1. اتق شر من أحسنت إليه-د3

      To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown

       ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع

      اتق شر من أحسنت إليه

      منذ مدة أرسل إلي مقطع فيديو على وسيلة التواصل الاجتماعي  (الواتساب)؛ بعنوان" ماذا لو اتحد العرب؟ " وعد د المتحدث في المقطع عدة أشياء، تجعل العرب القوة الثالثة أو الرابعة في العالم اقتصاديا وسياسيا ، وعسكريا ، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والإتحاد الأوربي حسبما جاء في التقرير منقولا عن الوكالة الروسية " سبوتنيك " ، ولكن للأسف كلمة " لو " حلم لن يتحقق، وقد رأينا حال العرب اليوم في تدهور مستمر، بالرغم من أن لدى العرب القرآن لينير قلوبهم وطريقهم ويوحد كلمتهم، ولكن طالما لا نقرؤه ونتدبر معانيه؛ سيبقى حالنا هكذا في تدهور إلى أن تصبح الدول العربية مجزأة يحكمها الغرب، إن لم يكن سياسيا فمن المؤكد اقتصادي .


      وفي نظري فإني أرى أن حال العرب في حقبة الستينات والسبعينات كان أفضل بكثير عن حالنا في الوقت الحاضر؛ لأن حكام الدول العربية السابقين كان لديهم هدف واحد؛ هو القومية العربية. لا فرق بين دول المشرق العربي وبين دول المغرب العربي، ولا بين الشمال والجنوب، الدول العربية دولة واحدة تتحدث بلغة واحدة، وتدين بدين واحد، وتاريخ مشترك واحد، وما يصيب أحدها يصيب الأخرى، لذا كان التعاون بين هذه الدول وتدفق الخبرات ما بينها بلا حدود، بل كانت بعض الدول العربية مثل مصر والسودان وغيرها من الدول العربية المتفوقة علميا في ذلك الوقت تصدر أبناءها إلى شقيقاتها ألصغرى من أجل تدريس أبنائها، أو تنظيم اقتصادها، سواءا كان ذلك بعقود أو علي سبيل الإعارة، أو انتداب مؤقت. هذا التعاون خلق احترام الصغير لأخيه الكبير وحب الأخ الكبير لأخيه الصغير .

      وصارت الدول العربية الكبرى تستقبل طلاب دول شقيقاتها الصغرى في جامعاتها، سواءا كان ذلك على هيئة منح أو مدفوعة الأجر، مما عزز التعاون بين هذه الدول واتحدت شعوبها، فشعب الخليج العربي الناشئ كان يرى في الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر هو معلم العرب الأكبر  لأنه كان يدعم الدول العربية
      بسخاء مادياً ومعنوياً ، لكي تتحرر الدول العربية من قبضة الاستعمار الاقتصادية، ويتحقق حلم " فكرة القومية العربية (أي وطن عربي واحد) ماذا لو تحقق هذا الحلم حسب ما جاء في تقرير (سبوتنيك ) ؟ وإلا لما كان قد وصل بنا الحال كحالنا اليوم؟ من تشتت وضياع، يستخف كل منا بالآخر، واستعلاء وتكبر على بعضنا البعض. لكن على قول الشاعر أبي الطيب المتنبي:
      "ما كل ما يتمنّى المرْء يدْركه، تجري... الرّيا ح بما لا تشتهي السّفن"

