1. لا تقلع عينك بإصبعك:

      هذا مثل عماني قديم سمعته ويقصد به لمن يريد أن يلقي بيديه إلى التهلكة، ويقول سبحانه تعالى في سورة إبراهيم (الآية 7) "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "ٌ.

      فالإنسان عليه أن يحمد الله سبحانه تعالى على نعمه، ويتأمل ما عنده وما عند غيره، راحة البال والأمن والسلام أساس كل شيء، قد ترى غيرك يفوقك مالاً ولديه ما يبذره، ولكن ليس بالضرورة هو أفضل منك، فذاك يعتمد على غيره في تدبير معيشته، بينما أنت تعتمد على نفسك، وأفضل منه ارتباطاً بأُسرتك، يجب أن لا نحاكي الغير، فالظروف ليست واحدة وألا نأخذ الأمور هكذا جزافاً.

      إذا كنا نطالب بأشياء نراها من وجهة نظرنا بأنها ملحة، يجب أن نقيمها أولاً لنرى مدى أهميتها وضروريتها، ومن ثم ندرج أولويتها. هناك طرق وإجراءات ونظم للمطالبة بتوفيرها، ولسنا نتعامل (بقانون الغابة) السلوك ينبع من التربية، ويقال "إن أردت أن تعرف حضارة شعب ستجدها في سلوكه"، والعمانيون من أقدم الشعوب في المنطقة، حضارتهم تمتد لأكثر من أربع آلاف سنة قبل الميلاد، لديهم علاقات تجارية منذ القدم مع مختلف الشعوب، وعندما نسافرَ نسمع من الكثير ممن يتحدث عنا في سلوكنا الطيب،وخير تعاملنا مع الناس، والعماني يتصف بالهدوء والتسامح والعفاف والكرم، شعبٌ مدحه الرسول عليه الصلاة والسلام في أخلاقه.

      الحمد الله الحكومة سهلت  لنا الأمور وإجراءات المطالبة، وعن كيفية لفت النظر عندما يكون هناك تقصير بطرق تضمن لكل ذي حق حقه، الموظف المقصر يُساءل، والمواطن المعتدي أيضاً يُساءل، (وكما لك فأيضاً عليك).

       لدينا مجلس شورى منتخب ويمثلنا فيه شخص انتخبناه بمحض إرادتنا، ولدينا عضو يمثلنا في المجلس البلدي اخترناه بأنفسنا، ولدينا هيئات رقابية وتنظيمية فتحت أبوابها لكل من له حق أو مطالب أو شكوى ضد شركة خدمية كالهيئة العامة لحماية المستهلك، والهيئة العامة للكهرباء والمياه، والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، والهيئة العامة للرقابة المالية، وغيرها إضافة إلى محكمة القضاء الإداري المختصة بالقضايا التي تتعلق بالمؤسسات الحكومية.

      بلادنا منظمة كالساعة، لامجال للتشويش والشوشرة، فمن له حق أن يطالب فيه بالطرق المشروعة، وليس بالتشويش والتذمر وإثارة الاضطرابات والبلبلة والتي لا يستفيد منها إلا الأعداء يجب ألا نعطي الفرصة للمتربصين في تصيد أخطائنا.

      لا شك أن الإنسان الناجح لا يخلو من أعداء وحساد، وقد رأينا كيف برزت عمان في الآونة الأخيرة، وظهرت بأصالتها كبلد وئام وسلام، وليست بلد فتن وخصام، هدوء سياستها لفت أنظار العالم وبدأوا يتساءلون عنمن هؤلاء العمانيون؟ أننا "نار على علم" لسنا بحاجة إلى (بروبوجاندا) الإذاعات.

      كأُناس عاقلين يجب علينا أن نتحاشى الشوشرة والضوضاء وأن نكظم الغيظ، وفي حالة امتعاضنا من موقف ما أو خدمة معينة علينا معالجتها عبر القنوات المتاحة لنا والتي كفلها لنا القانون، وألا نُستَدرج إلى "ما لنا ناقة فيه ولا جمل" إذا كان أحدنا مُهمِلاً وغير منتظم في دفع فواتيره، أو مسرفاً في استهلاكه للخدمات، ويريد أن يضاهي من أيسر منه حالاً؛فهذا شأنه، وعليه أن يتحمل توابعه، والله سبحانه تعالى يقول في سورة النحل(الآية 71 ): "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" فالناس ليسوا متساوين في الرزق هذه هي سنة الحياة.

