- الصفحة الرئيسية
-
-
-
حياتي الشخصية – الفقرة الثانية
التحديات
التحديات التي واجهتني خلال سفري طبعا حياتي لم تكن سهلة كما ورد في السرد، ذلك شأني شأن كل إنسان، تغرب عن وطنه، أو عاش بعيدا عن اهله، واجهتني تحديات كثيرة، خاصة إني كنت مغتربا طيلة فترة طفولتي، عشت مع أناس لا اعرفهم ولا تربطني بهم صلة قرابة، سافرت وكنت صغير السن مع والدي إلى افريقيا و الذين كان برفقتنا كانوا رجالا من كبار السن، بينما كنت الاصغر فيهم؛ طفل؛ لم يبلغ سن الرشد، قد لا أتجاوز السابعة في العمر، لا تجانس بيتي وبينهم، افتقدت اللعب مع اخوتي، وحنان أمي، ولم يكن في هذا السفر اطفال بل كان من برفقتنا ثلاثة رجال من سن أبي وأكبر، لا يوجد احد في سني
كنت معظم الوقت معهم صامتا،...طيلة الرحلة التي استغرقت أربعة أشهر من ابراء إلى افريقيا، قليلا ما كان يحدثني أحد إلا والدي يحاول بين فترة واخرى يسترضيني عندما أكون متكدرا، كل ما اسمعه من هؤلاء المرافقين الزجر، والنهي، وبما أني كنت الأصفر فإن علي خدمتهم حسب التقاليد العمانية؛ علي ان أحضر التمر والقهوة وتغنيمها عليهم (صبها لهم) ، وغسل الفناجين والمواعين، واحضار مستلزمات الطبخ من الخضار وغيرها كالبصل، والبطاطس، وعلب طماطم الصلصل والتونة، والملح غير ذلك من الدكاكين المجاورة، وهكذا مر بي الحال طيلة فترة الشهرين أو الشهر والنصف التي أقمناها في تلك الخيام من سعف النخيل بمطرح في انتظار استخراج الجوزات والباخرة التي ستقلنا إلى افريقيا
الحياة في مطرح
الحياة في مطرح في ذلك الوقت كانت تتسم بالضيق، صعبة لمن لم يعتاد عليها، بلدة حارة جدا صيفا نسبة الرطوبة بها مرتفعة، بلدة محاطة بجبال من ثلاث جهات والجهة الرابعة هو البحر، شواطئه من الصغر، لا توجد حمامات؛ الغرباء يتجهون الى اسفح الجبال عندما يودون قضاء الحاجة وتحت هذه الجبال عدد هائل من القبور، او يتجهون إلى شاطئ البحر الصخري أثناء فترة الجزر، مصدر مياه الاغتسال هي الآبار معظم مياها غير عذبة حتى أن الصابون لا يعلق فيها، وماء الشرب تأتى من آبار عذبة بعيدة في صفائح تنك تحمل على ظهور الحمير، وتباع بعدة "تكات" وهي عبارة عن عملة معدنية صغيرة اصغرها "آنه" وهي ايضا عملة معدنية من النحاس، وأكبر "التكة" "الروبية" عملة ورقية هندية تداول في البيع والشراء بمسقط وضواحيها وبعض مدن الساحل، أما مدن الداخل في عمان يتداولون بالبيسة من النحاس وأكبرها القرش الفرنسي المصنوع من الفضة و المعروف في دول الغرب بدولار ماري تريزا و يساوي ماءة يبيسة أو أكثر بقليل
كيف تكيفت مع الوضع
ولكن بحمد الله طيلة الثلاثة أو الاربعة اشهر؛ الفترة التي استغرقها السفر من ابراء حتى وصلنا ممباسة استطعت أن أكيف نفسي مع الوضع، إذ كان والدي ايضا يلاطفني ويحاول من وقت لآخر أن يكسر عني العزلة، كان يأخذني في جولة حول المحلات التجارية، بمطرح، خلال المدة التي كنا ننتظر فيها الباخرة، وأيضا في ممباسا عندما اقمنا فيها قبل أن نتوجه الى اوغندا لزيارة أقاربنا
