-
-
لا يختلف اثنان على أن لدى سلطنة عمان مقومات سياحية أفضل من غيرها بين دول المنطقة التي تعتمد سياحتها على السياحة التجارية، لدى عمان مقومات سياحية تجمع بين السهل والجبل والصحراء والشواطئ الرملية الذهبية والفضية والصخرية. بها تضاريس متنوعة، ومناخ يمكن أن يستغل طوال السنة، وهي مزار للعلماء بما متعها الله سبحانه تعالى من مكونات جيولوجية، وجغرافية ومناظر خلابة، بها الكثير... "وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم 34).هذا إضافة إلى كونها بلد تاريخ، غني بالتراث وشعب مدحه الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن خلقه.
ويمكن للزائر أن يتنقل بكل حرية داخل مناطق السلطنة شأنه شأن المواطن والمقيم ويستمتع بزيارة المناطق التي بها القلاع والحصون، أو المتاحف في محافظة مسقط والأماكن السياحية كالشواطئ والحدائق العامة، وأيضا هناك مطاعم ومقاهٍ راقية في المراكز التجارية بمسقط، وفنادق بمختلف الفئات، ولا توجد في عمان ضوضاء أو تلوث بيئي يُؤرِق إقامة الزائر، والبلد آمن، أينما ذهب الزائر سيجد من يستقبله ويرحب به ويساعده ويرشده دون مقابل.
لدينا في عمان وزارة مختصة بشئون السياحة بالتعاون مع بعض الوزارات التي تُعِينها في تسهيل الإجراءات وتوفير الخدمات، وقد قرأت ذات مرة في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ألـ (Twitter)عن تصريح نقل عن معالي وزير السياحة مفاده بأن:"وزارته بصدد الاستعانة ببيوت خبرة في تطوير القطاع السياحي في عمان"[ربما على وشك التوقيع مع شركة اسبانية] وذلك خطوة جيدة من الناحية الدولية ولكن نقول بأن "أهل مكة أدرى بشعابها".
مخرجات التعليم العالي من جامعة السلطان قابوس، ومن الجامعات الأجنبية بالخارج كثيرة، هذا إضافة إلى كلية عمان للسياحة التي تمنح الدبلوم الدولي لخريجيها منذ أن بدأت الدراسة فيها عام 2002م.
إن تنمية الموارد البشرية في قطاع السياحة له مردود اقتصادي كبير؛وذلك إذا ما أعطي الاهتمام الكافي، وقد لاحظنا من إحصائيات سابقة بأن من بين أكثر الأنشطة الاقتصادية التي بها نسب كبيرة في عدد تواجد القوى الوافدة حسبما أخذ عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تتركز في قطاع التجارة، والخدمات وقطاع الفندقة وبيوت الإيواء، على سبيل المثال نجد:
في نشاط تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات والسلع الشخصية والأسرية يعمل في هذا القطاع من العمانيين 33,691 (ثلاثة وثلاثون ألف وستمائة واحد وتسعون عمانياً)فقط، بينما بلغ عدد الوافدين 221,307(مائتان وواحد وعشرون ألف وثلاثمائة وسبعة) يشكلون نسبة 86.78% من العدد الإجمالي 254,998 (مائتان أربعة وخمسون ألف وتسعمائة ثمانية وتسعون عاملاً).
وفي الفنادق والمطاعم بلغ عدد العمانيين 6,883 (ستة آلاف وثمانمائة ثلاثة وثمانون عمانياً) وبلغ عدد الوافدين104,752 (مائة وأربعة آلاف وسبعمائة واثنان وخمسون وافداً) يشكلون نسبة 93.83%من العدد الإجمالي: 111,635(مائة وأحد عشر ألف وستمائة وخمسة وثلاثون عاملاً).
وفي الأنشطة العقارية والإيجارية والتجارية بلغ عدد العمانيين 23,385 (ثلاثة وعشرون ألفاً وثلاثمائة خمسة وثمانون عاملاً عمانياً)، بينما بلغ عدد الوافدين85,060 (خمسة وثمانون ألف وستون وافداً) يشكلون نسبة 78.43% من العدد الإجمالي 108,445 (مائة وثمانية آلاف وأربعمائة خمسة وأربعون عاملاً).