      وعندما تخطط المشاريع تخطط وفق الحاجة، تجنب الإسراف في الموارد" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف: 31)، ليست المسألة "أنا أدفع" لو كان الوضع هكذا؛ لقدمت الحكومة لنا خدماتها على أساس تجاري، ولما استطاع المواطن التكيف مع معيشته؛ فخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق والاتصالات والمواد الغذائية كل هذه الخدمات مدعومة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، لا يدركها المواطن،بل يدركها الوافد،  يعرف قيمتهاعندما يقارنها ببلاده، لذا نراه لا يود التخلي عن إقامته في عمان، فهي بالنسبة له جنة؛ عمل متوفر، لا ضرائب ولا تلوث، وبيئة صحية، لا ازدحام وحدائق عامة وشواطئ ومرافق عامة بالمجان، وهناك حرية في التنقل، بلد آمن وشعب مُسالم، إضافة إلى رخص  المعيشة مقارنةً ببلدان أخرى مجاورة.

      يجب ألا نتيح الفرصة لأي مغرض أن يشككنا في تصرفات أبينا أو أخينا، فالأب يظل أباً والأخ أيضاً، هناك أخلاق في التعامل "ولا تؤخذ الدنيا غلابا" كما يتصورها الغير، وألا ننقاد وراء كل من أتى إلينا وقال هيا بنا نقاطع موفر خدمة ونتبعه بسهولة دون تفكير،هذا خطأ،المسألة لا تحسم هكذا... ليس كل شي يتم بلوي الذراع، ليس كل ما يطبق في بلد عربي ما نطبقه نحن في عمان، أو نقتدي به، فالبيئة عندنا تختلف والتركيبة السكانية تختلف، لدينا ما نسبته 40% من عدد السكان أجانب وهم الأكثر في استخدام وسائل الاتصال،هل في اعتقادكم بأنهم سيستجيبون إلى ما نريد منهم مقاطعة شركات الاتصالات؟ لا أظن ذلك، كما أن أخواننا في البيت اعتادوا التواصل بينهم على النقال حتى ولو كانوا داخل البيت يجمعهم سقف واحد هذا لأن الهاتف أصبح جزءاً من حياتهم اليومية، تجدهم بواسطته يتبادلون الرسائل ويكلمون الخادمة حتى وإن كانت في الغرفة المجاورة لهم في البيت،فما بالك مع من هم خارجه. هل سيرضخون لمطالبنا؟ وهم من ابتلوا بمخدر (الواتس ـ أب والفاسبوك)،إذن السؤال هنا يطرح نفسه ما ذا نريد من هذه الضجة؟ فتحسين خدمة الاتصال وفك اختناق الشبكةلا يأتي بالحماس والضجة الإعلامية، ونجعل من عدونا  يصطادنا في الماء العكر.

      يجب ألا نقارنأنفسنا بجيراننا، فتضاريسنا تختلف وتوفير الخدمات لبعض المناطق النائية مكلف ولابد من التخطيط لها بعناية وفق الإمكانيات، ومواردنا المالية أقل بكثير عن جيراننا، هناك أشياء أهم من المهم، الطرق والمدارس والمراكز الصحية لها الأولويات، ثم تأتي بعدها بقية الخدمات كوسيلة الاتصالات، ونبدأ بالاتصال الصوتي، ومن ثم نتبعه بالتدرج بتوفير وسيلة الاتصال الأخرى كالبيانية والانترنت، والتحسين يأتي وفق الظروف الطبيعية، هناك مناطق تكلف الدولة الكثير لمد وسيلة الاتصال إليها عبر الألياف البصرية أو حتى بواسطة الأسلاك المعدنية العادية، ولا تتم إلا لاسلكياً،أنا أعرف مناطق جبلية نائية أوصلت لها خدمة الإنترنت إلى المنازل في الماضي في بداية الألفية عبر الهاتف الثابت لاسلكياً باستخدام تقنية wireless local loop قبل تقدم الهاتف النقال. إن نطاق اللاسلكي كما نعرف محدود التغطية،كما تحكم جودته الظروف المناخية، وقنوات الساتل (الأقمار الاصطناعية)باهظة الكلفة، هذا بخلاف كونها أبطأ عن الألياف البصرية في نقل البيانات بسبب ضيق نطاقها الترددي الـ bandwidth.

