-
-
لا يحك ظهرك إلا ظفرك-د
مثل متداول بكثرة في المجتمع العماني وأيضاً في المجتمعات العربية الأخرى، ويضرب هذا المثل لمن يراد منه الاعتماد على نفسه.
في الحقيقة بلادنا سلطنة عمان اعتمدت على أبنائها منذ البداية في إدارة تنميتها وذلك منذ أن أعلن جلالة السلطان المعظم حفظه الله، في خطابه "عفا الله عمَّا سلف"...بدأ الناس يعودون أفواجاً إلى بلادهم حاملين معهم الخبرات التي اكتسبوها في الغربة.
ربما سلطنة عُمان كانت من أقل دول الخليج التي اعتمدت على العمالة الوافدة في بداية نهضتها خاصة في مجال الإدارة، فالعمانيين الذين كانوا في شرق أفريقيا عملوا في القطاع الخاص وفي المجالات التي تتطلب خبرات فنية أو استخدام اللغة الانجليزية؛ كقطاع البنوك والصحة والاتصالات والنفط، وغيرها، سواءً أكان ذلك في القطاع الخاص أم القطاع العام، أما إخوانهم الذين عادوا من دول الخليج شغلوا معظم الشواغر في القطاع العام، وبقيت الأعمال الأخرى كقطاع المقاولات والتجارة والأعمال الورشية التي شغلتها العمالة الوافدة، إلا أن هذه الأعمال الأخيرة نمت بسرعة إلى أن أصبحت بما تعرف بالتجارة المستترة، التي تعمل الحكومة جاهدة في وقتنا الحاضر للحد من تفشيها.
لم تتوقف جهود الحكومة في نشر التعليم وإدخال التدريب في كافة المجالات، هناك الكثير ممن لم يكملوا تعليمهم النظامي فالتحقوا بالتعليم في فترة المساء، ذلك بخلاف برامج محو الأمية، والكل نال قسطاً وافياً من التعليم حسب إمكاناته وقدرته الاستيعابية، وهناك الكثير ممن ابعثوا للتدريب أو لاستكمال تعليمهم الجامعي في الخارج قبل إنشاء جامعة السلطان قابوس. والإبتعاث للتعليم الجامعي إلى الخارج لم يتوقف ما زال قائماً إلى اليوم.
وقد تخرج في جامعة السلطان قابوس الكثير وأصبحوا الآن بالآلاف، ومنهم ممن تعتمد عليهم الحكومة الآن في إدارة خدماتها، وأصبح وعي المواطن أوسع في تنمية بلاده، ويشارك في الرأي والمشورة في خطط التنمية وبهذا أوفى صاحب الجلالة بوعده بجعل عمان دولة عصرية تستعيد مجدها التليد. ورأينا ذلك بنيل سلطنة عمان كثيراً من الإشادة الدولية على سياستها الخارجية والتنموية والاجتماعية، وأصبحت عمان مقصداً لمختلف شعوب العالم ولها مكانتها المرموقة بين دول العالم.
هذا يعني أن على المواطن أن يتحمل العبء الأكبر في معاونة الحكومة على استدامة التنمية والحفاظ على المنجزات التي تحققت خلال الست والأربعين سنة الماضية، نأمل من الجيل الجديد الذي استلم الدفة أن يكون خير خلف لخير سلف.
بعدما اكتسب المواطن الخبرة والمعرفة، واتسعت آفاقه وثقافته، تهيأت له فرصة المشاركة في التخطيط وفي إبداء الرأي من أجل اتخاذ القرارات الصائبة لتنمية البلاد وذلك من خلال المجالس التي ينتخب إليها أو اللجان التي تعينه الحكومة من أجل الاستفادة من مشورته جنباً إلى جنب مع أخوانه المسئولين.
مشاركة المواطن في المجالس البلدية أو المحلية لم تكن وليدة الأمس بل كانت منذ بزوغ النهضة،في مختلف المجالات سواءً كانت تربوية، أم تنموية، أو زراعية، أو اجتماعية، إلى غير ذلك...من اللجان التي كانت يترأسها سعادة ولاة الولايات.
وعندما أتى المجلس الاستشاري للدولة الذي كان نواة المجلس الشورى الحالي كان المواطن مستعداً، قد تهيأ لخوض تجربة الشورى بمفهومها الحديث. وواكب حدث التطوير الذي طرأ على إدارة العملية الانتخابية سواء أكان من ناحية التنظيم أوالتجهيز أم إيجاد الكوادر المدربة. وقد رأينا ذلك جلياً في الانتخابات الأخيرة لعضوية المجلس البلدي. ويجب أن أوضح أن النجاح لم يتكلل بما قامت به الأجهزة الإعلامية من دعاية بل كان نابعاً عن قناعة المواطن التامة بوجوب المشاركة.