      ليست وحدة العرب فقط تتمثل في الدين أو اللغة، أو التاريخ المشترك فحسب، بل في الأرض وتشابه التضاريس والبيئة وطبوغرافية الأرض، فإذا ذهبت إلى الريف السوداني مثلا أو جنوب مصر أو جنوب المغرب العربي؛ ستجد البيوت من الطين ومزروعاتهم من النخيل، ويستخدمون الدواب في تنقلاتهم ونقل منتجاتهم الزراعية، فحياة الريف عندهم شبيه لتلك البيئة في دول مجلس التعاون العربي وجنوب العراق، أيضاً هذا إلى كون لباسنا التقليدي واحد، في عمان نسميه الدشداشة، وفي الخليج الكندورة، وفي شمال أفريقيا الجلابية، وعمامة الرأس واحدة  وهكذا...إذن ما الفرق؟ لماذا هذا الاستخفاف والاستعلاء من قبل بعض أخواتنا المدرسات من شمال أفريقيا اللائي أتين لتدريس بناتنا في عمان؟ لا يا أخوات... نقول لبعضكن تمهلن، قد نكون الأفضل، فتواضع واحترام أخواتنا لكن هذا لأننا ننظر لكل من يأتينا للتدريس نظرة الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، مقتدين بقول أمير الشعراء :
      "قمْ للمعلّم ووفه التبجيلا... كاد المعلّم أن يكو ن رسولا"

      فالعماني لا يقل عن بعضكم ثقافة وليست عمان كما يظن البعض بل كانت القوة الرابعة في العالم بعد بريطانيا، وفرنسا والبرتغال بل حاربت هذه الأخيرة وأخرجتها من المنطقة، والعمانيون تشهد لهم البحار، حكموا من شرق إفريقيا إلى غرب آسيا، انظري إلى الخريطة، من لا يقرأ التاريخ العماني فتلك مشكلته، ومازلنا وسنزال أفضل الدول العربية استقراراً وأمنا هذا لأننا لا نتمرد على حكامنا، ولا نستخف بغيرنا، أو نقلل من شأنهم، كما فعلت بعض شعوب الدول العربية، من أجل أن تنفتح على الغرب، بمفهوم حرية الرأي وحرية الفكر أو حرية المرأة، هذا لأننا نقتدي بالكتاب والسنة، لسنا بحاجة إلى المستورد، والدليل بما يحدث في بعض الدول العربية من اضطراب وعدم الاستقرار كان نتيجة لتعسف في الفكر، والخروج عن الملة .

      لماذا لم يعتمد العرب على أنفسهم في تنمية مواردهم الاقتصادية والبشرية؟ لماذا زادت فجوة الخلاف والاختلاف بينهم؟ وكثرت حروبهم بين بعضهم البعض؟ هذا موضوع يطيل شرحه، والنقاش فيه .

      ولكن من جملة عشرات الأسباب التي أراها والتي قد يتفق معي البعض أو لا يتفق البعض الآخر؛ هي المادة، والسعي إلى الرفاهية الزائدة وأصبح الناس ماديين ... ونسى البعض منهم واجبه الوطني، وتحمل مسؤولية بناء بلاده وترك للحكومة كل شيء، وعندما عجزت الحكومة عن الاستفادة من مواردها البشرية أو إدارتها، استوردت الخبراء والأيدي العاملة من الخارج لكي تعينها في تنمية عمرانها واقتصادها .

      وللأسف دول الخليج بما فيها عمان استعانت بجيرانها الهنود والباكستانيين وغيرهم من شعوب غرب آسيا، لذا كانت لغة التعامل في التجارة والطب هي اللغة الإنجليزية، على اعتبارها لغة عالمية، ولكن مع توسع الأعمال الإنشائية والتجارية في المنطقة فتحت مجالا للهجرات الأسيوية، وبالذات من الهند وبنجلادش، وباكستان والتي كانت الهجرات الأكبر من تلك الدول إلى المنطقة. ومع توسع الأعمال التجارية والإنشائية سادت لغة " الأردو " في هذه البلاد وهي اللغة المشتركة التي تتكلمها هذه الجاليات الثلاث والتي سبق ذكرها، حتى أنها أصبحت لغة التعامل الشفهي في مجال الأعمال، وبزيادة عدد العمالة الوافدة من هذه الدول الثلاث، نشأت أسواق لهم كما نعلم، وانتشرت التجارة المستترة لأنهم وجدوا المناخ والبيئة المشجعة لهم.


