1. كتب وما لم يكتب - د:

      موقع عمان الجغرافي المطل على بحر العرب والمحيط الهندي؛ من الطبيعي أن يجعلها بلداً منفتحاً على العالم بثقافته وحضارته، وأنا هنا لا أود التحدث عن تاريخ عمان،أو عن مكانتها  التاريخية التي امتلأت الكتب بذكرها؛ ولكن أود أن أتحدث كوني مواطناً تربى على أرض هذا البلد، وذاق طعم الحياة فيها، بحلوه ومره.

      تغربت، وسافرت، كأي مواطن عماني أتيحت له فرصة السفر والتنقل، سواء أكان للتعليم أم للتدريب أو لتمثيل الدولة في مؤتمرات دولية في الخارج.ورأيت  العالم في بلدانهم، وحياة الشعوب هناك، وظروفهم معيشتهم، وتركيبتهم السكانية، وحياتهم الاجتماعية، مما جعلني  افتخر ببلدي، وأشكر المولى عز وجل على النعمة التي وهبنا الله إياها؛ نعمة التآلف والتسامح وقبول الطرف الآخر. وربما أتى هذا من طبيعة البلد، وديمغرافيتها نتيجة واجهتها البحرية المطلة على مياه دولية مفتوحة عبر بحر العرب المتصل بالمحيط الهندي، واحتكاك شعبها مع مختلف شعوب العالم ارتبط معهم بعلاقات تجارية وثقافية.

      لم نكن في يوم من الأيام معتدين ولا متسلطين على أحد، بالرغم من أن القوة البحرية التي كنا نملكها في أسطولنا آنذاك تضاهي قوة مثيلتها فيأي دولة عظمى منذ عهد السلاطين السابقين. وكانت سفننا تمخر البحار شرقاً  وغرباً بعتادها الحربي، لا مثيل لها في أي دولة عربية حسب ما أعلم... في ذلك الوقت.

      حكمنا بلدان بعيدة، تفصل بيننا وبينها بحار، بينما كانت أكبر الدول العربية يحكمها أجنبي، وظل الحكم فيها متوارثاً لدى سلالة أجنبية حتى عهد قريب، وعمان حكمها أبناؤها العرب، ظل الحكم ينتقل من عائلة إلى عائلة بالرغم من اختلافهم الفكري في إدارة الدولة، لكنهم لم يفرطوا في حكم بلادهم لأجنبي، والعدو الذي لم يستطعيوا هزيمته بالقوة هزموه بالعقل وبالحنكة السياسية؛ مما جعل القوات الأجنبية الكبرى في ذلك الوقت أي في القرن السادس عشر أو السابع عشرتكن لهم الاحترام (مثل فرنسا وبريطانيا اللتان كانتا تتنافسان في المحيط الهندي وتحسب لعمان ألف حساب.

      عمان في الماضي:

      قرأنا عن شجاعة الإمام أحمد بن سعيد (1741-1783م) عندما رفض طلب  شركة الهند الشرقية إقامة مركز لها في مسقط مما عزز مركزه لدى شعبه، بموقفه الوطني ضد السيطرة الاستعمارية.

      "وفي المحيط الهندي لعب الإمام الورقة الفرنسية، لا سيما في علاقته مع جزيرة Maurice,   جزيرة فرنسا سابقا، وجزيرة reunion جزيرة bourbon سابقاً، ومع الهند وعلى الأخص مع tibu، زعيم منطقة mysore, خصم بريطانيا الشهير. وما أن استعادة النفوذ  العماني التقليدي  في منطقة الخليج حتى طلب السلطان العثماني من عمان التحالف معه في نزاعه ضد الفرس [الذين سبق أن أخرجهم الأمام عن بلاده، (الغزو الفارسي 1737-1741م)] حيث تحالف السلطان العثماني مع الأمام لفك الحصار الذي فرض آنذاك على البصرة (1775-1776 م) وقد سارع الإمام إلى تلبية طلب النجدة فأرسل قوة بحرية كبيرة  بقيادة ابنه، وفرض العمانيون أنفسهم بشكل حاسم لدى المواجهات مع القوات الفارسية ورفعوا الحصار المفروض على البصرة".