هذه الأنشطة الاقتصادية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالنشاط السياحي، سواءً أكان ذلك من ناحية الإيواء والأكل والشرب، أوفي محلات بيع التحف والهدايا والبضائع الاستهلاكية. هذا إضافةً إلى النقل والاتصال. وهاتان الخدمتان تحسنتا، خاصةً قطاع الاتصال، فهو قطاع راقٍ في عمان، أما قطاع النقل مازال التطوير جارياً فيه وقد أدخلت مؤخراً في الخدمة حافلات حديثة عرفت "بالحافلات الحمراء" في مسقط.
ومنذ يومين أي في 21 من الشهر الجاري (أغسطس 2016م) قرأت نقلاً عن جريدة الخليج الاقتصادي في موقعها الالكتروني بارتفاع عدد الزوار لإمارة دبي في الربع الثاني من هذا العام إلى 7.270 (سبعة ملايين فاصل مائتين وسبعين ألف زائر) بالمقارنة مع 4.100 (أربعة ملايين فاصل مائة ألف زائر) في الربع الأول من العام الجاري وبنمو نسبته 77%.
حيث أتت الهند في الصدارة ب 1.3(مليون وثلاثمائة ألف زائر) والسعودية ثانياً بـ 1.2 (مليون ومائتان ألف زائر)، وتلتهما المملكة المتحدة ثم عمان، أمريكا، باكستان، الصين، ألمانيا، إيران والكويت، وذلك على نحو الآتي:
الهند بإجمالي865 ألف (ستمائة خمسة وثمانون ألف زائر)في الربع الثاني مقارنة بـ467 ألف (أربعمائة سبعة وستون ألف زائر) في الربع الأول بزيادة مقدارها 59%.
السعودية 755 ألف (سبعمائة خمسة وخمسون ألف زائر) الربع الثاني مقارنة بـ 476 ألف (أربعمائة ستة وسبعون ألف زائر) في الربع الأول بزيادة 59%.
المملكة المتحدة 604 ألف ( ستمائة وأربعة آلاف زائر) الربع الثاني مقارنة بـ 337 ألف (ثلاثمائة سبعة وثلاثون ألف زائر) في الربع الأول بزيادة 81%.
عمان 598 ألف(خمسمائة ثمانية وتسعون ألف زائر) الربع الثاني مقارنة بـ 322 ألف (ثلاثمائة اثنان وعشرون ألف زائر) في الربع الأول بزيادة 86%.ونرى أن سلطنة عمان قد احتلت المرتبة الرابعة من بين العشر دول التي زار سكانها إمارة دبي.
ويمكن الاستفادة من عدد زوار العمانيين للإمارات بتوجيه جزء منه في تنشيط السياحة في عمان اذا عرفنا متطلباته؛ حيث من واقع تجربتي الشخصية أن سبب زيارة العمانيين لدولة الإمارات وبالذات لإمارتي دبي والشارقة عبر إمارة دبي بغرض التسوق، سواءً أكان ذلك من المجمعات التجارية الكبيرة، أو من الأسواق الشعبية، أومن السوق الصيني (التنين). بينما معظم الزيارات غير الأسرية القصد منها استجلاب قطع غيار السيارات من المنطقة الصناعية بإمارة الشارقة، والأدوات المعدنية من سوق التنين والمحلات التي بوسط منطقة ديرة. ونادراً ما تكون لغير ذلك، إلا لمن تربطه علاقة أسرية (مثلاً: مصاهرة في إمارة أبو ظبي).
وبالمقابل علمت من خلال وسيلة التواصل الاجتماعي Twitter منقولاً عن شبكة الأخبار العمانية بأن عدد الزوار لخريف صلالة بمحافظة ظفار هذا العام وصل إلى حوالي 600 ألف (ستمائة ألف زائر) وكان نصيب الزوار من الإمارات العربية المتحدة من هذا العدد حوالي 55 ألف (خمسة وخمسين ألف زائر). هذا العدد غير بسيط، وهو مبشر، حيث الإقبال على زيارة السلطنة في تزايد كل عام خاصة من الدول الأروربية، بسبب الأمن وعلاقة عمان الجيدة التي تربطها مع دول العالم. وهذا يعني على وزارة السياحة أن تستعد لمواجهة التحديات التي تنتظرها في توفير المتطلبات اللوجستية للقطاع السياحي من خدمات وغيرها.
