1. حياتي الشخصية - الفقرة الثالثة

      بداية السفر
      هكذا نرى بأن نزوح العمانيين إلى أفريقيا في بداية القرن الماضي له مسبباته من أهمها أسباب معيشية. وقد كان احد المغتربين من العائلة هو جدنا الأكبر حمود بن جندب الذي استقر في زنجبار وتزوج زوجة ثانية - أفريقية سواحيلية أنجبت له جدتي "صفية"، ثم غادرها إلى بوروندي واستقر في "جيتيجا" العاصمة التجارية بعد العاصمة "بوجمبورا" وكان يتنقل بين تلك المناطق المجاورة كتاجر تجزئة ولما رجع إلى عمان استقر في بلده إبراء بعد أن تغرب لفترة طويلة حسبما ذكرت سابقاً في فصول أخرى إلى أن توفي في نهاية الأربعينات حوالي عام ١٩٤٧م ، ثم تلته البقية إلى أفريقيا من أولهم ابنه الجد حمد والد والدتي، وابنه الجد منصور الذي ربما هو من رافقه أولاً لأن أمه توفيت وهو صغيرا، ومن ثم لحق بهم الجد صالح، وتلوهم أحفاده الذين لحقوا بآبائهم، وكان آخرهم أبي، والعم ناصر بن منصور
       
      أماكن الإقامة في أفريقيا
      استقر الجد حمود بن جندب مع أولاده الثلاثة: منصور، وحمد، وصالح، وأحفاده كبقية العمانيين في البلدان التي تقع بشرق أفريقيا، البلدان التي تقع على الساحل مثل؛ كينيا وتنزانيا و الجزر كجزيرة زنجبار، و بمبا، و ممباسا، ودار السلام الواقعة على اليابسة من الساحل الشرقي لتنزانيا
      استقر الجد حمود بن جندب في "كتيجا" والجد صالح في "موينجا" فيما بعد، والجد حمد في "رويجي" مقيمين في هذه البلدان مع أولادهم في جمهورية بوروندي وربما الجد منصور مع أولاده في أوغندا الله أعلم - لست متأكداً، ولكن من المؤكد بأن أولاده ناصر وسالم كانوا يقيمون هناك في بلدة تدعى "نيكوبيا" سبق ذكرها، لقد زرت هذه البلدة "أوغندا “ مع أهلي مرتين، المرة الأولى كانت عندما عبرنا من خلالها إلى "كينيا" ومن ثم إلى عمان مع أهلي بصحبة عمومتي (العم علي بن خالد، وناصر بن منصور وعائلته) عن طريق ممباسا إلى عمان على ظهر سفينة بحرية في أواخر الخمسينات
      وفي مطلع الستينات عزم جدي صالح العودة إلى بوروندي ليعيد تجارته من جديد في بلدة "مكينكا" البلدة التي كان يقيم فيها عمي علي بن خالد أثناء وجودنا في بلدة "موينجا"، وبعد فترة وجيزة عزم والدي اللحاق به و اصطحبني معه لاستكمال دراستي في أفريقيا لعدم توفر مدارس التعليم الحديث في عمان، وكنت للتو قد أكملت دراسة القرآن الكريم
       
      سافرت مع والدي وبصحبة مجموعة من سكان إبراء، وكنت الأصغر في الرحلة، لم أكن قد تجاوزت السادسة أو السابعة من العمر، لا تحضرني الاسماء في الوقت الحاضر من كان في صحبتنا عدا أنهم ثلاثة رجال في سن أبي أو اكبره، على كل حال بعد رحلة طويلة شاقة بالشاحنة من إبراء استغرقت يوماً كاملاً إلى مطرح، هناك سكنا في خيام من سعف النخيل على سفح جبل أمام مقبرة بمطرح تعرف بخيام "سيف المعشري بحلة الزبادية" لأكثر من شهر في انتظار الباخرة الهولندية التي ستقلنا إلى بر أفريقيا عن طريق ميناء ممباسا
       
