1. الصورة لمجري الماء الذي يصب في البحر بدارسيت  مار عند مسجد النور 

      أهكذا نحن؟ - د:

      عندما كبرنا ووصل بعضنا مرحلة الرشد والنضج، بدأ البعض منا يدرك أهمية التآلف والتعاضد والتعاون. لأن الحياة كانت قاسية في السابق، لا تتوفر الإمكانات والوسائل التي نراها في وقتنا الحاضر.

      فكانت ربة البيت إن أرادت أن تطحن بناً (بن القهوة)، أو قمحاًأو شعيراً، لتصنع خبز العشاء لأسرتها، فإنها أحياناً تذهب إلى بيت جيرانها في الحارة؛ الذين قد تتوفر معهم الآلةلتريح نفسها قليلاً من عناء الدق والهرك أو الطحن بواسطة الرحى المرهقة، أولكي تختصر الوقت وتوفر الجهد الذي تبذله من أجل الحصول على كمية الدقيق المطلوبة لتحضير وجبة العشاء. وإذا نقص شيء من احتياجات الطبخ فإنها طبعاً لا تتردد في الاستعانة بجيرانها بما تريد لحين عودة زوجها من عمله.

      وكان لكل فرد من أفراد الأسرة دور في تحمل مسؤولية الأسرة، لا يرمى بكل شيء على كاهل الأب الذي يكفيه ما به من شقاء، وما يبذله من جهد خارج البيت لتأمين لقمة العيش لأبنائه. لا يوجد مكيف هواء حتى يقضي الشاب وقته في رقاد، غالقاً باب الغرفة على نفسه، ولا تلفازٌ لمشاهدة قنوات الفضائيات الكثيرة والمتعددة، وكل ما هب ودب منها، ولايوجد (آي باد، ولا سمارت فون) تلهيه عن ما هو أسمى وأجل عن خدمة عائلته. كانت الحياة وعندما يأتي الظلام وتشعل القناديل، الكل يأوي إلى فراشه بعد تأدية صلاة العشاء، وعندما ينهض الجميع لصلاة الفجر يكون الكل قد استعاد نشاطه، ويبدأ كل حسب طاقته لتنفيذ البرنامج الذي قد أعد له مسبقاً من سيدة البيت وما سيفعله في ذلك اليوم.يخرج الكل في نشور كخلية نحل من أجل جلب الرزق، هكذا كانت الحياة.

      البيئة كانت صحية، لاعجب إن رأينا في السابق عدم وجود المستشفيات التخصصية، لعلاج داء السكري أو ضغط الدم والكولسترول وأمراض الكلى وشبكية العين، وغيرها من الأمراض التي جرى تسميتها بمصطلح أمراض العصر؛ لأنه لا وجود أصلاً لهذه الأمراض كما هو الحال  في عصرنا الحاضر.

      كانت الإدارة عند المرأة جيدة في توزيع المهام (كانت هي وزيرة الداخلية، ووزيرة الشؤون الاجتماعية للبيت)، لا حاجة لها أن تذهب لتتعلم التدبير المنزلي في الجامعه. والأب كان له الدور في تعليم وتدريب وتوجيه أبنائه، مستمتعاًالقيام بدوره، وبممارسة صلاحية أبوته، دون تدخل من الأم، هذا بالإضافة إلى تهذيب الأبناء لإعدادهم للعلاقات الخارجية، وتبقى الأم بعيدة مسلمة الأمر للأب حتى لا تفسد الأبناء بدلالها لهم.

      هكذا رأينا، بالرغم من أمية المرأة في السابق وجهلها بالقراءة والكتابة إلا أن الخبرةالتياكتسبتها من خلال احتكاكها ومرافقة أمها، ومجالسة جدتها قد أكفتها وأغنتهاللقيام بتلك المهام الخطيرة، هذا بالإضافة إلى ما تعلمته مما تيسر من القرآن في صغرها.

