1. إبراء السفالة ج7 الظروف المعيشة في السابق (2)

      دور المرأة في الأسرة

      في السابق كان للمرأة دور كبير في اقتصاد البيت وتربية الأبناء، فنجاح الرجل وفشله يعتمد على مدى مساندة زوجته له، لذا في السابق كان الشخص لا يتزوج إلا من امرأة مدربة.

      تكتسب البنت خبرتها بعد تعلم القرآن والصلاة بمسايرة الأم كما يفعل الابن مع أبيه، فتتعلم الابنة من أمها أدب الحديث مع الناس، والعناية بأخوتها الصغار، والحياكة والتدبير المنزلي وطهي الطعام ونظافة البيت وتربية الدواجن والعناية بالماشية وكيفية ملاطفة الزوج، ويجد الزوج في زوجته السكون وحنان الأم وإخلاص الأخت.

      وفي سورة الروم قال الله سبحانه تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك  لأيات  لقوم يتفكرون) الآية 21.

       وعندما يستضيف الزوج أحداً في بيته، فإنه لا يخشى ولا يتردد،فهو قوي الإرادة في استضافته، يعرف بأن لديه زوجة ترفع رأسه وتبيض وجهه، وتجده يستشيرها ويشكو لها همومه. وبالمقابل فهو يدين لها بالإخلاص وينفق كل ما عنده من أجل سعادتها.

      والمرأة المقصرة في حق زوجها تعاب في الحارة، وعندما تأتي صاحباتها أو جاراتها لقهوة الضحى ينتقدنها إذا رأين هناك إهمالاً منها في بيتها، ويقمن بمساعدتها حتى لا ينتقدها زوجها.

      وبالرغم من بساطة الإمكانيات تجد الزوجة بعد أن تنتهي من أعمال البيت تتزين وتهيئ نفسها لاستقبال الزوج العائد من العمل، وبعض الزوجات لا يأكلن مع الزوج، فتجد الواحدة منهن بعد أن تقرب لزوجها الطعام تجلس جنبه تحادثه، لا تأكل معه إلا بعد أن يفرغ وتصب الماء عليه عند غسل يديه، ثم تأكل هي من بعده احتراماً له وربما تستحي منه، خاصة إذا كانت لم تنسل منه.  هكذا كانت النساء في الحارة ربما في وقتنا الحاضر هذا ضرب من الخيال، هذه حقيقة وليست مقتبسة من المسلسلات السورية.

      والجدير بالذكر، فقد حكت لي والدتي قصة من التراث، فقالت يحكى: (بأن أجيراً فقيراً يعمل لدى أحد الأغنياء في تشييد منزله، وكان هذا الغني يراقب الأجير الفقير كيف يقذف بالطوب من الأرض إلى أعلى للبنائي "البناء"الذي كان يجلس على الجدار واستغرب من قوة الفقير بالرغم من نحافة جسمه، فأراد أن يعرف السر، فأمر الغني جاريته أن تذهب إلى بيت الأجير مع بعض الهدايا، وعندما عادت الجارية إلى سيدها حكت له عن إخلاص امرأة الأجير لزوجها وما تقدمه من سبل لراحته، وفي اليوم التالي أعطى هذا الغني الجارية كفة مملوءة بالذهب لكي تغري زوجة الأجير حتى تتزوج منه، فرأى الأجير بعد أن يعود إلى منزله في كل يوم أن سلوك زوجته بدأ يتغير تجاهه، ورأى أن زوجته ليست كما اعتاد عليها؛الشيء الذي أشغل باله، وأثر في تفكيره وتركيزه في العمل، حتى أنه لم يعد يستطيع رفع نصف طوبة من على الأرض،مما أدى إلى فصله من العمل، ولما عاد الأجير إلى منزلهمكسور الجناح حكى لزوجته القصة، فقامت الزوجة وأعطته الذهب ليعيده للغني وقالت للزوج"الذهب لا  يغنيني عنك".

