1. إبراء السفالة ـ  ج٤ الحرف التقليدية (٢) - ١٨٣

       

      نوع الزراعة

       والمزرعة تعتبر  مصدر الغذاء الوحيد لإطعام سكان القرية، وكانت الزراعة نوعين، زراعة الضواحي: تفسل أي تغرس فيها أشجار النخيل والليمون والمانجو والصفرجل والفافاي والزيتون (الجوافة) والموز، والنوع الثاني العوابي:تزرع فيها محاصيل الحبوب، والخضار، وعلف الحيوانات (القت والبرسيم)، وطبعاً كانت وسائل نقل المنتجات الزراعية إلى الأسواق في السابق تتم بواسطة الحمير والبغال.

      وموسم إنهاء حصاد التمر يسمى الجداد ـ يلفظ بفتح الجيم ـ ويعني أوان قطع ثمر النخيل إنه موسم قطع عذوق النخيل (مفردها عذق). ويقال "جد النخلة" أي أنهى اجتناء ثمارها بقطع عذوقها بما تحمله من بسر ورطب البلح ثم التمر.

      وكما نعلم بأن ثمرة النخلة تمر بمراحل إلى أن تصل إلى مرحلة الجداد وهي المرحلة النهائية. وتبدأ بمرحلة الطلع وهي المرحلة التي يظهر فيها القب (بداخله النباتـ ذرر التلقيح) ليكون في النهاية عذق النخلة الذي يحمل الرطب، ثم مرحلة النبات التي يتم فيها تنبيت الثمرة أي تلقيحها بنبات الفحل (بوضع ثمرة مماثلة من الذكرعليها)، ثم تأتي مرحلة "التحدير" وهي المرحلة التي يحنى فيها العذق ويثبت على زور النخلة (أعوادها)، ثم مرحلة "الخلال" وهي المرحلة التي توشب فيها الثمرة (تبرز) حيث لا تزال الثمرة فيها خضراء قبل أن تنقلب إلى الاصفرار أوالاحمرار وعندما يتغير اللون تسمى "البسر"، وحينما يبدأ طرفها بالسواد واللين (النضوج) تسمى رطب ثم يتمر البسر أي  يصير تمرا. والرطب في الغالب نوعان أحمر وأصفر حسب الصنف، وكل صنف له اسم مثل:(النغال، والمدلوكي والزبد والهلالي والفرض والخلاص والبرني والخصاب والمبسلي ألخ.....).

      هناك أنواع كثيرة حسب كل منطقة، لا أتذكرها كلها ولكن تتوفر معلومات كثيرة عن النخلة والمحاصيل الأخرى في عمان بكتب الوزارة المعنية.

      وقبل الجداد تأتي مرحلة "الرقاط" ـ تلفظ الراء لاماً ـ وهو اللَّقاط (بتشديد اللام وفتحها) ويعني كل ما يلقط من ثمار أو حصاد على الأرض وهو المرحلة التي تتساقط الثمار من النخلة من "خلال" و "بسر" و"رطب" وهو أيضاً المرحلة التي يتم فيها التقاط ما سقط وتقديمه علفاً لحيوانات البيت، ويمكن لأي شخص أن يذهب ليرقط الرقاط دون إذن من المالك طالما كان المال مفتوحاً، وغالباً ما يتم ذلك بعد صلاة الفجر حيث يقوم به الأطفال والنساء. وعادة ترى كثيراً من الفقراء ممن لديهم حيوانات يذهبون للرقاط فيعينهم ذلك في معيشتهم ويُؤْجَر صاحب المال.

      ثم تأتي مرحلة "الخراف" (خرف الرطب واجتناء الرطب) وتكون هذه المرحلة والمرحلة التي بعدها لصاحب المال، وعندما تبدأ بعض ثمار النخيل بالتربع، أي الانتهاء تأتي مرحلة الجداد التي يتم فيها قطع العذوق. يسمى النخيل الذي يؤكل رطبه في ذروة القيض بالخرائف.

      في موسم الجداد يتعاون الجميع مع صاحب المال، تجتمع النسوة من حضر وبدو بعد طلوع الشمس في ضاحية صاحب المال، وتفرش الحصر والسميم ويتم تقريب السلال (القفر) وتجهز الحمير التي تنقل الغلال إلى البيت إذا كان جداد خرائف، أو إلى التركبة إذا كان جداد تبسيل.