      ليس هذا فحسب بل تجدها المستشارة والموجهة للزوج في عمله، والكتف الذي يبكي عليه، والصدر الذي يحتضنه بعد أمه. يتقاسمان الهمومويحملان ثقل الحياة، مصلحتهم واحدة(هم الأبناء) الذين سيرثونهم ليكونوا (خير خلف لخير سلف).

      واليوم، نحن في عصر الآلة (وبالضغط على الزر) يأتيك كل ما تريد؛ لكن كثرت الأمراض، وزادت نفقات العلاج للصحة، فقد شلت لدينا العقول، وأصبح الواحد منا لا يجري مسألة حسابية بسيطة دون استخدام الآلة الحاسبة. توفرت وسائل النقل الحديثة التي قربت المسافات، ولكن أين نحن نسير معتلك الوسائل؟... البعض منا أو ربما معظمنا لا يعرف رحمه، أو أنه انقطع عن صلتهم، أو أنه يراهم في المناسبات، هذا إذا جمعتهم الظروف.

      في السابق لم يكن يعيقنا أي مانع عن التواصل مع أهلنا، بالرغم من عدم توفر وسائل النقل، حتى الدواب التي كنا نستخدمها لم تعقنا عند عدم توفرها، إذ لا ندع لأي مانع من أن يعيقنا عن مواصلة الرحم؛ فما بالك إذا كان الرحم أباك، أو أمك، أو جدك، أو جدتك، وهم من أشد الناس شوقاً وتوقاً لرؤية أحفادهم. ألم يقل الله سبحانه وتعالى في الآيتين الكريمتين: "فهل عسيتم إِن تَوَليتُم أَن تُفسِدوا في الأرضِ وتُقطِعُوا أرحَامَكم أؤلئك الذينَ لعَنهم الله فأَصَمَّهم وأعمَى أَبصَارَهم"  (22 ـ 23 محمد).

      للأسف لم يستفد البعض منا من إمكانات العصر المتاحة... من وسائل وتقنيات في مصلحة مجتمعه بالطريقة التي أوصى بها ديننا، أو ما يمليه عليه الواجب تجاه الأهل والأرض والمجتمع. لذا نرى أن ظل الفقر هو هو، والجهل هو هو، ولكن اختلفت أشكاله؛ لأننا لم نعد نزرع  ولا حتى نستصلح أراضٍ للزراعة، أكتفينا بما يأتينا (ready made) بالرغم من أنه ليس هناك ما يعيق أو يمنع من الاعتماد على أنفسنا.

      وفي الطرف الآخرنرى أن الغرب يبحث عن أراضٍ ما، عله يمكن أن يجدها صالحة للزراعة في الكواكب الأخرى وفي أعماق البحار، بالرغم من أن لديهم  وفرة في المياه، وخصوبة في الأرض. فما بالكم بأراضٍ شاسعة و مياه تهدر في بعض بلداننا؟ مازلنا نفكر، ولا ندري بماذا نقرر، أصبحت المؤتمرات التي نحضرها أو بالأحرى الاجتماعات التي يحضرها مندوبونا ما هي إلا إجازة قصيرة يقضونها خارج بلادهم، لا أحد يسأل عن ماذا أتوا به، وماذا اتخذوا من إجراءات، وبعدما يكتبون تقاريرهم تركن المستندات التي تحتويها في الرفوف.

      بل الأغرب من ذلك نستضيف مؤتمرات ونتكلم فيها عن خبراتنا في إدارة المياه، ولدينا أفلاج في مناطقنا الداخلية تصب مياهها في الأودية، أو تصب في البحر كمجرى الماء الذي أشاهده كل يوم بدارسيت في مسقط.

      تمنيت ذات مرة  أن يمر أحد الزوار المسلمين ممن يحضرون هذه المؤتمرات في بلادنا ليصلي معنا في مسجد النور حتى يرى الماء الذي يهدر في البحر... ليشاهد نموذج تجربتنا العملية في إدارتنا للمياه.

