-
-
الصورة (F 8) لوالدي في معسكر بدبد بعد إنهاء يوم تدريب ويبدو من الصورة بأنه لم يخلع قميصه العسكري.
الحياة في مطرح ومعايشة والدي7-1 د
To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع
الحياة في مطرح:
مطرح كأي مدينة تجارية بها مختلف الأجناس من عرب وعجم، ولا عجباً أن يرى المرء تباين في سلوك بعض سكان مسقط عن الذين يسكنون المناطق أو الأرياف، البلاد كانت مغلقة وليس ما يشجع أي زائر المجيء إليها إلا من كان من الأوروبيين ممن لديهم فضول علمي أو من المغامرين منهم.
فكانت الحياة في المناطق التي خارج مسقط ومطرح حياة فيها شبه بدائية، حتى مسقط نفسها ليس كل السكان فيها لديهم كهرباء؛ حتى إني أتذكر البيوت التي كنا نستأجرها عندما نقل والدي الأسرة إلى مطرح في بداية السبعينات لم تكن فيها كهرباء، بالرغم أنها تقع في وسط الأحياء التجارية.
وكنا نستخدم الفوانيس، القناديل للإضاءة أو (البتروماكس) وقودها من الكيروسين يعرف عند العمانيين (بالحل تراب)، بمعنى زينت التراب، أما ماء الشرب والغسيل كنا نشتريه في تنكات (صناديق من الصفائح) تحمل و تجلب إلينا على ظهور الحمير إلى المنازل من الآبار خارج مطرح.
اللقاءات في مطرح:
كان لوالدي معارف كثيرة من العمانيين، من الذين يرتادون سوق مطرح في ذلك الوقت، سواء كانوا من القاطنين أو العابرين، الذين أتوا إليها من مناطق عمان المختلفة؛ المتجهين إلى الخارج - إلى دول الخليج للعمل، أو للدراسة.
كان هناك تجمع، اعتادوا عليه بعض المواطنين في المساء، عند بوابة مطرح (الدروازة)، للتعارف و الإطلاع على أخبار البلد. و أيضا كجزء من تقضية الوقت أو للتسلية، لم يكن لوجود لمحطة تلفاز، أو إذاعة بمفهوم العام في عمان قبل السبعين، والبلاد كانت شبه معزولة عن العالم؛ و معزولة عن مناطقها أيضا. و كانت هذه اللقاءات الشخصية التي تتم في مطرح هي الوسيلة الوحيدة لتناقل الأخبار والسؤال عن أحوال الأهل، و تبادل الحديث مع شرب القهوة العمانية من أيدي المقهويين (باعة القهوة المتجولين في أزقة مطرح التجارية).
واذا تطلب الأمر أحيانا لضيافة أعز الأصدقاء فإنه يؤمر له بالحلوى مباشرة من دكاكين الحلوى المجاورة. أما البعض فيقضي وقته في التجوال في أزقة مطرح لشراء احتياجات العائلة من المواد الغذائية، من دكاكين الهنود البانيان (طائفة من الميراتيين سكان ممباي)، الذين كانوا يسيطرون على تجارة السلع في مدينتي مسقط ومطرح. وكان الكل يحرص الذهاب إلى مطرح في المساء ليبتاع ما يريد من احتياجات الأسرة: من الأقمشة، ومستلزماتها من خيوط التطريز (الزري – خيوط فضية)، وغير ذلك من المتطلبات التي ترسل للعائلات في المناطق من قبل أربابها.
أكثر رواد مطرح هم من أفراد الجيش، يأتون إليها من مختلف الجهات التي تتوزع فيها مراكزهم؛ يتوافدون إليها على أفواج فور تسلمهم الراتب ألشهري، و هناك أيضا تجار التجزئة من العمانيين الذين يأتون من المناطق ربما في الشهر مرة واحدة تقريبا، بسبب صعوبة النقل؛ يأتون لشراء احتياجاتهم من المواد الغذائية كالأرز، والبهارات، والقهوة، والسكر، والشاي. أما بقية المواد الغذائية كالخضار، وبعض الفواكه فكانت تزرع في المناطق بالقدر الذي يكفي الحاجة - حيث كان اعتماد العمانيين في السابق في معيشتهم كثيرا يتركز على الزراعة التي يزرعونها في مناطقهم الريفية، و سكان الساحل يعتمدون على صيد الأسماك. وكانوا التجار منهم يصدرون التمور المجففة (البسور ) بالمقابل يستوردون الأرز، والبن، والطحين وغير ذلك من المواد ألتي لا تتوفر في عمان.
