1. الصورة للوالد سالم بن منصور وعلى  يساره الوالد أحمد بن رشيد والجالس أمامهم الوالد ناصر بن رشيد الصورة التقطت لهم بواسطة الوالد أحمد بن صالح في أوغندا في أواخر الخمسينات  

      وجهات نظر مختلفة د– 2:

      بعض البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية - بالصوت والصورة، (المتلفزة)، لا تقدم، حتى لو أذيعت عشرات المرات. أذكر هناك تمثيليات ومسلسلات إذاعية كانت تبث في حقبة السبعينات، وعندما يعاد بثها مرة أخرى يتملكنا الشوق إلى الماضي، ونتذكر الأيام الجميلة التي  كنا نتجمع فيها حول المذياع بعد تناول وجبة العشاء لمتابعة أحداث حلقاتها.

      منذ مدة بسيطة نشر ابن عمتي مقطع فيديو من برنامج أعده وقدمه مذيع مُتألق في التلفزيون العماني عن حياة العمانيين في شرق أفريقيا، وكان البرنامج في بداية حلقاته ركز على العمانيين العرب في زنجبار، والتاريخ العماني في عهد السلاطين الذين حكموا زنجبار، ثم عَرجَ إلى تنزانيا، وسلط الضوء عن حياة العمانيين في الداخل هناك، والأماكن التي يقطنونها، والأعمال الحياتية التي يمارسونها، لاشك أن ذلك البرنامج قد أضاء وسلط الضوء على كثير من الغموض، وربما لفت نظر الجهات الرسمية على كثير من الأمور والتي لربما كانت غائبة عن الأذهان.

      هذا البرنامج رفع شأن الناس هناك  أمام من كان يستخف بهم من أشقائهم من قصار النظر في عمان؛ ممن كان لا يعلم عن أولائك المكافحين هناك،  الذين صمدوا وثابروا من أجل أن يبقى لعمان وجود في تلك المناطق، بالرغم ما يعانونه من ظروف معيشية صعبة، كما شاهدنا في بعض اللقطات التلفزيونية، خاصة المقيمين في أرياف تنزانيا.

      وشاهدنا من خلال البرنامج المناخ والمناظر الطبيعية الخلابة، ووفرة المياه، والأرض الخصبة، والمزارع التي يمتلكها بعض العمانيين.مما يدعوا للتأسف على ضياع الوقت،في عدم استثمار عمان لتلك الأراضي في وقت ازدهار وجودها هناك. وعدم الاستفادة من المياه الطبيعية لري ما تحتاجه الأرض للمحاصيل الزراعية، وانتهاز فرصة  تواجد العمالة العمانية هناك في زراعة ما تحتاجه عمان من خضار وفواكه، بدلاً من الاعتماد على المنتجات التي تأتينا من الهند ودول الجوار.

      وقد شاهدنا في بعض اللقطات عن الفن المعماري في المباني التاريخية وقصور السلاطين العمانيين الذين تخلوا عنها، وشاهدنا أيضاً المستوى الثقافي من خلال المرشد الذي كان يتحدث من أصول عمانية، شاهدناه كيف يتحدث عن الوجود العماني، بما يوحي أن المستوى الثقافي الذي خُلِدَ هناك كان عالياً، إذ لا ننسى كانت زنجبار مزدهرة ثقافياً أيام الحكم العماني في طباعة الكتب العمانية، وظهرت الصحافة العمانية هناك قبل أن تظهر في البلد الأم .

      زيارة كاميرا البرنامج لشرق أفريقيا، وبث تلك المقابلات التي أجراها المذيع عبر الأثير؛ لا شك أنها صححت مفاهيم كثيرة كانت خاطئة، ولفتت نظر الحكومة لأشياء ربما كانت غائبة عن أذهان المسؤولين في الجهات الرسمية في عمان.

