1. الصورة ( FP 76) بلباس المدرسة عندما عدت أنا مع أبي في بداية الستينات للدراسة في ممباسا العاصمة التجارية لجمهورية كنيا عام 1963م أو عام 1962م.

      الحياة في أفريقيا-

      مرافقتي مع جدي

      رافقت جدي عدد من المرات ويبدو في الصورة السابقة (FP 176)أثناء مرافقتي له في إحدى زياراته القصيرة لأصدقائه بسيارتنا الـ"فورد" حيث كان جدي مولعاً بقيادة السيارات وربما يعود ذلك إلى طبيعة عمله في بداية حياته ببلدة "مهوازا" مع شريكه سالم بن مسعود الرشادي من سكان بلدة الدريز التابعة لولاية القابل حالياً بعمان.

       كما علمت من والدتي كان دور جدي مع شريكه المذكور يقتصر على نقل البضائع قبل أن ينتقل إلى "موينجا" وانضمام أبي قادماً إليه من عمان، ورافقت جدي في كثير من التنقلات عندما كان يزور أصدقاءه أو أقاربه من خارج بلدة "موينجا"Muyinga، ومن هوايات جدي بالإضافة إلى قيادة السيارات، القنص (الصيد البري) والرماية،وهذه الهواية أتت معه من عمان، وحكي لي عنه بأنه كان مشاكساً في صغره ودائماً ما يشتكي منه جماعة أخواله أهل قرية السباخ (في الجهة الغربية من الوادي المقابلة لقريتنا سيح العافية بإبراء)، كان - يرحمه الله ـ عصبياً بعض الشيء وأتذكر كان لا يتمالك غضبه في بعض الأوقات ويضربنا لأقل الأخطاء التي يراها من وجهة نظره بأنها من الأخطاء التي تستحق الضرب، وأتذكر في مرة من المرات كنت العب مع أخوتي رياء وأختي حسينة وعلي، وصادف أن رآني أحمل أختي حسينة على ظهري بقصد الدعابة وعندما رآني لم يتمالك أعصابه وطاردني في فناء البيت (الحوش) يلاحقني من زاوية إلى زاوية حتى دخلت البيت،، ومن غرفة إلى غرفة إلى أن تم مراده وكان يضرب بكل ما يصادفه في يده، ربما هذا من شدة حرصه ألا نخرج عن عاداتنا وتقاليدنا العمانية، التي تربوا هم عليها في عمان. ويظهر هذا جلياً من خلال ملابسنا التي ترى في الصور (الزي العماني التقليدي)، ولم يحصل مرة أن لبسنا الملابس الإفرنجية (القميص والسروال) في أفريقيا، إلا اللهم عندما عدت أنا مع أبي في بداية الستينات للدراسة في عام 1963م أوعام 1962م إذ سكنت مع ناس من أصول عمانية تربوا تربية أفريقية في ممباسا   Mombasa العاصمة التجارية لكنيا Kenya (الصورة FP 76).

       جدي يصارع الأسد

      لقد ذكرت عن قصة مصارعته للأسد في فصل (العائلة -3) وذكرت عن شجاعته وتكريم الحكومة البلجيكية له، وشهرته عند الأفارقة بلقب "بوانا سيمبا" أي صاحب الأسد أو مصارع الأسد حيث أشتهر بهذا اللقب في أفريقيا وفي بلاده عمان أيضاً حتى وفاته, وذكرت عن تكريم الحكومة  البلجيكية له في بوروندي بمنحه بندقية صيد بلجيكية (تعرف في عمان تفق أبو خمس) كرم على شجاعته ونفاده من الافتراس المحتوم من قبل الأسد.

      جدي شديد الحرص

      ومن المواقف التي شهدت عليه بوطنيته وتمسكه بعادات وتقاليد بلاده، عندما رقد في المستشفى عند تضميد جراحه من الحادثة التي سبق ذكرها، أراد الدكتور أن يحلق لحيته لكي يخيط الجرح الذي بوجه ولكن رفض جدي ذلك وكان لا سبيل للدكتور إلا أن يستدعي أخاه (جدي حمد) والد والدتي ليحصل منه على الموافقة، ولما أفاق جدي صالح من المخدر وجد لحيته قد أزيلت، ولم يكن بيده حيلة إلا أن يتلثم وظل جدي صالح ملثماً بمصرة (عمامته) لمدة ستته أشهر لم ير الناس كامل وجه إلى أن شفي تماماً ورجعت لحيته لحجمها الطبيعي. يعتبر العمانيون في السابق بأن حلق اللحى عيب، ليس من شيم الرجال وخارج عن السنة، لدرجة تشددهم واعتزازهم بلحاهم يقال بأنه إذا أراد أحدهم أن يستدين مالاً من أحد ولم يجد من يكفله فإنه يكفي بأن يخلع شعرة من لحيته يعطيها للدائن ضماناً لدينه.