      كما أن الطيف اللاسلكي محدود، وأصبحت المساحات الفضائية توزع الآن بين الدول كمساحات الأراضي، هذا مما حدا بدول العالم مد الكابلات البصرية(بتقنية الضوء) عبر البحار لربط بلدانها وهناك دول ممن ساهمت في هذا المشروع وأخرى استأجرت، وعمان لديها وصلة في هذه الكابلات من قرية البستان بمسقط لترتبط قارياً بخدمة الانترنت، وهي قد تتأثر بأي اختناقات قد تحدث للشبكة المشتركة بتأثر بقية الدول المشاركة معها في هذه الخدمة.

      وعندما نتناول مواضيع كهذه لا بد من التحليل قبل التعميم، عمان تبذل جهوداً جبارة تشكر عليها بالرغم من ظروفها الاقتصادية، وهي معروفة بسياستها الهادئة، وفي محافظة مسقط كما نرى هناك توسعة في مد الكابلات البصرية ذات السرعة العالية إلى المناطق السكنية، وهناك تصريح سمعناه مؤخراً نقل عن وزير النقل والاتصالات بأن "سلطنة عمان تدرس بأن يكون لها ساتل خاص بها"، وهذا شيء طبيعي إذا كان الاستهلاك كبيراً في استئجار القنوات الفضائية من الساتلات الأخرى، ولم لا؟ من الأجدر أن نمتلك ساتلاً خاصاً بنا، وأنا أعلم من خلال خبرتي بأن أكبر مستهلك للقنوات الساتلية هي الجهات الإعلامية بسبب نطاق أجهزتها. فالمشروع ليس وسيلة اتصال فحسب بل مشروع إعلامي وإذاعي أيضاً، ويجب ألا نقلق إذا كان هناك توسع في المشاريع الاستثمارية فمن الطبيعي وبلا شك أن يصحبه توسع في شبكة الاتصال بمختلف خدماتها.

      إن توفير شبكات الاتصال إلى المناطق النائية أو الريفية ليس من اختصاص الشركات المشغلة، بل هو من اختصاص الحكومة، والحكومة لها أولوياتها في تخطيط وتنفيذ المشاريع وفق الموازنة والموارد المالية المتيسرة، وفق برامجها التنموية المخطط لها، وقد رأينا ذلك عند تنفيذ طريق بدبد - صور المزدوج...أيهما الأولى الإنفاق على إنشاء أبراج وشبكات اتصال أم على الطريق؟ فطبعاً كان الطريق هو الأولى بالمشروع، وإذا كان للمواطن رأي يبديه فهذا متاح عبر القنوات التي أتيحت له وبكل شفافية.

      الحمد الله هناك جهود تبذل سواء أكان ذلك عبر هيئة تقنية المعلومات أو هيئة الاتصالات في تطوير خدمات الانترنت، ويجب من مستفيدي هذه الخدمة ألا يسيئوا استخدامها، فالمؤسسات التجارية والصناعية والخدمية عليها أن تستخدم خدمة النطاق العريض ألـ wideband  التي تتوفر عبر الكابلات البصرية، وتترك الشبكة اللاسلكية ألـ -WI-FI لتنقلات الأفراد. وإذا كان هناك شعور لدى البعض بأنه في عمارةِ ما أو مؤسسة ما على سبيل المثال: (وزارة أو شركة أو مستشفى أو فندق) به بطء في شبكة الاتصال فليس بالضرورة أن تكون المشكلة في الشبكة لدى شركات الاتصال (مشغلي الخدمة).

      نحن نعرف بأن خدمات الاتصال تتركب من عدة  شبكات مساندة(كالشبكة المحلية LAN في المبنى أو الحي، والشبكة الخارجية  WAN في القرية أو المدينة ثم شبكة الانترنت) و قد يكون الاختناق في الشبكة اللاسلكية ذاتها الخاصة بالمشترك LAN أو الجهاز الموصل لشبكة الWI-FI داخل المبنى، أو قد تكون المؤسسة ذاتها لا تستخدم الشبكة الصحيحة لتتماشى مع استخداماتها، وهذا جزء مهم، كثير من أصحاب المؤسسات يقعون في  الخطأ معتقدين بأنهم بهذا  سيقلصون من  الإنفاق.

