1. الصورة يرجع تاريخها لعام 1972م

       

      To  read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown

       

      أوهام ثقافة (البراند) - د:

      تعريف الثقافة كما جاء في (المعجم الوسيط)، ثقافة: العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها. (ثقف الشيء: تعلمه سريعاً).

      وفي (معجم الرائد):الإحاطة بالعلوم والفنون والآداب وبشؤون الحياة والناس (مصدر ثَقُفَ، ثَقَفَ) حصل على ثقافة عالية. الثقافة العامة، الثقافة الوطنية ما يميزها عن غيرها من معارف وعلوم وفنون وعادات وتقاليد، أي كل ما هو مرتبط بحضارتها- الثقافة العربية أو الغربية (الأجنبية بصفة عامة).

      هناك تعريفات كثيرة ومتنوعة لهذه الكلمة في اللغة العربية، وهي من أكثر الكلمات التي أخذت معانٍ متعددّة حسب مكانها من الجُملة،إذ لا حصر لها.

      ونسمع في عصرنا الحديث بـ : ثقافة العمل، ثقافة المجتع، أو بالثقافة الأسرية، ثقافة الشراء، أو الاستهلاك، الثقافة الإسلامية، ونسمع أيضاً أو نرى مؤسسات تحمل هذه الكلمة في مسمياتها أو لافتاتها الإعلانية، تُعنى بنشاط معين من هذا النوع وهكذا...

      وربما ظهر مفهوم هذا المصطلح لأول مرة في أوروبا في القرن الثامن عشر أوالتاسع عشر، حيث يشير إلى عملية الاستصلاح والتحسين في المستوى المعيشي، ونمط الحياة، كما هو الحال في عملية الزراعة أوالبستنة (الثقافة الزراعية) agricultureولاسيما من خلال التعليم والتمهين والعمل لتحقيق قدر من التنمية للإنسان والتوصل إلى رخاء اجتماعي وقيم عليا من خلال ممارسة العمل وكسب المال والتعايش السلمي بين الأيديولوجيات المختلفة. وانتشر هذا المصطلح(الثقافة ـ culture) في القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام هذا المصطلح "الثقافة" للإشارة إلى قدرة الإنسان والبشرية على مستوى العالم.

      وعندما تتداخل الشعوب ببعضها، تنقل معها ثقافتها، تؤثر وتتأثر، سواءً أكانت عادات أم تقاليد، أو طقوس دينية، أو سلوك اجتماعي.

      في هذا المقال أود أن أتناول هذه المعرفة (الثقافة) من جانب آخر ولا أود الدخول في تفاصيل لغوية أو في علم من علوم الاجتماع، لأنني لست من ذوي الاختصاص، ولكنني أود أن أبين من الناحية الواقعية عن مدى تأثير ثقافة الآخرين على مجتمعنا الحاضر، الذي أدى إلى انحراف البعض،أو خروجهم عن المألوف في الثقافة العربية والإسلامية، كثقافة (البراند)على سبيل المثال لا للحصر. لكن قبل هذا كله، أود أن أبسط ما قصدته بمفهوم (تداخل الشعوب) من خلال تاريخنا العماني، وأستأذن المؤرخين العمانيين الأجلاء أن يأذنوا لي في بذلك.

      في القرن الثامن أو التاسع عشر الميلادي، أو قبل ذلك توافدت القبائل العمانية على أفريقيا بغرض التجارة، وأيضاً وصلت تجارتهم إلى دول شبه القارة الهندية وشرق آسيا. وكان هؤلاء التجار ينقلون البضائع العمانية والبضائع من الهند إلى شرق أفريقيا، ومن ثم استوطنوا في جزر شرق إفريقيا، وكانوا يحملون مع تجارتهم معتقداتهم الدينية وبالتدريج نشروا الدين الإسلامي محمولاً باللغة العربية، وترسخت بذلك الثقافة العربية وبالذات الثقافة العمانية، التي تمثلت في المأكل والملبس والسلوك الاجتماعي، وامتزج الدم العماني بالدم الأفريقي بالتزاوج والتصاهر، وفرضت العادات العمانية وجودها وتأصلت هناك خاصة في دول الساحل، بحكم واجهتها البحرية، فوجد الأفارقة في الدين الإسلامي ضالتهم، حيث وجدوا فيه كثيراً من الحلول لنظامهم الاجتماعي، وغير كثير من سلوكهم المعيشي، ونتج من هذا المزج بين الثقافة الإسلامية والثقافة العمانية ما يتعلق بالسلوك الاجتماعي؛ فوَلِدت اللغة السواحيلية التي تحتوي مفرداتها على عدد كبير من الكلمات العربية، لتصبح لغة التواصل بين الشعبين العماني والأفريقي وإلى يومنا هذا نرى الملامح العمانية بارزة في تلك البلدان.