هناك مصدران مهمان لم يستغلا بشكل صحيح في عمان ويشكلان أكبر مصدر للدخل القومي والناتج المحلي غير النفطي ألا وهما: قطاعي السياحة و الزراعة، وهذا الأخير لم يستغل منه إلا أقل من النصف، وبشكل عشوائي، وقد رأينا ذلك من خلال الإحصائيات السابقة في هذا الموقع والتي تشير بأن من يعملون فيالزراعة من العمانيين حوالي 1,130 (ألف ومائة وثلاثون عمانياً) والوافدون 91,162 (واحد وتسعون ألف ومائة واثنان وستون وافداً) يشكلون ما نسبته 98.77% من الإجمالي البالغ 92,292 (اثنان وتسعون ألفاً ومائتان واثنان وتسعون عاملاً).
لا بد أن تولي الحكومة اهتماماَ خاصاَ لهذين القطاعين، بحيث لا يتكل على القطاع الخاص، أو على الأفراد ممن يعتمدون على العمالة الوافدة في تنميتهما، ربما قد يكون من الأنسب أن تنشيء الحكومة شركات حكومية لهذين القطاعين وملؤها بالكوادر المؤهلة من مخرجات التعليم المهني والجامعي، ومن ثم يتم خصصتها بالتدرج أسوة ببعض الشركات الحكومية كالنفط والاتصالات.
ينقص القطاع السياحي في الوقت الراهن أشياء كثيرة غير إصدار التأشيرات , ترميم بعض القلاع والحصون العامة, فإن بيوت الإيواء تحتاج إلى مراجعة في أسعارها وضبط جودتها.
أيضاً الاهتمام بالمقاهي والمطاعم خاصة في المناطق النائية، ولا بد أن يكون للأكلات العمانية مكانة في هذه المطاعم، وأن يكون هناك تنوع في الأيدي العاملة الوافدة التي تعمل في هذه المطاعم، بحيث لا يطغى الطابع الهندي عليها، وأيضاً في الأسواق الشعبية يجب أن يكون باعة التحف والهدايا والفضيات وكل ما يتصل بالتراث هم من العمانيين. إذ أن من يزور مسقط في الوقت الحالي ويتجول في أسواقها كأحياء مطرح وروي، يجد نفسه كأنه في أسواق الهند.
يجب المحافظة على الحصون والقلاع الأهلية بالولايات وغيرها من المزارات السياحية التابعة للأهالي، وأن لا يترك شأنها لإهمال الأهالي لها بسب ضيقهم المادي... على الأقل بقدر الإمكان أن تبقى نظيفة ومصونة عن التخريب والتشويه، وتحت إشراف البلدية المعنية.
نقل السياح من مسقط إلى الولايات في الداخل مكلف في الوقت الحاضر،إذ يتم عبر سيارات الدفع الرباعي التي تحتكرها شركات تأجير السيارات التابعة لوكالات بيع السيارات الكبيرة. ولا يوجد نصيب للمواطن فيها، ربما من الأجدر أن يكون لشركة النقل الوطني أيضاً دور في هذا المجال، و قد يتطلب تحسين الخدمات الفندقية في مناطق السلطنة المختلقة، وجعل أسعارها في متناول الجميع أسوة ببعض البلدان العربية التي خصصت سعراً خاصاً للمواطنين حتى تتيح الفرصة للمواطن بالاستفادة من خدمات الفنادق للنهوض بالسياحة الداخلية.
ترميم الأسواق الشعبية المهجورة لا يقل أهمية عن باقي الخدمات، فبعض هذه الأسواق لها سجل تاريخي وقَيِمة تراثية َ، ويمكن تخصيصها بعد ترميمها لحرف المشغولات اليدوية، وجعلها مزاراً وسوقاً تراثياً يرتادها السياح، وقد يتطلب الأمر ربما إلى تكاتف الجهود بين ما تنتجه الجمعيات النسائية والهيئة العامة المعنية بالصناعات الحرفية.
لقد أطلعت ما نشر بجريدة الوطن على الانترنت "بأن القطاع الحرفي العُماني شهد نمواً قياسياً ونوعياً بمختلف الارتكازات الأساسية الإستراتيجية، وتطوير القطاع الحرفي بصفة مستمرة إلى جانب الحفاظ على الصناعات الحرفية باعتبارها من الموروثات التي تمثل الهوية الوطنية للإنسان العماني الذي عاش على هذه الأرض الطيبة وأخلص لقيادتها الحكيمة دائماً.
وعن تصريح اقتبسته لمعالي لرئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية من نفس موقع الصحيفة ذكرت: "بأن الرعاية السامية أسهمت في النهوض بالقطاع الحرفي والحفاظ عليه إذ أن التراخيص الممنوحة للحرفيين العمانيين تشهد زيادة مستمرةـ رفد المنظومة التسويقية بـ 24 منفذا وتدشين أكثر من 150 مشروعاً استثمارياً".
