-
-
جريمة القتل في قانون الجزاء العماني - ظافر بن عبد الله الحارثي
” لا مجتمع بلا قانون” من القواعد الأساسية الذييتعلمها طلبة القانون في كتب المداخل، وهي العبارة التي لابد لأفراد المجتمع كلهم أن يفهموها، إذ وجودنا وعدمه مقترن بمفهوم الأمن والاستقرار وخلو المجتمع من الفوضى وانعدام النظام؛ ولعل للنّفس البشرية الآمرة بالسوء دورا محوريا في سلوكيات الإنسان التي إن لم تقوّم بالطريقة السليمة؛ فإنها تنحرف عن الصراط السوي المستقيم، ومن هذه الأفعال إزهاق روح إنسان بفعل إنسان آخر بطريقة غير مشروعة؛ وهو ما يعرف بجريمة القتل، وهي أقدم جرائم الإنسانية وأولها من حيث ارتكابها؛ وفي القرآن الكريم في سورة المائدة إشارة إلى ذلك.
قانون الجزاء العماني الصادر تحت المرسوم السلطاني رقم 7/2018 بطبيعة الحال تناول جرائم القتل تحت عنوان جرائم الاعتداء على الإنسان، وبالتحديد الواقعة على حياة الفرد، ولما كان من البداهة أن لجريمة القتل العمد خطورة وأهمية اجتماعية تمس أهم حقوق الأفراد، وهو الحق في الحياة؛ فكان لابد من تسليط الضوء عليها؛ إذ من الأمور التي لا يقبل فيها النقاش أن الحفاظ على حياة الأفراد حفاظ على حياة المجتمع بأكمله، ومن هذا المنطلق المنطقي العادل كان لازما على المشرّع أن يوقع العقوبات الغليظة القاسية لمرتكبي هذه الجرائم، فالقتل العمد جريمة لها أركانها المتمثلة في الركن المادي الذي يتضمن النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية والعلاقة السببية بينهما، والركن المعنوي الذي يعول عليه في تحديد مدى توافر عنصر العمد، الذي بدوره يؤثر في العقوبة الموقعة لمرتكبيها؛ وكذلك كما أن لهذه الجريمة أركانًا؛ فإن لها شروطا وجب تحققها حتى نكون بصدد هذا النوع من الجرائم، وهي: أولا: أن يكون المجني عليه إنسان، وهو ما يدل على خروج الجنين في بطن الأم والميت من الوصف، إلا ذلك لا يعني عدم وجود قواعد حمائية لهما قررتها القوانين. ثانيا: أن يكون الفاعل في القتل إنسان؛ إذ لا نكون بصدد جريمة قتل عمد إذا كان فاعلها حيوانًا هائجًا أو كانت بفعل الطبيعة، وذلك لا يعني أن يكون الإنسان هو من استعان أو وجه لارتكاب الجريمة، فيسأل هنا ويحاسب نظرا لأن الإرادة هي مناط المسؤولية. ثالثا: اختلاف المجني عليه عن الجاني حتى نكون بصدد جريمة قتل عمد.
وفي جريمة القتل العمد، للقصد الجنائي – الذي يعرّف بمدى علم الجاني بانصراف إرادته إلى ارتكاب فعل مخالف للقانون- أهمية نظرا لتناسب العقوبة مع الفعل المرتكب وتوقيع ما يناسب الجاني، كما أن للقصد الجنائي كذلك أنواع، وذلك لمعرفة الظروف الخارجية للجريمة المتعلقة سواء بالإرادة أو العلم. والجدير بالذكر أن المشرّع ضمن ما تعرف بالظروف المشددة التي مع توافرها في هذه الجريمة توقع العقوبة القصوى، ومن هذه الظروف على سبيل المثال: سبق الإصرار والترصد، ووقوع القتل على أصول الجاني، ووقوع القتل باستخدام وسائل التعذيب، وإذا كان القتل تمهيدًا لجنحة أو جناية، وإذا ما وقعت على شخصين وأكثر وغيرها من الأسباب؛ على أن القانون وبالتحديد القانون الجنائي تناول كل فعل أو جريمة أدت نتيجتها إلى إزهاق روح إنسان على حدة، وبصورة مفصلة، مراعيا فيها ما يناسبها من عقوبة لتكون رادعة زاجرة، فمن خصائص الجزاء الجنائي أن يكون ذا إيلام، وأن يكون هذا الإيلام مقصودا، بحيث يهدف من خلاله منع المتهم نفسه من ارتكاب الجريمة وتكفيره عن الذنب ومنع الأفراد الآخرين من ارتكاب الجريمة.
القانون الجنائي هو مراة عاكسة للظواهر الدارجة في المجتمع، فكلما ظهرت سلوكيات مخالفة نرى تدخل التشريعات لتنظيمها أو للحد منها؛ وهنا دعوة للأفراد أن يكونوا ملمين بحد مقبول من الثقافة القانونية، وأن يخضعوا لقواعد القانون طواعية، فوجوده ليس من أجل إرهاب الناس؛ بل لحفظهم وحمايتهم. ومع الواعي تتعاظم دائرة التعامل بالأخلاق وتتسع، لتضيق دائرة التعامل بالقانون- عبد الله السناوي - شارك
-