1. في الصورة لوحة مرورية أدخلها المقاول في حجوزات عمله دون أن ينتبه لها المسئولين بالرغم أن هذا العمل أمام مدخل بلدية مسقط بدارسيت.
       

       يلومك المستريح -د:

      لا شك أن وسيلة النقل مهمة في حياة الإنسان، إذ دون توفرها لن يستطيع أحد الذهاب إلى عمله أو للتسوق أو المستشفى أو زيارة أقاربه؛خاصة إذا لم تكن هذه الأماكن قريبة من منزله. ومن لم يقتن سيارة خاصة فإنه بلا شك سيستخدم النقل العام أو سيارات الأجرة المملوكة من قبل الأفراد.

      ومن أجل تسيير النقل بشكل سليم وآمن فإن الحكومة توفر الطرق الحديثة المرصوفة وبها كل مستلزماتها من لوحات إرشادية وإشارات مرورية وإنارة وأرصفة للمشاة ومواقف للسيارات أمام المحال التجارية وأمام المستشفيات والحدائق والمرافق العامة بمختلف أنواعها، وأشكالها.

      وغالباً ما نرى الجهة التي تقع عليها مسؤولية توفير هذه الخدمات تكون بلدية المدينة.

      أما الطرق خارج المدينة فتقوم بها مؤسسات أخرى معنية بالطرق، وهي وزارة أو هيئة معنية بالنقل والاتصالات، وتختلف مسميات هذه المؤسسات حسب الاختصاصات الموكولة الإشراف عليها، كالنقل الجوي والنقل البحري والنقل البري والاتصال الهاتفي.

      بعد الانتهاء من توفير هذه الخدمات يتم إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لتنظيم استخداماتها، وتعيين جهة تنفيذية معينة لها، وأخرى لصيانتها، ويتم محاسبة مخالفي هذه الأنظمة بالغرامة أو بالسجن وغالباً ما تكون المخالفات المتعلقة بالمرور بدفع الغرامات.

      إلا أنه من الملاحظ بأن الجهة التي تقوم بتوفير خدمات الطرق ومرافقها لا تجني منها ريعاً بالرغم من مسؤوليتها عن الأنفاق على صيانتها،فالريع يذهب إلى جهة أخرى وهي الجهة المسئولة عن تسيير المرور على هذه الطرقات؛ كإصدار تراخيص المركبات وحصد رسوم تسجيل المركبات الجديدة، ونقل ملكية المركبات عند البيع أو الشراء، والتجديد السنوي لملكية المركبات ورسوم المخالفات التي تعرف "بالمخالفات المرورية"، وهذا المصطلح الأخير ريعه غير ثابت، تعتمد زيادته حسب مجهود رجل المرور، وعدد أجهزة مراقبة السرعة (الرادار) المثبتة وغير المثبتة (المتنقلة في الشوارع) وطريقة إخفائها لاصطياد المخالفين.

      وقد يرى بعض الممتعضين من هذه الأجهزة؛ بأن "الاستثمار في جلب هذه الأجهزة وتثبيتها على الشوارع يعتبر استثماراً حقيقياً بحد ذاته، وهو استثمار جيد، غير باهظ الكلفة خاصة بعد أن توفرت البنية الأساسية كالطرق ووسائل الاتصال بأنواعها السلكية واللاسلكية والتي تربط هذه الأجهزة بمراكز التحكم (الكنترول)، وأصبح الغرض من تركيب هذه الأجهزة ليس للحد من السرعة غير القانونية فحسب؛ بل صارت تدر دخلاً جيداً كما يعتقد البعض في موازنة الدولة"، ولست أدري إذا كان عائدها يستخدم في تحسين الخدمات في الشوارع، أم أنه يذهب لجهة معينة لتغطية نفقاتها.

      هناك ممن يعتقد بأن صيانة هذه الأجهزة (أجهزة مراقبة السرعة ـ الرادار) مكلفة وآخر يعتقد غير ذلك، خاصة ممن لهم دراية في علم الالكترونيات، وتعليلهم لذلك بسبب تقدم التكنولوجيا والتقنية العالية المستخدمة في هذه الأجهزة وطرق فحصها بواسطة الكيان المرن software. إذ غالباً ما تكون ورش الصيانة لمثل هذه الأجهزة صغيرة وعدد العاملين على صيانتها وتشغيلها قليل، إذ أن كل شيء يتم آلياً بواسطة الحاسوب، ابتداءً من رصد المخالفة ودفع قيمتها وتشغيل وصيانة أجهزتها سواءً أكانت طرفية مثبتة في الشوارع، أم أجهزة مركزية. وفي الغالب يعهد للشركة الموردة القيام بصيانتها بعقد مبرم بشكل سنوي، ربما العدد الأكبر من العاملين يكونون من عمال النظافة الذين يقومون بمسح الغبار عن الأجهزة في الشوارع، وقد يقوم بهذا العمل عمال النظافة العامة التابعين للبلدية، أو لأي شركة مختصة بالنظافة، كما نراهم كل صباح ينظفون آلات الصرف الآلي ATM.