      بقى مجال التعليم الذي لا بد أن يكون باللغة العربية لأنها هوية البلد، ولا بد من الاستعانة بدول شقيقة لسد النقص في الأيدي العاملة الوطنية، فتم الاستعانة بمدرسين من مصر والسودان والأردن وتونس، هذه أكبر الدول العربية التي تم الاستعانة بخبراتها في مجال التعليم العام، وما زالت هذه الجاليات تعمل لدينا في مجال التعليم ولو أن العدد قل بكثير عما كان في السابق بعد أن بدأت الأيدي العاملة المحلية تحل محلها، هناك تخصصات في التعليم العام كالعلوم والرياضيات والفيزياء مازالت بحاجة إلى مدرسين وافدين عرب . أبرمت عمان عدة اتفاقيات تعاون مع شقيقاتها وبالذات دول شمال أفريقيا، وساهمت عمان بهذه الاتفاقيات إلى حد كبير في حل بعض المشكلات الاقتصادية كالبطالة في تلك الدول بإيجاد عمل لبعض أفراد شعوبها نسبة لحاجة عمان لبعض التخصصات العلمية المطلوبة في نظام التعليم العام . فالإنسان العماني كريم بطبعه وودود وبسيط، يتجلى ذلك في مظهره وحسن تعامله مع الآخرين، ونادر ا ما يظهر عما عنده، علمته ظروف الحياة هكذا " قرشك
      الأبيض ليومك الأسود " وعلمه دينه حسن التعامل مع ضيفه إقتداءً بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة  رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير ا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) رواه البخاري ومسلم.

      ولكن للأسف بعض هؤلاء الوافدين اغتنم فرصة جلب المال بطريقة أو بأخرى وبكل ما يستطيع، لا يهمه الإخلاص في الواجب الذي أتى من أجله، كل ما يهمه أن يخدم مصلحته الشخصية وفي أقصر مدة ممكنة، ليس كمن سبقوه من إخوانه الذين خدموا إخوانهم العمانيين بكل حب وإخلاص، وكانت نتيجة لاجتهاداتهم أن  تخرجوا
      قادة ومهندسين وأطباء، تولوا مسؤولية بلادهم، يدين لهم العماني بالشكر والعرفان الجميل، أما من أتى في  حاضرنا هذا ليس كمن قبله، تنقصه للأسف الأمانة بخلاف سلفه ... فقط أتى ليحقق مآربه الخاصة ويرحل .

      هذا لأنه أتى من بلد مخترب أصلاً، لبس ثوب غيره، ثوب الغرب ضاعت منه العروبة، تمرد الشعب على حاكمه لفق له التهم واستعان بأعداء العرب لإعانته على قلب نظام الحكم، واتخذ من حاكمه شماعة ليعلق عليها أخطاءه، كل هذا بسبب تقاعسه عن خدمة بلاده، التفت إلى مصالحه الخاصة سعي ا وراء جلب المال،
      فاختلق الأعذار، يأخذ دون أن يعطي، لماذا؟ ذلك من أجل أن يرضي الغرب ويفتح لهم سوق ا لمنتجاتهم، ( الموضة والموبايل، الموسيقى الراقصة والوجبات السريعة ( ، وعلى شأن أن يلبس البنطلون المرقع(الجنز )(  unisex والقميص(تي- شرت وتلبس هي  اللباس المتحد مع لباس الرجال ، لا شيء غير ذلك، وهذا فعلا ما نراه في المراكز التجارية التي انتشرت في ربوع الوطن العربي .

