-
-
بعض التصرفات الفردية-د
لاأدري من صور رسالة عضو ولاية إبراء في مجلس الشورى ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل أتت من داخل المجلس أم أنها من صاحب الرسالة ذاته شخصياً صورها لأحد أصدقائه، أو أقربائه أو أنصاره، ومن ثم نشرت من قبل هؤلاء المعارف؟ أم أن هناك بند في قانون مجلس الشورى يجيز أو يطلب من العضو المستقيل أن ينشر نص رسالته عندما يعدل عن استقالته من مجلس الشورى بنشر نصها على الملأ عبر وسائل الإعلام المختلفة.على كل حال إن كان هذا أو ذاك، فلا أعجب، لقد اعتدنا أن نرى رسائل بعضها حكومية؛ تصور وتنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا شيء مؤسف وخطير لم نعتاد عليه، نحن قدامى الموظفين، ليست المسألة من باب الصداقة أو الزمالة أن يخص صديق صديقه بشيء اؤتمن عليه من معلومات في حدود مسؤوليته في العمل ثم يقوم بنشرها بعلم أو بغير علم أصحاب الشأن، بعض هذه الأمور حكومية ومحظورة وتنظمها قوانين.
في أيامنا كنا نلحق بدورات تعريفية عن مسؤوليات أعمالنا ودورات تدريبية مختلفة متعددة عن أمن المعلومات وأمن المنشآت والأفراد وكان الفرد منا لا يرقى إلى منصب أعلى في عمله دون الخضوع لهذه الدورات؛ أما ما نراه الآن في عصرنا الحاضر يبدو أن الأمر مختلف...بل عكس ذلك؛ معلومات تسرب دون مبالاة بالنتيجة، وأنا هنا لا أعني تلك الرسالة بل أتحدث بشكل عام، وكما نعلم بأن المعلومة التي تسرب ناقصة تكون نتائجها سلبية، والجيل الحالي الذي تسلم منا المسؤولية نراه كأنه غافل، لا يدرك أهمية ذلك، يرى كل شيء في يده سهلاً... يخص به من يشاء، غير مبالٍ إذ لا يرى قيمة ما يملكه من معلومة، كل همه أن يبرز بأهميته في "جروب" التواصل الاجتماعي، أمام أصدقائه، والسبب أنه يستبسط الأمر ولا يطلع على القوانين.
وللأسف الشديد أقولها بحزن أن بعض الأخوة أو الأبناء من الشباب (أكرر وأقول البعض)...ممن استوظفوا أو نالوا مناصب من جيل الشباب أصحاب مظاهر وتباهٍ أمام الغير: showoff كما يقال بالانجليزية، إذ هَمُ الواحد منهم الهندمة واقتناء السيارة الفارهة وإطلاق عنان لسانه في التحدث عن شيء أمام معارفه بينما هو لا يدرك أهميته،... قد تكون في أشياء تضر بسمعة الدولة، خاصة إذا تسربت المعلومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالإنترنت كما نعلم ليس له حدود. فمثل هؤلاء ليس في باله أن يعطي ما عنده، أو يفيد غيره من خبرته، أو يبذل جهداً لخدمة المجتمع بقدر ما يريد من البعض أن يصفق له، فتجده مثلاً؛ ينتقد، يتذمر، ويتصيد أخطاء الغير؛ ليعزف على أوتار حساسة في الشباب من أجل استمالتهم حتى يُحَمسن شعبيته.
حتى يحصل على اللقب السحري الذي يؤهله دخول مكاتب كبار المسئولين من أوسع أبوابها...لينال ما يمكن أن "يُسَلك- يُسير أموره الشخصية"؛ ينسى بأن عليه الشكر والواجب تجاه الذين توجوه، أو الغاية التي وجد من أجلها. وكثير من هؤلاء "الحماسيين" ساعدهم الحظ دون غيرهم في نيل المناصب ربما بسمعة ذويهم، )و لو أن هذا الكلام لا يصدق في وقتنا الحاضر ولكنه من الواقع(، ومن أسباب الفوز بالوظيفة أيضاً؛ قد يكون التخصص الذي قد لا يتوفر في غيره؛ أو وجد من يدعمه دون غيره، كل هذه احتمالات واردة، ولكن لا اعتراض على هذا أبداً...أبداً، ولم لا؟ فمن حق الإنسان أن يحلم ويؤتي ما لديه من طموح شخصية وإيجاد أوسع الطرق لتحقيقها، ولكن القول "في كثير من الأحيان الاختيار لا يأتي بسبب الخبرة والقدرة أو الكفاءة" وتحمل المسؤولية، وفهم احتياجات المجتمع العامة الحقيقية؛ ليس لديه إلا ما يُزمِر ويُطبل به.
