الأيدي العاملة الوافدة في سلطنة عمان

عندما ذكرت في مقالي السابق قبل هذا؛ بأن " بعض الدول العربية كان تقدمها في المظهر لا في الجوهر؛ كنت اقصد بذلك بأن الجوهر هو "الإنسان" أما المظهر فهو مظهر الحياة المدينة العامة التي نراها الآن، المتمثلة في شكل العمران من زخارف وبنيان، وناطحات سحاب، وشوارع وجسور وأنفاق، ومحال التجارية من دكاكين و "مولات" (مجمعات تجارية) و وسائل السحب والإيداع الآلي، وخلافها من وسائل الترفيه، كدور السينما، ومطاعم الوجبات السريعة ووسائل اعلامية مختلفة كالمحطات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي على الأنترنت، هذا إضافة الى اقتناء السيارات الفارهة، جميع هذه الاشياء اقتنيت او جلبت بواسطة المال والاستعانة بأيدي وافدة أو شركات أجنبية دون جهد فكري أو بدنيي يذكر

 

 كل ما عملناه؛ هو أن اشترينا البضائع من محلات تدار بواسطة أجانب او طرحنا مناقصات لشركات اجنبية ربما الكفلاء مواطنون، سوآءا كانت على شكل خدمات او بضائع أو معدات، لم يكن لنا أي تدخل في تصنيعها، لا في بلادنا ولا خارجها؛ إنما فقط جلبناها بواسطة المال الذي آل إلينا من بيع النفط المستخرج بواسطة شركات اجنبية، إذن أين الفكر هنا؟ الفكر ليس كما يعتقد؛ يقتصر على الأدب؛...علوم اللسانيات و الإنسانية من لغة وتاريخ لنبرع في السرد عن تاريخنا المجيد والتغني بأشعار اسلافنا، بل العلوم التطبيقية أيضا لها أهمية كبرى في حياتنا، أيهما أهم اللسان أم اليد؟ فاليد تمسك المعول، تزرع وتحصد وتصنع، إذن هي الأهم، و الفكر هو ثقافة في تغيير سلوك الفرد من مستهلك الى منتج؛ والاعتماد على الذات بقدر المستطاع، وتطبيق ما اكتسب من علم ومعرفة، في مجالات الحياة العامة، بمساندة الآلة، ( لا الاتكال عليها)؛... للتقليل من الايدي الوافدة التي تشاركنا في استهلاك مرافقنا العامة

 

 إذ يبلغ ما تستهلكه الوافدة بنسبة ٣٨٪ على أقل تقدير وهي نسبة تعدادها، وهذا بحد ذاته عبء على الموازنة العامة خاصة أنها مستهلكة أكثر مما أن تكون منتجة،... نتساوى معها في الامتيازات الخدمية التي تقدمها الدولة للمواطن؛ كالكهرباء، والماء والمحروقات، والنقل و الطرق والمرافق الترفيهية العامة، ليس هذا فحسب بل هذا يعني إننا استوردنا ٣٨٪ ثقافة وسلوك يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا

 

الوافدون يتشاركون معنا بنسبة ٣٨٪ كأشخاص بالغين بينما نتشارك معهم بنسبة ٦٢٪ مع أسر (أطفال- غير بالغين) يعني هم أكثر منا استهلاكا للخدمات المدعومة هذا بالإضافة إلى المخلفات التي يرمونها عشوائيا في الشوارع والسكك من علب واكياس وعبوات وفضلات طعام ومخلفات بناء في الأودية دون مبالاة مما يضيف عبئا على موازنة البلديات المحلية

 

حسب إحصائيات ٢٠٢٠ يبلغ إجمالي عدد سكان السلطنة حوالي ٤ ملايين و ٤٧١ الف نسمة، و يبلغ إجمالي عدد السكان العمانيين ٢ مليون و٧٣١ مواطناً، ويبلغ عدد اسرهم ٤٠٦ ألف أسرة، بينما يبلغ إجمالي عدد السكان الوافدين مليون و٧٣٩ ألف وافداً، أي بنسبة ٣٨.٩٪ تقريبا

 

حيث تشير آخر إحصائية عند كتابة هذا المقال بأن ترتيب

عدد الوافدين الذين يعملون في سلطنة عمان حسب الآتي

 الجالية الهندية حوالي ٦٧٤ الف

 الجالية البنغلادشية حوالي ٦٠٠ الف

الجالية الباكستانية حوالي ٢٢١ الف

 الجالية الاثيوبية حوالي ٢٣١ ألف

 الجالية الإندونيسية حوالي ٣١ ألف

 الجالية الفليبينية حوالي ٣٤ الف

 الجالية المصرية حوالي ٢٤ ألف

الجالية النيبالية حوالي ١٣ ألف

الجالية السريلانكية حوالي ١٦ الف

 بقية الجاليات حوالي ٧٤ ألف

 الجاليات التي بها عدد الذكور اكثر هي كالتالي

 الهندية ٦٣٧ ألف

 البنغالية ٥٦٨ ألف

 الباكستانية ٢٢٠ ألف

 المصرية ١٨ ألف

 النيبال ٩ ألف

 الجاليات التي بها عدد الإناث اكثر، و ربما اكثر لعل العاملين بها في مهنة خدم منازل وهي كما يلي