      هناك أجهزة طرفية كثيرة انتشرت في المحال التجارية يعتمد تشغيلها على الشبكة اللاسلكية بدلاً من الشبكة الثابتة وأذكر على سبيل المثال منها أجهزة نقاط البيع لبطاقات الإتمان(POS) Point of sale ، وحاسبات مراكز سند، ومحال البيع التجزئة وقطع الغيار للاتصال بمستودعاتها، ليس بالضرورة أن تستخدم هذه المحال وصلات الألياف البصرية (فائقة السرعة)، فوصلات الأسلاك المعدنية تكفيها وتؤدي الغرض بكثير، قد تصل سرعة البيانات فيها ربما الآن بالتقنية الحديثة الى سرعة أكثر من 14.4 كيلو بت/ ثانية، فالخدمة المضافة على الهاتف الثابت ال PSTN لم تستغل الاستغلال الأمثل، فهذه السرعة وفق المعايير الدولية يمكن حملها على سلك الهاتف المعدني العادي حتى أن شركات الطيران والبنوك لا تستخدم هذه السرعة بين أفرعها ربما الثلث حسب المواصفة الدولية  (v29 ). الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات ألـ ITU

      معظم التذمريأتي من فئة الشباب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للدردشة وتبادل الصور ومقاطع الفيديو. فالحقيقة أنا أرى بعض هذه الأمور المتبادلة بواسطة هذه الوسائط منها  (لا داعي لها) لأنها مضيعة للوقت، خاصة في (الواتس ـ أب، أنسخ والصق) وهذا رأي شخصي، وأنا أعرف هذا؛ لأنني مشترك في عدة (جروبات)، هذه المحادثات ذاتها هي المسببة للازدحام على الشبكة اللاسلكية (الواي ـ فاي)، وإذا كان هناك حاجة حقيقية للإنترنت ولغرض معرفي وعلمي بحت؛علينا أن نستخدم الشبكة في وقت المساء عندما تقل الحركة التجارية، في أوقات غير أوقات الذروة، فالإنترنت لا يغلق متوفر على مدار الساعة، وهذا ينطبق أيضاً على شبكات الطرق، لماذا لا يُستَغل الوقت من قبل أصحاب الشاحنات التجارية في أوقات غير ساعات العمل؟. لماذا تنفق الدولة أموالاً طائلة في توسعة الشبكات وهناك أوقات لم تستغل في استخدام الشبكة؟ ألم يكن هذا إهداراً  للمال والموارد.؟

      المؤسسات العلمية، كالمدارس والجامعات لديها شبكتها الخاصة عن طريق هيئة تقنية المعلومات، وتوفر خدمة الانترنت مجاناً لطلابها، تبقى المسألة فردية، وإذاتعذر الاتصال عبر (الواتس ـ أب) فهناك خدمة الرسائل النصية القصيرة، والبريد الإلكتروني الذي توفره الشركات المشغلة لوسيلة الاتصال،وهذه الخدمات أضمن وأمن من شركات المواقع الإلكترونية مثل:yahoo وGoogle وغيرها من شركات المواقع التجسسية.

      هذه المعلومات غير مخفية، لا شك فقد قرأنا عنها في الصحف الأسبوع الماضي بأنه تم القرصنة على ملايين العناوين من الحسابات في Yahoo، وفي هذا اليوم الخامس من أكتوبر 2016 م أذيع في الإذاعة البريطانية ألـ (بي - بي - سي) بأن شركة  yahoo سلمت ملايين العناوين في حسابها للمخابرات الأمريكية، وهناك تطبيق يتم إعداده من قبل Yahoo لإظهار جميع عناوين حسابات مستخدمي موقعها عند المخابرات الأمريكية، وبررت الشركة موقفها هذا بأنها شركة أمريكية تخضع للقانون الأمريكي.

      فالمسألة مسألة ترشيد واعتياد، لا أقل ولا أكثر. وزوبعة المقاطعة كما أسلفت لا تضر إلا صاحبها، لن تعفي من دفع فاتورة الخدمة، هناك قانون يضمن حقوق الشركة المشغلة، كما أن شركات الاتصال لا تعتمد دخلها على وسائل التواصل الاجتماعي، بل العكس هذه الوسائل تستهلك سعة كبيرة في أجهزة خدماتها، الدخل يأتي من الشركات التجارية،والمؤسسات العامة، والأجانب الذين يزداد تعدادهم إلى أكثر من 40% من عدد السكان، وهؤلاء يعتمدون على وسائل الاتصال في أنجاز أعمالهم، والمقاطعة ستتيح لهم فرصة الخلو والانفراد بالشبكة، دعوكم من التطبيل والتزمير، هذا لا ولن يجدي شيئاً عدا أنه يخلق الفوضى والبلبلة، قد يعاقب عليها القانون. وقول المثل: "الشيء الذي يزيد عن حده ينقلب ضده" والفرق بين حرية التعبير والتشهير شعرة.

       

       

      1. عبد الله السناوي - شارك