       ممباسا
      وصلنا ممباسا من رحلتنا الطويلة التي استغرقت ثلاثة أيام أو أسبوعاً في عرض البحر، وعند وصولنا ممباسا استقبلنا أحد المقيمين العمانيين هناك المختص بتخليص المعاملات اسمه ناصر البحري، وأقمنا في مكان مؤقت في ممباسا في بيت يعرف "ببيت الجمعية"، مخصص لإقامة العمانيين القادمين من عمان، وهذا البيت عبارة عن غرفة واسعة يفترش فيها الأرض للنوم وبه دورة مياه بدائية. أقمنا في هذا البيت لعدة أيام حتى تيسرت أمورنا واستقلنا الحافلة إلى العاصمة "نيروبي" ومنها إلى أوغندا بلدة "نميوا - نيكوبيا" البلدة التي يقيم فيها العم سالم بن منصور (زوج شقيقة أبي)
       
       
      البلدان التي سكنوها العمانيين في شرق افريقيا هي: زنجبار, تنزانيا، أوغندا ،بروندي رواندا، و زئير ، البلدان التي كانت تحت الاستعمار البريطاني. هي: زنجبار، تنزانيا وأوغندا مستعمرات بريطانية، أما بوروندي ورواندا، وزئير فهي مستعمرات بلجيكية و التعامل الرسمي فيها باللغة الفرنسية
       
       
      وهكذا، عند وصولنا ممباسا، لا أتذكر أين اختفى الذين كانوا بصحبتنا في السفر، حيث أنا ووالدي اتجهنا إلى أوغندا دون أن أدري أين ستكون محطتنا الأخيرة، على كل حال أقمنا في "النميوا" في بيت العم سالم بن منصور لعدة أشهر وكنا نتنقل بين حين وآخر لزيارة معارفنا من العرب في المناطق المجاورة التي بها قبيلة السناويين. كانت نية والدي أن يلحقني بإحدى المدارس الهندية ببلدة كاليرو إلا أنه عدل عن رأيه، ولا ادري كيف تم اتخاذ قرار نقلي إلى ممباسا للدراسة والإقامة مع احد اصدقائه
       
       
      لا أعرف عن حياة العم محمد شيئاً، عدا أنه يعمل ربما لدى حكومة كينيا قد يكون في أحد الدوائر الحكومية في ممباسا، ولديه من العلم ما يؤهله بان يكون موظفاً مرموقاً إذ يتقن لغته الأم العربية بلكنة أهل داخلية عمان، بجانب اللغة السواحيلية التي قد يكون درسها في المدرسة، وربما لديه الجنسية الكينية مما يبدو أنه قد تأقلم هناك، ومن يرى مظهره يعتقد من عرب الشام أو من باكستان
       
       
      الرجل فاضل، محافظ على صلاته، طيب القلب ولم أحس خلال مدة إقامتي معه بأني غريب وكان يعاملني كأحد أبنائه ويصطحبني مع عائلته في تنقلاتهم أيام العطل الرسمية حتى إني زرت زنجبار مع عائلته لرؤية أخته، وهي جميلة وبيضاء أقصر منه في الطول بشرتها كبشرة أهل داخلية عمان (نزوى أو بهلا). كانت تعاملني معاملة خاصة (مانجا) وتعني باللغة السواحيلية عماني "قح" الذي لم يطرأ عليه التغيير، وقد لاحظت أهل زنجبار الذين من أصول عمانية بالذات لهم حب واحترام وود لأبناء بلادهم عمان أكثر عن غيرهم خاصة النساء دون غيرهن من العمانيات القاطنات في بلدان البر من أفريقيا كتنزانيا ورواندا وبوروندي وأوغندا
       
       
      السفر إلى زنجبار
      كنا قد انتقلنا من مسكننا الذي يقع على مرتفعات البحر على المرتفع الأخضر الشبيه بمرتفعات فندق الخليج بالقرم في عمان، ولكنه مكسو بثوب أخضر من الحشائش- الله أعلم ـ ربما تلك المنطقة التي كنا نسكنها منطقة يقطنها الأوروبيون لأن جارنا الذي كان يسكن في الطابق الأعلى من المبنى الذي كنا نعيش فيه إنجليزي متزوج من صومالية
      العم محمد كما ذكرت هو عماني وكما سبق أن قلت، عاش وعمل في ممباسا بكينيا، جاء إلى بوروندي لزيارة والدي وجدي صالح ببلدتنا حيث كان جدي ووالدي يعيشان ويقيمان تجارتهما, وقد ولدت أنا وثلاثة من أخوتي هناك وكانت لنا تجارة نشطة في تلك البلدة قبل كسرها وانتقالنا إلى الوطن عمان في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، ذلك عندما بدأ الوضع يتدهور إثر الانقلاب الذي أطاح بالحكم ومطالبة السكان بالاستقلال من الحكم البلجيكي
       