      جامعاتنا تخرج أفواجاً من المؤهلين كل عام، وفي مختلف التخصصات، ولا توجد مؤسسة حكومية وإلا وتجد بها من حاملي شهادات الماجستير والدكتوراة وهم كثر، والباقي دون ذلك مُسَبل، منهم من يهاجر، ومنهم من يصبح راكداً، منتظراً أن يؤمر بما يفعله، والبعض يودع القراءة إلى الأبد بعد مراحل الدراسة، ويشغل نفسه في أمور يعتقد بأنها مفيدة له، كالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، ليستمع للقيل والقال حتى يزيدُ من إحباطه، فيكونوا بذلك قد سهلوا للغرب أن يغزو الفكر العربي، حتى أنهم قلبوا أنظمة دون أن تكلفهم طلقة رصاصةواحدة، أو أن يتكبدوا مبالغ طائلة كالتي كلفتهم عندما استخدموا الأسلحة التقليدية في السابق. فمن يمعن التفكير سيرى بأننا مستعمرون كالسابق، ولكن بإرادتنا (برموت كنترول الغرب).

      لا يوجد بيت أو مؤسسة أو منشأة، وإلا فستجد فيها كل شيء مستورداً، أو وارداً من مصانع مستترة (على غرار مصطلح التجارة المستترة) التي يملكها الأجنبي،وما للمواطن فيها شيء عدا سجله التجاري.

      وإذا كنا نتحدث عن مسألة الاقتصاد الوطني والعمالة الوافدة في الخليج بصفة عامة وفي عمان بصفحة خاصة؛ فهي مسألة قديمة يرجع تاريخها إلى تاريخ المنطقة نفسها، ومنذ عهد السلاطين والأئمة السابقين في عمان، كانت الهند وإيران (الفرس) في السابق هما أوروبا بالنسبة للخليج، نستورد منها الآلات والمواد الغذائية والأدوات المنزلية.

       أما تجارة العرب في الخليج فكانت تتركز في النقل البحري، وصيد الأسماك والغوص لاستخراج اللؤلؤ، وبالمقابل كان عرب عمان من سكان الداخل كان لديهم تجارة في شرق إفريقيا ويصدرون منتجاتهم الزراعية المجففة البسيطة من عمان، هذابالإضافة إلى الخدمات التي ذكرتها.

      البضاعة الأوروبية الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى المواد الغذائية المعلبةكلها، لم تدخل السلطنة إلا في عهد قريب، بدأت أشاهدها ربما في بدايةالستينات أو في مطلع السبعينات،تأتي إلينا بواسطة إحدى شركات النقل البحري، فيما أظن، هي شركة بريطانية انتشرت أفرعها في بلدان الخليج، وبصفة خاصة في البحرين والإمارات وعمان أبان ظهور النفط. وأذكر أن أول براد أومحل شامل supermarket حديث متخصص في بيع المواد الغذائية كالذي نراه الآن بما يعرف بhypermarket كان في ريام عند مولد الكهرباء powerhouse، ورواده جلهم من الأوروبيين الذين كانوا يعملون في الجيش وشركة نفط عمان.

      أما المواد الغذائية الجافة كالأرز والطحين والقهوة والبقوليات كالعدس وغيرها من المنتجات المجففة، كانت تأتينا من الهند. وربما لهذا السبب هو تفسير وجود الهنود في الخليج، وفي عمان بصفة خاصة في ذلك الوقت، وهم منذ عهد بعيدتجار عمان والخليج، منهم من تجنس ومنهم من احتفظ بجنسيته الأصلية، وكان أحد هؤلاء كما سمعنا له دور في تموين الجيش بالمواد الغذائية والعتادغير حربي أبان قيام حرب الجبل الأخضر.

      لقد سبق أن كتبت عن وجود الأجانب في عمان، ونشرته في هذا الموقع لمن يجد الفرصة للإطلاع على الموضوع.