وكما نرى فإن ذلك أمر جيد، والأدوات التي نحتاجها لإدارة القطاع السياحي موجودة، ولكن هناك غياب في التعاون وربما نحتاج إلى شيئين أساسيين حتى تتكلل الجهود بالنجاح وهما: التنسيق، وتوحيد الجهود بين الوحدات المعنية المختلفة، ولربما المجالس البلدية التي أنشئت بالمحافظات قد تكون الأنسب أن يناط إليها دور التنسيق والمتابعة لدى الجهات المختصة في هذا الشأن، مع منحها مزيداً من الصلاحيات في تطوير القطاع السياحي في كل محافظة.البنية الأساسية لقطاع السياحة متوفرة ـ والحمد الله ـ لدينا طرق وشوارع مرصوفة تغطي معظم مناطق السلطنة النائية المأهولة بالسكان، وبيوت الإيواء كالفنادق والشقق الفندقية متوفرة في معظم الولايات الرئيسة وحتى إذا لم تتوفر في ولاية معينة، إذ إن المسافة بين ولاية وأخرى لا تبعد أكثر من ستين كيلومتراً، والطرق مرصوفة بين الولايات.
ربما نحتاج إلى تحسين وتجويد المطاعم، خاصة في المناطق التي خارج محافظة مسقط، حيث الأكل فيهارديء، والأيدي العاملة بها غير نظيفة وتفتقر للثقافةوغير مؤهلة سياحياً؛ الشيء الذي قد يعكس انطباعاً سيئاً لدى الزائر، سواءً أكان عن السلوك، أو أسلوب التحدث، وأغلب العاملين في تلك المطاعم من العمالة الوافدة الأسيوية رخيصة الكلفة. وأيضاً الحاجة إلى ترتيب وتنظيم المقاهي والمطاعم، فهي تفتقر للأثاث والتنسيق الجيد، بالرغم من أن عملية الديكور لهذه المقاهي والمطاعم غير مكلفة، يجب أن نخرج من إطار (المحلات التي تحمل واجهاتها لافتة الببسي ـ كولا، والأكل فيها ساندويتش - شاورما أو تشكن - برياني)وهذا ينطبق أيضاً على ديكور محلات الحلاقة.
النظافة وتنسيق واجهة المحلات التجارية له شأن في إبراز معالم المدينة أو الحي التجاري في الولاية، هناك شح في توفير صناديق وسلال القمامة أمام المحلات التجارية، وأيضاً السلال شحيحة في الشوارع وعلى أرصفة المارة، في كل المناطق بما فيها محافظة مسقط عدا تلك التي على الطريق البحري (الكرنيش). لقد أصبح رمي أكياس الشاي وعلب البارد الفارغة وأعقاب (بقايا) السجائر أمام الواجهات التجارية وعلى الطرقات شيئاً معتاداً من قبل العمالة الوافدة.
هذه السلوكيات والإجراءات لا تحتاج أن نسترشد من أجلها خبير أجنبي، كلها موجودة وفي نطاق صلاحية وإمكانيات كل جهة مختصة في الدولة، هناك الكثير على المعنيين بالحكومة القيام به، سواءً أكان ذلك في التأهيل والتدريب العملي للشباب أو بالإعانة المادية لهم، ويجب أن لا نتركهم يتخبطون، إذ في النهاية يلجئون إلى استجلاب العمالة الوافدة بسبب النقص في المعرفة والخبرة العملية، هؤلاء الشباب يحتاجون إلى التشجيع الفعلي، وليس التشجيع الإعلامي (فقط من أجل وسائل الإعلام).
ومن أبسط الأمور التي أراها مهمة في الوقت الحاضر هو توفير دورات المياه على شواطئ البحر، وتوفيرعربات بيع مياه الشرب والمرطبات. والشيء الآخر إيجاد تسعيرة خاصة لنزلاء الفنادق من المواطنين والمقيمين، وأيضاً تأهيل المجالس البلدية حتى يسهل لها القيام بدورها الفاعل، هذه الأمور من شأنها أن تعزز السياحة الداخلية.
أما بقية الأمور فهي محسومة، هناك ترويج قائم ودائم من قبل الوزارة المعنية في الخارج، وأيضا الطيران العماني قائم بدوره، كل ما نحتاجه الآن هو صقل ما عندنا من خدمات حتى نظهر بمظهر جيد أمام الزوار.
- عبد الله السناوي - شارك
-