لم يكن والدي في هذا السفر مجرد آب بل كان الصديق والرفيق، وكان يشتري لي كل ما اطلبه منه، بالرغم من عسر امكانياته المادية، التي هي سبب سفرنا هذا الى افريقيا، ولم أكن أعلم القصد من السفر، ولكن سمعت مجادلته مع أمي عندما اعترضت في البداية على اصطحابي معه، ربما اقنعها في االنهاية "ماذا كنت سأفعل في إبراء بعد أن انهيت تعلم القرآن"، هل أن أعمل صبي أجير على حمارة؟، إذ كان التعليم الحديث نادر في عمان لا يتوفر إلا في مدرستين فقط؛ السعيدية بمسقط والسعيدية بظفار، أما باقي المناطق في عمان التعليم فيها كان تقليديا (القرآن ومن ثم النحو) والعمل يقتصر في الزراعة وصيد الأسماك بالنسبة للمناطق الساحلية أو أن تعمل أجيرا في أعمال يدوية شاقة، أما الثقافة طبعا كانت "صفرا" الصحف و الجرائد معدومة، حتى امتلاك مذياع كان يعد من الكفر، أي من أعمال الشيطان حسب اعتقاد البعض
وضعنا في عمان مقارنة بأفريقيا
ربما إذا حكينا لأولادنا واحفادنا بأننا قبل خمسين سنة كنا نسكن في بيوت الطين التي يرونها مندثرة الآن؛ ونغتسل من الفلج، وننام على الارض وإضاءتنا من قناديل الكيروسين، أو نقضي الحاجة تحت ظل شجر السمر وفي الاودية؛ لما يصدقونا، ولكن تلك هي الحقيقة، وذاك كان الواقع الذي اعتدنا عليه، عمان كانت الأم وزنجبار كانت الفرع ولكن بعد عهد السيد سعيد بن السلطان انعكست الآية وصار العكس، ازدهرت زنجبار ونمى اقتصادها بالرغم أنها بلد غير نفطي، وصارت تمول عمان الذي كان دخلها يعتمد على الضرائب، كانت زنجبار في عهد سلاطين عمان دولة حديثة استثمروا فيها العمانيون اموالهم وهاجر اليها معظم المثقفين والعلماء حتى أنه قيل بأن الكهرباء دخلت زنجبار قبل مدينة نيويورك الامريكية، واتخذها بعض العمانيين محطة عبور بتجارتهم الى بلدان أخرى في شرق وسط افريقيا مثل؛ تنزانيا، رواندا، بروندي، الكنغو، اوغندا، وتكاثفت هجرات الجاليات العمانية الى هذه البلدان. بينما عمان كانت في ذاك الوقت منشغلة في صراعات لم تجني منها سوى الفقر والتخلف
إقامتنا في ممباسا
على العموم، بالعودة الى موضوعنا السابق؛ بعد أن نزلناها ممباسا أصبحنا أنا وأبي اثنان، لا أتذكر إلى أين اتجهوا رفاقنا الثلاثة، لكن قضينا فترة من الزمن مقيمين أنا وأبي في بيت االجمعية، (دار؛ السكن فيه مجاني للمسافرين العمانيين للنوم والاغتسال)، وعندما كان يمضي أبي لقضاء اعماله يتركني عند الحلاو (عماني لديه دكان في حي تجاري يصنع ويبيع الحلوى عمانية) وكنت مستمتعا الجلوس في برزة دكانه، أشاهد حركة السيارات واشارات المرور، واضواء اللافتات التجارية، في المساء، وكان هذا الرجل بين وقت وأخرى يكرمني يقدم لي قطعة الحلوى، وكانوا يأتي الى دكانه عمانيون كثر حيث دكانه نقطة محورية أو نقطة اتصال لالتقاء العمانيين ببعضهم، ولا يبعد دكانه كثيرا عن سكن الجمعية
ممباسا جزيرة خضراء جميلة محاطة بالبحر وبها خلجان مياه هادئة، الأوربيون يستمتعون برياضة التزلج في بحرها، سكانها من العرب اليمنيون ومدن الساحل في عمان، وسكان ممباسا يتحدثون اللغة السواحيلية كما في الحال في زنجبار حيث سلطتها في السابق تتبع سلاطين زنجبار بالرغم بعد المسافة بينهما.