      ازدهرت أسواق العرب بموضة الغرب وبشتى أنواعها ) ملابس الفيشن - الماكياج الإفرنجي، مطاعم البرجر، مقاهي ستارباكس ( ، وأصبح الواحد منهم لا هم له عدا الجري وراء الكماليات تاركا الأساسيات خلفه، يفكر أن يقتني الموبايل والسيارة قبل البيت، من ) مول إلى مول ( يتسكع في المقاهي والمطاعم الباهظة .
      ولاقت البضائع الأجنبية رواج ا كبير ا في المراكز التجارية الحديثة ) المول ( خاصة من قبل إخواننا من شمال أفريقيا وبلاد الشام ممن يميلون إلى ثقافة الغرب، والجري خلف الموضة، أغرتهم الدعايات التلفزيونية، وعندما جاءوا إلى الخليج وجدوا ضالتهم في الأسواق الخليجية المزدهرة بهذا النوع من البضائع، فأنستهم المادة الالتزام بالواجب . أنا لا استطيع أن أفهم كيف لوافدة عربية مسلمة يفترض أنها تقرأ القران أن يطيعها
      ضميرها خيانة ما أؤتمن عليها؟ إذا كنت قد وقعت على عقد العمل بمحض إرادتك دون إرغام؛ لتدرس أبناء البلد الذي ائتمنك على أبنائها؛ إذن لماذا التذمر والبحث عن عمل إضافي في المدارس الخاصة في المساء؟ ألا تحتاجين إلى الراحة؟ ماذا لو علمت الوزارة عنك وهي التي وقعت معك العقد؟ قطع ا ستفسخه، كقول المثل العماني :)من بَغِيه كله فاتُه كله(، يعني من أراد أن يستحوذ الشيء كله فاته كله. أختي العزيزة " القناعة كنز لا يفنى، ومد رجليك على طول لحافك ".

      زعماء القومية العربية السابقين من ملوك ورؤساء- يرحمهم الله  كعبد الناصر، ومن كان يشاركه هَم الوطن العربي، كالرئيس النميري والرئيس القذافي والملك الحسن الثاني، والملك حسين، والرئيس الحبيب بورقيقبة، حمسوا أبناءهم في الماضي على خدمة أبناء وطنهم الكبير الوطن العربي  وشجعوهم على التضحية من أجل النهوض بالأمة العربية، لذلك كانت البعثات التعليمية لا تتوقف بين البلدان العربية، ويكاد المعلم المصري أو السوداني لا يجلس مع أهله في بلاده أكثر من أشهر قليلة، عاش متنقلا من بلد إلى بلد في دول الخليج العربي ليؤدي واجبه الوطني نحو أمته العربية، لا يهمه كم الراتب بقدر ما يهمه أن يخرّج جيلاً متعلماً من صنع يده، فيهم المهندس والطبيب والمعلم والقائد، رجالا wونساءً ... عظماء يزاحمون الأجانب، ليخرجوهم من البلدان العربية حتى تبقى أرض العرب للعرب، وليس لسيطرة الأجانب .

      وكانت حقبة الستينات والسبعينات وحتى بداية الثمانينات من أنشط الحقب ونالت عمان نصيبها وافياً من هؤلاء العلماء الأجلاء الذين لم يعرفوا الكلل والملل، منهم كان يدرس ليلا ونهار ا خارج ساعات العمل دون مقابل، حتى يتأكد من استيعاب ابنه الطالب للدروس، خاصة أبناء الريف والمناطق النائية الذين قد يحتاجون إلى قليل من الجهد، هذا المعلم العربي الجليل لم يتذمر بسبب ضعف الراتب، أو يتقزز من الأوساخ، كما سمعته من أختنا الفاضلة التي جمعتني معها الصدفة بمحطة الحافة بإبراء، بأن الطالبات يأتين إلى المدرسة وفي رؤوسهن القمل ولا لديهن أسلوب للتحدث مع المعلمة لأنهن من البدو، وبلادكم وسخة ... وأن البلاد التي أتت هي منها متحضرة ... والمدرسات العمانيات لا يمتلكن الشهادة الجامعية ... وأن عمان بلاد فقيرة، والمعلمات في المدارس التي تُدَرّس هي فيها يجمعن التبرعات للمعسرات، وأنها فوتت فرصة التوظيف في قطر ... والعمانيون بخلاء ... لا يرفهون على أنفسهم ... والسكك وسخة من الزبالة، وهن شحاتات أي العمانيات وإلى غير ذلك، ... ما هذا الكلام الجارح يا أختي؟ تقولين دون أن تدركي مع من تتحدثين؟ على الأقل احترمي ضيافته، استقبلك في بيته حتى تقضي حاجتك في مسقط .