      بالرغم ما تنفقه الحكومة في مد الطرق إلى أقصى بقعة بها تجمعات سكانية، إلا أننا نسمع كثيراً عن طلبات المواطنين في الإذاعة في برنامج البث المباشر مطالبين برصف شوارع داخلية في مناطقهم أو توفير شوارع جديدة بين قراهم، وهناك طرق داخلية كثيرة شاهدناها أو سمعنا عنها عن طريق البرنامج المذكور تحتاج إلى إعادة رصف أو تأهيل، وهناك لوحات مرورية هالكة، ومنها منزلقة عن موضعها على الأعمدة المثبتة بها، وغيرها ممسوحة بياناتها، لست أدري أي جهة مسئولة عن التفتيش، وعن مراقبة جودة خدمات الطرق؟ أم أنه ينتظر من المواطن أن يتصل ليبلغ عن العطب.

      لاحظنا في كثير من الولايات التي ليست بها (رادارات) انتشار كاسرات السرعة (المطبات) على شوارعها الداخلية. وفي أحياناً كثيرة لا تتجاوز المسافة بين مطب وآخر إلا عدة كيلومترات بسيطة، أو أقل من كيلومتر واحد مما تسبب امتعاضاً لأصحاب السيارات الصغيرة، ذات المستوى المنخفض، لا شك أن هناك معايير لارتفاعات هذه المطبات عن سطح أرضية الشارع، يراعى عند وضعها، ولكن كثرتها ستحول بالبعض عن اقتناء سيارات صغيرة، وسيزيد من اقتناء سيارات الدفع الرباعي، وهنا نتساءل ماذا سيكون الحال عند بدء انتشار السيارات الكهربائية في المستقبل القريب؟ والتي تعرف بسيارات المدن، هل ستظل هذه المطبات العائق في اقتناء هذه السيارات الحديثة؟

      الأسئلة والاستفسارات مازالت تتواصل لبرنامج البث المباشر بالإذاعة كلما فتح المجال لذلك، ولاحظنا أن بعض المتصلين بالبرنامج يشيرون: بأن هناك إفراط في وضع أجهزة (الرادار)، لاصطياد الأخطاء، ويرى البعض بأن الغرامات التي تدفع للمرور تثقل كاهل المواطن عندما يأتي لتجديد سيارته، وهذه الاتصالات بالبرنامج لا شك أنها مؤشر للإدارة المعنية لمراجعة الأساليب والغاية من وضع (الرادارات)، خاصة إذا كانت هذه الاتصالات تأتي من أناس كبار في السن اعتدنا أن نسمع أصواتهم في البث المباشر، وليست من فئة الشباب. وقد يكون المواطن محقاً في بعض الأحيان، خاصة إذا ما افترضنا أنه مواطن من ذوي الدخل المحدود، دخله الشهري بين ثلاثمائة وخمسمائة ريال، لديه سيارة صالون وقد تعدت عمرها الافتراضي، ربما يكون قد ابتاعها في بداية التحاقه بالعمل، أو أنه ابتاعها مستعملة ليسد بها حاجته، وإذا ما قيمت تلك السيارة عند آخر تجديد، قد لا يتجاوز سعرها خمسمائة أو سبعمائة وخمسين ريالاً.

      وبما أن السيارة قديمة لاشك أنه سيؤمنها ضد طرف ثالث، أي حوالي خمسون ريالاً، ومبلغ آخر قدره خمسون ريالاً لعله دفعه لتجهيز سيارته للفحص السنوي المطلوب عند التجديد.

