-
-
إنها الحياة-د1
إنها الحياة، كما يقال في المثل الفرنسي Ce est la vi، لكل إنسان طموح، ورؤى يرى بها مستقبل حياته، وحلم يراوده بين حين وآخر، ويبدأ هذا الحلم من سن المراهقة، ويستمر بصحبته طيلة فترة دراسته، وحتى تخرجه والتحاقه بالعمل، وقد لا يقف هذا الطموح أو الحلم هنا، لأنه من طبيعة الإنسان؛ يريد المزيد والمزيد متكيء على ما وهبه الخالق من صحة وعافية، وما أكتسبه من مهارات معرفية حتى إن لم يكمل دراسته الأكاديمية أو المهنية، وفضل خوض ميدان العمل في سن مبكرة، لاشك هذه الرؤى ستبقى هدفاً يمشي عليها لتحقيق حلمه وإثبات ذاته.
والناسُ يختلفون في معيشتهم واكتساب رزقهم، ليسوا سواسية كما هو وارد في قوله تعالى: "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (الآية 71. سورة النحل)
ومنهم الكادح كما ورد في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"(الآية 6. سورة الانشقاق) ويبقى للإنسان هدفه الذي رسمه لنفسه يمشي عليه، وقد يختلف شخص من آخر في كيفية تحقيق هدفه، فمنهم من يتعثر ومنهم من يثابر، ومنهم من تنفتح له أبواب الدنيا على مصراعيها.
ومن يلاحظ في كتاباتي يرى بعض الآيات تتكرر في مقالاتي، والحقيقة إني أرى هناك بعض الآيات القرآنية يجب أن أقتدي بها في المناسبة التي أتحدث عنها. فالقرآن الكريم معجم شامل وواسع، وكل ما نقتبسه من كتب الغرب عن سلوك المجتمع، وعن الرعاية الاجتماعية، والحقوق المدنية...كل هذا موجود في القرآن الكريم، فقط كل ما نحتاجه هو التفكر والتدبر عند قرأتنا للقرآن، وأن نجد التفسير الصحيح للآيات، والابتعاد عن كتب التحريض.
الله سبحانه تعالى خلق "الناس سواسية كأسنان المشط" ويقول سبحانه في سورة الحجرات (الآية 13):"يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
إذن كيف لنا أن نتقاتل ويكفر بعضنا بعضاً؟ ألم يقل الله سبحانه تعالى: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الآية 103 من سورة آل عمران)، والآية التي تليها: " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
هذه بعض الأمثلة لمن يريد أن يقرأ ويتتبع، وللأسف ليس كل ما يقوله شيوخنا في القنوات الفضائية نابع من القلب، إذ منهم من يستضاف لغرض معين من قبل مديري هذه القنوات، لكسب متابعة المشاهدين، ومن ثم ومن خلال الحلقة يتم بث الإعلانات والدعايات التجارية التي تعاقدوا من أجل بثها. ومن الشيوخ ممن يستضاف مقابل أجر معين ليلقي محاضرة، أو لإجراء لقاء معه مقابل أجر معين، بدليل أن مذيعات هذه القنوات عندما يجرين اللقاء أو المقابلة مع أحد الشيوخ لا يستترن، بل نراهن سافرات، منهن عاريات العنق والصدر حتى الثديين، كاشفات الأكتاف، دون توقير للشيخ الذي يتحدثن معه، والتعري كما نعلم لا تسمح به جميع الأديان، لا عند اليهود ولا عند النصارى، وحتى البوذية، إنما هي بدعة تجارية حديثة، خلقتها(الماسوينة - التجارية) من أصحاب الشركات التي تستغل مفاتن النساء للترويج للبضائع، مناقضين أديانهم. لقد رأيت كثيراً من النساء عندما يدخلن الكنيسة يغطين رؤوسهن باللحاف أو بالمنديل.
لك أن تتخيل هذا الشيخ الملتحي المتعمم، الوقور، يأخذ ويعطي أمام امرأة عارية الصدر، لا يستطيع مقاومة حدقات عينيه في صدر المذيعة،وهذا أراه تناقضاً على ما ورد في الدين عن الستر والتحجب، إذن من الأصح حسب رأي الشخصي لمن يريد متابعة البرامج الدينية عليه سماعها أو مشاهدتها من خلال المذياع أو التلفاز الرسمي لبلده، لتجنب بعض التناقضات في الفتاوى والمسائل الدينية... هناك كثير من المفتين من يحرم، و من يبيح ويحلل، وهناك من يبدع البدع وكل على كيفه...
