1. فلنضع النقاط على الحروف -د:

      عندما كانت البلدان منغلقة، لا يمكن معرفة ما بها أو الوصول إليها، حيث لا يتم ذلك إلا عبر حدودها السياسية وبتأشيرات دخول صعبة؛ كانت رحمة شعوب هذه البلدان في يد حاكمها، إن شاء أعطى وإن شاء منع، سواءً أكان على حق أمكان على باطل، فالعلم عند الله، والشعب كالابن، ولَّى أمره لأبيه وسَلَّمَ أمره لله، كما ورد ذلك المعنى في سورة لقمان ألا نعصي ربنا وأيضاً لا نخسر أهلنا، نصاحبهم في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه؛ لأنهم والدينا و أولياؤنا:

      "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (سورة لقمان، الآية 15).

      وقال سبحانه تعالى في كتابه الحكيم أيضاً: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (سورة النساء، الآية 59).

       فطاعة ولي الأمر واجبة أيضاً لأنها من الدين. والعماني متدين بالفطرة، والإنسان العاقل يتبع دائماً الخير والسلام، حتى لو كان بصيص الأمل فيه ضعيف ـ والله يهدِي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ.

       وعندما انفتحت البلدان المنغلقة على العالم، وأصبح هناك لا حدود طبيعية تمنع الشعوب من التواصل؛ تواصلت الشعوب بين بعضها عبر الأثير، وامتزجت الثقافات، وقلت سلطة وجبروت الحكام على الشعوب، وأصبح الحاكم غير العادل يُسقط بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لو حاول تكميم أفواه شعبه بجبروته، وقد رأينا هذا في السنين الماضية عند أشقاءنا، منهم من استخدم الحكمة وفاز، ومنهم من تعنت فهلك شعبه ودمر بلاده.

      العالم أصبح قرية واحدة بحكم التكنولوجيا الميسرة والرخيصة أيضاً. ليس بالضرورة أن يكون المرء رهيناً لشركة الاتصال في بلاده، هناك شركات كثيرة تتهافت لتتنافس على خدمته. ويمكن للمرء اقتناء خدمة الاتصال من أي شركة خارج وطنه، ويتفاعل مع العالم بمن يشاء بلا حدود.

      الهاتف الذكي المحمول (كمبيوتر الكف) والكمبيوتر اللوحي غيرا حياة العالم، وبشكل أخص الهاتف الذكي، وذلك لصغر حجمه، وسهولة استخدامه، حيث جمع بين خدمة الاتصال الصوتي والمرئي والمقروء، وبين خدمات الترفيه والوسائط المختلفة.

      تعددت الخدمات فيه والتي كانت غير ممكنة عبر والوسائل التقليدية السابقة حيث كانت باهظة التكاليف. إن الهاتف الذكي يمكن أن يقتنيه الآن أي فلاح أمي في قرية نائية، أو بدوي راحل متنقل تائه في فيافي الصحراء. كل شيء أصبح في متناول اليد؛ مدرسة، جامعة، تلفزيون، إذاعة، صحف، مكتبات، مسرح، سينما، بالإضافة إلى أنه وسيلة اتصال هاتفي وكمبيوتري فالمعاملات التي تتطلب إنجازها حضوراً شخصياً صارت تنجز بكبسة زر بواسطة هذا الساحر الصغير، إذ أصبح كل شخص مثقف واعٍ وفاهم بإمكانه التعلم بالممارسة دون الذهاب إلى مدرسة، ولم يعد مواطناً لبلده بل مواطناً دولياً. ليس هذا فحسب، بل أصبح بواسطة وسائل النقل الحديثة أن يسافر ويتنقل إلى أقصى بقعة في المعمورة خلال سويعات.

      والذي أود أن أتوصل إليه هو أن على أولياء أمورنا أن يتماشوا مع حداثة العصر، فعصر التأنيب والتخويف، أو التصفيق والولاء الكاذب ولَّى ولم يعد له مكانة في العصر الحديث، وأن لا ننخدع بتصفيق المبجلين؛ لأننا في عصر المصلحة (على قدر ما تدفع تحصل) وعلى قدر ما تُيَسر تُسيِر، هذا هو الواقع،شئنا أم أبينا، لم نعد نملك تسيير أمور بيتنا، لدينا شركاء وهم ما نسميهم (الشريك الاقتصادي) حكمت علينا ظروف العصر هكذا، وانفتحنا، وتبقى المسألة فردية، مرجعها الضمير الحي والموعظة الدينية.

      قد تبدو المشكلة بسيطة، وحلها في اليد، ولكن من يدري من خلفها؟ والإنسان الناجح لا بد له من حساد وهذا هو ثمن نجاحه. وحل المشكلات لا تأتي بالتهديد والوعيد، والتصلب في الرأي، أو بكلام ملقن، نحن في هذا العصر نخاطب فكر وليس بقر. نتعامل مع سلطة رابعة عززتها وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها، ونتعامل مع أقلام أخطر من أي سلاح، صوت القلم يصل مداه ما لا يصل إليه مدى أقوى سلاح. التزمت في الرأي والتشدد في المعاملة لا يولدان إلا العنف.

      الخصم عندما يختصم يتتبع كل سلبيات غريمه، وقد يصل إلى معرفة ممتلكاته، وكيف حصل عليها، ومن معه وقد ينبش أشياء لا لها صلة بقضيته إلا لإثارة الرأي العام، حتى يكسب قضيته، وغلق صحيفة لها شعبيتها متأصلة جذورها في المجتمع، وكونها غير رسمية ليس كغلق محل تجاري، لا شك أن هناك مجالاً لفهم اختلاف الرأي ووجهات النظر مع الآخر. ومن الطبيعي إن وجد المتحدث من لا يسمعه يعلى  صوته.

      لنا أمل كبير، وسياسة بلادنا معهودة بالهدوء، وإذا زعل أحد منا وامتعض عن شيء ليس معنى ذلك أنه شاذ وأن نقابله بالتأنيب والعنف، بل نأخذه بالتي هي أحسن، فلنعتاد على أسلوب الحوار وقبول فكر الآخر، فلنستفد من دروس معلمنا الأول وباني نهضتناـ يحفظه الله ويرعاه ويدوم له نعمة الصحة والعافية، يقول المثل الشعبي: (الرصاصة التي لا تصيب تدوش) فلنقلل من الشوشرة.

      "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت، الآية 34).

       

      1. عبد الله السناوي - شارك