لا شك أن خلال الأربعة عقود الماضية أنتجت عُمان جيلاً مثقفاً اكتسب خبراته ومؤهلاته محلياً ودولياً، هناك من تخرج في كليات جامعية محلية، ومن جامعة السلطان قابوس، والبعض الآخر أنهى دراسته الجامعية خارج السلطنة... في أمريكا وأوروبا، واستراليا والهند وفي دول شرق أسيا مزيج... من الثقافات مما يجعل الجيل الجديد في عمان قادراً أن يبني مستقبل بلاده برؤى جلية...واضحة، ملائمة متمشية مع حداثة العصر، ومواكبة للتطور دون الخروج عن إطار الهوية الوطنية.
وعندما اصطف الجميع في طوابير الانتخاب مؤخراً؛ كانت لديهم قناعة بمن سينتخبونه، فعمان بلد صغير بمجتمعه، لكنه شاسع في مساحته، به تضاريسٌ مختلفة، مع هذا فالكلٌ يعرف الآخر بسبب نظام ترابطهم الاجتماعي، هناك المسجد، أو الجامع، والمجلس (السبلة) التي تجمعهم في الأفراح والأتراح. لدى العمانيين ولاء لبلادهم وسلطانهم، شعب متدين، واجتماعي بطبعه، يرجح كفة العقل في كل شيء، ويتقبل المنطق، مسالمٌ، ومن صفاته التواضع والتسامح.
هذا الكلام نابع عن صدق من خلال خبرتي ومعايشتي للواقع، واختلاطي بالناس في مختلف ميادين الحياة العامة... واطلاعي على حياة الشعوب في البلدان التي سافرت لها، سواءً أكان ذلك للدراسة، أم للتدريب، أو لحضور المؤتمرات الرسمية في الفترة التي كنت أعمل بها خلال فترة عملي في الثلاثين سنة التي سبقت تقاعدي عام 2003م.
بقي الآن على العضو المنتخب لمجلس البلدي، أن يقترب من الناس الذين انتخبوه، وأن يقترب أيضاً من الناس الذين انتخبوا غيره، على حد سواء، عليه أن يثبت جدارته و يصغي بإمعان على كل ما يطالبون به. يدونه ويقدمه للمجلس حتى لو كان لا يستطيع تحقيق مطالبهم، أن كل ما يريده الناس هو أن تصل مطالبهم للمسئولين، ولا شك إن لم تتحقق هذه المطالب اليوم؛ ستتحقق غداً ـ إن شاء الله ـ قد تكون هناك للحكومة أولويات في برامجها المتعلقة بتنفيذ مشاريعها.
فالمواطن العادي لا تهمه المشاريع الكبيرة التي تنفذها الحكومة أو ستنفذها في المستقبل؛ بقدر ما يهمه أن يرى السكك والأزقة المؤدية إلى سكنه نظيفة، خالية من الأوساخ، والقمامة ومخلفات البناء التي ترمى عشوائياً من قبل العمالة الوافدة السائبة.
يهمه أن يرى جدران حارته خالية من التشوهات والخربشة، و يهمه أن لا يرى القمامة مكدسة على صناديق القمامة، وأن يعيش في بيئة صحية جيدة خالية من القوارض والبعوض. إذ الخدمات في وقتنا الحاضر لهذه الحالات جداً متدنية خاصة في الخمس السنوات الأخيرة، سواءً أكان في محافظة مسقط أم في ولايات الداخل خاصة الولايات التي بها العدد الأكبر من العمالة الأسيوية الوافدة.
في بعض السكك للأسف لا يستطيع المرء المشي فيها دون أن يرفع ثوبه من تدفق المياه، ومن طفوح الصرف الصحي (البلوعة)، فالسائح عندما يتجول في مدينة يريد أن يرى معالمها القديمة، يلتقط صوراً للبيوت والمساجد والمباني القديمة بغرض دراسة هندستها.
من أساسيات خدمة البلدية للمدينة التجميل؛ كتنظيم البناء والتشجير، والنظافة والحفاظ على الصحة العامة، ثم تأتي الخدمات الأخرى، فخدمات النظافة لا يمكن الاقتصاد فيها أو التقليص في موازنتها، المواطن يود أن يرى في كل شارع وفي كل سكة حاوية لرمي الورق وعلب المرطبات، وما نراه الآن للأسف حتى الأودية لم تسلم من التلوث، نرى الأكياس وعلب المأكولات ترمى بلا مبالاة تتطاير في كل مكان، ناهيك عن مخلفات البناء من (طابوق) وأخشاب والتي تتكدس في الأودية على مرمى البصر.
لقد ذكرت الكثير على ما نوده أن يتحقق بجهود المجلس البلدي في مقالاتي السابقة، وآملاً من القائمين بأعمال البلدية النظر إليها "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ "(21 الغاشية)...
- عبد الله السناوي - شارك
-