-
-
الدبلوماسية العمانية أصلها ثابت - ٢١١
الكاتب: ظافر بن عبد الله بن أحمد الحارثي (ماجستير قانون)
To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع
الجدير بالذكر أن هذه السياسة التي إنتهجتها السلطنة ليست بجديدة، بل كانت هذه هي سياسة العُمانيون منذ العصور الإسلامية الأولى وما قبل ذلك والتي إستمرت وتواصلت عبر العصور وتطورت حتى يومنا هذا.
سلطنة عُمان من الكيانات الحضارية القديمة، لذى أفضل مكان نبحث فيه عن الدبلوماسية العمانية وبداية معالم نهجها السياسي هو التاريخ العماني؛ والذي عند الحديث عنه لابد من الوقوف والإشارة على المحطات التاريخية المتمثله في الحروب والإنتصارات التي بدورها ساهمت في تكوين الدولة العُمانية اليوم وكذلك أثرت في المبادئ السياسية التي تقوم الدولة عليها؛ بدءا من معركة (سلوت ) والتي ارتبطت بهجرة مالك بن فهم وقبائل الأزد إلى عُمان، حيث كانت هذه المعركة بينهم وبين الفرس والذي ابدى فيها هذا القائد خيار السلام والتفاوض للتعايش قبل المضي بخيار الحرب والتدخل العسكري نتيجة رفضهم، لينتصر بعدها ويشكل إنتصارا كبيرا للعرب، وذلك قبل أن ينتقل الحكم لأسرة معولة بني شمس ثم دخول الإسلام بعدها بمقدم عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي حمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لملكي عُمان ابني الجلندى اللذان لبوا رسالة النبي بالقَبول دون دمٍ وحرب، ليأتي بعد ذلك عصر حُكم الإمامة ودولة بني نبهان ثم دولة اليعاربة الذين كرسوا جهودهم في توحيد الدولة من ناحية والحفاظ على سيادتها واستقرارها وصونها من ناحية أخرى، من خلال طرد البرتغاليين بقيادة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي والإمام سلطان بن سيف والذين تبعوهم بعد ذلك، حيث شهدت هذه الفترة كذلك الكثير من قيم التسامح وإرساء أسس صالحة ودواعم قوية من الأمن والتعايش من خلال الإتفاقيات والمعاهدات (كمعاهدة ريام للهدنة مع البرتغاليين)؛ ليستمروا بعد ذلك الدولة البوسعيدية بنفس هذا النهج (كقيام إتفاقية السيب على سبيل المثال) بل يطوروا من ذلك لما فيه المصلحة العامة للشعب الدولة.
وعلى الصعيد الخارجي شهدت المحطات والمعارك التي عُرفت بما وراء البحار (خارج حدود عُمان)، توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة والإحترام المتبادل، فعلى سبيل المثال؛ توقيع الإمام الجلندى بن مسعود اتفاقية سلام في جزيرة سقطرى تمثلت في عدم الاعتداء على المسلمين مقابل حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية للنصارى وكذلك تحقيق التعايش بينهما والتعاون فيما يتعلق بالتجارة، والذي قد نُقض من قِبلهم بعد فترة زمنية، ليستنجدوا العرب بالصلت بن مالك الخروصي لتحرير جزيرة سقطرى والذي استجاب لهم مع حرصه على تحميل قادة الأسطول المُحارب بالمبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية أثناء المعركة؛ وغيرها من المحطات التي نستنتج فيها توافر خصال التسامح وقيم السلام في أرض وشعب عُمان (على سبيل من المحطات الأخرى التواجد العُماني في ممباسا والبصرة).
وفي الألفية الجديدة؛ لعُمان مواقفٌ تاريخية مسجلة، وتفاعل دوليًا مؤثرًا سواءً في تعزيز قطاع الحوار عن طريق لعب دور الوسيط أو دعوة القيادات المختلفة لحوار مشترك، إلتزامها الحياد الدائم والوقوف مع صاحب الحق، إتخاذها ردة فعل متوازن مدروس مراعية فيها مصالح الشعوب وإستقرارها، وإحترام المواثيق والقوانين الدولية المعترف بها؛ وعلى الصعيد الداخلي إقامة نظام عدل قوي سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين دون تمييز وتوفير حياة إنسانية كريمة لكل فرد مقيم على أرضها.
كل ذلك يجعلنا نتيقن تطور هذا النهج عبر الزمان، ليصل إلى أرقى صوره مواكبًا متطلبات العصر اليوم ومتغيرات العالم وتقدمه، فلم تكن تلك السياسة وليدة العصر الحديثة فحسب، بل إرتبط وجوده فينا من خلال تعاليم ديننا السمح، عاداتنا وتقاليدنا السليمة المتوارثة، ومع بزوغ فجر النهضة المباركة بسبب قيادتنا الحكيمة أصبحت في مناهجنا وأسلوب حياتنا؛ والجدير بالذكر أن للقيادة والشعب أدوار بارزة في صياغة التاريخ الحديث لعُمان، كلٌ حسب إختصاصه وموقعه، وحسب إمكانياته وقدراته؛ لتتوج كل تلك الجهود عبر الأزمنة، المكانة المرموقة التي عليها اليوم هذا الكيان القوي، مما يزيد من ضرورة المحافظة على هذه المكتسبات والمضي بها بحرص شديد حتى لا تنحرف عن الطريق السليم، لتتعاظم يومًا بعد يوم المسؤولية المشتركة بين القيادة وبين الشعب وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة لتكملة هذا المنهج الإستثنائي المتفرد في منطقتنا وإستمرار بما بدؤا وآمنوا به العُمانيون.
- عبد الله السناوي - شارك
-