1. (الصورة (FP 12) لوالدي  بعد التدريب

      الحياة في مطرح ومعايشة والدي 5-1د

      كيف تم التجنيد:

      لا أتذكر كثيراً كيف تم التجنيد، ولكن أتذكر أن والدي كان يستفسر كثيراً من المعارف ممن سبقوه في الالتحاق بالجيش، وفي ذهني شخص يدعى سليمان بن مسلم السناوي من سكان سمد الشأن، وهو صهر راشد بن خلفان السناوي (زوج ابنته)، عرفت ذلك عندما كنت أغنم لهم القهوة (أغنم القهوة باللهجة العمانية أي،أصب القهوة للضيوف، ويقال: تغنيم القهوة) في دهريز البيت الشرقي - البيت الذي استضاف فيه والدي ضيفه لتناول القهوة معه.

       

      كان والدي يدقق في أجوبة ضيفه عندما يسأله عن الخدمة العسكرية، وقبل ذلك كان يسأل عن حياة العمانيين في الكويت، من أحد أصدقائه يدعى حمدان السناوي كلما أتى هذا الأخير إلى إبراء من نيابة سمد الشأن.

       كان حمدان في الكويت بصحبة أبيه، و قد كان يزور إبراء - سيح العافية ـ من وقت لآخر بمعية بعض الجماعة من سمد الشأن من الذين يأتون سيح العافية لزيارة أقاربهم أمثال:(أولاد عبد الله بن ربيع، أبناء خالة العم ناصر بن منصور، وأولاد راشد بن خلفان).

       

      وبعد مدة أتى سائق الشيخ أحمد بن محمد، ومعه وصاة (رسالة شفوية)، من الشيخ بأن فريق التجنيد من الجيش سيأتي في اليوم المحدد ليأخذه ومن معه للتجنيد، وقابلهم أبي أمام البيت الشرقي عند مدخل البيت، وبعد أن قدم لهم واجب الضيافة القهوة والتقدوم (عبارة عن حلوى أو تمر أو فاكهة تقدم عند تناول القهوة)؛ استدعى زملاءه الذين سيرافقونه من أهل الحارة، والحارات المجاورة، ولم نسمع عن أبي بعد رحيله، ولا عن زملائه، مع فرق التجنيد، إلا بعد أن جاءوا إلينا بعد فترة لقضاء إجازة قصيرة إثناء وجودهم في مركز التدريب، بغلا ـ مسقط ولاية بوشر، وعند رجوع والدي مع زملائه  إلى المركز، رافقناهم في نفس سيارة الجيش التي جاءت لتنقلهم، أنا وأخي علي، ومعنا أحد المرافقين يدعى سالم والد أحد المجندين يدعى عبيد. (عبيد تصغير اسم عبدالله عند العمانيين. وقد توفي عبيد ـ رحمه الله ـ إثر حادث تدهور سيارة الجيش، بعد تخرجه من التدريب بفترة ربما في ولاية بدبد).

       

      سكنا نحن الثلاثة معهم في ثكنات العسكر بالمركز ما يقارب يومين، في انتظار سيارة الجيش الأخرى، التي ستنقلنا إلى مطرح، وذلك لصعوبة توفر النقل المدني، وبعد الإقامة في مطرح بضعة أيام؛ عدنا إلى إبراء بسيارة مدنية، ولا أتذكر سبب مرافقتنا لوالدي، والغاية من وجود الوالد سالم معنا، ولكن تلك الزيارة أتاحت لنا أنا وأخي الفرصة الإطلاع عن كثب عن كيفية التدريب، ولأول مرة نرى كيف كان العسكر يتدربون على الانضباط والطاعة وتنفيذ الأوامر. (الصورة FP 12)

       

      مركز التدريب كان يعرف بمركز الغبرة، نسبة للقرية: (مدية الغبرة الحالية)، وكان  المركز يبعد بمسافة عشر دقائق بالسيارة، على طريق ترابي شبه وعر، وموقعه مازال حتى الآن ربما على يسار أو يمنين مركز تدريب الطيارين، وكان المركز بدائي التجهيزات في ذلك الوقت، ربما حسب الإمكانيات التي كانت متوفرة في السابق، والمركز سياجه من الأسلاك المشوكة، وثكنات العسكر عبارة عن مباني أسقفها من الصفيح، كالتي نستخدمها الآن لمظلات السيارات، والمباني مشيدة من طوب الإسمنت المخرم، دون صلح، فقط مصبوغة بالصبغ الأبيض، وهي مستطيلة الشكل، أرضيتها من الأسمنت الملمع، بدون بلاط، وبها عدد من الشبابيك، بما يقارب شباك بين كل سريرين، ترتفع بحوالي متر أونصف المتر عن سطح الأرض؛ لسماح دخول الهواء على الأسرة، وذلك لعدم وجود أجهزة تكييف، عدا مراوح سقف كالمستخدمة الآن، من نوع (تي- دي- كي).

      وللغرفة مدخل واحد، والأسرة صفت على الجانبين الأيمن والأيسر، دون وجود حواجز بين السراير، مع وجود مسافة حوالي نصف متر بين سرير وآخر، ويتكون السرير من تخت حديدي أسطحه من أسلاك مشبوكة ببعضها مشدودة على إطار التخت بزمبركات لولبية (سبرينج)، و فراش المجند يتكون من ثلاث قطع وهي عبارة:عن مفرش مصنوع من خيوط خشنة زرقاء غامضة اللون يوضع المفرش على السرير، وبطانية رمادية تستخدم كغطاء (لحاف)، وربما معها مخدة (وسادة).