إقامتنا في مطرح:
ومن الأحياء التي سكناها في مطرح أو كنا نتردد إليها لجلب المياه من أبارها: حلة الوشيل (الحلة التي خلف فندق مطرح)، وحلة الطويان (الحلة التي خلف عمارة سعيد بن سالم بعد فندق مطرح)، وحلة الجيدان (خلف عمارة طالب بحي مطرح في الشارع الخلفي الموازي لشارع مدخل مطرح)، وحلة الرحبيين (تقع على الشارع المؤدي إلى حلة الطويان - الغريقة - في الاتجاه إلى فندق مطرح)، وحلة الشجيعية - موقع مواقف سيارات الأجرة في مطرح مقابل مركز صحي مطرح)، وحلة الفادعة (تقع خلف مركز مطرح الصحي الموقع الذي كان يقع فيه مستشفى الرحمة القديمة الذي عرف بمستشفى (طومس) في الستينات)، وحلة العريانه - العرين حاليا، الحلة التي خلف سور مطرح بعد مركز الشرطة حاليا وأذكر لم يكن هناك وجود؛ لمركز شرطة في هذا المكان قبل عام سبعين ، حيث كان موقف لسيارات الأجرة، وسكنا حلة منازي موجا (الحلة التي تقع خلف متحف بيت البراندا بمطرح الكرنيش، ثم تأتي بعدها حلة - الصياغين ).
ومن الأحياء أيضا التي سكناها حلة الدكة (الدكة أو التكة كما عرفناها في السابق خلف مكتب بريد مطرح) و يوجد خلف البريد مسجد، كنا نستقي من البئر التي جنبه، عندما كنا في حلة منازي – موجا. وتقابل هذه الحلة، حلة الوادي (خور بمبة من مكتب بريد مطرح في اتجاه الكرنيش)، وحلة مطيرح (بعد العقبة وقلعة مطرح في الأتجاه إلى عقبة ريام(.
ما أظن هذه الأخيرة سكنا فيها ولكن كنت أتردد إليها كثيرا لا أتذكر السبب كنت أحب التجوال، وفضول الاستكشاف. ومن الحلل أيضا: حلة ريام (التي بها الحديقة حاليا، حيث توجد هناك محطة لتوليد الكهرباء، وكنت أتردد هناك لرؤية كيف يعمل المولد إذ كنت اسمع دائما من سكان مطرح يتداولون عبارة: (باور – هوز) power house مما قادني الفضول للذهاب هناك وكان هذا أحد الأسباب الذي دعاني لدراسة الكهرباء، والتخصص في مجال هندسة إلكترونيات الاتصال بالإضافة إلى تأثر من مشاهدة أفلام (جمز – بوند) في السينما المكشوفة بمعسكر بيت الفلج.
الدراسة في مطرح:
راتب والدي كان بالكاد يكفي إطعام أفراد أسرته الستة مع الأربعة الذين كانوا يقيمون معنا، من أولاد خالي في إبراء. وكان الوالد يعمل كل ما في وسعه لكي يأمن لنا العيش الكريم و يحقق لنا الوسيلة من سائل التعليم؛ و ما تلك المعيشية التي عشتها في معسكر بيت الفلج! إلا كانت إحدى الوسائل التي لجأ إليها أبي بمعاونة أصدقائه حتى يأمن لنا مقراً ً لننطلق منه إلى المدرسة بمطرح؛ إذ كان لا يوجد ممن نعرفه في مطرح حتى نقيم معه. كما كنا في المساء نحضر بعض دروس التقوية في اللغة الانجليزية، على يد صديقه راشد بن عامر المنجي، المقيم في بيت الفلج. والعم راشد أحد أصدقاء أبي الحميمين المتمكنين في تدريس اللغة الإنجليزية، وكنا نحضر هذا الدرس أنا وأخي علي بمعية أصدقاء والدي من الجنود الآخرين.
أتذكر حتى كان منهم العم عبد الله صالح الذي ورد ذكر اسمه مسبقا وخليفة الكندي، وأثنين أو ثلاثة آخرين من طرف مدرسنا راشد بن عامر، وأظن أيضا كان معنا زميل مدرستي في مطرح سيف بن حمود الخروصي، وكانت هذه الدروس أتت بمبادرة و مساهمة من صديق والدي راشد بن عامر في نشر التعليم التطبيقي.
أن حب والدي للعلم وتعليم أبنائه لم يتوقف إلى هذا الحد، بل كانت هناك مواقف أخرى كثيرة؛ عملها ليعلم ذاته أولاً، و ليعلم أبنائه و مجتمعه ثانياً،. ربما سنتعرض على موضوعها لاحقا، وفيما بعد. إن حب أبي للعلم والثقافة نبع من احتكاكه بالمتعلمين وأصحاب الفكر الذين كان لهم دور كبير للسعي وراء إيجاد لنا مختلف أوجه السبل من أجل تحسين وضعنا الاجتماعي، قبل بزوغ النهضة.
- عبد الله السناوي - شارك
-