-
-
الفوبيا phobia في مجتمعنا - الجزء الثاني
وهنا تحضرني طرفة عاشرتها عن قرب، "زوج مخلص لزوجته، يقرأ ويثقف نفسه في العلوم الإدارية، ويعين زوجته في عملها، عندما تستعين به في كتابة الرسائل والتقارير،وكان يمليء عليها صيغة الرسائل عبر الهاتف حتى كاد أن يكون سكرتيراً لها عبر الهاتف، وكانت تستشيره في كل شيء يصعب عليها في العمل...تطرح له الموضوع ويملي عليها صيغة الرد بالانجليزية.
نجحت الزوجة وترقت في عملها وكان الزوج يرى فيها ثمرات جهده، وكفاءته، أخذ الزوجة نشوة العمل، وأهملت في بيتها، وكان الزوج لا يرى عيوبها من حبه لها، فكانت الأمور تمشي في البيت كالمعتاد؛ (فالشغالة) قائمة على عملها؛ تكنس، وتطبخ، وتغسل الملابس وتجهز الأولاد للمدرسة، وتنفذ كل ما تؤمر القيام به، والأولاد تحتضنهم مدرسة خاصة، تتحمل الزوجة تكاليفها معاندة رأي الزوج أن يدخلهم مدارس حكومية، لأنها تعمل ولا تود أن تكون أقل شأناً من أخواتها، والزوج مسلم بالأمر، صامت طالما يحصل على ما يريده، ولا يود الدخول في مشاكل اجتماعية، يكفيه ما يعانيه في عمله من متاعب، بسبب التقلبات والمشاحنات في العمل من جراء الاضطرابات في الإدارة.
وبدأت الغيرة تتملك الزوجة، فتصب جام غضبها عند عودتها من العمل على (الشغالة)، وبدأ مسلسل استبدال الشغالات ومن يدفع التكاليف هو الزوج. وكان الزوج لا يجرؤ على زيارة أهله إلا برفقتها، وأما لزيارة أهلها فَيُقاد كالشاة.
والبيت نادراً ما يدخله ضيوف، وعندما يفكر الزوج باستضافة أهله أو أقاربه للغداء أو العشاء يقابل بقائمة من متطلبات الصيانة من الزوجة المطلوبة للبيت، كأنه سيبني بيته من جديد، إلى أن يعجز ويمل ويعدل عن رأيه. وإذا استضيفوا لغير بيت أهل الزوجة تحصل الأعذار التي لا أول لها ولا آخر عن عدم الذهاب، حتى كادوا أن يعيشوا حياة انعزالية عن الأهل والأقارب.
حصل الزوج على تقاعد وكان هذا من ضمن برنامج الخصخصة التي تقوم بها الحكومة لبعض مؤسساتها الخدمية. وكان هذا التقاعد الإجباري المبكر مفاجئة بالنسبة للزوج، حيث تسبب في تعطيل جميع برامجه الحياتية، ولم تكن مخصصات التقاعد التي حصل عليها منصفة، وظل يطالب في حقه عبر المحاكم، وترددت قضيته في أروقة المحاكم لمدة عشر سنوات إلى أن استوفى حقه.
وخلال هذه المدة كان يصارع الحياة، حتى يوفق بين ما يحصل عليه من معاش تقاعدي وتسديد التزاماته البنكية، واشتغل في عمل حر، وعندما عجز عن المنافسة في المدينة بسبب التجارة المستترة، فتح متجراً له في ولايته يمون من خلاله بعض الجهات الحكومية، وكان يتردد بين قريته والمدينة حيث مقر إقامة أولاده، ويتفرغ لهم يومين في الأسبوع، الجمعة والسبت هي الأيام التي تكون فيها الدوائر الرسمية معطلة.
واستغل خلال هذه الفترة أخوة الزوجة الفرصة، ووجدوا الطريق سهلاً للدخول في حياتهما، (حياة الزوجة وزوجها)، فأدخلوا في الزوجة الشك، واستمالوها نحوهم، طمعاً في راتبها، الذي كانوا يظنون بأن الزوج يأكله... بسبب ظروف تقاعده الصعبة.
ويرى الزوج زوجته تتغير كل يوم تجاهه، حتى كادت لا تسأله ولا تسأل عنه، حاضراً أم غائباً عن البيت،وتعود إلى البيت متأخرة، ولا تتغدى في البيت ويظل الأكل على السفرة حتى العشاء. كل ما تفعله الزوجة عند مجيئها البيت تستحم وتجلس أمام شاشة التلفاز لمشاهدة المسلسلات التركية...شاردة الذهن. وكان الزوج صابراً على هذا التمرد حتى يرى نهايته.