       ومما يبدو، وحسب ما كنا نسمع، بأن أثاث الجيش يمون  كله أو معظمه من قبل شركة أحد التجار الهنود في مسقط، كانوا، ومازالوا يعتبرون من كبار تجار الهنود حتى الآن؛ قدموا واستوطنوا في مسقط، منذ عهد قديم، في عهد السلاطين السابقين، وربما كانوا من ممونين (التموين المدني) السابقين للجيش في حرب الجبل الأخضر؛ ويجب ألا نغفل بأن  بريطانيا كانت قبل استقلال الهند تدير شئون عمان والخليج من الهند الشرقية من كالي- كوت (كاليوكت) عاصمة الهند السابقة،حيث استعمرت بريطانيا الهند لأكثر من قرن من الزمان.

      لا حظت عندما ينهض العسكر في الصباح الباكر عليهم طي وترتيب فراشهم بشكل موحد لجميع الجنود، يعرف باللغة الانجليزية Dressing، وعليهم تنظيف المكان وأرضيته إلى درجة يصل فيها إلى اللمعان، وإلا سيجازى المتخلف عند التفتيش على مكانه. ولا توجد حقائب ملابس للعسكر كالتي نستخدمها الآن، وإنما لديهم سحارة (وهو المصطلح المعروف في السابق في عمان للصندوق الحديدي) لا يتجاوز حجم الصحارة ربما عن (50×75 سم)، يوضع المجند فيها ملابسه، وتأمين أغراضه الشخصية، ويجب تخبئتها تحت السرير؛ وعندما كنا هناك لمدة يومين أنا وأخي علي كان يقال لنا: "عندما يأتي المفتش ماراً أمام (اللين) أي الثكنة عليكم أن تختبئوا تحت الأسرة" حيث لم يكن المكان مسموحاً فيه لاستقبال الزوار، ولكن صحبة والدي لزملائه، وبعض المسئولين لها اعتبارها الخاص، ربما كان هو أكبر المجندين في دفعته سناً، ومظهره الملتحي أعطاه أيضاً الهيبة والوقار تفنداً عن زملائه.

      كنا نرى في الصباح الكل يهرول، ليحضر فطوره، من المطبخ العام، المخصص لجميع المجندين في المركز، وذلك حتى يتحاشوا الطابور الطويل، وجميع الوجبات التي كانت تقدم للمستجدين من أيدي طباخين هنود أو بلوش من باكستان، أو بلوشستان، وهم  كانوا أمهر الطباخين في ذلك الوقت.

      وعند طلوع الشمس يبدأ التدريب مقسمين العسكر إلى فرق كل فرقة ربما لا يقل عددها عن خمسين شخصاً، يرأسها شخص برتبة وكيل Staff sergeant، وتبدأ أصوات الصفارات تتعالى، والصراخ، لتنفيذ العسكر أوامر مدربيهم على المشي، والانضباط العسكري في الطابور، أما التدريب على استخدام السلاح، والعمليات القتالية كانت تتم خارج المركز وفي الظلام أحياناً.

      التدريب والمدربين:

      علقت في أذهاننا أسماء بعض المدربين بعد خروجنا من المركز، من أولئك الذين كان المجندون يتحدثون عن قساوتهم  وصلابتهم في التدريب وشدتهم من أجل تخريج جنود أشداء، ومن أهمهم الوكيل Staff sergeant نصيب بن حمد ألرواحي الذي وصل إلى رتبة عالية في عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس، ربما هو من سكان ولاية الحمراء في داخلية عمان، لوجود زرقة في عينيه، ولون بشرته البيضاء المائلة إلى الاحمرار، وكأنه من المدربين الاسكتلنديين في الجيش، وفيما اعتقد وصل إلى رتبة عقيد أو أعلى في عهد حكم جلالة السلطان قابوس. والعقيد هذا كان من أقرب أصدقاء والدي؛ خاصة بعد تخرج والدي من التدريب  لوجود قواسم ثقافية مشتركة بينهما. أيضاً (الكرنل) نصيب هذا كان من المقربين عند (الكابتن مكلين) الاسكتلندي أحد قادة  الفرق في الجيش - الفرقة التي ينتمي إليها والدي (أن - أف - أر) NFR فرقة الحدود الشمالية؛ إحدي  الفرق القتالية التي أنضم إليها والدي بعد التدريب.

       

      وقد تعرفت على هذا النقيب: (الكابتن)، عندما جاء إلى إبراء و معه ابن خالي سالم (محمد)، الذي كان هو الآخر أيضاً في الجيش مع والدي، وفي نفس دفعة التجنيد والتدريب، وفي الفرقة ذاتها التي انضم إليها أبي، إلا أنه عين في سَرية أخرى من الكتيبة، وأذكر عندما جاء هذا الكابتن (مكلين) برفقة ابن خالي إلى البيت إثناء قيامهم بالدورية في المنطقة اعتنينا به كثيراً وجعلناه يبيت فيما أذكر في الصفة (الغرفة) الوسطية بالبيت الشرقي، وقدمنا له ماء ساخناً ليغتسل به، إذ أعد له خصيصاً على نار موقدة بالحطب  لعدم وجود الكهرباء وغاز الطبخ في ذلك الوقت، وقدمنا له فطوراً من خبز الرخال محلى بالعسل (وكلمة رخال مشتقة من رخو) وهو خبز عماني مكوناته بسيطة من الدقيق - العجين والملح ويفرش على صفيحة حديد مخصصة لطبخه ويعرف في بعض مناطق عمان والخليج  بخبز الرقاق).

      1. عبد الله السناوي - شارك