      وبالمقابل استوردت عمان من شبه القارة الهندية بسب (مستعمراتها/مستوطناتها السابقة) بعض العادات والتقاليد من بلدان العجم، والتي قد لا تختلف كثيراً عدا في عامل اللغة الذي أثر بشكل بارز على لغة التعامل(العربية) وعلى اللهجة العمانية بصفة خاصة، وبالأخص في محافظة مسقط كونها واجهة البلاد، ونرى أن المقيمين في مسقط يتحدثون أكثر من لغة بجانب اللغة العربية كالفارسية والأوردو والهندية والسواحيلية، إضافة إلى لغة التجارة (اللغة الانجليزية).

      وفي القرن الخامس عشر، ربما قبل أو بعد بقليل، وعلى أثر التنافس الأوروبي على تجارة الشرق، على سبيل المثال: الهولنديون والفرنسيون والبريطانيون والبرتغاليون الذين طردهم العمانيون من الخليج وحرروا قبضتهم من شرق أفريقيا، أدرك الأوربيون أهمية التجارة مع بلدان الشرق، التي كانت عمان مستفردة بها، وعملوا ما عملوه (بسياستهم المعهودة فرق تسد) لتقليص النفوذ العماني، حتى أن قسمت دولة عمان، ليصفو لهم الجو. وفي وقت لاحق تحولت دول الشرق من دول مصدرة لبضائعها إلى دول مستوردة لبضاعة الغرب.

      وبعد الحرب العالمية الثانية بصفة خاصة ازدهرت تجار المواد الاستهلاكية، بسبب ما استصلح من أراضِ زراعية، في الغرب، وتقدم علوم الميكنة machinery فقامت الدول الأوروبية ذات النفوذ في الشرق، باستغلال الموارد الطبيعية في هذه الدول وتصدير المواد الخام إلى مصانعها في أوروبا ثم إعادتها مصنعة للاستهلاك إلى دول المصدر.

      تعددت الشركات الأوربية، وأخذت تتنافس فيما بينها على أسواق منطقة الشرق الأوسط الاستهلاكية، وفي الستينات عندما ظهر النفط عند العرب، وعم الرخاء الاقتصادي، وجدت هذه الشركات سوقاً واعداً لبضائعها، وكانت تأتي بالمواد الغذائية معلبة ومبسترة عبر السفن البحرية، والتي كانت تستغرق وقتاً طويلاً في رحلاتها التجارية. وكان الخليج يستورد من أوروبا المركبات والآلات، والمعدات الثقيلة، بالإضافة إلى المواد الغذائية المعلبة، والملابس الجاهزة.

      وعندما نهضت الصناعات في الشرق الأقصى، في الصين واليابان وجدت الشركات الأوروبية منافساً قوياً على أسواقها في الشرق الأوسط، لانخفاض تكلفة الإنتاج، خاصة في صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية؛ فطورت أسلوب الدعاية والإعلان، لتحبط الإقبال على بضائع الشرق الأقصى ووصفتها بالرخيصة، عديمة الجودة، ولكن هذا الأسلوب لم يثن المستهلكين عن شراء بضائع الشرق الأقصى، حتى أن بعض الشركات الأوروبية وجدت نفسها مضطرة لفتح أفرع  لمصانعها في الصين والهند وكوريا، لوجود العمالة قليلة التكلفة. وتطورت فكرة العلامات التجارية في أسلوب التسويق والترويج بجعل علامات مميزة لبضائعها تستهدف تسويقها وهي العلامة التجارية (براند Brand).