      وبعد إتمام جميع الترتيبات يطلع البيدار بحبل الطلوع إلى النخلة ومعه حبل الوراد وعند وصوله الغلة، يقوم أولا بربط طرف حبل التوريد (الوراد) في جذع النخلة وتلفظ كلمة "ورّاد"  (بشد الراء) ثم يرمي الطرف الآخر من الحبل إلى الأرض ليمسكه شخص بقرب الفراش، ويتم بواسطة هذا الحبل توريد العذق من فوق النخلة بعد قطعه إلى الأرض بزحلقته في الحبل بدلاً من رميه حتى لا يتناثر الغلال، وعند وصول العذق إلى ماسك الحبل فإنه يسلمه للنسوة لخرطه(لفصل البسر من العذق) إن كان للتبسيل أو يسلمه لصاحب الحمارة مباشرة كما هو لنقله إلى بيت صاحب المال.

      وحبل الوراد حبل متين مصنوع من ليف النخيل، وعند تزحلق العذق في الحبل يصدر صوتاً ويسمى هذا الصوت بصوت الوراد، وعندما يسمع هذا الصوت من قبل الفقراء فإنهم يسيرون نحوه إلى أن يصلوا الضاحية للمشاركة لعل الله تعالى يجعل لهم فيه نصيباً.

      في البيت يتم فصل التمر من البسر والرطب، ويغسل عن الغبار بعد تنقيته وعزل الشوائب عنه أي بإخراج الفاسد منه ويسمى "حشفاً" (تنطق الكلمة بسكون الشين)، ثم يكيس الحشف ويباع كغذاء للبقر إذ يخلط مع بقايا فتات القت (البرسيم) وسمك العومة (السردين المجفف)، ونوى التمر (الفلح) و يطبخ إلى أن ينهرس ويقدم طعاماً للبقر(يسمى مغبرة) من أجل إدرار الحليب.

       أما التمر المنقى فيوضع في الشمس ليجف عنه الماء، ثم يكنز في أكياس من السعف تسمى "الجراب" وجمعها أجربة (تنطق بقلب الجيم ياء بلهجة أهل الشرقية).

      وبهذه الطريقة يكون موسم القيظ (فصل الصيف) قد انتهى و يبدأ الناس في الاستعداد لفصل الشتاء، حيث يؤكل الرطب في فصل الصيف ويؤكل التمر في فصل الشتاء.

      في السابق يعتبر التمر وجبة رئيسة للعمانيين يرافقهم في معظم الأقوات قبل وجبة الغداء وفي وجبة العشاء، ويؤكل التمر مصحوباً بالقهوة في الصباح ومع اللبن (الجمبة) مستخلص من لبن البقر في بقية الأوقات.

      ومن أجود التمور التي كنا نقدمها للضيافة في فصل الشتاء الفرض والخلاص والمدلوكي وأبو نارنجة والبارني والخنيزي. ومنرطب فصل الصيف النغال  والمدلوكي والزبد والهلالي والخنيزي والخلاص والخصاب وهي تأتي  تباعاً كثمارها في فصل الصيف.

      تختلف أصناف الرطب من منطقة إلى أخرى في المسميات، والأنواع التي ذكرتها هي التي كنت أعرفها ولدينا العديد من نخيلها في ضواحينا.

      وهكذا الجداد كما علمنا له طقوسه إذ ينتشر الناس في المزارع لمساعدة بعضهم البعض وربما يكون هناك اتفاق مسبق في اليوم الذي سيقام فيه جداد النخيل.ويسترزق الفقراء في ذلك اليوم بما يحصلون عليه من رطب وتمر الأغنياء والميسورين.

      ويتهافت البسطاء من العامة على الجداد فور سماع صوت الوراد، كما يجتمع الناس في هذا اليوم على مساعدة بعضهم البعض ويتم الجداد بالتوالي فكل يوم مع أحدهم،ويعقب العمل وجبة غداء تقام عند صاحب المال في مكان واحد، وحسب بيوت أصحاب المال، وعادة ما تكون وجبة الغداء من الرز الأبيض ومعصورة " عصارة الليمون مع سمك المملح أو العوال البصل المكثف).

      وبعد قطف الرطب من العذق أو خرط البسر منه (إزالته) يرمى العذق في الشمس ويصبح "عسُوَّا" ـ  تلفظ بضم السين وبفتح وتشديد الواو ـ وجمعها بالعامية "عساوة"  ويستخدم عسوا العذق كمكنسة  لفناء البيت أو وقوداً للنار وخاصة لإعداد القهوة التي لا تحتاج إلى نار عالية.