      وجود الجاليات الهندية في عمان منذ القدم ربما في عهد ما قبل السيد فيصل، خاصة التجار منهم؛ وربما قد يعود وجودهم  منذ إنشاء شركة الهند الشرقية التي استعمرت جزءاً من الهند. وكنا نراهم في الدكاكين بسوقي مدينة مسقط ومطرح، وهم طائفة واحدة من الهنود (طائفة البنيان) الذين يضعون الكمة السوداء أو البيضاء على رؤوسهم، ويرتدون الإزار الأبيض المكسوف - يرفعون طرفه من الأمام، وهم (طائفة الهندوس).

      ومن ألأسباب الرئيسة التي أدت إلى وجود العمالة الوافدة هي الحاجة الملحةإليها من أجل التنمية، وعدم وجود وفرة في الكادر المحلي لتغطية جميع الأعمال، خاصة في مجال التشييد والبناء والطرق، وأعمال النظافة وخدم المنازل، إلا أن هذه الأخيرة قد أسيء استخدامها من قبل بعض المواطنين، فقد فاقت الحاجة إليهاوأصبحت تسرح من قبل بعض كفلائها للاستفادة منها حتى ولو بمبلغ زهيد من المال.

      كانت حقبة السبعينات هي بداية تدفق العمالة الوافدة لتغطية النقص في القوى العاملة في مجال النفط، والنهضة العمرانية التي شهدتها منطقة الخليج وعمان بصفة خاصة. إلا أن هذه العمالة عملت بالمقولة الشعبية (تمسكن حتى تمكن)، ذلك قد يكون أمراً طبيعياً؛ هناك فرق بين الجائع والشبعان، وبين المحتاج وغير المحتاج، لماذا العمانيون عندما كانوا محتاجين لم يترفعوا عن الأعمال؟بل واشتغلوا في جميع المهن في الخليج.

      حتى أن بعضهم دعته الحاجة أن يشتغل في مهنة خادم منزل، والبعض الآخر تعلم معظم المهن التي كانت لا تحتاج إلى مهارات كتابية، وأتقنها... رأينا ذلك عندما عادوا في بداية السبعينات، إلا أن العمالة الوافدة نافستهم، ووجدت ثغرات تستغلها لدى بعض الجهلة من العمانيين؛ الذين لا يفقهون في التجارة شيئاً.

      ومما ساعد على تمركز هذه العمالة الوافدة أيضاً هو عامل اللغة؛ لغتهم التي وجدوها متداولة في الأعمال التجارية مع بعض العمانيين من سكان مسقط، لم تعد هناك حاجة  لاستخدام اللغة الإنجليزية في الأعمال التجارية كما كان الحال في السابق. وأيضاً لا ننسى المدارس الأجنبية في البلد الذي تخرج الآلاف من المتعلمين منها كل عام منهم. وممن ولد في عمان يعتبر نفسه عمانياً بالفطرة، لا يود العودة إلى بلاده طالما الفرصة متاحة له للعيش هنا بسلام.

      ونرى مدى جدية الهنود في العمل والتعلم، كانت هذه العمالة في السابق تستقدم لأعمال البناء وخدم المنازل (أقصد الهنود)، وهذه العمالة الآن بدأت تختفي أو أنها اختفت(أو بشيء من الدقة) قلَّتْ في المهن المتدنية، أصبحت في أعمال أرقى؛ لأن الذين خدموا في السبعينات والثمانيات والتسعينات خلفوا أبناء متعلمين، لا يعملون في المهن المتدنية، كما كان حال أبائهم، تركوها للبنجاليين، وهؤلاء أيضاً بعد فترة من الزمن سيسلكون نفس مسلك الهنود، ويحذون حذوهم، والسبب أن لديهم زوجات يعرفن كيف يحافظن على (البيسة)، وإدارة الأسرة والبيت.

      المرأة عندهم لا تناطح الرجل كما هو الحال عندنا (تقول: ما في فرق بيني وبينك أنت تشتغل وأنا اشتغل)، وينشغل الاثنان عن تربية الأبناء والاتكال في رعايتهم وإدارة البيت على الخادمة (الشغالة).