      وفي اليابان، حكى لنا مدربنا الياباني عندما كنت هناك في دورة مع اثنين من زملائي في منتصف الثمانينات، قال لي بأن: (المرأة اليابانية تكرم زوجها عندما يعود الزوج إلى البيت من العمل مبكراً، لأنها تعتبر خروجه من عتبة البيت في الصباح الباكر إلى أن يعود،فهو في مهام عمل حتى لو بات خارج البيت، وإذا حدث أن عاد مبكراً تستقبله بالركوع والسجود مرحبة به بعبارات الترحيب زاحفة إلى الخلف إلى أن تصلبه إلى الفراش ثم تقوم بغسل قدميه تكريماً له وتقديراً منها بعودته؛ والياباني لا يعود إلى بيته عبوس الوجه، مشاكله الشخصية يتركها خارج البيت.

      و في عطل نهاية الأسبوع الجمعة والسبت تصبح هي الأميرة الآمرة والناهية، وهو الخادم المطيع تسيره كما تشاء في رعاية الأولاد أو في تنظيف البيت أو الخروج معه و معهم الأولاد للنزهة.

      أما في أمريكا فإن الوضع يختلف مائة وثمانين درجة حدث ولا حرج، حدث أن سأل أحد زملائي مدربه عندما كنا هناك في مطلع التسعينات: لماذا يبدو عليك الإرهاق؟ فأجاب: (نمت مع أ......)، أستغفر الله العلي العظيم...... على كل حال، أقول دائماً لابنتي إن أرادت المرأة الحرية فلتذهيب إلى الغرب، وإن أرادت حقوقها فهي موجودة عندها ومحفوظة في القرآن والسنة.

      فالمرأة المسلمة لا ترى جمالها إلا في زوجها، ولا ترى نجاحها إلا في ابنها أو زوجها، كتب التاريخ تشير بأن "ما من عظيم إلا وراءه امرأة".

      و لكم أن تحللوا الآن يا أبنائي الأعزاء، بين النظام العماني الاجتماعي الصارم، الذي أنتج في الماضي شعباً أسس إمبراطورية عظمى ساهمت في نشر الحضارة الإسلامية والسلام،والنظام الياباني الاجتماعي الذي خلق شعباً صناعياً استعمر العالم اقتصادياً من جهة ومن جهة أخرى بين النظام الغربي الذي سرق بحريته المثلية وبنظامه علماء دول العالم النظام يطبق الذي مبدأ "فرق تسد أو بما يعرف بالانجليزية Divide & Rule.

      تضامن وتكافل اجتماعي

      هناك تكافل اجتماعي وتراحم بين الأهالي، لا يمكن أن يترك أحد في القرية وحيدا في محنته دون الوقوف معه.

       كان الناس بسطاء في تعاملهم، متعاونين وعلى نياتهم، إلى درجة أن كانت ربة البيت إذا نقص شيء من بيتها تدق على جارتها لتستعير منها ما تريده، إلى أن يعود زوجها (ملح، أو بصل أو ثوم، أو حتى شعلة نار)، وكانت ربات البيوت يتبادلن ما يطبخنه من طعام، وترى الواحدة منهن وفية لجارتها أفضل من الأخوات، تسرها وتتعلم منها وتعاونها حتى لا تنتقد من قبل الزوج. والزوج أيضاً كانً يقف مع جاره في سرائه وضرائه. تمشيا مع تعاليم الإسلام.

      فكما أوجب الإسلام بر الوالدين وصلة الرحم، أوجب إكرام الجار وبره، هناك حديث لست متأكداً من مصدره بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أوصانا بالجار وأوضح لنا حقوقه، فقال صلى الله عليه وسلم: (الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد، فالجار الذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم، أما الجار الذي له حقان فهو الجار المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام. أما الجار الذي له حق واحد فهو الجار المشرك). إلى هذا الحد تبلغ سماحة الإسلام وعظمته، فيثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمشرك مجرد أنه جار. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: )الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).