خلال تواجدنا في ممباسا كون أبي خلال فترة وجيزة معارف وصداقات مع عدد من العمانيين؛ المقيمين أو العابرين، وكان يلتقي بهم في محل الحلوى، ولا أعلم سبب تأخرنا في ممباسا، ولا أعلم أصلا أين سنستقر، الشيء الذي كنت مرتاح إليه هو لم أعد اغسل ملابسي بنفسي، ولم نعد نطبخ أكلنا بالستوف (موقد الكيروسين) بأنفسنا؛ كما كنا نفعل في مطرح، غسل الملابس يتم في اللوندري (محل غسل الملابس) والأكل في الهوتيل ( المطعم)، الاغتسال في حمام ليس في العرى كما كنا نفعل في الطويان (أبار المساجد المحاطة بالقبور بمطرح)،...لم تكن تهمني مدة الاقامة إن طالت أم قصرت طالما أكل، وأنام في مكان نظيف، وملابسي تغتسل، وأتنزه، وأتفسح في ارجاء احياء المدينة
بعد من إقامتنا في ممباسا تقرر السفر الى اوغندا، لا أتذكر إذا كان سفرنا بالحافلة أم بسيارة أجرة، كل ما أتذكره إن الطريق وعر، و طويل، وطيني به برك مائية نتيجة هطول الامطار، وباعة من النساء مصطفة تحمل في رؤوسها سلال بها خضار وفواكه تبيعها على طول الطريق الذي يمرعلى قراها. الطريق جميل بالرغم من أنه متعب ويكمن جماله أنه يمر وسط أراض زراعية من اشجار الموز وغيرها، هذا الى الناس البسطاء يحترمون الأجانب ويبيعون منتجاتهم الزراعية برخص التراب
كان علينا أن نتوقف في نيروبي ومنها أن نستقل القطار الى أوغندا، نيروبي؛ كانت في ذلك الوقت خطرة بالنسبة للغرباء، المحتالين واللصوص بها كثر، يسرقون كل ما في جيبك إن لم تكن حذرا، وقانون بلادهم "لا يحمي المغفلين"، نيروبي بلد تجاري مزدهر عهدته في ذلك الوقت،...على العموم البلدان الافريقية التي سبق ذكرها بصفة عامة؛ كانت في ذلك الزمان متقدمة، تضاهي بلداننا في وقتنا الحاضر، ما بالك بها الآن، لذا كانت واجهة للعمانيين إليها، ولا ننكر اسهامها في تعليم ابناءنا، عندما كان قطاع التعليم في بلادنا "صفرا" عمان محظوظة، عندما نهضت وجدت ابناءها جاهزة، كوادر متعلمة ومدربة للعمل في شتى قطاعاتها الاقتصادية، اكتسابهم للغة الإنجليزية كانت احدى المقومات التي ساعدت العمانيين العائدين من شرق افريقيا على توظيفهم بمنشآت النفط، وقطاع النقل والاتصالات، والبنوك، وشركات الطيران، والموانئ الجوية والبحرية والقطاع الصحي. إلى أن تم تجهيز الجيل الجديد لتسلم زمام الامور
ليس كل من أتى من أفريقيا زنجباري على العموم هناك مفهوما خاطئا يتداول في عمان ودول الخليج، يتعلق بمصطلح "زنجباري" مسمى يطلق لكل من عاش أو ولد من العرب في شرق افريقيا وهذا خطأ؛ زنجبار ليست البلدة الوحيدة في شرق افريقيا؛ بل هناك عدة بلدان وهذا مفهوم خاطئ، العرب لا يتواجدون في زنجبار فحسب؛ بل في شتى بقاع أفريقيا وإذا كان المقصود بهذا اللقب لكل من يقطن دول شرق افريقيا؛ فهذا المصطلح لا ينطبق إلا على لزنجبار وحدها فقط؛ فبلدان شرق أفريقيا منها برية ومنها ساحلية، مثل اوغندا، الكنغو، رواندا، وبروندي هذه بلدان برية وتعرف ببلدان وسط شرق افريقيا، أما تنزانيا، كنيا، وزنجبار فهذه بلدان ساحلية بحرية وتعرف بلدان شرق افريقيا الساحلية، و زنجبار تتكون من عدة جزر، ولكل واحدة من هذه البلدان لغتها المحلية الخاصة بها، ولكن لغة التفاهم بين هذه البلدان هي اللغة السواحلية، (لغة بلدان الساحل) التي تأثرت بالحضارة الاسلامية وتركبت مفرداتها من اللغة العربية، الفارسية والهندية، بالذات زنجبار وتنزانيا و ممباسا - بكينيا، والسواحيلية لغة، معظم ممن يتحدثون بها الأفارقة المسلمون، إذن يجدر أن نستخدم مصطلح سواحلي بدلا من زنجباري لكل من يتقن اللغة السواحيلية اكثر من لغته الأم،...ويجدر بالذكر حتى الأفارقة انفسهم يستخدمون هذا المصطلح بينهم، ويقولون مثلا " مسواهيلي" أي هذا سواحلي؛ لكل من ينتمي لبلدة ساحلية في شرق أفريقيا، أو "سواهيليني" ( أحياء الجاليات السواحيلية - المسلمة)، ومصطلح "الزنجباري" مستحدث لم يكن موجودا في السابق