      والمعلومات التالية مع بعض الاقتباس عما كتب عن العلامة التجارية Trade Mark، أو (البراند) Brand:

      "البراند هي علامة مميزة أو مؤشر يستخدمه فرد أو منظمة أعمال أو أي كيان قانوني آخر للدلالة على أن المنتجات أو الخدمات المقدمة للمستهلك والتي تظهر عليها العلامة التجارية تنشأ من مصدر وحيد، وذلك حتى تمييز منتجاتها أو خدماتها عن منتجات وخدمات الآخرين.
      "العلامة التجارية عادة ما تكون كلمة، أو اسم أو عبارة أو شعار أو رمز أو تصميم أو صورة أو بعض هذه العناصر مجتمعة. قد يتم تصميم العلامات التجارية باستخدام الرموز التالية :

      - علامة تجارية غير مسجلة [بالإنجليزية]، تستخدم لترويج السلع ().

      - علامة الخدمة غير مسجلة ، وهذا هو ، تستخدم لترويج الخدمات ().

      - علامة تجارية مسجلة قانونًا، تستخدم لترويج السلع والخدمات  (® ).

      يمكن لمالك العلامة التجارية المسجلة مقاضاة من يقوم باستخدام علامته التجارية بطريقة غير شرعية. كما أن القانون في معظم بلدان العالم يسمح بمقاضاة منتهكي العلامات التجارية غير المسجلة، ولكن في هذه الحالة تكون إمكانية المقاضاة محصورة بالمنطقة الجغرافية التي استخدمت فيها العلامة التجارية غير المسجلة، أو يُتوقع استخدامها فيها". (انتهى الاقتباس).

      هذه الماركات موجودة على الإنترنت لمن يود استشفاف المزيد عن أشكالها وألوانها وفي أي صنف من البضائع تستخدم.

      وأذكر عندما بدأنا نستخدم الصابون الناعم في الستينات لغسل الملابس كنا نعرفه بماركته التجارية (سيرف surf)، إذ كنا نعتقد كلمة(سيرف) تعني صابوناً ناعماً، وأيضاً صابون الاستحمام (لوكس Lux) كنا أيضاً نعتقد بأن كلمة (لوكس) هو صابون استحمام، وكذا معجون الأسنان (كولجيت Colgate) كنا نعتقد بأن كلمة (كولجيت) تعني معجون أسنان، وعندما كنا نطلب مثل هذه البضائع نطلبها بالاسم التجاري الذي تعودنا عليه، ثم نختار بعد ذلك الصنف، على سبيل المثال نقول للبائع: "أعطيني كولجيت - سيجنل" ونقصد هنا نريد معجون أسنان ماركة سيجنل signal حتى عندما نعزم أحد أصدقائنا لتناول مشروب غازي نقول له: "تفضل نشرب ببسي pepsi" ونقصد هنا تفضل نشرب (بارداً) أي مرطبات باردة.

      هكذا عَلَقت مثل هذه الماركات في أذهان الناس بقوة الدعاية والإعلان. ونرى اليوم هناك آلاف الماركات منتشرة في الأسواق ولمختلف البضائع؛ مما حدا بالشركات العالمية الكبيرة إلى فتح  منافذ بيع راقية لها في المجمعات التجارية، وللأسف الزبون أحياناً ينخدع، لا يشترى الجودة بل يشترى الماركة، حتى لو كانت البضاعة صنعت في الهند وألصق عليها ماركة أوروبية شهيرة فإنه لن يدري. وأصبحت بعض الشركات تبيع البضائع بالماركات وليست بجودة البضاعة. لأنها على يقين المشترى لن يحتفظ بالبضاعة التي اشتراها إلى الآبد بل سيتماشى مع الموضة.

      هناك شركات عالمية، متخصصة تجتهد في تصميم الشعارات Logos والماركات Brands، بأشكال ومسميات جذابة، وتروج لهذه الماركات في وسائل إعلانية، وإعلامية مختلفة، حتى أنها ترعى فعاليات ومناسبات ومناشط عالمية، دون أن يكون لهذه العلامات التجارية بضاعة وعندما تشتهر وتلصق في أذهان الناس تبدأ بتأجيرها لمصانع المنتجات الاستهلاكية، كالأغذية والملابس والأدوات الرياضية لتلصق في البضائع. شبيهٌ هذا التصرف بالتجارة المستترة عندنا في عمان عندما يستأجر الوافد السجل التجاري من العماني ليشتغل عليه.