      موسم حصاد البر (القمح):

      تسمى حبوب القمح في بعض المناطق عند العمانيين، "بالبُر" وموسم حصاده في الصيف ولست متأكداً في بداية القيظ أم في وسطه أم في نهايته، ولكن أذكر تجمع أعواد سنابل القمح وتفرش على مسطحات الحجر ألأبيض في الوادي يسمى "الصفا" أو الجنّور (الجنور بتشديد النون ومع قلب حرف الجيم ياء أي الينور) وهو مكان في الوادي علوى شمال مسجد العلوي بحارة سيح العافية ثم يصيف البر (تضرب السيقان بمؤخرة أعواد النخيل (الكرب جمع كربة) في القش إلى أن يخرج الحب من السنابل، ثم يطيب أي ينخل، ويتعاون الجميع في هذا العمل وشأن هذا الموسم موسم "الجداد والتبسيل". ويقال "يصيف البر" أي تم حصاد القمح. ويقال "تم التبسيل" أي تم الانتهاء من اجتناء ثمار النخيل، ومنها بسر المبسلي الذي يطبخ ويسوق.

      اجتماعياً تستخدم مواقيت هذه المواسم أحياناً كمرجع لمعرفة وقياس الأوقات أو رصد الأحداث والأفراح والأتراح، وتستخدم شوائب ومخلفات القمح في السابق كالقش وغيره في تشييد مباني الطين، لأنه يساعد في تماسك الطين، ويسمى "التبن" بعد خلطه في غيلة الطين.

      تعبيء حبوب القمح في أكياس وتحمل بواسطة الحمير إلى مستودعات البيوت، وما تبقى من اللقاط (الرقاط)على الأرض فإنه يترك للفقراء ممن تعاونوا في تطييب القمح، فالكل يستفيد الغني والفقير،والقمح من المواد الرئيسة للغذاء قبل انتشار استهلاك الأرز الذي كان يستورد من دولة الهند بأسعار باهظة. وذرر القمح لا يقتصر استخدامها لعمل الخبز بل لأكلات عديدة ومنها الهريس الذي يطبخ باللحم.

      جميع تلك التظاهرات الاجتماعية المذكورة عن "التبسيل" و"التصييف" تكاد تكون قد اختفت نهائياً بعد بداية السبعينات خاصة تظاهرات حصاد القمح والتي كانت آخر مشاهدتي لها في أواخر الستينات.

      عندما بدأ عصر النهضة تقلصت تلك التظاهرات بسبب حصول الناس على أعمال في العاصمة أغنتهم عن هذه الأعمال المتعبة في القرى، خاصة بعد تناقص المياه وعدم توفر الأيدي العاملة المحلية بسبب الهجرة إلى مسقط.  

      والمزارع نوعان في إبراء: النوع الأول مزارع الأشجار كالنخيل والمانجو والليمون والسفرجل والموز والجوافة وغيرها من الحمضيات، فهي تزرع في منطقة البلاد. والنوع الثاني مزروعات تحتاج إلى ضوء شمس أكثر فتزرع في العوابي ومن أمثلتها القمح والخضار والفواكه الصيفية وكذلك علف الحيوانات حيث كانت معظم هذه المزروعات للاستهلاك المحلي، وأمّا ما كان يصدر إلى الخارج عن طريق مسقط فهو البسر والليمون الجاف ومن الداخلية كانت هناك منتجات الجبل الأخضر كالرمان ومن الباطنة الموز الأخضر ومن ربما كان السمكالمناطق الساحلية.

      ورث أجدادي من أبيهم مزارع عديدة من كلا النوعين الضاحية والعابية، بالمكان  هناك مخزن بالبيت الشرقي لتخزين محاصيلها من تمور وحبوب، وعندما تغيرت الظروف بسبب المحل والأوضاع السياسية نتيجة الخلاف بين الحاكمين الإمامة في الداخل والسلطنة في الساحل تضرر الناس؛ الشيء الذي دفع بهم إلى الهجرة خارج البلاد سعياً لطلب الرزق.

      كلمة تبسيل مشتقة من اسم النخلة التي يأخذ منها البسر بغرض تبسيله أي طبخه وتجفيفه ثم بيعه مجففاً. عادة رطب نخلة المبسلي لا يؤكل، بل يخصص لطعام الماشية، ودواب النقلـ الحمير والجمال. عادة ما يأتي موسم التبسيل في منتصف القيظ عند جني البسر من نخلة المبسلي، وهو (تمر من تمور النخل قبل أن يُرطب). يطبخ بسر المبسلي بغليه على ماء ثم يجفف ويباع بسراً مجففاً، وكانت عمان في الماضي من أبرز الدول الخليجية المصدرة لهذا المنتج إلى الهند، وبعض الدول المجاورة لها ربما باكستان.