      لا ننسى أن سكان البصرة منهم من الازد... أزد عمان الذين ضادهم الحجاج بن يوسف،إذ أخذ هذا الوالي المشهور بقسوته بتعذيب أزد العراق في البصرة وسجن علماء عمان، من بيتهم جابر بن زيد، كما نفي جابر مع  بعض العلماء من أصحابه إلى عمان،وأزاح هذا الوالي  أبناء المهلب من السلطة في العراق ثم غزا بعد ذلك عمان على أثر الثورة التي أعلنتها الشيعة والأزارقة وغيرهم  في عهد عبد الملك بن مروان (65-87هجري) في العراق.

      والتاريخ يشهد لنا أننا كنا دائماً مدافعين ولسنا معتدين،ندافع عن أنفسنا ووطننا ضد أي معتدٍ، ونشرك من يتفق معنا في مبادئنا السلمية، الشيء الذي دعا بعض الشعوب أن تحترمنا وترحب بنا في أراضيها وفتحت لنا أبواب التعايش السلمي مع شعوبها؛ فأفدنا واستفدنا، أفدنا بخبراتنا التي اكتسبناها من خلال احتكاكنا مع الفرس وتجارتنا مع الهند والصين، وهم من أعظم شعوب العالم، ومع بلدان نشطة في جنوب غرب آسيا واستفدنا من استثماراتنا الاقتصادية، في شرق إفريقيا بل تعدى ذلك بكثير تصاهرنا معهم لنبعد العبودية وتجارة الرق مما جعل الشعب العماني دائماً مرحباً به لدى تلك الشعوب في مناطقهم، والى يومنا هذا. ألا يكفينا ذلك فخراً؟

      عمل الغرب المستحيل على عدم إبقاء القوة العمانية العربية في بحر العرب والمحيط الهندي حتى يخلو لهم الجو ويبسطوا سيطرتهم على العالم، إذ كانت عمان  تستخدم سياسة المصلحة عندما تضيق بها الظروف نتيجة الخلاف بين القوتين العظميين، للحفاظ على مصالحها في زنجبار وشرق افرقيا.

      "رأت بريطانيا أن تستغل الخلاف بين الأخوين السيد ثويني في عمان والسيد ماجد في زنجبار أثر وفاة أبيهما السيد سعيد، فتمثل تدخلها بفرض الوصاية على حكم الأخوين  في كل من زنجبار وعمان ، إلى أن أدى هذا في النهاية إلى تفكك القوة العمانية بانفصال حكم زنجبار عن عمان" (1862م) وخلو الساحة للقوتين العظميين.

      يقول د. حسين غباش مؤلف كتاب عمان الديمقراطية الإسلامية: " أخرجت بريطانيا رسالة السيد سعيد الموجهة إليها خلال المفاوضات على معاهدة تشرين الأول (أكتوبر 1845م والذي يقول فيها :"نحن نأمل ونرجو من بريطانيا رعاية ولدينا السيد خالد والسيد ثويني"وتظاهرت بأنها تعتبر هذا الكتاب "وصية" السلطان. ولكن هذا الكتاب ولو اعتبر كذلك لم يكن يشير مطلقاً إلى أن السلطان (بعد وفاته) يتمنى تقسيم الدولة العمانية بين الآخرين! "(هنا انتهى بما جاء في الكتاب).

      على كل حال بقيت عمان تحكم زنجبار وتوابعها حتى عام 1964م ولم يكن هذا الانفصال يغير من السياسة العمانية بشيء فظلت الأسرة هي هي التي تحكم زنجبار هي التي تحكم عمان بحكم منفصل عن الأم (عمان)، ومع هذا مهد هذا التقسيم للكثير من العمانيين استثمار أموالهم هناك في زنجبار وفي البلدان المجاورة.

      ويطلق مصطلح شرق أفريقيا عند التحدث عن وجود العمانيين هناك ليس فقط على البلدان الواقعة على ساحل شرق القارة الإفريقية التي خضعت للحكم العماني، بل يشمل أيضاً البلدان المجاورة لدول الساحل التي استقر فيها العمانيون مثل: الكنغو ورواندا، وبوروندي، وأوغندا، هذا بالإضافة إلى الدول الساحلية وجزر(كينيا وتنزانيا  ).