      وقد تلجأ بعض الشركات على الحيل والخداع لتسويق منتجاتها على سبيل المثال الملابس والساعات والإكسسوارات والأحذية باستئجار مشاهير العالم لارتدائها في المناسبات مقابل عمولة ترويجية، مثل ذلك، الممثلون والرياضيون والمطربون و سائقوا الراليات وما شابههم وكل ما شأنه أن يغري الشباب، وكنا نرى حتى عهد قريب كيف تستعين الشركات بالممثلينفي أفلام رعاة البقر cowboys في الدعاية للسجائر مثل ماركة (مارلبورو Marlboro) وغيرها من أنواع التبغ.

      وأتذكر هنا طرفة، عندما كنا في الطائرة في طريقنا إلى القاهرة للدراسة عام 1973م، وعندما دخلنا أجواء الدولة المصرية أخذت المضيفة تمر على الركاب بعربة بها منتجات تجارية، تسأل الركاب عَمَّنْ يرغب في الشراء، فسألت زميلي الذي في المقعدالذي بجانبي ماذا تبيع هذه المرأة؟ فقال: "كما ترى سجائر وعطور وخمور لمن يود أن يشتري إذ أن هذه البضاعة معفية من الضرائب"، وتعرف بـ (بضاعة السوق الحرة)، ولاحظت عدداً من الشباب ممن أتوا معنا يقبلون على شراء مغلفات السجائر، بأصناف مختلفة في كل مغلف 20 علبة. وتعجبت! فقال لي زميلي: "لا تستغرب، فهم يشترون هذه المغلفات كهدايا أمام القانون، ولكنهم يبيعونها في السوق السوداء على المتاجر في شوارع القاهرة الشهيرة، فالتجار بدورهم يبيعونها بأضعاف القيمة لأن الراقيين من إخواننا المصريين يحبون (بتاع برة)" يقصد المستورد.

      وذات مرة خرجت مع زملائي لتناول المرطبات في (كازينو) على نهر النيل، بعد الجسر (الكوبري) عند جامعة القاهرة، وكان على الطاولة التي بجنبنا شاب مواطن مصري، فاتح قميصه ليظهر شعيرات صدره والسلسلة الذهبية تتدلى في عنقه، يرتدي قميص بنصف كوم، ليبرز مفاتن عضلات ذراعيه، مقلداً الممثل حسن يوسف في زمانه وأمامه فوق الطاولة علبة سجائر (براند - بتاع برة،) وبجانبها ولاعة سجائر ذهبية جالسٌ يتغزل بصديقته، فعلق أحد زملائنا على ذلك المشهد قائلاً: "ما عليكم منه، أنه مخادع، يوهم التي أمامه بأنه من الراقيين إلى أن تقع في شباكه".

      الأفلام المصرية القديمة (باللون الأبيض والأسود) هي أكبر مروج للثقافة الغربية في الوطن العربي، لا ندري إنكانت مقصودة أم أنها أفلام تجارية بهدف المادة، حيث كان بعض منتجيها أجانب من إيطاليا، حتى الأفلام العربية الحالية، بها طابع غربي عدا المسلسلات الخليجية فهي محافظة نوعاً ما.

      هكذا الشركات العملاقة العالمية تلعب بعقول الناس، وقد يستهدفون فئة معينة في المجتمع من الناس، حسب الفئة العمرية وحسب عاداتهم وتقاليدهم ونرى في شهر رمضان المبارك تكثر فيه  المسلسلات والدعاية عن مشروب "الفيمتوVimto" يظهر الرجل الكبير المسن يتناوله مع إفطاره، بينما هذا المشروب ليس به قيمة غذائية تذكر. أيضاً مشروب القهوة الساخن (نسكافيه) الذي يُستهدف به طلبة الكليات وغيرها من مثل هذه الإعلانات المغرية، هكذا حدث ولا حرج...