وللأسف كثير منا لا ينتبه للغاية التي أنشئت من أجلها بعض القنوات الفضائية، إذا لجأت بعض منها إلى وسائل التواصل الاجتماعي ـ والتي بدورها وجدت أرضاً خصبة عند المسلمين ـ لتنشيط حركة "البيانات" في وسائلها الاجتماعية (وسائل التواصل الاجتماعي) من خلال الترويج للنصوص والأدعية، أو الصور والدردشة، التي لا تنتهي، فيتبادلها المسلمون بواسطة هذه الوسائط ظناً منهم كجزء من الوعظ الديني، بينما في الحقيقة يستغل أصحاب هذه المواقع في دس الإعلانات التجارية لكسب المزيد من الإرباح، وغيرها من الأمور، وبعضنا يكون مجرد (ترانزيت) عبور يساهم في الترويج لزيادة تدفق هذه البيانات (Data flow) دون أن يدري:(انشر ولك الأجر ... انسخ والصق...)، ونرى نفس العبارات والصور تتكرر ويتم تداولها مع كثير من المجموعات (الجروبات)، وقليل منا من يستفيد مما يتبادل في هذه الوسائط، حتى أن أرباح هذه الشركات أصبحت بالملايين الدولارات تفوق أرباح شركات الاتصالات (وعلى حساب وظهر المغفلين غير المقتصدين).
لذا نرى؛ أن أصحاب شركات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية يربحون أكثر بكثير من شركات الاتصالات، فشركات الاتصالات مجرد وسيلة توصيل الاتصال، (وسيط كشبكة أنابيب توصيل المياه) وما يجري بداخل هذه الأنابيب من مياه وسخة، مالحة، أم عذبة...لا يهم إن كانت قذرة أم نظيفة المهم أنها بضاعة لها وزن ولها قيمة متعددة الأنواع ومختلفة الأشكال والأحجام؛ تعتمد عليها شركات وسائل التواصل الاجتماعي في جني أرباحها...إن كانت على هيئة صور أو فيديو أو بيانات - رسائل نصية، أو صوتية، لا يهم كل شيء بسعره فمثلاً: عند إرسال صورة فيديو على سبيل المثال (image message) لا يقل حجمها عن (4 ميجابيت) بسعر تقريبي على سبيل المثال(24 بيسة) أنظر، كم من الصور التي سيتم تبادلها بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على الهواتف الذكية عبر(الإنترنت) في اليوم الواحد؟
أنا مشترك في عدد من (الجروبات) أتلقى يومياً العشرات من صور الفيديو، والصور الثابتة (صور صباح الخير أو جمعة مباركة) بمختلف الألوان والأشكال منها على شكل أدعية منقوشة على وردة، أو مكتوبة على فنجان شاي، أو مزهرية، وأحياناً صور فطور على طاولة، أو فاكهه.ونفس الصور تلف وتدور في (الواتس آب) من (جروب إلى جروب)؛ من أين أتوا بهذه الصور؟ عدا كونها سلعة تجارية غير مباشرة.
نلاحظ هناك إغراءات كثيرة تأتي على شكل خدمات تعرض على مستخدمي الإنترنت مجاناً، وبما أنها مجاناً فالبعض يسارع في تثبيت تطبيقاتها دون أن يدري؛ (مع العلم لاشيء هناك اسمه مجاناً في عالم التجارة، إن لم تدفع للبضاعة تصبح أنت البضاعة) يتم المتاجرة بك بين مواقع الإلكترونية."يباع كل شيء منك:اللحم، والشحم، والعظم وحتى الجلد" كل شيء ما يمكن الاستفادة منك: (العنوان، والبيانات الشخصية، ورقم الهاتف والعنوان البريدي، و عن تخصصك، ونوع عملك...وغيرها من الأمور التي قد تكون سبق أن دونتها في إحدى المواقع؛ يتم تبادلها وبيعها دون أن تدري، تكون ربما قد سمحت لهم بذلك، ووقعت أو قبلت على استخدامها لغيرك عشوائياً في عقد الخصوصية.
وإذا كنت من مستخدمي (جوجل) تكون قد سلمت رقبتك لهم، يتم تتبعك في أي مكان وفي أي زمان، وربما يتم التقاط صور لك بواسطة هاتفك دون أن تدري، طبعاً هذا إن كنت مهماً لهم، لا شك كلنا سمع عن الابتزاز الإلكتروني؟
الله يرحم أيام زمان، عندما كنا لا نعرف عن الاتصالات عدا كلمتين "برق وهاتف" أو (تلفون وتلجرام)، وأتذكر جيداً بيروقراطية الحصول على هاتين الخدمتين، ثم خدمة التلكس التي أتت بعدها للمؤسسات التجارية، ومن ثم خدمة الفاكس أو (الفاكس ميل) Facsimile بمواصفات (جي 2) التي بقيت تستخدم حتى الآن لسهولة تشغيلها على خطوط الهاتف، بعد أن طُوِرت سرعتها وجودتها إلى (جي4). وحرف (G) يعني في بعض مواصفات الاتصالات لخدمات التلكس والتلغراف - البرقيات (الخدمات التقليدية القديمة)، هو اختصار لكلمة Group أي "مجموعة" أو أحياناً اختصاراً لكلمةGeneration أي "جيل" كما هو في مواصفات شبكات الهاتف النقال، هذا لعلم من لديه اهتمام بقطاع الاتصالات.
- عبد الله السناوي - شارك
-