      عمل المرأة، حتى ولو انه سد النقص في القوى العاملة في السابق، إلا أنه للأسف أبعدها عن واجبها الأساسي؛فقد أظهر عمل المرأة أزواجاً اتكاليين، فأصبح الواحد منا لا يتزوج إلا من المرأة التي تعمل، بحجة أن المعيشة غالية، لا يقدر عليها بنفسه،  وبسبب ذلك الاتكال تمردت بعض الزوجات، إذن أين تكمن القوامة؟ (أرجو المعذرة على هذا الرأي الشخصي).

      عندما خصصت هذه المقالة للتحدث عن العمالة الوافدة الهندية والبنجالية، فأنا لا أعنيها هي بالذات، ولكن لأبين مدى التباين في جدية العمل بينها وبين أبنائنا وأيضاً هم الأكثر عدداً عن بقية الجنسيات الأخرى، كما أن العمالة الوافدة الهندية هي السابقة في الخليج وذلك بحكم الجوار.

      وأذكر هنا، كان لوالدي ـ رحمه الله ـ عامل وافد من الجنسية البنجالية، أتى به المرحوم في منتصف الثمانينات ليكون معاوناً للخياط الهندي الذي كان يعمل عنده في مهنة خياط ملابس نسائية. وبعد فترة من الزمن تم تعمين هذه المهنة، (لتمارس من قبل العمانيين فقط)، ولم يكن لأخينا البنجالي ذلك أية مهنة أخرى يتقنها غير تلك المهنة التي تعلمها من الخياط الهندي.

      ولما أراد المرحوم والدي تسفيره، طلب هذا البنجالي مهلة حتى يجد من يكفله للعمل في أي عمل. وخلال هذه الفترة عمل معاوناً مع أحد رفاقه الذي يعمل في التمديدات الكهربائية للمنازل، واختفى هذا الأخ عن الأنظار. وعندما توفي والدي، كان لا بد لي كوكيل ورثة أن أصفي التزامات والدي القانونية والتجارية، وبحثت عن هذا الرجل لأستدل على مكان إقامته ولكن دون جدوى،ثم أبلغت عنه الجهات المختصة بالهروب.

      والعجيب وجدت الكثير ممن كانوا يدافعون عنه، ويرجونني أن أتراجع عن قراري، كمن يطلب له الرأفة من حبل المشنقة، وكان من بينهم موظفون في الجهة التي تستلم استمارات التبليغ، وعرفت في النهاية؛ بأن هناك مصلحة تربط بعض هؤلاء بالعمالة المسرحة كغيره (يستخدمون العمالة السائبة) ممن يطلق عليهم (فري ـ فيزا) أي أصحاب التأشيرة الحرة (يأتي بهم الكفيل ويسرحهم ليعملوا على كيفهم) مقابل مبلغ زهيد لكفالته. وقد صادفت، ومررت بتجارب عدة في مثل هذا النوع، لكن لا يتسع المجال لذكرها.

      وعندما علم بعض الأخوة من سكان الأرياف والبادية (البدو من كلا الجنسين) بأنني كفيل الرجل المذكور؛كانوا يأتون إلي بمحل مكتبتي (محل لبيع الكتب)، ليسألوا عنه: "أين المهندس؟" وقد فهمت فيما بعد من السؤال بأنذلك الشخص قد أصبح ـ بقدرة قادرـ مُسَلِكاً كهربائياً مشهوراً عند البدو، وغيرهم من سكان المناطق... يأتون إليه ليأخذوه على سياراتهم ذات الدفع الرباعي، وأنه يكسب من جراء عمله سبعمائة ريال في الشهر.