      كانت الأخت مندفعة في الكلام دون إدراك، وكأن لا أحد يملك الشهادة الجامعية إلا هي، ومن تعلمهم من زنوج غابات أفريقيا-لا حول الله ولا قوة إلا بالله - ليتها تعلم من هم العمانيون، ليتها قرأت ولو الشيء اليسير عن عمان، للأسف أنه ومن المخجل أن ترى مدرسة لا تقرآ، خاصة إذا كانت وافدة وينظر إليها على أنها من الخبراء .

      لماذا هذا الغضب ينصب كله؟ ... فقط لأن مضيفك لم يتعاون معك في السلفة لشراء سيارة؟ وكيف يمكنه ذلك ولم يمض على تعارفكما إلا سويعات قليلة ... أقل من ثمانية وأربعين ساعة؟ هذا هو الفرق بينها وبين ممن سبقوها من المدرسات في السبعينات والثمانينات، بعضهن يتمنين إلى اليوم العودة إلى عمان، ليرين بناتهن أين
      وصلن من الرقي والتقدم، وكانت الواحدة من هؤلاء الفاضلات تقطع الفيافي والسيوح من أجل أن توصل  رسالتها التعليمية إلى البنت في المنطقة النائية، رفعت اسم بلدها وأحبها الناس وتفخر العمانية التي أصبحت اليوم مهندسة طبيبة ومديرة أو وزيرة بأنها تتلمذت على يد مدرسة مصرية أو سودانية أو أردنية أو مغربية لم
      تخن الأمانة لتبحث عن عمل جانبيي في المساء، مخالفة عقد العمل، وكل من تراه تستغله لتحقيق مآربها .

      أذكر من هؤلاء الأخوات مدرسة بإحدى مدارس جنوب الشرقية أو الوسطى، في أواخر السبعينات أو منتصف الثمانينات وقفت لها في الطريق وأنا عائد من مهمة عمل بجنوب الشرقية وكانت تتقاطر من العرق من شدة حرارة الشمس، معها أغراضها فسألتها عن وجهتها فقالت: "مسقط يا ابني" فقلت لها لماذا هذا التكلف؟
      الم تعطيك الوزارة أحد ا يوصلك؟ فقالت: معليش يا ابني دي حاجة خاصة، البركة فيكم المهم تتعلموا وتتخرجوا وتمسكوا بلدكم " وعندما سمعت تلك العبارات الدافئة تخرج من أم فاضلة كل ما يهمها أن ترى أبناء عمان يتولون قيادة بلادهم، قلت في نفسي لو طلبت مني هذه السيدة أن أوصلها إلى بلدها لما ترددت .
      هذا هو الفرق " كلمة طيبة كشجرة طيب ة أصْلها ثابت وفرْعها في السماء"  لم تتماد في الذم وتقول عن زميلتها العمانية في المدرسة كذا وكذا، أو الطالبات بهن كذا . القدح والقذف في الناس لا يجوز، ألم نقرأ هذا في سورة الحجرات :  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"