 اثيوبيا ٢٢ ألف

 إندونيسيا ٣٠ الف

فليبين ٢٣ ألف

سيرلانكا ٨ الف

 حيث يأتي عدد الجالية الهندية في المرتبة الأولى تليها الجالية البنغلادشية في المرتبة الثانية، ثم الجالية الباكستانية في المرتبة الثالثة، بينما تأتي الجالية الفليبينية في المرتبة السادسة، هذه الجاليات الأربع وبالذات الثلاث الاولى اكثر استحواذا للأعمال التجارية والخدمية، وتعتبر منافسا كبيرا للأيدي العاملة الوطنية

 

يتركز أعمال الجالية الهندية في تجارة الجملة، والاعمال الإشرافية في قطاع هندسة الإنشاءات واعمال الكهرباء وميكانيكا السيارات، ويتركز معظم أعمال الجالية البنغلادشية في أعمال البناء، و ورش الحدادة والالمنيوم والزراعة، والحلاقة، وخياطة الملابس، وبعض تجارة التجزئة، أما الجالية الباكستانية تتركز معظم اعمالها في قيادة الشاحنات والمعدات الثقيلة، وصيانة الاجهزة الكهربائية المنزلية، كالثلاجات والمكيفات، أما الجالية الفليبينية تتركز اعمالها في تجارة التجزئة، خدم منازل، والقطاعات الفنية التخصصية والطبية

 

هناك كثير من الأعمال التي يمكن ان تحل الآلة محل الأيدي العاملة التقليدية، لعل جائحة كرونا كانت أكبر برهانا؛ إذ ثبت بأن الذي كان يعتقد في السابق مستحيلا اصبح ممكنا، لذلك التحديث مطلوب خاصة في قطاعات التي تكثر فيها الأيدي العاملة الوافدة

 

هذه المعلومات بالطبع ليست جديدة أو غريبة على الجهات المسؤولة ولكن من باب التذكير " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"... لا شك هناك بوادر من الحكومة في التقليل من الأيدي العاملة الوافدة؛ ولو أن الإجراء بطيء؛ إلا أن التأني مطلوب، لإعطاء فرصة للتدريب أن يأخذ مجراه الصحيح، وهذا بلا شك مسار جيد، خاصة أن الحكومة أخذت على عاتقها بادرة توفير التدريب العملي لباحثي عن عمل

 

هناك سعي لدى الحكومة لإدخال التكنولوجيا في بعض القطاعات الانتاجية و المهنية على سبيل المثال؛ ما تم مؤخرا التعاقد على ادخال تقنية طابعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الإنشاءات وهذا من شأنه أن يقلل من الأيدي الوافدة ويبشر بمستقبل مشرق للأيدي العاملة الوطنية إن شاء الله

وايضا، لا بد أن يصاحب في ذلك تغيير في نمط التفكير لدى الافراد ويكمن في ثلاث خطوات

 

 نبذ الاتكالية لدى الافراد والاعتماد على الذات على الأقل في الاعمال البسيطة، وعدم اسناد أي عمل لوافد غير مصرح له بممارسة مهنة إن لم يكن مصرح له بممارستها خاصة في الاعمال الكهربائية التي تتطلب الحرص على السلامة

 

تبني فكرة تقليل الاستهلاك لدى الافراد والاتجاه الى التوفير واستغلال المصادر بشكل جيد

 

الاتجاه الى التعليم التقني، والثقافة المهنية بشكل أوسع وتيسير السبل لمخرجات التعليم التقني في خوض عمل الحر، وتوفير الحماية من المنافسة الغير عادلة لرواد الأعمال الصغار، علما بأن ما نجلبه من عماله وافده هو لحاجتنا للمهنيين لسد النقص عندنا

 

 وهذا يعني أيضا يجب أن يحدث تغيير في سياسة البرامج الإذاعية العامة فيما يختص بتوجيه الرأي العام، يجب التركيز على التثقيف التقني والتقليل من البرامج التقليدية السائدة "انسخ ولصق – معلومات غير ابداعية" غير جاذبة،... لشد انتباه المواطن العادي، الإعلام يجب أن يعطي ويعكس صورة حقيقية عن الشارع ألا يكون مؤطرا في نطاق محدود...وفي صالح المسؤول