       نسمع كثيراً عن مصطلح (بالزنجباريين) هذا المصطلح ليس في محله، لأن العمانيين العرب لما هاجروا من عمان لم يستقر جلهم في مكان واحد وهي زنجبار،  وزنجبار ذاتها ما هي إلا جزيرة صغيرة اتخذها العمانيون منطلقاً إلى البلدان الأفريقية الأخرى السابق ذكرها.

      وزنجبار تشمل مجتمعة جزر ومدن ساحلية جرى تعريفها في السابق،وأهمها : (زنجبار ذاتها، وبمبا، وكيلوه وممباسا).هذا المجموع الساحلي الذي يبلغ طوله 1500 كم تقريباً هو الذي عرف باسم منطقة زنجبار). وقد قرأت بأن قبيلة الحرث (إحدى قبائل عمان تسكن  شمال الشرقية)؛ كان لها السبق في الوجود العماني، في هذه المنطقة، وتواجد العمانيين في أفريقيا  يعود إلى القرن الثاني الهجري (التاسع الميلادي)، حيث إن قبيلة الحرث كانت من أوائل القبائل العمانية التي بنت تجارتها في شرق أفريقيا لمساندة أهلها في عمان. ومن خلال إطلاعي في كتاب الدكتور حسين غباش (عمان الديمقراطية الإسلامية) يقول: "بأن هجرة العمانيين إلى شرق أفريقيا تسارعت بعد سقوط إمامة عمان الأولى، إمامة الجلندى بن مسعود (135هـ/751م) تحت ضربات العباسيين وبعد القمع الدموي الذي أعقب ذلك وطال العلماء، بعد سقوط الخلافة الإسلامية في النصف الثاني من القرن الأول الهجري بسبب صراعات دينية داخلية أرغمت بعض القبائل والجماعات العربية على ترك منطقة البصرة، التي كانت آنذاك مركزاً إسلامياً وثقافياً كبيراً، والالتجاء إلى عمان و البحرين ومنطقة شبه الجزيرة العربية. وفيما بعد هاجر عدد من هذه الجماعات إلى شرق أفريقيا.

      ويقول غباش في كتابه توصل العمانيون إلى إقامة إمارات عربية عدة في شرق أفريقيا. فقد أنشأت قبيلة الحرث مدينتي مقديشو (Mogadishu) وبرافا (Brava) حوالي عام 924م وتمتعت هذه المنطقة باستقرار سياسي واقتصادي مزدهر دام أكثر من سبعة قرون، ولم يضطرب إلا مع وصول البرتغاليين مطلع القرن السادس عشر الميلادي"، [حيث تم طردهم من شرق أفريقيا بواسطة العمانيين في حوالي عام (1665م)، وفي عهدالسلطان بن سيف اليعربي] تم تحرير ممباسا بكينيا وجزر كلوه وباتا وزنجبار وتنزانيا.ذلك ما يثبت قوة الأسطول العماني وصلابة المقاتل العماني.

      جوادر العمانية سابقاً:
      وفي الشرق حكم العمانيون إقليم جوادر في بلوشستان حوالي قرنين من الزمان وكان مصدر خير عليهم . كما ورد في الكتب والمدونات الالكترونية، فتبدل حال جوادر وتحولت من غنى إلى فقر بعد رحيل العمانيين عنها عام 1958م، وانتهت أهميتها التجارية.

      ويعود حكم العمانيين لجوادر عندما أهدى حاكم بلوشستان نصير خانوري جوادر إلى عمان في عهد السلطان سعيد بن سلطان عام 1760م، وبقيت جوادر تحت الحكم العماني حوالي 200 سنة.

      ثم وقعت اتفاقية 1958م، بين بريطانيا وبين السلطان سعيد بن تيمور وحاكم باكستان أيوب خان تتم بموجبها نقل السلطة فيها إلى باكستان.

      هذا هو سر التعايش السلمي لدى العمانيين، لأنه شعب متحضرـ منفتح على العالم، ينظر إلى العالم بمنظور المصالح المشتركة، لا ينظر للشكليات، الأمر الذي شغل بعض الدول العربية  عن التركيز على تنمية بلدانها، وفتحت مجالاً للآخرين التلاعب بمشاعر شعوبها، من خلال بالضرب على الأوتار الحساسة مما أدى إلى تشتتهم.

       

      1. عبد الله السناوي - شارك