وإذا صادف أن رأى الزوج أولاده مجتمعين مع أمهم في صالة التلفاز وأراد مشاركتهم الجلسة فإنهم ينفضون خلسة بالتدريج الواحد تلو الآخر إلى أن يجد نفسه باقياً لوحده، ولا يجرؤ الزوج أن يتفوه بكلمة لأن الزوجة متربصة له لتثير الشجار حتى يخرج من فيه لفظ الطلاق.
كان الزوج يرى ما يدور خلفه... ويلحظ ذلك عندما يعود إلى البيت الكل ينفض من حوله، ويلحظ الاجتماعات السرية التي تعقدها الأم مع الأبناء، وأصبح الأبناء يتحاشون مقابلة الأب بسبب تلك التعليمات التي تسديها لهم الأم، حتى فصلتهم عنه، وتبرر تصرفها هذا بأن الأب منشغل عنهم، وهي من تدفع لهم مصاريف المدرسة وتُفَصل لهم الملابس. تغدق عليهم بالمال، ولا ترد لهم طلباً... كل هذا لكسب ولائهم لها، فقط. وغفلت عما ينفقه الأب من أقساط سلفة البيت وأقساط بنكية أخرى متفرقة عن السيارة وما تبقى من تكاليف الزواج وغيرها...تكاليف معيشية: الأكل والشرب، الكهرباء والماء.
حتى مع إدارة المدرسة فقد أوهمت الإدارة بأن الأب لا يسأل عن أبنائه، لاهياً في عمله وأنها هي فقط المسئولة عن تربيتهم، وكانت إدارة المدرسة تستجيب لها وتعتبرها زبونة مهمة بسبب مواظبتها بدفع المصاريف.
هذا وبعد أن مهدت كل شيء للانفصال لم يبق لها إلا ساعة الصفر، وكانت أختها تتردد إلى البيت بين الحين والآخر عندما يكون الزوج متواجدا ًلتتحسس ما سيحدث، وذات مرة استرق الزوج السمع بينما كانت أخت الزوجة تهمس لأختها تسألها: "هل قلتِ له؟" وعرف الزوج على الفور بأن هناك كما يقال بالانجليزية: something fishy is going on""...بمعنى هناك مكيدة تدبر له.
الذي كان يغيظ الزوجة هو اهتمام الزوج بأهله في الآونة الأخيرة، خاصة بعد وفاة والده وأصبح هو الوكيل الشرعي للورثة، إذ كان يرعى مصالح إخوته في ولايته، وينفذ ما أوصى به والده قبل وفاته، وكان ظن الزوجة بأن ما ينفقه الزوج من مبالغ لتلك المشاريع هي مما حصل عليها من مخصصاته التقاعدية، التي لم تنال هي منها شيئاً... أعماها الكيد والغضب، ولم تجرؤ في يوم من الأيام حتى تجلس معه لتسأله وتشاطره همومه.
ربما خطة الانفصال كانت معدة مسبقاً بواسطة أختها ومدروسة بعناية من قبل الأخت، على أن يأتي الطلاق من الزوج؛ لتغنم الزوجة بالبيت والأبناء ويخرج هو من هذا "صفر اليدين" بعد 30 سنة من الشقاء والكدح، ولكن صمته وصبره هو ما جعله يتجنب الوقوع في الخطأ وخسارة البيت الذي ظل يدفع أقساطه لمدة خمس عشرة سنة.
شرود الزوجة وتأخر مجيئها البيت واللا مبالاة بشؤون البيت جعلا الزوج يوقن بأن هناك شيئاً ما يجري من وراء هذا، وفعلاً تبين لاحقاً بأنها كانت خطة أعدت بواسطة أختها وأخيها لبناء مسكنين لها سراً، بقرض تقترضه من البنك، ويشرف أخوها على تشييده، وكانت تؤجر أحدهما والأخر تسكنه هي ومن يتبعها من الأبناء، بعد أن يتم الطلاق، وهذا ما تم فعلاً.
ولم يكتشف الزوج ذلك إلا بعد شهور من إتمام الطلاق،ولكن البوادر كانت واضحة من خلال المال الذي كانت تنفقه في صيانة البيت دون استشارة الزوج، وفي غيابه لربما كانت تحس بالذنب الذي هو تكفير عما قامت به سراً مع أخوتها.
