-
-
الماضي التليد – الجزء الثاني
وبالرجوع إلى الموضوع الأساسي، الذي كتب عنه أحد الأخوة على وسيلة التواصل الاجتماعي عن شركة "دوميز" فهذا طبيعي ومن واجب أي شركة أن تقدم خدمات اجتماعية لأهالي القرية التي تحل فيها، وهي ثقافة ما نعرفه الآن بالواجب الاجتماعي للشركات تجاه المجتمع المحلي، كالخدمات التي تقدمها شركة الغاز المسال لأهالي محافظتي جنوب وشمال الشرقية.
أتذكر عندما نزلت شركة "هوكتشيف" في السبعينات واتخذت من مرتفعات دارسيت مقراً لها، استفدنا نحن أهالي دارسيت وأذكر كيف ازدهر متجرنا بسبب المشتريات التي يقوم بها النادي الاجتماعي بالشركة، إذ كنا نمونهم بالمشروبات الغازية وغيرها من الاحتياجات للنادي. ولما انتهى عمل الشركة في ميناء السلطان قابوس بمطرح آلت جميع المباني والمنشئات والمركز الصحي إضافة إلى النادي إلى الحكومة.
كذا الحال في شركة "بي-دي-أو" شركة تنمية نفط عمان، التي كانت تمتلك ً مستشفى خولة الذي عرف باسمها، وأيضاً الجزء العلوي (الشمالي) من مركز صحي في سفالة ـ إبراء؛ الذي كان تابعاً لشركة "دوميز" الفرنسية، وكانت إدارة هذه المستشفيات الأجنبية لا ترد أي مواطن طالباً العلاج فإنه يعالج كأنه موظف بالشركة سواسية مع موظفي الشركة، دون تمييز.
والشركات الأجنبية عندما تحل في مكان، بالطبع ستنشأ مراكزها ومعسكراتها بما يلائم ثقافتها: (مرقص، حانة، مطعم، صالة رياضة، بركة سباحة، مكتبة، صالة العاب ورياض للأطفال، وغيرها من وسائل الترفيه، إضافة إلى مدرسة ابتدائية للأطفال ومركز صحي لأسر الموظفين، بحيث لا يشعر الموظف وأسرته بأنهم في غربة عن بلادهم، والموظفون يستغلون جميع الفرص للاستفادة من المقومات السياحية في البلد التي يحلون فيها لممارسة أنشطتهم الثقافية والاجتماعية بخلافنا نحن محبي النوم، ثم يأتي اتهامنا لهم بالتجسس.
أنا وزملائي ممن كانوا معي في بداية مشوارنا العملي اشتغلنا في مثل هذه الشركات، من أجل نيل الخبرة والتدريب العملي... في شركة أريكسون، وأيضاً كان لنا نادٍ اجتماعي في منتصف الثمينات، شاركنا فيه عندما انتقلنا إلى العمل في شركة "عمانتل"؛ النادي شبيه بالنوادي الاجتماعية بتلك الشركات التي سبق ذكرها، ولكننا أسأنا إدارته؛ فقد كان يستخدم فقط لشرب الخمور أكثر من ممارسة الامتيازات الصحية فيه مما أدى إلى إغلاقه.
ومن يعايش الغرب سيرى طريقة تفكيرهم تختلف جذرياً عن طريقة تفكيرنا التي يسودها الظن والشك "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" (يونس: 36).
لقد عُوِدنا منذ الصغر بأن ننظر إلى الغرب أو النصارى بأنهم كفار وأعداء الدين، وأن راحتهم فقط في الدنيا، وخلطنا بين عاداتهم وتقاليدهم وبين عاداتنا وتقاليدنا وديننا، فتركيا دولة أوروبية ممكن أن تكون نصرانية، لكنها مسلمة حكمتنا أكثر من قرن من الزمن، ونسينا، بما جاء في الآية: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13). وفي عهد حكم الأتراك لنا لم نقاتل بعضنا كما هو حالنا الآن.
فالله سبحانه وتعالى أعطى الغرب الإنسانية، والرحمة والعدل، كما بين الله لنا في الآيات القرآنية التالية نقرأها كل يوم ولا نتبعها؛ويمكن أن البعض منا لا يؤمن بها إيماناً صادقاً "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90). والدليل أن بعض أنظمتنا الظالمة نختلف بسببها بين مؤيد ومعارض، ونقتل بعضنا البعض ثم نذهب إلى الغرب ليصلح بيننا، ويحمينا...بل يؤوينا بعد أن دمرت مساكننا نتيجة لفتكنا لبعض، هذا ما نراه في حروبنا الأخيرة.