       

      على العموم؛ ما شاهدناه في المقطع التلفزيوني، (ابتعاد ذلك الفقير العماني) عن أعين الكاميرا ورفضه إجراء المقابلة معه؛ لم تكن مخيبة الأمل للمذيع بقدر ما أحزنه ذلك التصرف؛عندما علم من مرافقيه بأن ردود فعل الرجل كانت لسبب؛ لم يحصل الرجل على جواز سفر بلاده حتى يتمكن من زيارة أهله وبلاده عمان. على كل حال قد تكون هناك وجهات نظرمختلفة كمن يعتب أو يزعل على أهله، على إنكارهم له. هذه من ترسبات الماضي، وهذه كانت نتيجة ردودفعل لمواقف سلبية، يتخذها الإنسان ضد مجتمع أو نظام كان غير منصف في السابق.

      كان العمانيون، عندما يسافرون إلى شرق أفريقيا لا يحتاجون إلى جوازات سفر، بل يكفي أن يحملوا ورقة، (بروه) تفيد بهوية حاملها، ربما لم يكن هناك جواز سفر متفق عليه، لأنهم كانوا يعتبرون زنجبار وعمان حكومة واحدة، حتى لو كانتا منفصلتين في إدارة الحكم عن بعضهما، في نظر العمانيين بلد واحد تحكمه أسرة واحدة

      لذا كان العمانيون عندما يتوجهون إلى بلدان غير زنجبار في أفريقيا، كانت محطتهم الأولى زنجبار؛لاستخراج وثائق سفر تمكنهم العبور إلى بلدان أخرى في أفريقيا كأوغندا وبوروندي ورواندا والكنغو مثلاً (البلدان التي استوطنوا فيها أكثر عن غيرها).

      أنا عاشرت هؤلاء الناس كثيراً، أقصد عرب عمان في أفريقيا، أو العمانيين من ذوي الأصول العربية في أفريقيا، سواء أكان عندما كنت في أوغندا، أو عند التحاقي للدراسة في ممباسا ودبي...ذلك عندما نزح إليها أهل زنجبار على أثر إطاحة الحكم العماني في عام 1964م. وجدت هناك تبايناً في وجهات النظر لكلا المُجتَمعَين، العُمانِيون الذين يعيشون في أفريقيا والعمانيون الذين يعيشون في عمان.

      كانت هناك حساسية، ونظرة مختلفة، إذ كان سكان مسقط ومطرح وبعض المناطق الساحلية المحاذية لها، التابعة لمسقط ينظرون لسكان شرق أفريقيا من العمانيين العرب بأنهم ليسوا عمانيين، وأولئك في أفريقيا أيضاً ينظرون لهؤلاء بأنهم أيضاً ليسوا عمانيين بل هم عجم مغتربون جاءوا من مناطق استأجرتها عمان أو أهديت لها من قبل حكامها(حكام تلك البلدان) للاستثمار في أراضيها.

      والعمانيون العرب في أفريقيا جلهم من مناطق عمان الداخلية، (المناطق الشرقية والداخلية من عمان) أو بمعنى أدق من المناطق التي كانت خاضعة لحكم الإمامة في السابق، وهجرتهم لأفريقيا  كانت لظروف اقتصادية بحته، ممثاثلة للتي نراها في وقتنا الحاضر في بعض الدول العربية؛ نتيجة نزاعات سياسية، إذ كان نزاع الماضي بين طرفين الإمامة والسلطنة والتي أضرت بمعيشتهم.

      والحرث كانوا من السابقين إلى أفريقيا كما علمنا، إلا أن أفخاذ هذه القبيلة (فصائلها) توزعت بين زنجبار، وتنزانيا، وأوغندا، وبوروندي، ورواندا، والكنغو، فالسناويين على سبيل المثال (الفخيذة التي أنتمي إليها) استقرت في رواندا وبوروندي، وأوغندا وعدد أفراد منتمي هذه الفخيذة قليل مقارنة ببقية أفخاذ الحرث الأخرى.

