1. إنها الحياة-د2

      إن النهضة التي حدثت في قطاع الاتصالات في العالم وعندنا على وجه الخصوص عندما استبدلت المقاسم وشبكات الهاتف في بداية التسعينات من (إليكتروـ ميكانيك) إلى رقمية مائة في المائة والتي بنيت عليها الخدمات الأخرى المضافةvalue added services كخدمة تراسل المعطيات أو البيانات مثلاً data services وتطور خدمات الهاتف النقال (الخلوي اللاسلكي) تغيرت الحياة الاجتماعية عندنا في عمان، وأصبح الكل يملك جهاز اتصال خاص به، في جيبه موصولاً بشبكة الانترنت بواسطة الهاتف الذي يعرف بالهاتف الذكي Smartphone.

      لم تعد هناك حدود لبلدان العالم وخصوصية كما كانت في العهد السابق،وبسبب سهولة اقتناء هذه الأجهزة من ناحية السعر وتوفرها في الأسواق، أصبح الكل لديه جهاز هاتف داخل الأسرة؛ جهاز اتصال كمبيوتري (ذكي)، سهل الاستعمال، سواء أكان مستخدماً للتسلية أو للعب والتسلية، أم للاتصال وتبادل المعلومات، ذلك مما شجع على تطور "وسائل التواصل الإعلامي" التي تطورت إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

      نهضة الاتصالات وثورة التكنولوجيا وتقنية المعلومات، غير نمط الحياة الأسرية وأصبح لا أحد يكلم أحداً، الكل مشغول منهمك في هاتفه، منهم من يتصفح الإنترنت أو يقرأ رسائل التواصل الاجتماعي في (الواتس ـ أب، الإنستجرام، التويتر، الفيسبوك، إلخ...) أو من  يشاهد أفلام الفيديو على (اليوتيوب). والطفل أيضاً له عالمه الخاص على جهازه (الأي ـ باد) هكذا غدت الحياة، مما قلص دور الأب وسيطرته على أبنائه، ومما زاد الطين بلة خروج الأم للعمل، وبقي البيت وإدارته رهين الخادمة التي استجلبت لتحل محل (ربة البيت إن كانت تعمل أو عاجزة).

      الأعذار والتعاليل كثيرة كل من يطوعها لصالحة؛ "المعيشة غالية، أو أن الراتب الواحد لا يكفي"، أو أن المرأة المتعلمة لا بد لها أن تشتغل...أو ربما البعض يرى بأن أعمال البيت يقلل من شأن الزوجة وقدرها (و أنها ليست خادمة)، حتى لو أرادت بعض الأسر الاستغناء عن (الخدامة) فأن الجيران والمعارف لن يتركوهم وشأنهم. فإن أول سؤال عندما يلتقون بمعارفهم: يسألون:"ألا توجد لديكم (شغالة)؟ أو (شغالتكم) من أي جنسية؟...فضول، لمعرفة وقياس المستوى المعيشي للأسرة، بمعنى هل الخادمة من ذوي الأجر العالي أم المتدني.

      وعندما نرى الواقع فهو مغاير لذلك تماماً، تجد ممن يدعون بأن المعيشة غالية أو الراتب لا يكفي، يسكنون أو يقتنون بيوتاً من  طابقين، ولديهم سيارتين، أولادهم يدرسون في مدراس أو كليات خاصة، وإجازة نهاية الأسبوع، أو في أثناء العطل الرسمية يقضونها خارج البلاد، ومنهم من يسافر إلى خارج دول مجلس التعاون، وعلاجهم الصحي يتم في عيادات ومستشفيات خاصة، هذا إضافة إلى وجود خادمة في المنزل وهاتف ذكي لكل فرد من الأسرة، من أجل التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

      على كل حال، لا توجد نسبة إحصائية دقيقة، ولكن لا شك من خلال الإحصائيات عن عدد مستخدمي الهاتف النقال وتعداد خدم المنازل، وعدد من يملكون السيارات الخاصة، يمكن التخمين النسبة التقريبية عن الرفاهية التي  ينعم بها المواطن.

      إن تخلي المرأة عن مسؤولية بيتها وقلة الاهتمام بزوجها، واتكالها على الخادمة وخروجها للعمل، لا شك قد ساهم في كثير من المشكلات الأسرية التي ربما قد أدت منها إلى الطلاق، أنا لا أود هنا أن أعمم، لكن هناك زوجات ينظرن للزواج بأنه للإنجاب؛ وأن يكون لها بيت مستقل عن أهلها، وعندما تعمل المرأة لا ننسى بأن لها طموح تماماً كالرجل، متساوية معه في الحقوق والواجبات، والمرأة تريد أن تترقى وترتفع في العمل، خاصة أن القانون أجاز لها بأحقية ذلك.

      الذي شجع المرأة للعمل،هي الامتيازات وتشجيع الحكومة لها، سواء أكان ذلك في القطاع العام أو الخاص أو الأعمال الحرة كرائدة عمل. أبواب العمل مفتوحة لها على مصراعيها دون ولاية الزوج، هناك ممن يدرسن خارج البلاد، ويسافرن و يحتككن مع الرجال في ميادين العمل دون قيود، طالما هناك التزام بالأخلاق والآداب العامة، وهذا شيء جيد، على مستوى الاقتصاد، يقلل من الحاجة إلى الأيدي الوافدة، ولكن من الناحية الاجتماعية يخلق مشكلات أسرية بسبب غياب الزوجة عن بيتها.

      الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى تفكك الأسرة تنشأ بسبب إفراط الزوجة في العمل، وابتعادها عن مسؤولية البيت، ينظر لها على أنها مسؤوليات وتصرفات فردية، ويعتمد حلها وعلاجها على ثقافة الأزواج...هكذا الحال يتم التوافق بين العرض والطلب، بين الفرص السانحة التي يجب أن تستغل، والعواقب التي يجب إيجاد  الحل لها.

