-
-
يظهر في الصورة انهيار الجبل إلى داخل فناء مبنى جاري من جراء تكسير جبل مجاور عند تسوية مساحة قطعة أرض .
عندما تتجاوز النظام -د:
من المعلوم عندما تقرر الحكومة تخصيص أراض للسكن فإنها تقوم بدراسة للموقع المقترح أولاً، وإجراء مسح للتأكد من أنه خالٍ من أي عيوب قد تعيق تنفيذ البنيان، أو توصيل الخدمات إليه، وقد تقوم بدراسة جيولوجية إذا لزم الأمر.
إذ لا يمكن توزيع أراض للسكن على موقع مقابر، أو في مواقع أثرية، أو مواقع بركانية، ونرى بعد استكمال الدراسة يتم تخطيط الموقع وتقسمه إلى قطع أراض صغيرة تحدد مساحتها للسكن وتقرها جهة مختصة في هذا الشأن، بعد التأكد من سهولة توصيل الخدمات إليها كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والهاتف، وغيرها من المستلزمات التي تحتاجها المساكن التي ستقام على هذه الأراضي.
وقد رأينا بعد عام السبعين، أقيمت مدن لم تكن موجودة في السابق، خطط بعضها بشكل سليم، وبعض هذه الأراضي تداولها المضاربون بأسعار باهظة يتسابق عليها السماسرة بسبب موقعها التجاري أو (البرستيجي) الوجاهة؛ مما دعا ببعض السماسرة أن يحتالوا للجهة المعنية مطالبين بإعادة تخطيط هذه الأراضي، مختلقين المبررات والحيل المقنعة، لتغيير أو إضافة قطع أراضٍ جديدة على المخطط الذي اعتمد... حتى لو كانت على سفح جبل. ونرى هذا جلياً حدث في مناطق ولاية مطرح كمدينة دارسيت على سبيل المثال، وبعض المناطق من ولاية بوشر،وأيضاً في ولايات أخرى بمحافظات في الداخل.
تندهش عندما ترى معدات الحفر وتكسير الصخور على قمم الجبال في هذه المدن، وتستغرب؛ كيف سيمكن استخراج أراضِ للسكن من هذه القمم، والأغرب من هذا بأن الأرض ستباع عشرون مرة إلى أن ترسي على شخص يقيم عليها مبنى...دون مبالاة بما يصدر من إزعاج من هذه المعدات، وكمية الغبار التي تتطاير على بيوت السكان المحاذية لهذه الجبال.
وقد تستمر عملية الحفر والتكسير أحياناً لأكثر من شهر، وقد يمتد العمل إلى ما بعد المغرب، وفي عطل الأسبوع، والسكان صموت (شدة وتزول)، والجهة المرخصة للحفر لن تتابع إذا لم يأتيها شكوى من أحد.
بخلاف ما نراه في الدول الأخرى، عن الإجراءات المتخذة في مثل هذه الأمور: كأخطار السكان مسبقاً لأخذ حيطتهم، أو تعويضهم عن الضوضاء والأضرار التي قد تلحق بهم أو ممتلكاتهم من مضايقة الشاحنات التي تسد مداخل الطرق، ولا توجد حتى لافتات تحذيرية من قبل أصحاب العمل تتعلق بالأمن والسلامة؛ والسبب هو أن الجهة المعنية بالتراخيص لا تتابع، وقد يسأل البعض: لماذا السكان لا يشتكون؟ والجواب الناس مسالمين هو الطبع المعروف عن العمانيين، و لم يعتادوا على الشكاوي، ومنهم لا يرى من الشكوى فائدة... مجرد مضيعة وقت وتردد على مكاتب المسئولين، فالأفضل الانتظار طالما أن المسألة مؤقتة.
إن ثقافة مراعاة حقوق السكان، والجوار عند إقامة المشاريع مازالت جديدة، وغائبة عندنا، وقد نرى مشاريع حكومية تنفذ من قبل مقاولين كبار يلتزمون عند توقيع العقد بمعايير السلامة، (بالسلامة المهنية وسلامة المشاة والسكان)، ولكن عند بدأ المشروع لا تنفذ. ولا أحد يتابع من المسئولين الرسميين، وهذا رأيته بعيني في مشروع توسيع الجسور بدارسيت لأنها قريبة من بيتي، وأتعثر كل يوم وأقع في حفر بسبب ضعف بصري عند الذهاب لتأدية الصلاة في المسجد، وذلك لعدم وجود هوامش متروكة للمشاة، حتى إني كتبت عن هذه المشكلة في منتدى "سبلة عمان" الالكتروني، من أجل لفت انتباه المسئولين بعدما تعبت من مراجعة مدير المشروع بالشركة مراراً وتكراراً، وكان يأخذ مني ويسكت دون أن يحرك ساكناً.