      فخيذة البراونة مثلاً (مفردها برواني) إحدى فصائل الحرث التي سكنت زنجبار، وبعضهم تنزانيا، وهناك فصائل كثيرة من الحرث ربما سبع عشرة فخيذةحسب ما ذكر في كتاب (الخليج بلدان وقبائل - تأليف س ب مايلز)، وفي نفس الفقرة من الكتاب (الفقرة 25 – قبيلة الحرث) جاء كالتالي:

      "قبيلة الحرث إباضيو المذهب،يسكنون إبراء، الدريز، القابل وعزوتهم أولاد يحمد، وهم فرع من بني تميم، هناويون، قبيلتهم واحدة من أغنى وأكثر القبائل نفوذاً في الجزء الشرقي من عمان، وهم يشتغلون بالزراعة والتجارة. هاجر الكثير منهم إلى زنجبار، حيث وصلوا إلى  مراكز كبيرة، وهناك خمس عشائر تابعة لقبيلة الحرث، والقبيلة مقسمة  إلى سبعة عشر فخذا،يقيم التميمة في القابل، عددهم نحوعشرة ألاف نسمة." (انتهى الاقتباس).

      في الحقيقة أفخاذ هذه القبيلة سكنت في أكثر من منطقة من شمال الشرقية. وبلدة الدريز التي ذكرها الكتاب هي تابعةلولاية القابل. الحرث سكنوا بالإضافة إلى منطقتهم الأم ولاية إبراء، سكنوا: (ولاية القابل، ونيابتها، وولاية المضيبي موطن قبيلة - الحبسي ونيابتها، هذه كانت مناطقهم قبل عام السبعين.

      تغرب الكثير من سكان شمال الشرقية، إلى بلدان شرق أفريقيا (زنجبار، تنزانيا، أوغندا، كنيا ـ ممباسا، كنغو، بوروندي ورواندا) في هذه المناطق التي تركزت أعمالهم، فهناك من اشتغل بالتجارة والنقل كأهل الكنغو وبوروندي ورواندا وأوغندا، ومنهم من عمل في التجارة والزراعة كأهل زنجبار وتنزانيا.

      معظم قبائل ولايات شمال الشرقية (إبراء، القابل، وادي بني خالد، بدية، المضيبي، دما والطائين) توزعت في تلك المناطق التي ذكرتها. ومن الملاحظ أن البلدان التي ذكرتها في أفريقيا بلدان متجاورة، وكانت محطة العمانيين الأولى عند العبور لهذه المناطق هي زنجبار ومنها إلى دار السلام بتنزانيا أو عن طريق ميناء ممباسا بكينيا، وسكان ممباسا من العمانيين؛ أغلبهم ممن قدم من بلدان الساحل في عمان كولاية صور مثلاً، وقريات وشمال الباطنة كون سكان هذه المناطق تعمل في النقل البحري.

      هكذا نرى، قبائل عديدة من ولايات شمال الشرقية هاجرت إلى  شرق أفريقا وتعمدت بعدم ذكر أسماء القبائل لعدم توفر الإحصاءات الدقيقة لدي، وإنما أتى ذكرها من باب معرفتي ببعض أناسها ممن سكنوا تلك المناطق الأفريقية، وكما نعلم لم يقتصر أيضاً السفر إلى أفريقيا على أهل الشرقية، بل شمل الكثير من سكان ولايات الداخلية، والحقيقة هذا يشمل معظم المناطق في عمان التي كانت في نطاق حكم الإمامة. ولكن من الملاحظ بأن سكان زنجبار الأغلبية من جنوب الباطنة، وقليل منهم من ولايات الداخلية. أما تنزانيا ضمت العديد من القبائل العمانية نظراًلاتساع أراضيها.