انتقال والدتي إلى البيت الشرقي
عندما عدنا من أفريقيا أنا وأبي بمعيتنا أولاد خالي سالم بن حمد في عام ١٩٦٤م وجدت والدتي قد انتقلت إلى بيت الشرقي وهو البيت الذي أصبح ملكاً لوالدها بعد وفاة أبيه الجد حمود بن جندب. وكأنها أحست والدتي بأن البيت الحدري الذي كنا فيه قبل سفرنا إلى أفريقيا، لن يكون كافياً لضمنا جميعا مع أولاد خالي، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ بل كانت والدتي تعاني في البيت الحدري من مشاكل جمة بعد رحيلنا أنا وأبي، بالإضافة إلى سوء الفهم الناتج عن الاحتكاك ببعض الأقارب: مشاكل أخرى - والتي كانت تأتي نتيجة شوشرة من بعض الحاقدين على اعتمادها على نفسها عندما ترك والدي لها ماكنة خياطة لتسترزق منها في إطعام أبنائها لحين عودته، وهي المهنة الوحيدة التي كانت قليلة جداً أو نادرة في إبراء، غير كونها تمارس من قبل امرأة، إذ كانت ممارستها تدر ربحاً جيداً، مما يسر حال والدتي وأعطاها الاستقلالية وأغناها عن مشوار جز القت من عوابي النجادي (علف البهائم) وبيعه
غادرنا؛ أنا وأبي إلى إفريقيا وكانت أختي عزيزة في الأربعين يوماً من ولادتها، وأذكر كنت رافضاً مرافقة أبي في سفره ووالدتي قابعة في الغرفة، إلا أن إصرار أبي بمرافقته كان حاسماً من أجل التعليم بعد أن ختمت المصحف بمدرسة القرآن
والدتي أول إمرة تمتهن الخياطة على الماكنة بإبراء ترك والدي لوالدتي ماكنة خياطة لتشتغل عليها وتعيش منها إثناء غيابه، بعد أن تعلمت منه المهنة، حيث العمل على هذه الماكنة، وزراعة البرسيم، (علف الحيوانات) - كانت الوسيلة المعيشية الوحيدة التي كنا نقتات منها بعد عودة جدي صالح إلى أفريقيا بصحبة العم علي بن خالد, وكما ذكرت كانت عمان تعيش حياة بدائية قبل عام السبعين، وفي حال تخلف بسبب الحروب الداخلية السابقة التي أنهكتها بسبب النزاعات على السلطة؛ وفقدت عمان مصدر اقتصادي الذي كان يأتيها على إثر حكمها في زنجبار (بسبب معاهدة المنع في عام ١٨٩١م) التي فرضتها بريطانيا على حكام الخليج، (المرجع: عمان الديمقراطية الإسلامية - للدكتور غباش ص (١٧٩) وكذلك بسبب النزاعات بين الإمامة والسلطنة ثورة ١٩١٣م والتي انتهت بمعاهدة السيب ١٩٢٠م، لقد خاضت عمان حروب أهلية أدت إلى انقسام شعبها إلى فريقين (غافري وهناوي بين عام ١٧١٨-١٧٢٧م)
والدتي كانت عصامية لا تألو جهداً من أجل تحقيق الرخاء لأبنائها والوقوف بجانب زوجها في محنه، كانت أول امرأة في إبراء تمتهن خياطة الملابس العمانية للرجال وشاع صيتها في إبراء بين القبائل والمناطق المجاورة حتى أنها كادت أن تكون مكتفية ذاتياً في شأنها وأيسر حالاً عن بقية بنات جنسها في الحارة، معتمدة على نفسها في توفير مستلزمات المعيشة لأولادها إلى أن يعود زوجها من سفره. وحكت لي: بأنها باعت صيغتها من الذهب التي ورثتها من أمها لشراء ماكنة الخياطة هذه - من أحد الجماعة السناويين من سكان نيابة سمد الشأن عندما أشار إليها والدي، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تبيع والدتي ما لديها للوقوف مع أبي في أزمته، وكان آخرها بيع عابيتها في النجادي من أجل استكمال بناء البيت الحالي بسيح العافية
سبب انضمام أبي بالجيش