عندما تتعامل مع شخص متحضر يختلف الوضع، وأذكر مرة حادثة حدثت لي منذ ثلاثين سنة؛ كدت أقع في حفرة مجاري، حيث لم تغط بشكل جيد أمام محل بيع زهور بمحطة تعبئة الوقود بمنطقة وادي عدي. وكان من يدير المحل في ذلك الوقت امرأة أوروبية، لما رأتني وملابسي متسخة، خرجت مذعورة تعتذر لي، وتتشكر على سلامتي، وسألتني عن عنوان بيتي ولم أكد أصل البيت حتى وجدت باقة زهور تنتظرني في البيت، أرسلت لي كمجاملة اعتذار على ما حدث، وعندما تحريت عن قيمتها على سبيل الفضول، وجدتها قد تصل إلى عشرين ريالاً، ولم يكن هذا فحسب؛ فقد قامت المرأة في الحال بالاتصال بالمسئولين واستنفارهم من أجل اتخاذ إجراءات الإصلاح.
وعندما اشتريت أرض مسكني بدارسيت في بداية التسعينات كان معظم أقاربي يلومونني على شرائها، لكون الأرض تقع قريبة من الجبال،وكانت قطعة الأرض من مجموع سبع قطع محاطة بثلاث جبال على شكل حرف (يو) باللاتيني، حسب المخطط (الكروكي) في ذلك الوقت, ومما شجعني على شرائها موقعها في دارسيت ولأنها قريبة من مقر عملي وعمل زوجتي في الحي التجاري بمطرح الكبرى، والسبب الثاني أنها على الشارع الذي يؤدي إلى شاطئ البحر، وهي في تجمع سكني لا يزيد عدد مساكنه عن سبعة مساكن مما يعطي بعض الخصوصية.
وبمرور الوقت رأينا المعدات في كل مرة تجز جزءاً من الجبال المحيطة بنا، وقد استغل البعض التعويض جراء ظاهرة الأجواء المناخية في عام 2007م (إعصارجونو) في توسيع مساحة أرضه باقتطاع جزء من الجبل الذي خلفه، حتى أنه حذا البعض من خارج السكان بمطالبة الوزارة المعنية باستحداث قطع أراضِ جديدة على سفوح الجبال المحاذية متحدين الطبيعة أسوة بمن قاموا بهذا العمل، طمعاً في بيع الأراضي بأسعار عالية، خاصة أن مدينة دراسيت الصغيرة، الهادئة، الوديعة، المكتظة بالمستأجرين الأجانب لها خصوصيتها، إذ تعتبر من أواسط مناطق ولاية مطرح تتوسط بين سوق روي وسوق مطرح، هذا بالإضافة كونها منطقة (تأجير) بسبب وجود المدارس الهندية، ومركز لولو للتسوق، ومقر رئيسي لبلدية مسقط، خلاف كون الجزء الشمالي منها يطل على البحر، وجمالها يكمن في جسرها العلوي الذي يربط مطرح بالقرم، ومرتفعاتها السياحية - مطاعم الكهف، والحديقة التي تتوسطها التي يرتادها المستأجرين الأجانب للتنزه وممارسة رياضة المشي. إذ كانت هذه القرية في السابق منطقة زراعية ومازالت تحتفظ بخضرتها، هذه العوامل مجتمعة تشجع أي مستثمر حتى إزاحة كل الجبال المحيطة بها.
وكانت آخر قطعة أرض تم استحداثها في الشهر الماضي التي أثرت على مسكني ومساكن جيراني من جراء تكسير جبل رُخِصَ لأحد المواطنين باستخراج قطعة أرض منه يتم ذرعها له بعد تسوية مساحة من الجبل حتى يقيم عليها المسكن.
ولكن القصة تبدو غير ذلك كان القصد منها المضاربة كسابقاتها.على كل حال، ما أن تمت تسوية مساحتها حتى بدأ الجبل ينهار بالتدريج وأخذت الصخور والحصي والحجارة تدحرج على أفنية المساكن.
ولاحظت على فناء مسكني بدء ظهور انتفاخ بالتدريج من باطن الأرض رافعاً البلاط إلى أكثر من عشرين سنتيمتر، ثم تلاه تشقق في الجدران تسبب في ميولها، وبعض هذه الجدران انهارت والبعض الآخر مازال مائل للسقوط في أي لحظة من جراء التكسير الذي حدث في الجبل بجنوب بيت جاري، ومما يبدو أن هذه ظاهرة جيولوجية، كان من المفترض تداركها من قبل الجهة المعنية بالفحص المسبق، قبل منح إذن تكسير الجبل، وتوزيع أرض فوق المخطط الأصلي.
ولست أدري إذا كان الوضع سيستمر ويتفاقم، أو أنه سيتوقف، وسيعود كلما شرع صاحب الأرض في الحفر. ولقد قمت بإبلاغ الجهة المعنية مطالباَ التحقيق في الأمر والتعويض، أسوة بالمتضررين من جيران.
إن إعادة إقامة الجدران في المكان المتضرر لاشك أنه مكلف، وباهظ التكاليف إذ سيحتاج إلى مواصفات عالية تفوق إمكانية شخص متقاعد مثلي، وبعد المراجعة (مراجعة الجهة المعنية) قيل لي بأنه ستشكل لجنة لدراسة الموضوع ـ والله أعلم ـ متى ستنتهي...
- عبد الله السناوي - شارك
-