      نقول لأختنا الفاضلة طيب يا أختي؛ أنت معلمة استؤجرت لتعملين بعقد واضح ومفهوم، وقبلته بمحض إرادتك، جئت من أقصى شمال الوطن العربي في أفريقيا لنتعلم منك فاستري عيوبنا الله يستر عليك، وأنفعينا بعلمك. لماذا هذا القدح إذا كان الوضع لا يعجبك فنقول لك باللغة الأم كما قلت والتي تدرس في بلادك : pas de problem )  لا مشكلة ( أو كما يقول الإنجليزي : اقبله أو اتركه take it or leave it" " وَ "وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ"  لكن لا نلومك، جئت من بلد غير مستقر سياسي ا لا يعرف إن كان تابع ا لفرنسا أم للوطن العربي ... من بيئة أن عدمت فيها الوطنية والثقة وحب خدمة الناس، كثر فيها السعي وراء المادة، وللأسف نرى نتيجة لوجود من أمثالك عندنا تردي في مستوى التحصيل العلمي لطلبتنا في مواد الفيزياء والرياضيات. لعلني أكون مخطئا، لا أريد أن أتهم أحد ا ، ولكن بما أنك مدرسة فيزياء أذكرك بقانون نيوتن الثالث " لكل فعل ردة فعل " لعلني الآن في حالة غضب. وعلينا أن نبحث أين يكمن السبب في قلة جودة التحصيل في هذه المواد؟

      وأرى من وجهة نظري، وأقول لأخواني أبناء وطني : يمكن تدريس هذه المواد التي ذكرتها حتى باللغة الانجليزية لأنها مواد علمية ) هندسية وطبية ( ، ليس بالضرورة أن نأتي بمدرس عربي؛ فجيراننا الهنود - ما شاء الله - ما يقصروا موجودين، هم من يدرسون في الكليات الخاصة، لماذا نأتي بمدرس عربي فقط؟ لأننا نجامل دولته على حساب كرامة أبنائنا، ولماذا لا ندرب أبناءنا المهندسين العمانيين الباحثين عن عمل ليقوموا بعملية التدريس؟ أليس بوسعهم عمل ذلك؟ ... أليست لديهم شهادات جامعية؟ إذا كان الوافد العربي يدرس جميع المواد وهو غير متخصص فيها، أليس بمقدور المهندس العماني أن يقوم بذلك في سبيل خدمة أبناء وطنه؟ العماني غيور على بلاده، ويحبها كحبه لأمه وأبيه، يقتدي بقول الشاعر

      : بلادي وإن جارت على عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا على كرام
      بلادي وأن هانت على عزيزة ... ولو أنني أعرى بها وأجوع
      كما قلت للأخت في وجبة الغداء بأحد المطاعم على الواجهة البحرية بمطرح، وذلك بعد أن طفح الكيل ... لم استطع الصبر وإخفاء الألم من شدة الطعن والقدح في حق بلادي؛" أن العماني سيخاصمك في ثلاثة الإساءة في سلطانه وبلاده ودينه  مذهبه " حتى لو كان ساكت ا ويجاملك في الكلام، هذا لأنك ضيفته، وإن رأيته يبتسم ويهز رأسه؛ فاعلمي سيرد لك الكيل بمكيالين بطريقته الخاصة، هذا لأنك أسأت إليه، وربما سيكتب عنك في الإنترنت . فالعماني كما قال الشاعر كثير لعبد الملك بن مروان في خلافته :
      "ضعاف الأسد أكثرها زئيراً...و أصرمها اللواتي لا تزير"

      وحكيت لها قصة الطالب العماني وجاره الإنجليزي في بريطانيا : وقلت لها هناك طرفة عن كيف يدافع الإنسان ويغار على بلده، ويحترم قوانينها، فقلت لها: حكى لي القصة شخص أعرفه من سكان منطقتنا السفالة بإبراء، والقصة عن طالب عماني يدرس في بريطانيا وكان جاره مواطن ا انجليزي ا . ويقول القاص: "إن زوجة جار هذا الطالب كانت حامل، وفي حالة وضع طارئ، فطلب الإنجليزي من الطالب العماني أن يوصلهما المستشفى بسيارته، ومن شدة ارتباك هذا الطالب وخوفه أن تضع المرأة جنينها في السيارة تجاوز إشارة المرور، وكان الوقت آنذاك قرب منتصف الليل، أي أن الشارع خال من حركة المرور .

