أدت إلى خسائر فادحة، بشرية ومادية، لكنها اظهرت جوانب إيجابية في حياتنا، لم نكن نعلمها لولا انتشار الفيروس وفرض الحجر الصحي وإجراءات الإغلاق؛ بسبب انتشار الفيروس وارتفاع عدد ضحايا الفيروس والقيود الاستثنائية التي فرضها الوضع الصحي على حياتنا الاجتماعية، أبرزت هذه الأزمة الإنسانية جوانب إيجابية؛ مثل روح التضامن بين الجيران، وقضاء رب الأسرة المزيد من الوقت مع أسرته، وتراجع الوتيرة السريعة للحياة اليومية، و انخفاض معدلي الاستهلاك وتلوث الهواء على مستوى العالم
ومن ملاحظاتي الشخصية؛ عندما كنت أسافر إلى أوروبا أو إلى شرق اسيا كنت أرى معظم الناس هناك يرتدون الكمامات، ويحملون في أيديهم المظلات، وكنت أتساءل لماذا يضعون الكمامات على افواههم ويحملون المظلات حتى لو كان هناك لا يوجد مطرا؟ واستطعت أن احزر؛ أن حمل المظلة من سبيل الاحتراز، والوقاية من بلل المطر لأن طقسهم متقلب وغير ثابت، كبريطانيا مثلا؛ عكس ما عندنا وقد تمطر السماء هناك أي وقت، أما عن وضع الكمامات؛ استفسرت من مرافق لي، وقال لي بأن "الناس تعودوا أن يضعوا الكمامات على وجوههم في الأماكن المزدحمة، للوقاية من عدوى الزكام إذ اصبحت هذه ثقافة لدى المجتمع"، بينما كان عندنا في ذلك الزمان (أقصد قبل دخول الألفية الثانية) نستغرب ممن يحمل مظلة، ولم نعتاد أن نرى احدا يحمل منديلا في جيبه ليستعين به عند العطس او يتلثم، أما الآن أصبحت هذه عندنا ثقافة؛ اتانا بها كرونا،...نتباعد حتى في صفوف الصلاة، ولا "نتحاضن" ولا نتصافح عند السلام على بعضنا البعض،...منعتنا جائحة كرونا من الحج، والعمرة و صلاة العيد و صلاة الجمعة، فقدنا دفء المودة ولكن ما حيلتنا إلا بالله هذه هي ضريبة العصر، ولكن إذا جئنا نرى في المقابل فإن بعض الاحترازات الوقائية التي فرضتها علينا جائحة كرونا؛ حسنت من سلوكنا الصحي والاجتماعي بصفة عامة، كتجنب الإسراف في المناسبات، والخروج في مشاوير غير ضرورية، واصبح بعض السلوك الذي كنا نراه غريبا على مجتمعنا اصبح إيجابيا و ثقافة مجتمعية عامة
-
عبد الله السناوي
- شارك