      وأخس هذه الإعلانات التي لا ينتبه لها إلا عدد قليل من العقلاء هي التي تظهر على الملابس (قمصان T-Shirt) التي يرتديها الشباب لأنها تكتب برموز أو حروف بلغة لاتينية، و تحمل أحياناً أفكاراً أو معتقدات مبطنة (ماسونية) أو صوراً لبعض المعتقدات؛ وهذه السلوكيات أثرت على الشباب، وأهملت فيهم القيم الإسلامية وابتعدوا عن مصاحبة الآباء وأولياء الأمور متخذين مما يسمى بمباديء حرية الفكر وحرية الرأي حجة يدَّعُون بأنه حق مكتسب لهم منحهم إياه القانون، وأصبح ولي الأمر لا يجرؤ أن يرفع صوته أو يزجر ابنه خوفاًمن أن يجرح مشاعر ابنه، أو ليتجنب الأب التأنيب من قبل الأقارب على أنه قاسٍ في تربية ابنه هذا لأنه طفل وتحميه منظمات دولية (كحقوق الإنسان، وحقوق الطفل)، وهكذا ساد الاعتقاد لدى المرء أن يلبس ما يشاء، طالما لا يؤذي أحداً...

      وأحياناً تلفت انتباهك أمور ترى أنك مرغم على التحدث عنها، منها الهندمة والمظهر العام، قد تتأسى عندما ترى شاباً من شبابنا، يرتدي (الشورت، والتيشيرت برسومات) وقبعة شمسية ونظارة سوداء وعلى أذنيه سماعة هاتفه النقال، يمشي بنعل دورة مياه في مجمع تجاري مكتظ بالناس غير دارٍ عن نفسه، كأنه في شاطئ بحر، أو (رحلة مشاكيك مع أصدقاءه) أو بملابس البيت (الثوب المغربي).

      والأخس من هذا عندما تركب معه طائرة وهو بلباس العمال الأسيويين، (بنطلون جنز مرقع، وحذاء رياضة متسخ)، تمشياً مع الموضة مقتدياً بالأجانب (freeware, freestyle). كيف يطيعه ضميره أن يقول أنا من بلد عربي عريق ضاربة جذوره في أعماق التاريخ؟

      إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" (الرعد 11).

      ومن القصص التي أتذكرها في هذا المقام، عندما ظهر اسمي في الإذاعة كمرشح من ضمن المجموعة لدراسة هندسة الاتصال في مصر، سهرنا أنا وأبي ـالله يرحمه ويسكنه فسيح جناته ـ سهرنا في دكان الخياط منتظرين الخياط حتى صلاة الفجر ليكمل تجهيز (البدلة) التي سأرتديها للسفر. إذ كان من غيراللائق أن تجلس على مقعد الطائرة وأنت بملابس رثة قد يكون مَن بجانبك على مقعد الطائرة شخص محترم له هيبته ووقاره. وأنت أيضاً بتلك الملابس الرثة تقلل من قدرك ووقارك، لأنك في السفر والغربة لست وحدك بل تمثل بلدك، فأنت في هذه الحالة لست حراً.

      وكنت أرى بعض الأجانب والدكاترة والمهندسين العرب عندما يرون بأن من بجوارهم على مقعد الطائرة غير محتشم في لباسه يطلب من المضيفة أن تغير له المقعد...دون ذكر السبب، حتى لو كان المقعد في آخر ذيل الطائرة، إن لم يجد بداً فإنه لن يمانع.

      فثقافة (البراند) تجعلك دوماً تابعاً لأفكار غيرك مسلوب الهوية، وإتباعها تقلل من قدرك وشأن بلادك، خاصة في موضة (freeware, freestyle)وتكون عرضة للمهزلة.

      "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" (البقرة 120).

       لا يا أخي اسمح لي أنت لست حراً في تصرفاتك، إن أسأت في كلامك أو لباسك قد تسيء لبلدك، إن أسأت في طعامك أو أهملت صحتك فأنت أيضاً لست حراً، فالله سبحانه تعالي قال في كتابه: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة 195).

      إن إهمالك في بدنك قد تكلف الدولة مالاً لعلاجك، وقد يكون هناك مواطن هو أحق وأحوج منك للعلاج.

       

      1. عبد الله السناوي - شارك