      ففي أفريقياهناك ثلاث فئات من العمانيين إن حق لي تصنيفها، منهم من تأثر نوعاً ما بالثقافة الأجنبية وهؤلاء ممن سكنوا زنجبار ودرسوا في مدارس سواحلية (منهجها إنجليزي) ولما شبوا وكبروا كانت معلوماتهم عن الثقافة العمانية وعن العادات والتقاليد العمانية كالتي في داخلية عمان ضعيفة نوعاً ما، وليسوا كقرنائهم في الشطر الثاني من زنجبار، أطباع وسلوك هؤلاء، (هجين بين العمانية والأفريقية والأوروبية)، حياتهم الاجتماعية قريبة من حياة المصرين، اقصد سكان المدينة وليس أهل المزارع)، وأخلاقهم تجاه أبناء بلدهم الأم عالية جداً، ويوقرون الكبير، المسن، وهم أكثر تديناً، ولهم ولاء للبلد التي ولدوا وتربوا فيها، وهم أكثر العمانيين تمدناً عن قرنائهم من العمانيين في عمان الداخل، حتى كان يضرب بهم المثل في التمدن (التحضر) في عمان. أما المناطق الريفية والشطر الثاني من زنجبار (بامبا)، أو الجزر الزراعية في زنجبار؛ حياتهم ونظام التعليم عندهم كالنظام في عمان، ترتكز الدراسة على الدين واللغة العربية، ثم تأني اللغة الانجليزية في المرتبة الثانية إن وجدت، في بعض المدارس. لذا نرى أن عدداً من علماء عمان تخرج في هذه المدارس، وأيضاً في المقابل هناك علماء أثروا في هذه المدارس ممن هاجر من عمان إلى زنجبار، وساهم بمعارفه في رفع الكثير من مستوى التعليم في  هذه المدارس.

      عندما زرت أفريقيا مع أبي في منتصف الستينات، وانتقلت من أوغندا لأسكن مع العائلة العمانية في ممباسا، أتيحت لي فرص التنقل بالسيارة مع العائلة التي سكنت معها، في أيام العطل زرت بمعيتهم معظم المناطق التي يمكن الوصول إليها، وفي إحدى أيام عطل المدارس زرنا زنجبار، ولكني كنت مشوش الذهن، لم يتح لي  الوقت  أن أسأل عن البلد التي كنا نزورها، كنت منشغلاً باللعب مع الأطفال.أخرج معهم أينما ذهبوا، وكنت خجولاً في  نفس الوقت، لم أعتد دخول البيوت التي كانوا يدخلونها دون استئذان، وكنت أرى أن هناك تبايناً بين الثقافة التي أتيت منها، والثقافة التي هناك. وكنت استرق السمع في بعض الأحيان لأستمع ما كان يقال عني عند النساء (الجليسات)؛ كنت اسمع باللغة السواحيلية عبارة:( mutoto wa kimanga) أي عماني قح (دمي لم يختلط بدم سواحيلي)، ولم أكن أعرف معنى الكلمة حتى سألت عنها بذكاء دون لفت الانتباه.

      عندما حدث الانقلاب على الحكم العماني هناك وفي عام 1965م كان كثير من المتعلمين الزنجباريين العمانيين نزحوا إلى إمارة دبي والشارقة؛ اللتين كانتا تستقبلهم دون تعقيد في حالة لم يسمح لهم دخول عمان (في عهد السلطان سعيد بن تيمور)، حيث عُومِل البعض منهم ممن لا يحمل وثيقة سفر صحيحة من رعايا دولة غريبة. ولكن الأمور تغيرت في عهد السلطان قابوس، إذ لاقت زنجبار الاهتمام الوافي مما أنعش اقتصادها كسابق عهدها وعاد الكثير ممن كانوا في عمان إلى زنجبار بعد تقاعدهم من  الخدمة.

      الفئة السابقة من العمانيين من التي ذكرتها عندما كان يأتي ذكرها في السابق يُعَرفُون بمصطلح (الزنجباريين)، وكنا نرى البعض منهم يخلط كلامه بمفردات إنجليزية خاصة من قاطني المدينة مما يدل على تأثير الأجانب في ثقافتهم، إبان إدارتها للحكم هناك.