      وعند التجديد وجد بأن عليه مخالفات مرورية عن: (مواقف البلدية، ورسوم مخالفات رادارـ لم يسلم منه بسبب تنقلاته الكثيرة) أو أنه من سكان مناطق خارج مسقط؛ رجلٌ مُعِيل لديه مرضى يراجعهم بالمستشفيات، هذا إضافة إلى مشوار عمله اليومي، والتسوق، ومواصلة أرحامه أو للعزاء أو حضور ملكة (عقد قران) أو معاودة مرضى، وغيرها من مشاوير الحياة اليومية التي لابد منها. وعندما يأتي ليجدد سيارته في إدارة المرور،يجد بأن عليه غرامة بما لا تقل عن مائة ريال مع رسوم التجديد. وإذا جمعنا المبالغ التي يتطلبها تجديد السيارة سنجدها لا يقل عن (200) مائتين ريال.

      ليس هذا فحسب؛ هناك مبالغ أخرى يتكبدها المواطن من أجل إبقاء سيارته صالحة؛ الصيانة الدورية للسيارة أو بما يعرف بالـ service والتي تكون تكلفتها في المتوسط عشرين ريالاً في الشهر، هذا خلاف مصاريف استهلاك الوقود التي قد تكون في أقل تقدير ستين ريالاً في الشهر، ومع ارتفاع سعر الوقود حالياً قد تصل إلى ثمانين ريالاً في الشهر، أي إجمالي ما يدفعه المواطن عند استهلاكه لسيارته مائة (100) ريال في الشهر.

      إذا أخذنا مبلغ التجديد السابق ذكره وقسمناه على 12 شهراً وأضفنا عليه مبلغ استهلاك السيارة الشهري سنجد إجمالي ما ينفقه المواطن ذو الدخل المحدود للنقل أكثر من 116 ريالاً في الشهر.

      ولا بد أن يكون على هذا المواطن أقساط للبنك، أما أن يكون قرضاً إسكانياً أو قرض زواج أو شراء سيارة، حاله حال أي مواطن في هذا العصر إذا لم يكن عليه دين للبنك لا بد أن عليه أقساط اشتراك للجمعية، وإلا كيف تزوج؟ أو اشترى سيارة؟ أو أمتلك بيتاً؟ً وهذا القسط قد يصل إلى 40% من الدخل، وإذا افترضنا بأن دخلة يقدر بـ 500 ريال شهرياً فإن قسطه سيكون 200 ريال.وإذا افترضنا بأنه يدفع أقل من ذلك سيكون القسط في الغالب 150 ريالاً في الشهر (على أقل تقدير).

      هذا إضافة إلى مصاريف استهلاك الكهرباء والماء التي قد تصل في المتوسط إلى 30 ريالاً في الشهر، وعندما نأتي لنحسب ما تبقي من الدخل أو الراتب في نهاية الشهر سنجده لا يتجاوز 204 ريالات، وهذا المبلغ يصرف للأكل والشرب والكساء ومصروف المدرسة للأبناء ومستلزمات الدراسة، هذا ناهيك إذا أتت تلك المصاريف في وقت واحد مجتمعة (في شهر رمضان، أوعيد الفطر أو عيد الحج أو مع بداية فتح المدارس) من أين ستأتيه الرحمة هذا الشخص إلا من سبحانه وتعالى ومن ثم معاونة الناس له بالصدقات؟ وماذا عن من هو أقل منه في مستوى المعيشة ماذا سيفعل؟

      هذا الكلام قد يبدو مبالغاً فيه لمن لم يذق طعم حياة البسطاء من الناس؛ لا شك من يعمل في مكتب مريح، تنقلاته محدودة لا تتجاوز من البيت إلى العمل ومن البيت إلى صالة الرياضة أو (كفتيريا - ستارباك) أو النادي، أو إلى المول (مركز التسوق). قطعاً سيغير رأيه وفكره، ونظرته في الحياة، عندما يرى ويعتاد على حياة العامة، يستخدم سيارة الأجرة أو النقل العام والعرق يتصبب من جسده، ويصطف في طوابير الانتظار منتظراً دوره مع بقية الناس عند دفع الفواتير، يتوسل لموظف (الكاونتر) بأن يرحل ما تبقى عليه من دين إلى الشهر القادم.

      وأخيراً أقول لمن يحب أن يجادل في هذا الموضوع حتى لو كان الكلام الذي ورد غير واقعي، فإننا لو أخذنا فقط خمسين في المائة منه صحيحاً، فسنرى فوهة الظروف الصعبة عند المواطن مازالت متسعة، على قول المثل العماني: (يلومك المستريح)، هذا المثل يقال لمن لا يفهم مشكلة غيره.

       

      1. عبد الله السناوي - شارك