      واليوم عندما تبحث عن كهربائي تسليك (تمديد كهرباءللمنازل)، في إبراء يأتيك المئات، وعندما تطلب منهم أن ترى البطاقة المدنية للتأكد من مهنة أحدهم؛ ستجده مسجلاً غير ذلك في حِرَف مختلفة وليس في مهنة الكهرباء، (ملمع سيارات مثلاً أو أي من الحرفالأخرى) كيف تعلم المهنة - الله أعلم ـ ولكن هنا يكمن السؤال أين أبناؤنا في هذه المهنة؟ خريجو الكليات التقنية؟ إذا كانت هذه المهنة تُكَسِبُ ذهباً.

      هناك فرص وفرص كثيرة، لا تحتاج لمهارات تعليمية عالية، قد لا يراها ابن البلد كما يراها الوافد...هناك فرص في مهن لا حصر لها، وأصبح العماني للأسف يترفع عنها، يراها البعض أنها لا تليق بمستواه الاجتماعي، أو أنها تقيد حريته؛فيصبح عاجزاً، وإذا حصل على قرض أو دعم حكومي، ركض به إلى الوافد، وهذا الأخير يكون متربصاً ومتحيناً لأية فرصة تتيحها الحكومة لأبنائها.

      وما أود أن أقوله، ليس العتب على هؤلاء الوافدين، لم يأتوا من ذات أنفسهم لينافسونا على لقمة العيش، لكن العتب على أخوتنا الذين كفلوا هؤلاء الأجانب، من أجل تسريحهم في البلد. لقد أصبحت ظاهرة (الفري- فيزا) ثقافة متفشية عند قصار النظر.

      نتكلم كثيراً، وأصبح بعض المسئولين مادة إذاعية جيدة تتسابق عليها معظم الإذاعات؛ لتصطاد المتحدث اللبق الذي يثري البرنامج.

      وفي هذا الشأن من وجهة نظري أرى أنَّ للجهات المختصة إذا كانت جادة في تقليل  عدد العمالة الوافدة التي تحول ملايين الريالات سنوياً إلى بلدانها، وتستحوذ على معظم الأعمال عندنا، والتي يمكن أن يشغلها العماني فإني أقترح:-

      1/ أن تقلل الحكومة وبقدر الإمكان من الاعتماد على الاستشارات الأجنبية في مشاريعها، تلك التي تعتمد على الاستشارات الخارجية  (outsource consultancy)؛ لأن هذه الاستشارات فيها بصراحة ملصة (سرقة من تحت الطاولة) وغير ذلك يقول المثل:(ما حك ظهرك  مثل ظفرك)، وأهل مكة أدرى بشعابها.

      كيف للأجنبي أن يخطط لنا؟ وهو من بيئة مختلفة، على سبيل المثال من  (اسكندنافيا أومن بريطانيا أو أمريكا)، فهم يختلفون عنا في العادات والتقاليد، والثقافة (environment culture) وفي طبيعة الأرض. وإذا كان من شرق أسيا فهو من أصل منغولي (أيضاً مختلف ثقافياً). وإذا كان من جنوب آسيا فتخطيطه كما يراه هوفي مصلحة أخوانه أولاً، فنحن نعرف هذا اللوبي جيداً.

      2/ بعض الأعمال الاستشارية التي تسند للأجانب تستحوذ أعمالها في بعض الأحيانعلى عدد كبير من العمالة الوافدة؛فإسنادهاللعمانيين سوف يضيق الخناق على تزايد العمالة الوافدة.

      3/ عندما تنشأ هيئة استشارية عمانية مائة في المائة وفعالة، فإنك ستتيح فرصاً لخريجي الجامعات والبحوث، خاصة إذا كانت الجامعة مشاركة، والمبلغ الذي يدفع للأجنبي سوف ينمى ويثري مركز البحث العلمي في الجامعة بشتى أنواع التخصصات. وربما سيحسن أوسيقلل من الإنفاق الحالي الذي يرصد من موازنة الدولة للبحث العلمي إذا ما رصد ضمن موازنة المشروع.