وعندما طفح الكيل، رأى الزوج لا بد من حسم الموقف، وأن يضع حداً لهذا العناد، فقرر السفر إلى خارج البلاد برفقة أخته، حتى يتخذ القرار بهدوء، فكتب رسالة على ورقة اقتلعها من كراسة دفتر، غلفها ووضعها في حقيبة كان يستخدمها لملابسه عندما يذهب إلى قريته، وبعد يومين من مغادرته، اتصل بأصغر أبنائه ليسلمها لأمه.
شرح فيها الزوج الوضع، وأنه لم يعد يحتمل تصرفاتها، وعليها أن تغير من موقفها وتفصح عما تريد، إذ وضعه الصحي يحتاج إلى زوجة من تعينه وتقف بجانبه، وقد سبق قبل ذلك أن اقترح لها؛ قبل أن يشتد الخلاف بينهما حينما حصل على التقاعد بأن يخصص لها راتباً شهرياً خارج مصروف البيت بعد أن يربح قضيته من المحكمة، مقابل أن تترك العمل، وتتفرغ لبيتها، لكن كان ردها سلبياً، فهي لا تستطيع ترك العمل وتتخلى عما بذلته من جهد فيه، بمعنى أنها لن تترك العمل حتى التقاعد. ورأى الزوج بأن القدر قدحكم عليه بأن يعيش حياته هكذا (زوج بالاسم).
كفاه معاناة وضيق، يكدح ليلاً ونهاراً متنقلاً بين المدينة وقريته عائشاً وحده، يطبخ، وينظف مسكنه، بعيداً عن أبنائه لا أحد منهم يسأل عنه، إن لم يتصل هو بهم، كل هذا حتى يوفي دينه، ويسدد أقساط بيته، ويوفي التزاماته نحو بيته في المدينة الذي يسوده الإسراف واللا مبالاة من قبل أبنائه في استهلاك الكهرباء والماء، خلاف ذلك ما عليه إلا أن يرعى مصالح الورثة، بما كلف به، والحفاظ على علاقة أسرته مع جماعتهم في القرية، التزاماً بما أوصاه به والده، وفي نفس الوقت تصارعه الأمراض المزمنة كالسكري وضغط الدم والكولسترول والغدة...وشبكية العين وغير ذلك من أمراض ابتلاه الله بها بسبب جهده الذي بذله في عمله السابق الضاغط الناتج عن سوء الإدارة.
خلال المدة التي انشغل فيها الأب عن أولاده كانت كفيلة أن تنفرد الزوجة بالأولاد وتمليء عليهم أفكارها السلبية عن أبيهم، مقابل تلبية كل رغباتهم حتى لو كانت غير صحيحة، المهم... أن تكسب ولاءهم لها، وأدخلت فيهم الخوف والرهبة من غضب الأب الذي يعترض على كل التصرفات. وأبعدتهم عن صلة رحمهم (مداخلة أهل أبيهم)، ولا يلتقون بأهله إلا مرة في السنة في مناسبات الأعياد... ولفترة تحددها هي بحجة أن لها الحق أيضاً في أن يشارك أبناؤها أبناء إخوتها.
هجر الأبناء الأب، وبقى بيت ألآب مجرد سكن مؤقت، حتى أن ابنه الأكبر الذي زوجه وسكن معه، لا يراه إلا بمحض الصدفة في ممرات البيت.
وأصبح ألآب لا يعرف عن أبنائه شيئاً... متى يخرجون أو يعودون إلى البيت، وأحياناً يسافر البعض منهم خارج السلطنة دون أن يعلم الأب...هكذا غدت حياة الأب من الزوجة التي اختارها من خارج العائلة برغم أنف أهله وضحى من أجلها.
لا شك إن هناك أسباب نمت بسببها هذه المشاكل وهي تعود في الأساس لاندفاع العاطفة قبل العقل عندما اختار الشريكة، وهذه هي لب المشكلة.ربما لو كان اختيار الشريكة من الأقارب لكان أرحم؛ ولَماَ حصل ذلك على الأقل؛ حرمان الأجداد من رؤية الأحفاد، أو حرمان الأبناء من مخالطة أبناء أقارب الأب.
هكذا كان عكس ما أراد الله أن نكون: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَة اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (72 النحل).
النظام الاجتماعي السابق (نظام القرية والقبيلة، والزواج من الأقارب) كان أكثر استقراراً وتماسكاً للأسرة، لأن الزوجة لم تكن منفتحة لمغريات الحياة، والمخالطة المطلقة مع الرجال.