ومن الشواهد التي رأيناها مؤخراً في تصرفات بعض الأشخاص؛ تلك التي أتت من قبل أحد الأعضاء بمجلس الشورى؛عندما لم يتفق رأيه مع بعض الإجراءات التي طرحت فيها بعض المواضيع للنقاش، حيث كانت طريقة اعتراضه انفعالية، لم تكن تعبر عن المنطقة التي يمثلها، كان انفعالاً شخصياً؛ وكان من المفترض أن يعكس اعتراضه انطباعاً جيداً وموضوعياً، إذ أن "الاختلاف في الرأي... لا يفسد للود قضية"، الاعتراض يجب أن يعطي انطباعاً جيداً عن الجهة التي يمثلها ـ لا من أجل إبراز أهمية وجوده، وهذا كان واضحاً حتى من صيغة الرسالة التي قدمها هذا العضو عند العدول عن استقالته إذ ذكر مصلحة المجلس دون أن يذكر مصلحة الولاية التي انتخبته لهذا المنصب، وكأن المجلس استوظفه من أجل خبرته، لا لمصلحة الولاية،... كما أنه كان من الواجب منه أن يتداول الأمور التي لا يتفق عليها أو معها بحكمة ودبلوماسية، لا بانفعالات مشجعي مباراة كرة قدم، العمانيون معروف عنهم بسعة الصدر، وتقبلهم السلب بحكمة.
للأسف كل ما يملكه بعض الشباب )وأقول البعض (هو الحماس الشبابي والتسرع دون الرجوع للكبار (من يكبرهم سناً) أو أصحاب الفكر والخبرة، أسوة بالمثل الذي يقول" أكبر منك بيوم أعقل منك بسنة". التصرفات الفردية في بعض الأحيان تعبر عن البيئة التي نشأ فيها الشخص، (إذا كان مدللاً، أو ميسوراً، أو معسوراً... يحصل على ما يريده بسهوله، أم عليه شق الحجر)، هناك فجوة كبيرة وحلقة مفقودة في عصرنا الحاضر بين الأبناء و الأباء، نتيجة تدخل الوسائل الحديثة التي قربت البعيد وأبعدت القريب - قربت الأشياء وأبعدت الأبناء عن الأباء.
ربما كثير من الشباب في هذا الجيل لا يعلم كيف كانت المعيشة في عمان وكيف كان الناس متقاربين، وكم من جهد بذله أباؤهم من أجل عُمان حتى استقام الوضع وأخذت عُمان وضعها الطبيعي بين دول العالم. عدد كبير من المواطنين ممن شاركوا في هذه النهضة أكمل تعليمه و هو على رأس عمله بسبب الظروف المادية وتحمل أعباء تربية أخوانه الصغار دون تذمر. لم نعتاد على كلمات التدليل أو تخصيص برامج خاصة في شبابنا كما نراه اليوم بما خصص لهذه الفئة من المجتمع لكي ينهض، إلا ربما بعد عام 1983، عام الشبيبة، إذ كان حالنا حال الكبار، لذا فهمنا معنى المسؤولية.