      وللأسف بسبب هذه التناقضات في الحياة، فالنظري غير العملي، ففي الواقع انعدمت الشفافية بالرغم من أننا نسمع الحديث عنها و نتداولها في كلامنا كل يوم، لا أحد يصارح أحداً، وكل ما هو في الواقع مجاملات في مجاملات... ليس الناس كالسابق؛ هذا عصرٌ الجار لا يسأل عن جاره، ولا الابن عن أبيه، والزوجة لا ترعى زوجها إلا فئة قليلة من المجتمع، وهؤلاء جلهم من الجيل السابق.

      فإذا حدث أن تركت المرأة زوجها، تخلت عنه وطلبت منه الطلاق لسبب من الأسباب كاختلاف المصالح أو لأنه لم يعد ينفعها (يهمها)، أنجبت منه ولديها عمل دائم يغنيها عنه، خاصة إذا كان مريضاً بأمراض العصر المزمنة، أو متقاعداً، فإنه يبقى وحيداً في وحشة الوحدة؛ إن لم يكن هناك من يزوره من أهله أو أبنائه، أو له مداخلة من أقارب، أو جار. وفي نظر القانون الاجتماعي رعايته مُوجِبة على الأبناء، ولكن إذا كان هؤلاء الأبناء لا تحن فيهم معاني الأبوة، وشغلتهم الدنيا، ماذا عسى للأب أن يفعل أيقاضيهم مثلاً؟، يقول الإمام الشافعي:

      إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً -  فَدَعه ُوَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا

      فَفِي النَّاسِ أبْدَال ٌوَفي التَّرْكِ رَاحة ٌ-  وفي القلب ِصبرٌ للحبيب ولوجفا

      في القرآن:-

       " وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " (سورة المؤمنون الآية 62).

      الحمد الله في عصرنا هذا لم تقصر الدولة، كل شيء تقريباً مؤمَّن، هناك معاش تقاعدي، ومعاش من الضمان الاجتماعي، والعلاج الصحي مكفول مجاني حتى مصاريف الجنازة والعزاء إذا سمح الله أن توفي الإنسان، خاصة ممن يشملهم المعاش مصاريف العزاء مكفولة.

      كل ما يريده الأب هو رؤية أبنائه حوله، يتفاخر ببرهم له؛ ليسوا بعاقين، والله سبحانه تعالى يقول:"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (سورة النساء 35).

      وآية أخرى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" (الإسراء 23).

      آيات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، كلنا قراناها، ولكن الفرق في التطبيق هكذا... عندما أقول القرآن منهج رباني وموسوعة فيها كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، فقط إنما يبقى علينا التفكر والتدبر بين الناس، وما يأتينا، أو ما نقلناه من كتب الغرب ما هو إلا تحصيل حاصل، نحن سبقناهم بأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن لكننا لا نطبق...إذ ما نتعلمه لا نطبقه، ولا نقرأ، أذكر هناك مقولة مرت علي لأحد العلماء الغربيين ربما فرنسي يدعى أو اسم شهرته "فولتير" كاتب وفيلسوف عاش في عصر التنوير... في القرن السابع عشر، عندما سأل من سيحكم العالم؟ قال: "من يقرأ".

      صحيح، بأن البلد لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، ولكن ألا يكون "شيء على حساب شيء آخر"، وعندما تخرج المرآة لميدان العمل، قد يكون لها عذرها، لكن علينا ألا نبالغ في الترويج لريادتها في العمل؛ والذي قد يؤدي إلى تنفيرها عن البيت، فننسى دورها في رص بنيان الأسرة.  كقول الشاعر: " فقل ْلمن ْيدَّعِي في العلم ِفلسفة ً- حفِظْتَ شَيئًا ، وغابَتْ عنك أشياءُ "،(لا ننسى أو نتناسى قوامة الرجل، ومشكلات الطلاق، ونتجاهل مشاكل تعنيس المرأة).يجب موازنة الأمور...الأمور الإيجابية يجب أن تكون متوازية، لسنا بحاجة إلى مناداة الغرب حول حرية المرأة، حقها مكفول شرعاً وقانوناً وربما المرأة العربية أو الخليجية بالذات، والعمانية على وجه الخصوص أوفر حظاً عن مثيلاتها في بلدان العالم، يكفي أنها تلقى رعاية سامية من لدن صاحب الجلالة، حتى أنه خصص  لها يوم من كل عام (17 من أكتوبر) للاحتفاء بمنجزاتها.

      لو أن الغرب فهموا ديننا فهماً صحيحاً، لما نادوا بحقوق المرأة، لست أفهم ما حق المرأة عندهم؟ هل يعني أن تمشي عارية في الشوارع مثلاً؟ أو أن تستلقي عارية على شاطئ البحر، أم أنها سافرة اللباس - دمية دعاية وإعلانات؟

      في سورة البقرة (الآية 120) قال سبحانه تعالى مخاطباً الرسول عليه الصلاة والسلام: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ".

      وتفسير الآية حسب ما جاء في التفسير الميسر، الصادر عن دار الهداية ـ بيروت "لن ترضى عنك يا محمد  اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعت دينهم. قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح. ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي مالك عند الله من ولي  ينفعك ولا نصير ينصرك.

      هذا إذا كان (للمأسونية دين)، لنا مجتمعنا ولدينا خصوصياتنا وهويتنا.فالتابع يبقى تابع لسيده؛ انهارت دول إسلامية عريقة وانتشر فيها الفساد، وتشرد أبناؤها وأصبحت نساؤهم مرتعاً للذئاب في شوارع بلدان الغرب.

      1. عبد الله السناوي - شارك