عندما عدنا من أفريقيا لم يكن لدى والدي شيء يعمله من أجل كسب رزقه، لقد تغير الوضع في عمان، لم تعد المحاصيل الزراعة كالتمور كافية ليقتات منها الناس وأصبحت الناس تهاجر إلى بلدان الخليج بسبب تردي الظروف الاقتصادية في عمان بعد أن بدأ تدفق النفط في هذه البلدان، وانتعاش اقتصادها، إذ تهافتت شركات تنقيب عن النفط للاستثمار - في آبار هذه الدول، - من أجل الحصول على حصص امتياز التنقيب في منتصف الستينات؛ إذ تسببت هذه الشركات في كثير من الأزمات السياسية بين بعض دول الخليج، بسبب تنافسها المضطرد على الحصول على حصص التنقيب
ومن بين الدول التي عمل فيها العمانيون كعمال بناء وعمال شبه مهرة: البحرين، والسعودية، والكويت، وكانت هاتين الأخيرتين تدعمان الثورة التي قامت في ظفار، في عام ١٩٦٤م مما استوجب على السلطان سعيد بن تيمور توظيف عدد كبير من المواطنين في الجيش لمقاومة التمرد في ظفار، ولم يكن سبب التجنيد معلناً عندما جندوا والدي وزملاءه، وكان على والدي أن يقرر مستقبله، ومصدر رزقه - إما أن يكون كولياَ (عاملاً أو فراشاً) أو عسكرياً في غير بلاده؛ لأن بعض هذه الدول كانت تجند العمانيين في جيوشها، إلا أن قرار اختيار والدي للالتحاق بجيش السلطان كان قراراً مباركاً من قبل شيخ القبيلة أو زعيمها إن صح التعبير بسبب اتساع سلطة هذا الشيخ التي منحه إياها السلطان سعيد بن تيمور في المنطقة الشرقية من عمان. وظل أبي مخلصاً لهذا الشيخ، خاصة وقد كانت هناك علاقات جيدة تربط أجدادي بعائلته في الماضي؛ مما عززت علاقة والدي به - الوقوف معه في محنته لأنه يثمل رمزاً من رموز القبيلة قبل أن تحتجز سلطته في بداية عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس. الأعمال في دول الخليج كانت الوظائف الإدارية والمهنية عندما بدأت دول الخليج في النهوض باقتصادها تدار من قبل وافدين عرب من بلدان الشام وشمال أفريقيا بسبب المستوى التعليمي الذي كان أعلى من زملائهم العمانيين والخليجيين في ذلك الوقت، ومن بين الدول الخليجية التي احتضنت هذه الجاليات الكويت حيث كان بها جاليات فلسطينية كثيرة، وجاليات مصرية وسورية، وأخرى من بلدان الشام. وكان تواجد هذه الجاليات أيضاً بإعداد متباينة في البحرين وقطر والكويت والسعودية، خاصة من السوريين واللبنانيين في الإمارات والسعودية
ضيق ذلك التواجد العربي الفرص على العمانيين في الحصول على بعض الوظائف الإدارية بسبب تدني مستوى التعليم لديهم الذي كان لا يتجاوز حدود الكتابة والقراءة، من خريجي مدارس تحفيظ القرآن. اجبر ذلك الوضع الجاليات العمانية قبول أدنى الأعمال من أجل العيش وتعليم أبنائهم الذين اصطحبوهم معهم، وكان هناك عدد قليل من العمانيين الذين مارسوا الأعمال الحرة في الخليج، كالنقل البحري بين عمان وأفريقيا وبعض دول الخليج، والنقل البري بين عمان والإمارات، وأعمال بسيطة كصناعة الحلوى في البحرين، والسباكة وأعمال الحفر باستخدام (الكمبراسر أو الورور) كما يحلوا لبعضهم تسميته، أيضا العمل في مجال نقل الركاب (التاكسي) والسياقة بأنواعها، وكان ممن يحصل على رخصة قيادة السياقة في السابق له شأن عظيم حتى أنه يحتفل به، ويقام له الولائم لتلك المناسبة وذلك لصعوبة اجتياز اختبارها في عمان، ناهيك عن تكاليف التعليم، ويصبح من اجتاز اختبار السياقة حرفياً، وقد برز كثير من السواقين الذين نالوا شهرة لكفاءتهم في القيادة على طرق التي يسلكونها والتي تتسم بالوعورة ناهيك عن الظروف المناخية الحارة، والطبيعة الجيولوجية القاسية وقلة الإمكانات المتاحة في سياراتهم
-
عبد الله السناوي
- شارك