ومن يقول هذا دهر وذاك دهر نقول له نحن من وضع حجر الأساس الذي ارتكز عليه البناء؟ فأنت جئت ووجدت كل شيء مهيأ لك على أمل أن تكون "خير خلف لخير سلف" فخبرة الشباب لا تكفي دون مساندتها بخبرة الشِيب – كبار السن، فكما للشباب حقوق، فلكبار السن حقوق أيضاً، لأنهم ربوا وتنازلوا عن الكثير من حياتهم من أجل تربية أبنائهم - هم الوالدة والوالد، كما أن القرآن الكريم كرمهما ووصى بالوالدين، والمثل يقول "من استشارك دخل في ذمتك"، لا يمكن أن يدار كل شيء شباب بشباب فالخبرة مطلوبة، ومن يرى أعضاء البرلمانات الأوربية أو الغربية بصفة عامة؛ سيجد أنهم من كبار السن، الذين أكلوا من الدهر وشبعوا ويكرسون حياتهم لخدمة المجتمع، لا من أجل تحقيق مكاسب معينة على حساب أصوات الفقراء.
في الانتخابات إذ نرى للأسف بعض المترشحين لمجلس الشورى يبذلون الجهد المميت - ويسعون بأقصى ما يمكن، وبأي طريقة للفوز في الانتخاب، بعضهم ليس لشيء إلا للوجاهة وتحقيق الذات، وبعد أن يشرف باللقب، ويجد طريقه لنيل مبتغاه ينسى من كان السبب في نيله لهذا الشرف، والأدلة كثيرة، حتى أن البعض منهم لا يرى إلا في المناسبات الرسمية أو المجاملات الاجتماعية كالأعياد والأعزية فقط،... حاله حال غيره، وإذا جلس فإنه يجلس مع من في محيط دائرته.
أنا اشدد على الرجوع إلى كبار السن واستشارتهم بدلاً من الإنفراد بالرأي أو اقتصار اللقاءات مع القرناء، (الأصدقاء أو من نفس العمر)، فكبار السن كنز الخبرات بالرغم من بساطة مظهرهم، ففيهم التاجر، والمثقف، والمغترب، والمتقاعد. الدول المتقدمة لا تهدر الطاقات فتجد البعض منهم يعطي ويكرس حياته لخدمة المجتمع دون أن يُطلب منه، لعل تعيين الأعضاء بمجلس الدولة عندنا مثال لهذا، أرجو من الأخوة الذين سيترشحون للانتخابات القادمة أن لا يغتروا بتعليمهم ويهمشون ممن أقل منهم تعليماً لعل هؤلاء أكثر منهم ثقافةً، إذ ليس بالضرورة كل متعلم مثقف هناك من يقرأ وهناك من لا يقرأ خاصة بعد أن ينال الشهادة الدراسية وينشغل بالحياة.
المعيار التعليمي وما يملكه الفرد من شهادات ليس دائماً الذي يرجح كفة المترشح في انتخابات مجلس الشورى، أنا أعرف بعض ممن ترشحوا للفترة الحالية لديهم شهادات عالية ـ درجة الدكتوراه، مع هذا لم يحالفهم الحظ، بطبيعة الحال مثل هؤلاء انطوائيون نوعاً ما، قليل منهم من يحالفه الحظ، تراهم منزويين بكتبهم وأبحاثهم، لا يعرف الناس معادنهم.
هناك عوامل عديدة تتحكم بالفوز في الانتخابات البرلمانية؛ منها شعبية المترشح مثلاُ، سمعته أو سمعة ذويه الاجتماعية، أو مركزهم الاجتماعي أو خلفيتهم الثقافية التي تحظى بتقدير الناس، (من بيت عِلم مثلاً)، وأيضاً الخلفية العملية كمن عمل في أجهزة الدولة، الناس تحترم ذوي الخلفية الأمنية كثيراً؛ على وجه الخصوص ممن عملوا في جهات أمنية إذ نسمع أحياناً؛ "بأن فلان طلب منه سحب ترشحه من قائمة الترشح لأنه غير مقبول أمنياً" ومن أساليب الفوز أحيانا النزعة القبلية عندما تحشد من أجل رفع عدد الأصوات، دون أن يدرك هذا الحشد بأمانة صوته، وهناك من يلجأ إلى الأسلوب الملتوي الذي يلجأ إليه بعض المترشحين كدفع المال مثلاً، على كل حال بصرف النظر عن الطرق والأسلوب الذي يتم فيه اختيار المترشح، لكن، يعم رضا تام لدى الجميع عدما يحسم الأمر بمرسوم سلطاني، ويبقى للفائز "الميدان يا حميدان" إذ على العضو أن يبرهن ما عنده من كفاءة.