      4/ أرى أن تقتصر الاستشارات الأجنبية فقط على المشاريع التي تفوق كلفتها المليون ريال عماني، وذلك إن كان ذلك لا بد منه. أيضاً يجب أن لا نقارن (ونردد ترديداً ببغاوياً) بأن ماليزيا عملت كذا، وسنغافورا عملت كذا... ونخلق مجالاً للإتكالية حيث نأخذ الدراسات جاهزة من بيئات مختلفة (عملية انسخ والصق)، أولئك نحن نختلف عنهم في البيئة والثقافة والسلوك وفي العادات والتقاليد، حتى لو كانوا مسلمين. بيئتنا وبيئتهم غير متشابهة حتى يكون ذلك مبرراً لكي نقتدي بهم، وعلينا أن نبدع ونشجع العقول عندنا بأن تعمل.

      5/ القروض والمنح التنموية يجب أن لا تمنح إلا لمن يدير عمله بنفسه من المواطنين، ممن ليس لديه عمالة وافدة، والأولوية أن تعطى للمهنيين ممن درسوا المهنة وتفرغوا لممارستها...المهم قرض بنك التنمية لا يذهب إلا للعماني المتفرغ مائة في المائة، دون معاونة وافد وإلا ستبقى القصة كما هي،عماني في الواجهة ولكن العمل للوافد مستفيداً من الدعم الحكومي الذي قد لا يحلم به في بلاده.

      6/ أن تخصص للمهنيين منطقة صناعية خاصة بهم، تشيدها الحكومة حسب المهن، ويعفى المواطن من الإيجار،فقط عليه أن يدفع استهلاك الكهرباء والمياه وصيانة المبنى، وأن يلتزم بمعيار السلامة، وعلى المختصين التأكد من أن المكان مستخدم غير مغلق، وإلا سيسحب عن شاغله ويعطى لغيره لمن يستحق.

      أيضاً يجب أن يكون هناك المعهد الخاص أو الكلية التي تخرجالمهني وتقدم له الدعم اللوجستي (logistic)، كالتدريب على سبيل المثال، والتبصير بمعايير المهنة يتم تمويل خدماتها من قبل غرفة التجارة والصناعة. بهذا نكون قد خلقنا بيئة عمل عمانية لا وجود لأجنبي جنب العماني حتى ينافسه. كذلك، عندما تكون هناك مناقصة ما يجب أن ترسى للمواطن.

      7/ يجب ألا يسمح للعامل الوافد بممارسة التمديدات أو إصلاح الكهرباء بالذات؛دون ترخيص سارِ المفعول، وعندما يأتي إلى عمان في مهنة كهرباء أو غيرها من المهن التي تتعلق بالصحة والأمن والسلامة فيجب أن يخضع لفحص نظري وعملي من قبل جهة الاختصاص قبل أن يرخص له بمزاولة المهنة.

      8/ يجب أن ينبه المواطن العماني بعدم إسنادأي أعمال للوافدين في مسكنه تكون فيها مخاطر كالكهرباء مثلاً، ولا يسند ذلك إلا لحاملي التراخيص.

      9/ ألَّا يرخص لموظف القطاع العام أوالخاص ممن لديه أعمال تجارية باستقدام العمالة الوافدة إلا إذا كان متفرغاً لعمله الحر.

      هذه بعض من جملة الإجراءات التي أراها ممكنة وواقعيةيمكن أن تتبناها الجهات المختصة في الدولة حتى تسهم في الحد من العمالة الوافدة.

      وعلى أعضاء مجلس الشورى الدور الأكبر في تنبيه الحكومة بين الحين والآخر في الأمور التي  قد تكون الحكومة غافلة عنها، أو لم تعطى الأولوية.

      نحن نعلم بأن الحكومة قائمة بواجبها، إلا أن بعض الأمور تحتاج إلى تكاتف ومشاركة في الرأي حتى نضمن سلامة قاربنا ليصل بنا إلى بر الآمان.

       

       

      1. عبد الله السناوي - شارك