      وعندما ظهرجمال عبدالناصر وبدأ يُمَون الثورات العربية )مشروع القومية العربية)؛ كانت زنجبارمن ضمن الدول العربية التي مُنِح أبناؤها فرصة الدراسة في الجامعات المصرية، وفي القاهرة توجد مدينة طلابية خصصت لهذا الغرض؛  سميت بمدينة البعوث الإسلامية، حدث أن سكنت أنا فيها لفترة زمنية بسيطة، عندما كنت مبتعثاً من جملة طلبة من عمان لدراسة هندسة الاتصالات، وقد رأيت أفواجاً من العمانيين يأتون من أفريقيا ليسكنوا في هذه المدينة، ولعلنا نلاحظ أن بعض هؤلاء (الزنجباريين العمانيين)ممن تخرج من الجامعات المصرية يتحدثون بلهجة مصرية في عمان، وتقلد عدد كبير منهم في السابق مناصب في الحكومة بالرغم من لكنته العربية أو لهجته المصرية  التي كانت شاذة نوعاً ما في المجتمع العماني (خارجة عن المألوف) .

      المهم أن أولئك حظهم كان أوفر من غيرهم من أخوانهم في تلقي التعليم الحديث من العمانيين في أفريقيا، وما زالت هذه الفئة تدين بالولاء لزنجبار موطن ولادتهم، ومنهم من هاجر بعد تقاعده مباشرة بسبب لطافة الجو، وسهولة الحياة هناك، وقد يكون ذلك أحد العوامل في انتعاش زنجبار اقتصادياً.

      الفئة الثانية من العمانيين أو مايطلق عليهم أحيانا ًمن قبل بعض زملائهم من سكان بوروندي (washashi)، بما معناه الفلاح أو القروي غير المتحضر، وتلك الفئة فئة فقيرة كادحة معظمها تقيم في تنزانيا وجزء منها في أوغنداوتعيش بنفس نمط الحياة العمانية، فيهم المزارع والتاجر والمتجول، ومنهم من يعمل في النقل البري. الأغلبية العظمى أتوا من شمال الشرقية من مختلف ولاياتها في عمان، وقد شاهدنا بعض اللقطات التلفزيونية عن حياتهم في تنزانيا، من خلال المقابلات التي كان أجريت لهم. ونظرا لظروف معيشتهم نرى الاهتمام بالتعليم لا يأتي في الأولوية مقارنة بقرنائهم  من سكان المدن الكبيرة في تنزانيا.

      سكان مناطق تنزانيا النائية يسكنون في بيوت من الصنادق، أو البيوت الغير ثابتة ولا تتوفر في المناطق التي يقطنوها مدارس وأعمالهم تتركز في الزراعة أو في الحرف؛ كالتي تشغلها العمالة الوافدة الآن في عمان.

      والفئة الأخرى من هؤلاء التنزانيين يسكنون دارالسلام أوالمدن التنزانية ممن حالفهم الحظ ودخلوا المدارس الأجنبية، لكنهم لم يتأثروا كأهل زنجبار وذلك لبعد مناطقهم من التأثير الأجنبي ، وأيضاً لكون تنزانيا بلد كبيرة وأرضها شاسعة.

      ونرى أيضاً وبسبب ظروف معيشة أهلهم الصعبة؛ نجدهم يعملون ويدرسون في نفس الوقت، وعندما عادوا إلى عمان احتضنتهم الشركات الكبيرة ونافسوا الهنود في العمل بالبنوك التجارية وفي شركات النفط، التي تستخدم اللغة الانجليزية، في إدارتها وتعاملها التجاري.

      والفئة الأخرى الفئة الثالثة: (العمانيون- ومانجا) wamanga كما يطلق هذا المصطلح من قبل السواحيلية المحليين في بوروندي على بعض العمانيين المقيمين في بوروندي، ممن لم يختلط نسلهم بالأفارقة، ما زالوا محتفظين بأصالتهم العمانية، وهناك لفظ آخر (صريامة) wa-seryama ، وهذا اللفظ  يطلق على من كان من نسل (أفريقي- عربي) أو (أفريقي- هندي) أو (أفريقي مع أي جنس آخر غير أسود).