وأرى كذلك أن إدارة مؤسسات العمل لها أيضاً الضلع في تمرد الزوجة، عندما تخرج وتسافر بحرية مُطلقة في مهام عمل وتختلط مع كل من هب ودب، خاصة إذا كانت المؤسسة تدير أعمالها بالطريقة الأجنبية، دون تمييز بين المرأة والرجل، وتحضر المرأة حفلات جريئة، كالتي حضرتها ذات مرة مع زوجتي وابني الصغير في دولة مجاورة، تكريماً لزوجتي ولزملائها المجيدين في العمل.
كان كل شيء تماماً من المطار إلى الفندق، ولكن عندما جاء موعد العشاء، وجلست الناس على الموائد، ووزعت العصائر، والخمور وشرب منها من شرب، وبعد قليل أتت الرقاصة عارية الجسد لترقص على أنغام الموسيقى الشرقية الصاخبة، ارتبكت وتصببت عرقاً ولم أدرِ ماذا أفعل، إلى أن دفنت رأسي في الطاولة، لو تصرفت تصرفاً انفرادياً وأظهرت لهم استيائي لأعتُبِرذلك تصرفاً شاذاً في تلك الحضرة، ولكن آثرت الانتظار، وما انتهيت من تناول وجبة العشاء حتى سحبت ابني واستأذنت بالخروج مبكراً ومشياً على الأقدام إلى الفندق، دون انتظار أحد.
فحرية المرأة وخروجها إلى العمل يجب أن يوزن، بما يتناسب مع العادات والتقاليد حفاظاً على بناء الأسرة، أننا مسلمون قبل كل شيء وشعب عربي محافظ، خليجيون بطبيعتنا، قد نختلف عن أهل الشام أو شمال أفريقيا حتى لو كانوا عرباً مثلنا، فهم متأثرون بعادات وسلوك الغرب وحتى لو تأثرنا نحن بجيراننا العجم فهم محافظون مثلنا فالمرأة عندهم ليست سافرة، أو أعطيت مطلق الحرية.
في العزومة التي حضرناها في تلك الدولة المجاورة كنت استغرب كيف اختير لنا ذلك المطعم لتناول العشاء فيه ومشاهدة تلك الرقاصة العارية ونحن ونساؤنا محافظون،لباسنا (العباية والدشداشة) لا يوجد معنا أجانب عدا أسيوي واحد مع زوجته وابنته.
على كل حال على المرء أن يحسب ألف حساب قبل أن ينتقي شريكته، وعليه استشارة الأهل والأخذ برأيهم، فهم لهم دور في سلامة السفينة حتى تصل إلى بر الأمان. وأن نترك العناد والرومانسية جانباً فالحياة ليست رومانسية بل كفاح من أجل البقاء، دون تعثر.
وعندما يختار الشاب شريكة حياته يجب أن يتخلى عن فكرة المصطلح الذي نسمعه: دائما من الشباب "سكني، تجاري" الذي اختلقه الشباب، للزواج من عاملات... بحجة أن الشاب غير قادر على مجابهة تكاليف المعيشة وحده. فالزواج بمثل هذا النوع يعني استجلاب (شغالة) لإدارة البيت، لعدم تفرغ الوالدين، وقد يلحقون أبناءهم بمدارس خاصة، ومختلطة بأجانب وبأبناء ميسورين، قد يتأثرون ببعض الطباع المستهجنة. وخلاف ذلك، إن عدم تفرغ ربة البيت لبيتها سوف تعتمد بلا شك على استجلاب الطعام من المطاعم لضيوفها، أو لصلة الرحم، وهذه كلها أعباء مالية، ناهيك عن أقساط البيت، وأقساط السيارة، وما تبقى من أقساط تكاليف الزواج، وكأنهم لم يعملوا أي شيء. وما قد تحصل عليه الزوجة من راتب تنفقه لتغطية غيابها عن البيت. فالمسألة هي هي، فأي هو الأفضل أن تزاحم المرأة الرجال في العمل وتحتك مع كل من هب ودب أم أن تبقى سيدة وأميرة في بيتها؟...
هذا خلاف الأعباء التي قد تتحملها الدولة للإنفاق من موازنة الضمان الاجتماعي على المطلقات، أو العوانس وكبار السن الذين عُقُّوا من قبل أبنائهم.
- عبد الله السناوي - شارك
-