يرى البعض عزوفاً لدى بعض المتقاعدين عن الترشح لانتخابات مجلس الشورى أو المجلس البلدي، مع العلم هم الأنسب بما يملكونه من قدرات وخبرات معرفية، واتزان، ورجاحة عقل؛ بحكم السن. إلا أن كثيراً من هؤلاء المتقاعدين غائبين عن ولاياتهم منذ فترة، ومنهم من لا يأتيها إلا في المناسبات الخاصة، ولا تتعدى زيارتهم لها عن بضع ساعات إن لم تكن دقائق في بعض الأحيان، بعضهم استقر سكنه في مسقط مع العلم أنه يحتفظ بسجله الانتخابي لولايته ولكن هذا كنوع من الشرف والولاء للولاية، وإذا أنتخب مترشحاً فإن انتخابه يأتي من باب العاطفة، أو بالأحرى مجاملة للمترشح أو ذويه (ابن فلان، ابن صديق أو زميل في العمل)، وهذا ما حدث فعلاً و اختبرناه في السابق، ومن هؤلاء المتقاعدين ممن يرى بأن الحكومة ملمة بكل شيء لا تعتمد في برامجها على ما يحمله العضو من أفكار (ما هي إلا تحصيل حاصل) إذ لدى الحكومة وسائلها الخاصة ما يجعلها تعرف كل صغيرة وكبيرة، عن السكان والقرية والولاية أو المحافظة، واحتياجات الناس من الخدمات اللهم إلا أن تبقى مسألة أولويات التنفيذ، لربما يأتي هنا دور عضو مجلس الشورى، سواءً أكانت المسائل على الصعيد المحلي أو الدولي.
بعض هذا الرأي قد يكون منطقياً شيء ما، فلدينا مثلاً نظام إحصاء دوري قراءاته قريبة من الصح عن تعداد السكان وتوزيعهم الديموغرافي، بما فيهم المواطن أو المقيم، كما لدينا نظام سجل مدني دقيق، مربوط إلكترونياً مع أهم المؤسسات الخدمية الرسمية، ولدينا سجل دقيق أو شبه دقيق للقوى العاملة المحلية والوافدة، ولدينا مؤسسات تعليمية مرتبطة ببعضها، وإحصاء عن مخرجاتها التعليمية، ولدينا مجلس للتخطيط أي بمعنى أي معلومة تتعلق بالاقتصاد والقوى العاملة، والمشاريع الاستثمارية متوفرة يمكن أن تطلب بكبسة زر ذلك بفعل التقنيات الحديثة، حيث بعض المعلومات الاقتصادية أو الإحصائية متاحة للجميع ما عليك إلا أن تقتني هاتفاً ذكياً، وتستعين بالعم "جوجل" إذ أن تعداد سكان عمان ليس بذلك التعقيد، لا يتجاوز العدد عن أربعة ملايين وخمسمائة ألف، ما يقارب نصف هذا العدد أجانب، لربما سكنوا في الصين في أربعمائة عمارة، والشعب العماني بصفة عامة متجانس بالرغم من تعدد طوائفه وثقافاته، ومذاهبه، مُهَذب، متحاب، مطيع للقوانين ومتفهم، سهل في تقبله للوضع في حالة الأزمات، قلما تجد مثل هذه الصفات في شعب خليجي أو في شعب عربي آخر.
على كل حال زبدة الكلام، بأننا كلنا أسرة واحدة، سواءً الذي يعمل في وزارة، أو في برلمان، أو في مؤسسة اقتصادية أو أمنية إن لم يكن في هذه المؤسسات أخوك، فهو قريبك، أو صهرك أو من أبناء قبيلتك، نحن لسنا في أمريكا يحكمنا قوة القانون فقط، بل لدينا مبادئ وأخلاق منبعها ديننا الحنيف، فإن انتقدت لا تنتقد إلا نفسك، كما يقال في الإدارة "لا تنتقد بل اقترح وساهم" والله سبحانه تعالى يقول في سورة المائدة"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" صدق الله العظيم
- عبد الله السناوي - شارك
-