      السواحيلية هم أفارقة وهم الذين يتكلمون اللغة السواحيلية من سكان مناطق السواحل بشرق  أفريقيا، اعتنقوا الدين الإسلامي، وتزاوج البعض منهم مع العرب، وتناسل معهم، واللغة السواحيلية مركبة، من مفردات عربية كثيرة، بسبب التأثير العربي، وأيضاً لفظ سواحيلي يطلق أيضاً على الأفارقة من أصول عربية، خاصة في زنجبار، وتنزانيا، والجزء الساحلي من كينيا. ومما يجدر ذكره ليس العمانيون وحدهم من العرب ممن هاجر إلى أفريقيا، بل هناك اليمانيون أيضاً سكنوا كينيا - ممباسا، وتنزانيا وهم كثيرون، يُعرَفون في هذه المناطق بأل (وشيهيري)  washihiri (الشحوح) وهي قبائل عربية تتواجد في عمان واليمن ولكن في إفريقيا يطلق هذا اللفظ على اليمنيين من سكان حضرموت وهم تجار- باعة متجولون، تتركز تجارتهم في المدن الرئيسة في الساحل من تنزانيا وكينيا.

      والعمانيون في بوروندي ورواندا أغلب أعمالهم تتركزفي التجارة، والشباب منهم يعمل في النقل البري، كالعمالة الوافدة الباكستانية في عمان التي تعمل في الشاحنات بين عمان والإمارات في وقتنا الحاضر. وهم ميكانيكية مهرة، بسب ظروف المنطقة ووعورة الطريق، في كلا البلدين، ويتطلب من السائق أن يكون ماهراً في الميكانيكا والسياقة لتجنب التعطيل خلال سفره. مبيته في الطريق خطر بسبب الحيوانات المفترسة الجائعة التي تجوب الغابات.

      والميسورون من العمانيين في بوروندي ورواندا يدخلون أبناءهم المدارس الأجنبية التي يُدَرس منهجها باللغة الفرنسية، ومنهم من يرسل أبناءه إلى القاهرة، وعمانيو بوروندي ورواندا أكثر أناقةً وهندمة في لباسهم عن قرنائهم في تنزانيا وأوغندا وهم بالزي العماني، ويحرصون على التواصل مع بعضهم (كزيارة الأرحام مثلاً)، خاصة في المناسبات الدينية، ولا يرهقون أنفسهم في العمل أكثر من اللازم. وهم فئة أرقى في معيشتها عن قرنائها في تنزانيا.

      وعندما عاد أبناء هذه الفئة إلى عمان كنظرائهم ممن عادوا من أفريقيا أمسكت بالأعمال التي تشغلها العمالة الوافدة الهندية (الأعمال الإدارية في الشركات التجارية وشركات النفط والبنوك التجارية، والوظائف المهنية كالتمريض مثلاً بعد تأهيلها)، ومنهم من عمل في النقل والميكانيكا، لكن كانت منافسة العمالة الوافدة لهم شرسة خاصة في الأعمال الحرة، بسبب ما يعرف في الوقت الحاضر بالتجارة المستترة التي أساساً يسببها أخوانهم المقيمون في عمان مما دفع ببعضهم من هذه الفئة الماهرة إلى الهجرة إلى دول الجوار خاصة المتخصصة في مجال النقل والميكانيكا، ومنهم من التحق بالخدمة العسكرية هناك. (هذه البيانات بنيت على أساس المعلومات التي أعرفها من أو عن معارفي وأقاربي).