      وتمت حالة الوضع للمرأة بسلام، وشكر الزوج الإنكليزي الطالب على نبله، وبعد أسبوع أو أسبوعين من تلك الحالة تفاجأ الطالب العماني باستدعاء المحكمة له، بسبب تجاوزه إشارة المرور، فسأل الطالب القاضي " كيف عرفت المحكمة عن هذه المخالفة؟ ... ولا توجد هناك كامرات مراقبة؟ ... حتى أنه لم يكن هناك أحد من
      المارة؟ ابتسم القاضي وأشار بسبابته إلى الرجل الواقف خلف الطالب، فكانت المفاجأة أنه جاره من بلغ عنه، وهو الذي ساعد زوجته بحملها إلى المستشفى . فعاتب الطالب جاره الإنجليزي وقال الإنجليزي " شكرتك لأنك ساعدت زوجتي ولكن لن أتركك تكسر قوانين بلادي ". فالعماني هكذا حريص على بلاده، وإذا كان لديك ملاحظات فهذا حقك، ولكن عليك أن تعبري بطريقة بحيث لا تؤذي الغير، حيث علمونا في الإدارة " لا تنتقد بل أقترح " لأنه مؤ ذ فقالوا لنا بالإنجليزية don’t criticize but suggest  هذا هو أصول التعامل .
      والحمد الله أنها تقبلت هذه النصيحة بهدوء لأنها أتت بنبرات دافئة وحزينة في نقس الوقت، وكانت بوادر الشر بدأت تظهر على وجهها . اشكر الله إني تشجعت أن أرد على بعض ملاحظاتها السلبية، فقلت لها : "المرأة التي كانت مع ابنتها الصغيرة تتسول في بسكة الظلام في محلات بيع الذهب ليست عمانية ما كل من ترتدي
      ) العباية ( عمانية، تلك المرأة عجمية، ربما زوجة أحد الوافدين، وهذه عادة مكروهة عندنا هنا في عمان، هناك دائرة مختصة بوزارة الشؤون الاجتماعية تعالج مثل هذه الحالات، والسكك الوسخة التي مررنا بها كما قلت بحلة ) منازي - موجا ( خلف محلات بيع الذهب بسكة الظلام سكانها من العجم ممن يعملون في هذه المحلات ومحلات بيع الجملة ... مهاجرون أتوا من الهند وباكستان وبنجلادش، وهذا سلوكهم في بلدانهم"، تماماً كالمهاجرين من شمال أفريقيا تونس وليبيا والمغرب إلى أوروبا الذين خاطروا بحياتهم من أجل أن يجدوا عملا في فرنسا وألمانيا . الحمد الله كانت شدة وزالت وصلت البيت بعد أن نزلت من سيارة الأجرة عنها
      بمحطة دارسيت وأنا مرهق ذهني ا ، أصابتني حمى شديدة من كثرة ما حبست نفسي عن التصادم معها بالكلام فأقع في الخطأ .

      أخواننا العرب الذين أتوا ليدرسوا أبنائنا في هذا العصر ليسوا كسلفهم، في مستوى التعامل والثقافة فإنه من سهل أن يفحم طالب قارئ مدرسه، هذا لأن المدرس يمارس مهنة التدريس كأنه ميكانيكي يدرس ما يحفظه من المنهج، لا شيء غير ذلك، وللأسف أقول ما نراه من أنشطة تطبيقية جلها نشاط طلابي ذاتي دون مدرس
      نقلا من الإنترنت، أنا أعرف هذا لأن كان عندي أبناء يدرسون في مراحل التعليم العام ومدرسوهم في المواد العلمية وافدين عرب، من دول شمال أفريقيا، هذه الدول لم تعد تلتزم بالجودة بعد التغيرات السياسية التي طرأت فيها. ليسوا كسابقيهم الذين كنا نعرفهم ونحس بمتعة نقاش الدروس معهم، وما يضيفونه إلينا من معلومات
      خارج المنهج.

      1. عبد الله السناوي - شارك