      يتم طبخ بسر المبسلي في مراجل خصصت لها منصة تسمى (تركبة) وتعرف أيضاً (باالمنارة) لوجود برج أجوف في المنصة لتصريف الدخان النابع من احتراق سعف النخيل المستخدم لهذا الغرض.

      ويظهر في الصورة الوالد علي بن ناصر السناوي، حيث هو أحد المتخصصين في هذه الأعمال. والصورة مهداة عبر وسيلة التواصل الاجتماعي (الواتس ـ أب) مشكوراً من قبل ابن عمتي الأخ حمد بن سالم بن منصور السناوي.

      يستدل بها لإثبات الحقوق في يوم من الأيام مهما طال الزمان.

      وسائل النقل الدواب

       فالبغال والحمير تستخدم للمسافات القصيرة وفي الأراضي الجبلية، بينما الجمال للصحراء والمسافات المتوسطة والطويلة لقدرة تحملها العطش والجوع.

      لم أشاهد في عمان الخيل تحمل الأثقال أو الأغراض وتستخدم كاستخدام الحمير والجمال، فكانت الخيل معززة ومكرمة تطعم بطعام الإنسان بالسح والسمن، وربما العسل، ولا يقتنيها إلا الوجهاء، وحتى لو اقتناها شخص ما فإن رعايتها مكلفة، كمن لديه سيارة "روز رايز أو لمبرجينا أو فراري" من السيارات الفاخرة، وكنا لا نرى الخيل إلا نادراً، أو عندما تقام السباقات أيام الأعياد والمناسبات الخاصة، كحفل الختان والزفاف عند بعض القبائل. وإذا صادف أن رأينا خيلاً مربوطة فإننا نتسابق بنتف خصلة من شعر ذيلها كتذكار غير مبالين ما نناله منها من ركل أو رفس.

       

      وفي أواسط الستينات على وجه التقريب عندما التحق والدي بالجيش وانتقلت للإقامة في  معسكر بيت الفلج، كنت أحرص دائما للذهاب كل أسبوع مع العسكر أصدقاء والدي لمشاهدة أفلام رعاة البقر في السينما المكشوفة وذلك كي أرى كيف تجر الخيول العربات واستخدام بنادق المسدس (الطبنجة البسطولة أو الفرد كما نسميه في عمان) للقتال.

      وفي مصر لم أكن أفرق بين البغلة والفرس، ولكنني كنت استمتع بركوب عربات "الكارو" في عطلة الأسبوع.

      النخلة صديقة العماني، إذا كان الجمل سفينة الصحراء فالنخلة مطعم الفقراء، تعطينا كل شيء ما لديها من ثمار، وخشب، لبناء مساكننا، وصنع فراشنا، وأواني لطهي طعامنا، وأدوات أعمالنا أقلها ليفها الذي نستخدمه في فرك أواني الطعام عند غسلها. ولا عجب أن أتخذ الإنسان العربي الجمل والنخلة شعاراً له؛ إنه الوفاء بما وهبه الله تعالى له، فنجد سبحانه و تعالى خص النخلة في كتابه الكريم كما ورد في سورة  مريم وخص الفلك لينجي بها خلقه كما ورد عن سفينة سيدنا نوح في سورة هود.

      مطاليع البلاد "لبلاد":

      مطلاع اللثاب أو الصبارة (نسبة لضاحية اللثاب).

      مطلاع الردة.

      مطلاع الرميلة (نسبة لضاحية الرميلة).

      مطلاع السوق (نسبة لسوق السناويين - القديم).

      مطاليع جمع مطلاع بالمحلية، (مطلع عكس مهبط)، وتعني مطالع الوادي إلى الضواحي - الحاجر منطقة المزارع تعرف بـ "البلاد"، هناك (مطاليع) أخرى تؤدي إلى البلاد، بالإضافة إلى تلك التي ذكرتها منها على سبيل المثال: (بعد مطلاع اللثاب أو مطلاعالصبارة كما يعرف، أو على اليمين مطلاع الردة، ومطلاع الرميلة، ومطلاع حاجر السوق الذي تقع عليه ضاحية حاجر السوق من جهة الشمال. لهذه المطالع أهمية خاصة عند أهل سيح العافية، كونها تراث وتؤدي إلى مزارعهم، وعندما يتحدثون عنها فإنهم يتحدثون عنها بحميمية.

      1. عبد الله السناوي - شارك