      وعندما تصحو المرأة في الصباح أول ما تفعله بعد الصلاة، تعد وجبة الإفطار للعائلة، المكونة من القهوة والتمر، أو ما تيسر من طعام، وأذكر كنا نأكل في فصل الشتاء السح بالسمن (تمر محمص بالسمن ويذر ذراً بالفلفل الأسود)، وكانت هذه الوجبة تدفئ الجسم من البرد. ومن الوجبات الأخرى  السيويا (الشعرية) مع خبز الرخال، أو خبر الرخال مع اللبن الرائب، أو خبز الرخال مع العسل، وأيضاً خبز غراميل يذر ذراً بالسكر، أو يحلى بالعسل.

      أما الأطفال يحلب لهم من الشاة أو البقرة، مع مشاركتنا لهم نحن الكبار في الأكل، على كل حال قائمة الطعام مع ربة البيت فهي أدرى بشئون بيتها وعلى الرجل أن يتلقى أوامر الشراء عند هبوط السوق بعد صلاة العصر. وتتوزع أدوار العمل في الصباح تلقائياً، كل واحد منا يعرف شغله، فالبنت تساعد أمها،فهي ساعدها الأيسر مكملة لها في العناية بإخوانها وغسل الأواني والملابس، وهي أيضاً صندوق أسرار أخيها الأكبر، والكتف الذي يحتضن همومه،ذلك كان هو الوضع بالنسبة للأسرة المتوسطة.

      سكان القرية عموماً كالبنيان المرصوص في السراء والضراء، ويكاد لا يُعرف من فيهم الفقير ومن فيهم الغني، نظام اجتماعي إسلامي نموذجي. ومن حبهم لبعض كانوا يتزاوجون لا يرضون لبناتهم أن يتزوجن من  خارج القرية حتى لو كان طالب الزواج من بينهم كبيراً في السن. والمطلقة أو الأرملة لا تتأخر في الزواج حتى لا تكون عرضة للتسول لذا نرى في بعض المناطق معظم السكان أقارب.

      أسفار آبائنا كانت دائماً تتجه صوب أفريقيا بسبب الحكم العماني هناك والنمو الاقتصادي، وعندما يسافر آباؤنا إلى أفريقيا كأنهم سافروا من عمان آسيا إلى عمان أفريقيا، ولكن مشقة ركوب البحر كانت تحول دون اصطحاب زوجاتهم معهم، فهن لا يتحملن ركوب السفن الشراعية وتأرجحها، وأيضاً الأولاد خوفاً من الهلاك لعدم توفر معيار السلامة في هذه السفن،وإن أصيب الشخص بمكروه ـ لو قدر الله ـ "إنا لله وإنا إليه راجعون".

      السفر في السابق إلى أفريقيا شاق ولا يمكن إلا عن طريق السفن الشراعية، وكان أهالي شمال الشرقية يركبون الجمال إلى ميناء صور، وهو المنفذ البحري بالنسبة لهم إلى خارج عمان ، وتستغرق الرحلة أكثر من شهرين في عرض البحر هذا إذا لم تصادفهم الصعاب.

      قبل أن يسافر الرجل يستشير زوجته، وتشاور هي أهلها، لآن السفر والعودة قد تطول و تأخذ سنين عدة، وعندما يرى الآباء بأنهم سيظلون مدة طويلة في الغربة، وتحول الظروف دون العودة فإنهم يطلقون زوجاتهم، لتتزوج من غيرهم من أهل القرية حتى لا يتحمل الواحد منهم ذنب وإثم تعليقها، وتبقى علاقة الطليقة بطليقها حميمة ووفية تكن له كل المودة والاحترام بحكم العشرة التي كانت بينهما، وبالمقابل يقوم الطليق بعونها وعون زوجها على سبيل الصدقة لأن الحياة كانت حياة فقر، خاصة إذا كانت تربطهم علاقة نسل، ومن النساء يرضين بالطلاق ولا يرضين بالزواج بشخص آخر، ويبقين في رعاية الأولاد يكتفين العيش بالنفقة التي يرسلها الطليق لأولاده مع كل قادم إلى الوطن، وإذا عاد قد تتزوجه مرة أخرى إذا كتب الله لهم العمر.

