حياتي الشخصية – الفقرة الرابعة
حياة والدي - نظام التعليم
لا أعلم عن تاريخ ميلاده ولكن حسب تقديري بأنه من مواليد الثلاثينات حيث أنه وحسب رواية والدتي بأنهم تزوجوا في سن مبكرة قبل سن العشرين، وكانت والدتي آنذاك في سن السادسة عشرة، و قد يكون هو أكبر منها بسنتين أو ثلاث سنوات أي بين سن الثامنة عشرة أو العشرين
والده صالح بن حمود بن جندب كان كأي مربٍ عماني حريصاً على تربية أبنائه التربية الصلبة التي تصقل رجولتهم، تربية دينية التي تكفل لهم طاعة المولى عز وجل، وتربية اجتماعية التي تغرس فيهم روح المحبة والمودة وصلة الرحم وحسن الأخلاق، وأيضاً التأديب والتهذيب، وللتعليم ألأثر الكبير في جعل الابن باراً بأهله، و صالحاً لمجتمعه
التعليم في عصر والدي يبدأ تعليم الصغار في عمان في سن مبكرة من العمر في سن السابعة، يحفظون بعض الآيات و سور القرآن البسيطة ومتدرجين بهم حتى يحفظوا أكبر عدد من السور الممكنة. تبدأ الدراسة من مدرسة القرآن بالقرية وبعد ختام المصحف يلتحق التلميذ بأحد المساجد الكبرى (الجوامع) لإكمال دراسته اللغوية كالنحو على سبيل المثال، وقد يكون الجامع في منطقة أخرى تبعد كثيراً عن البلدة التي يقطنها التلميذ، كالجامع في نزوى مثلاً الذي خرج العديد من العلماء
وقد مررت أنا وأبناء جيلي في بداية مراحلنا التعليمة بنفس النظام الذي مر به أبي، فقد بدأنا بجزء من المصحف الذي يعرف (بجزء عم "سورة النبأ" – قاعدة بغدادية) ربما يقصد بهذا العنوان بمنهج بغداد نسبة لمدينة بغداد بالعراق ومن ثم المصحف الكبير، وبعد أن نختم القرآن الكريم، أي بعد أن نكمل تعلم قراءة جميع السور وتعلم القراءة والكتابة نلتحق بالجامع
كان تعلم الكتابة يتم كما هو متبع في الطريقة الحالية، على سبيل المثال: (سبورة وقلم حبر غير ثابت على سبيل المثال الطباشير إلا أن الوسائل القديمة تختلف فمثلاً بدل السبورة يستخدم عظم كتف الجمال والأقلام من شجر (الحلف) الشبيه لشجرة الخيزران في الشكل إلا أن حجم ساقها يكون كحجم قلم الرصاص، أما الحبر يستخرج من لب جذوع السدر الجاف يعرف (بالمخار- الكلمة مشتقة من مخر الشجر) لونه أحمر ويمزج بالماء للكتابة، وكنا نحمل هذه الأكتاف مع المصحف كل صباح بعد طلوع الشمس إلى المدرسة
هناك طقوس تؤدى في مدرسة القرآن في الصباح، قبل بدء الدرس عند اكتمال الحضور، وأيضاً بعد انتهاء الدرس عند الظهر (تسمى الطلقة) من الانطلاق تعني انفضاض المجلس وانقضاء الدرس، حيث يقوم التلاميذ بترديد الدعاء بعد المعلم، وأيضاً عند تخرج التلميذ يقام حفل لمن أكمل تعليم القرآن يعرف بالتيمينة أو التيميمة
يتم تحديد يوم مع ولي الأمر للقيام بواجب الضيافة بمناسبة تخرج ابنه أو ابنته، بعد أن يجوب المعلم بالتلاميذ الحارة في الصباح يمشون خلفه على شكل طابور، مرددين خلف المعلم طلب الاستجابة (آمين)، ويحصل المعلم أجره من التلاميذ كل يوم خميس قبل كل عطلة جمعة حيث يتوجب على كل تلميذ أن يحضر معه "بيسة الخميس" (أو بيستين ـ مفردها بيسة) في صباح كل خميس
البيسة عملة معدنية نحاسية قديمة تستخدم في شمال عمان في عهد السلطان سعيد بن تيمور، عليها اسم السلطان فيصل بن تركي وهي جزء من القرش الفضي الذي يعرف بالقرش الفرنسي أو باسم الملكة النمساوية "تريزا"، القرش يساوي مائة وعشرون بيسة من العملة التي ذكرتها هذه العملة كانت تستخدم في مناطق عمان الداخلية (المناطق الخاضعة لحكم الإمامة في السابق)، دون مسقط التي تستخدم الروبية الهندية قبل توحيد البلاد بعملة الريال السعيدي ثم بالريال العماني الحالي في مطلع السبعينات
هناك طريقة تحدد فيها قيمة صرف القرش في إبراء أي يساوي كم بيسة؟ حيث ينادى على القرش بالمزايدة (بالمزاد) في المساء، في ساحة السوق وكل من يعطي سعراً أفضل أي أعلى سعر يرسي عليه المزاد وبذلك يحتسب القرش بالبيسة على هذا الأساس و هو آخر سعر صرف لقيمة القرش بالبيسة
عملة "القرش" أصلها أجنبي دخلت عمان في القرن الثامن عشر من أيام "مريا تريزا" إمبراطورة النمسا بهدف تسهيل التجارة بين الشرق والغرب، وتكمن قيمتها في موثوقية ما تحتويه من فضة، وبقيت هذه العملة قيد الاستعمال حتى دخل الريال السعيدي في أواخر عهد السلطان سعيد بن تيمور في أواخر الستينات عند ظهور البترول مطلع السبعينات والذي يعتبر أحد انجازات السلطان سعيد في أواخر عهده، ثم استبدل بالريال العماني الحالي بعد تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم من أبيه، وكان الريال السعيدي يكتب عليه سلطان مسقط وعمان قبل تغيير الحكم
القرش الفرنسي أو (دولار ماريا تريزا به تاريخ وفاتها ( ١٧٨٠م) والقرش الفرنسي كما كان يعرف في داخلية عمان، يعرف أيضاً بالريال في منطقة مسقط التي كانت تقابله العملة الورقية (الروبية) الهندية في المعاملات النقدية في مسقط وأجزاء الروبية بالعملات المعدنية "الآنة" وأجزاء "الآنة" "التكة" عمله برونزية قطرها أصغر من "ألآنة" في حجم عملة الخمس بيسات الحالية. تلك العملات أتذكرها جيداً عندما كنت أدرس في مطرح في أواخر الستينات
-
عبد الله السناوي
- شارك