طيلة هذه السنين الطويلة أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن؛ (1438)، منذ أن دخل الإسلام إلى بلداننا وبلغتنا ولكننا لم نعقل : "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف: 2) ولم نتحضر ولم تدخل الإنسانية في قلوبنا، مازلنا على فكرنا السابق الذي نشحن به أبناءنا عن الاستعمار، متناسين الاستعمار الحقيقي عندنا (مصادرة الفكر، والتبعية، وتمجيد الحكام في الحق والباطل)، ولا نفهم بأن بعض الاستعمار الأجنبي رحمة.
فالاستعمار الأجنبي لا يستعمر العقول أو الفكر، "لكُم دينكُم ولىَ دِين"، بل يستعمر الأرض ويستغل خيراتها لتنمية اقتصاد بلاده، ولكن الكل يحصل على عمل لحاجة الاستعمار للكوادر الماهرة وغير الماهرة. فالأجنبي الغربي عندما يحل في مكان تراه لا يبخل في تقديم الخدمات الاجتماعية إذا ما أتيحت له الفرصة بذلك، لأنها مبدأه وعادة ترسخت في مذهبه، وهذه حقيقة أقولها حتى إن لم تعجب البعض منا، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
فتركيا أوروبية لكنها مسلمة، وإيران مسلمة، وبعض بلدان شرق أوروبا مسلمة، ودول شرق آسيا بعضها مسلمة، والهند بوذية، وبعض السكان أصغر إجرائه الذي يضاهي في تعداده بعض الدول العربية أيضاً مسلمون. تلك البلدان التي ذكرتها مسلمة لكنها دول مصنعة نستورد منها (معظم الأكل والملبس)وكذلك بقية الدول العربية تستورد من تلك الدول، ونحن مهد الإسلام ولكن الحروب عندنا والقتل لا يتوقف، و:انه من سميماتنا،وكل تلك الحروب بسبب المذهبية أوالطائفية، ففي أوروبا وأمريكا ودول شرق أسيا بما فيهم الهند التي بها تعدد في الأديان، فيهم مسلمون لكنها دول مستقرة اقتصادياً لا توجد بها حروب، بل أن بعضها تمستعمر العالم اقتصادياً، فبلداننا من أغنى دول العالم ولكننا فقراء، فبماذا نفسر ذلك؟
لقد عايشت الغرب ورافقتهم في أماكن كثيرة؛ في أوروبا وفي عمان، وما يكتبونه عما يشاهدونه أومن التقاطهم الصور، فهذا من الفضول العلمي، وطالما فتحنا باب السياحة، وأنا متأكد لو كان لدينا نفس الميول لما ترددنا عن القيام بذلك.
وأذكر أني كتبت مقالات عدة مطولة في هذا الشأن بهذا الموقع بعناوين مختلفة، واضعاً تصوري ورأيي عما شاهدته طيلة فترة حياتي العملية، وتنقلاتي وسفري بين دول العالم المختلفة...فلنتخل عن أفكار التكفير؛ فليس كلنا مؤهلاً لذلك،وليس من شأن أي واعظ ديني أن يفتي فيما يريد، لدينا منظمة إسلامية معترف بها هي المعنية في أمور الدين، فمنظمة المؤتمر الإسلامي، اعترفت رسميا حتى ألآن بثماني مذاهب إسلامية وهي:الحنفي، المالكى، الشافعي، الحنبلي، الجعفري، الزيدي، الأباضي، والظاهري، وذلك حسب ما ورد في البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الذي عقد في مكة المكرمة في ديسمبر 2005م، ونص البيان على أن من يتبع هذه المذاهب مسلم ولا يجوز تكفيره ويحرم دمه وعرضه وماله.
ولكن للأسف نجد بعض هذه المذاهب في بلدان الصراع الدائر في الشام والعراق واليمن متصارعة، إضافة إلى الخلاف مع إيران. فلنلتفت فيما هو أهم لراحة شعوبنا، بدلاً من هدر الأموال لقتل النفوس، وفتح مجال للغرب الاستغلالي. علينا أن نتعلم من الغرب الحكمة والسياسة والرحمة، وإرساء العدل لا ننقل مشاكلنا إلى بلداهم، نفجر ونقتل جزاء احتضانهم لنا.
- عبد الله السناوي - شارك
-