      على كل حال عندما أعلن صاحب الجلالة العفوالعام إبان توليه الحكم دعا جميع العمانيين إلى العودة إلى وطنهم (وعفا الله عما سلف)، ولكن للأسف صادف في ذلك الوقت وجود مسئول أجنبي في دوائر الهجرة والجوازات، ومساعديه كانوا ممن لا يعرفون حقيقة وجود أخوانهم العمانيين العرب في شرق أفريقيا، واعتبروهم أجانب، أو ربما لقنوابمعلومات مغلوطة عن العائدين من أفريقيا إلى وطنهم. إذا لا يمكن مقارنة هؤلاء كغيرهم، هناك فرق بين الأصل والفرع (فمن عاد إلى وطنه ليس كمن هاجر إلى وطن غيره) فهويتهم واضحة وضوح الشمس.

      ذلك التمييز في المعاملة شكل حساسية بين سكان عمان في مسقط وسكان عمان في الداخل (العائدون من شرق أفريقيا). ومما زاد الطين بلة عدم إتقان أبناء العائدين اللغة العربية، لظروف معيشية كلنا نعرفها، واختلاطهم بالأفارقة، فمن شاهد تلك المقاطع التلفزيونية في البرنامج، سيرى ذلك.

      عامل اللغة جعل العاملين في الجوازات اتخاذها ذريعة إنكار وطنية أخوانهم العائدين من أفريقيا، (وكأن سكان مسقط ومطرح في ذلك الوقت لا يتحدثون إلا اللغة العربية) بينما كان عكس ذلك تماما، فاللغات العجمية كانت بارزة دون غيرها في اسواق مسقط ومطرح، لكن من كان يستطيع فتح فاه في ذلك الوقت، و للأسف  عوملوا العائدون (بأنهم غيرعمانيين)، مضافٌ إلى ذلك أن تنزانيا دولة اشتراكية، وعمان كانت تحارب الاشتراكية؛ الشيوعيين في ذلك الوقت بظفار.

      وعندما بدأ الناس يعودون أفواجاَ إلى عمان في حقبة السبعينات كانوا يردون من المطار ومنهم من كان يقضي أكثر من يوم في المطار منتظراً الإذن...ليسمح له بالدخول، ومنهم من كان يرد حتى لو أتوا أهله  أو عشيرته ليتوسطوا له ويثبتوا هويته؛ فقط؛ لكونه لا يحمل الوثيقة المناسبة، للأسف في ظني بأن هؤلاء أساءوا في تفسير عبارة  (وعفا الله عما سلف).

      وأذكر أن والدي كان يحدثني عن المأساة التي يراها أثناء مناوبة عمله في المطار إذ كان ليس بيده ما كان يمكن فعله...ليس بوسعه عمل أي شيء، وكان من أولئك القادمين ممن يعرفهم، مازال بهيئته العمانية لم يتغير وكان من بينهم أيضا بعض أصدقائه، ممن شب وترعرع معهم في عمان ماذا كان والدي أن يفعل، إلا أن ينأى بنفسه عن الإحراج.

      وكان لوالدي موقف من هذا التعسف وانتظر الفرصة المناسبة حتى قدم استقالته، وهكذا كما شاهدنا؛ في اللقطة التلفزيونية كان تصرف ذلك الرجل عندما رفض مقابلة المذيع لما زاره في بيته، كانت ردة فعل عبر عن موقفه لعدم إعطائه جواز سفر يمكنه من دخول بلده.

      والحمد الله لم يستمر الوضع طويلا، فقد تداركته الحكومة، وكان انتشار التعليم بنظاميه الصباح والمساء (تعليم الصغار، والكبار ومحو الأمية) والعدالة الاجتماعية وفرص العمل المتاحة؛ ترسخت لدى المواطن مفهوم الثقافة الوطنية وجعلت الناس لا تنشغل إلا في التنمية وبناء الوطن، تحت قيادة واحدة، التي كفلت لشعبها التعليم والرعاية الصحية المجانية وضمنت لهم الأمن والاستقرار في البلاد.

       

      1. عبد الله السناوي - شارك