      وللمرأة المتزوجة من خارج القرية، إجازة سنوية من زوجها تقضيها عند أهلها، ولا يحق للزوج منعها أو تأجيلها أكثر من المعتاد، وهذه الإجازة يحدد وقتها حسب الظروف، وتسمى "زيارة"، أو "رخصة ربى" يعني إجازة ولادة، إذا فضلت الزوجة الولادة عند أهلها،وعلى الزوج أن يقدم الدعم والمساندة خلال إقامتها عند أهلها؛ لأنها ستصبح عبئاً فوق طاقة أهلها خاصة إذا كانت ذاهبة للولادة لأن الأنفاق على الزوجة واجب على الزوج ولو كانت موسرة فلا تلزم بها الزوجة، ولو كانت ذات مال فلها الحرية أن تنفق على نفسها شيئاً من مالها، قليلاً أو كثيراً ـ يمكن أن تتطوع به لكن عن طيب خاطر. قال تعالى في سورة النساء الآية 34: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) وحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأبو داود: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، والآية القرآنية في سورة الطلاق الآية 6: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) أي على قدر ما يطيقه كل منكم.

      وللوالدة أكل خاص، وهو أكل مكلف يسمى "خراثة"، والوجبات تتكون من سمن بقر وعسل نحل، ودبس النخيل (لعصيد الخبز)وطير الدجاج وبر (قمح) ولحم يطبخ في مرق من القرنفل (مرقة قرنفل).

      كلمة "خراثة" في المعجم كلمة عربية وتعني: (خرثت المرأة – خرثاً، أي ضخمت خاصرتاها، واسترخى لحمها فهي خرثاْء) ويعني هنا تطعم وتتغذى الوالدة بشكل جيد حتى يسترخي لحمها أي تستعيد عافيتها،وتصبح قادرة أن تعيل رضيعها وتهتم بشئون بيتها، تستعد لما ينتظرها من أعباء عمل في بيتها، ومدة إقامة الزوجة عند أمها قد تزيد عن شهرين أو ثلاثة. وخلال تلك المدة تسنح الفرصة لأبنتها الكبرى الاعتماد على ذاتها في تحمل مسؤولية البيت دون أمها.

      وعندما تتزوج الابنة تكون قد اكتسبت المهارة الكافية لإدارة بيتها بنفسها في المستقبل، هذا بالإضافة إلى رعايتها لأمها عندما تتقدم في السن، وتنوب الابنة عن أمها في المجاملات الرسمية في القرية، كحضور الأعراس والأعزية والمشاركة في الأعمال الجماعية داخل الحارة أو القرية. فكلما ساهمت الابنة في الأعمال الخيرية زادت من تشريف ورفع شأن أمها عند ربعها.

      والمرأة العمانية ليست جاهلة، حتى لو كان أقتصر تعليمها على القرآن الكريم، وانشغلت في أمور بيتها فإنها تقرا القرآن في الصباح  كما يقرؤه الرجال لتزيد من مهارتها في القراءة، وتسأل معلمة الحارة أو المعلم في القرية عن أمور دينها وعندنا نماذج في التاريخ العماني من الفقيهات وصاحبات العلم.

      وفي أواخر الستينات والسبعينات عندما عم المذياع لكل الناس كان الراديو دائماً بجانب ربة البيت في عملها تلتقط كل ما يبث عن شؤون المرأة من برامج، ودخلت المرأة مدارس محو الأمية، ومنهن من أكملن تعليمهن الجامعي وهن ربات بيوت، وفي عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس فتح للمرأة باب التعليم على مصراعيه.

      1. عبد الله السناوي - شارك