      لست أدري كيف تعرف العم محمد على أهلي ولكن بما سمعت يقال عنه بأنه كان صديقاً لجدي حمد والد والدتي كما قلت، ومن المعروف أن جدي حمد كانت له تجارة واسعة ونشطة ورثها عن أبيه حمود بن جندب، وكان يتنقل بين تنزانيا وكينيا وزنجبار، ربما قد يكون هذا هو سبب التعارف بينهما، وصديق العائلة هذا ربما كان موظفاً في سلطة الجمارك أو الجوازات لدى الحكومة الكينية في ممباسا الميناء التجاري لكينياـ الله أعلم ـ لست متأكداً
       
       لست أدري المدة التي قضاها العم محمد معنا في بلدة "موينجا" ولكن بما علمته فيما بعد بأنه كان يزور عدداً من معارفه ومن بينهم جدي حمد الذي يقيم في بلدة "رويجي" هو وعائلته. وكان العم محمد من هواة التصوير ولي صورة التقطها لي والدي معه وكانت بواسطة كامرة ال العم محمد
      والدي يهوى التصوير الفوتوغرافي
       أحب والدي التصوير الفوتوغرافي واستهواه، ربما يعود الفضل لصحبته مع هذا الرجل، وقد رافقت والدي الكاميرا فيما بعد لمدة من الزمن حيث وثق بالصور كثيراً من المناسبات واللقاءات كلما أتيحت له الفرص إثناء تنقلاته في بوروندي وأوغندا وفي عمان، فقد التقط العديد من الصور وبعض هذه الصور باقية إلى الآن في خزانة مكتبه، كل الصور التي وردت بالأبيض والأسود غير صور الأستوديو من تصويره بكاميرته الخاصة التي ابتاعها
      أتذكر تلك الكاميرا ماركة "كودك" صندوقية الشكل بها عدسة ثابتة من الأمام لدخول الصورة ومقبض على اليمين على شكل حرف "L" باللاتينية لتدوير الفلم بالرغم من بساطة تقنيتها إلا أنها كانت فعالة، ولعل سبب جودتها ربما يعود على مهارة المصور ذاته الذي يلتقط الصور، وطبعاً كانت الصور في ذلك الوقت باللون الأبيض والأسود
      سكني مع صديق والدي - ممباسا
       وعند عودتي إلى إفريقيا برفقة أبي للدراسة في مطلع الستينات سكنت مع صديق الوالد في ممباسا كما ذكرت، وكنت كأحد أولاده الثمانية، إذ لم اشعر في يوم من الأيام قط بالغربة، بالرغم من أنه كان من المناسب أن يتركني والدي لأدرس في أوغندا التي بها كثير من جماعتنا السناويين، ولست أدري ما السبب أيضاً الذي دعا والدي أن يتركني وحدي بعيداً عنهم، لعل الثقة وإلحاح صديقه كان السبب، لأني لاحظت حب هذا الرجل لي كثيراً لعله كان يود أن يتعلم مني أولاده العربية، ولم أكن أنا أيضاً أتقن اللغة السواحيلية على الإطلاق بالرغم من ولادتي كانت في إفريقيا
       
      لماذا لا أتحدث اللغة السواحيلية
       لم أكن أجيد النطق بالسواحيلية حتى ولو بحرف واحد أنا وأخوتي، حيث كان أهلنا لا يرغبون أن نتعلمها، وبالذات جدي صالح كان شديد الحرص ألا نختلط بالأفارقة حتى لا نتعلم شيئاً من طباعهم؛ فيغيب سلوكنا العماني، ولا أخفي سراً أن قلت بدأت أتعلم السواحيلية من خلال معايشتي مع أولاد صديق والدي العم محمد في ممباسا، تعلمتها وأتقنت أيضاً اللكنة الزنجبارية إثناء إقامتي مع أهل زنجبار في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة عدما كنت ادرس هناك في أواخر الستينات، حسبما ورد في فصول سابقة من مدوناتي وزاد تعمقي باللغة السواحلية عندما التحقت بالعمل بشركة الاتصالات في منتصف السبعينات واحتكاكي بالموظفين العمانيين الذين قدموا من تنزانيا وزنجبار حيث كان البعض منهم لا يتقن العربية مما اضطرني إلى التحدث معهم بالسواحيلية

       

      1. عبد الله السناوي - شارك