       هكذا كان جدي بجانب شجاعته، كان شديد الحرص علينا خوفاً من أن نتعلم اللغة السواحليه ونتأثر بطباع الأفارقة التي قد لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية. وأتذكر في مواقف كثيرة كان البعض يستغرب لماذا لا نتحدث السواحلية؟ وقد ولدنا هناك، حتى أننا كنا نبتعد  في بعض الأحيان عن مجاملة أصدقائنا من اللعب معهم. كان جدي هو المسيطر تماماً على شؤون العائلة، وكان مفرطاً في التمسك بعمانيتنا كما هو ظاهر في الصورة أنا وأخي علي بالدشداشة (الزي العماني التقليدي) في بلدة "موينجا" الصورة (FP 17) التقطت لنا بواسطة والدي الذي اتخذ التصوير هواية له فيما بعد.

      موقف والدي

      لم يكن لوالدي دور مميز في إدارة شئون البيت إثناء تواجدنا في "موينجا" إلا بعد أن انفصلنا وأصبح لنا بيت مستقل في عمان في أواسط الستينات، بعد عودة جدي صالح إلى أفريقيا ليقيم في بوروندي ببلدة "مكينكا" واتخاذها مقراً لتجارته. عاش جدي صالح هناك في نفس البيت الذي كان يسكنه العم علي بن خالد أثناء تواجده في أفريقيا.

       طيلة فترة الخمسينات التي عشناها في أفريقيا كان والدي يعمل مجرد تابع لجدي، بمعنى أن جميع القرارات تصدر عن جدي ولست أدري مدى مساهمة والدي المالية في التجارة ولكن كنت أدرك بأن والدي هو الذي كان يجلب البضائع من العاصمة بوجمبورا،  عرفت هذا عندما وقعت يدي على بعض الصورة القديمة حيث وجدت من بينها دفتر شيك بنكي باسمه بما يوحي بأن والدي هو الذي من يودع ويقوم بسحب الأموال من البنك، وهو من يقوم بشراء البضاعة وبما أظن أيضاً بأن تجارتهم كانت قائمة على الشيكات المؤجلة PDC.

       بعد أن زرت والدتي في الخوير بمسقط يوم الخميس الموافق 29 مايو 2014 للاستفسار عن هذا الموضوع، حكت لي بأن كل منهم لديه حسابه في البنك، ولكن كلما جلب والدي بضاعة من الأقمشة للدكان كان جدي يبددها ويقوم ببيعها بسعر التكلفة أو أقل خاصة في الأيام الأخيرة استعداداً لكسر التجارة والرحيل إلى عمان وذلك عندما بدأت بوادر التمرد تظهر لدى المحليين السود ضد الاستعمار البلجيكي، و بداية قيام الحرب الأهلية.

       

      كان والدي ضد فكرة الرحيل حيث لا يرى مبرراً للاستعجال، وكان يرى أنه مازال هناك في البلدة تجار وأيضاً أن تجارتهم مازلت قائمة، ولكن جدي يرى عكس ذلك؛ إذ أن بعض عائلات موظفي الحكومة من البلجيكيين بدأت تحزم أمتعتها أو بيع عفشها، وكان الناس خائفين على أنفسهم من اقتحام المحليين السود عليهم، ومما زاد خوفهم هو حظر التجوال الذي فرض على سكان البلدة، وبدأت الطائرات الحكومية تسقط المنشورات، والمحلات التجارية جميعها أغلقت، وقام أصحابها بحراستها بالبنادق، وكان ذلك في نظر والدي أنها مجرد أزمة سياسية بسيطة وسوف تمر، ولكن جدي كان يرى أنه من الأفضل أن نترك البلدة بمحض إرادتنا بدلاً من أن نطرد، ومن الناس الذين رحلوا من "موينجا" معنا في ذلك الوقت سعيد بن مسعود السعودي وعدد قليل من العرب.

       

      وتم فعلاً حمل ما يمكن حمله من أغراض ونقلت في شاحنات وسافرنا مع أغراضنا إلى أوغندا (بلدة "ناميوا" Namwiwa) البلدة التي يقيم فيها عمي سالم وناصر أبناء منصور أولاد عم والدي، وبقينا في أوغندا لمدة شهر قبل أن نغادرها بالقطار من بلدة "كليرو" Kaliro إلى "نيروبي" Nairobi عاصمة كينيا Kenya ومن ثم إلى ممباسا  Mombasaالعاصمة التجارية لكينيا ومنها إلى عمان عبر البحر على ظهر سفينة تجارية هولندية.

       

      وحكت لي والدتي أيضاً بأن جدي ووالدي عادا إلى "موينجا" بعد أن تركونا في أوغندا، لتصفية ما تبقى من الدكان وتخليص الديون، وقد سلموا التجار أصحاب الديون ما تبقى من البضاعة, واستدعي العم عامر بن حمد ابن شقيق جدتي صفية والدة أبي، من بلدة استيردا (بوتارا - حالياً) Butare بجنوب رواندا ليبيع ما تبقى.

      الصورة (FP 73) صورتي مع محمد بن حمود البهلاني توضح نوعاً من البضاعة التي كانت في الدكان، ومحمد بن حمود البهلاني الظاهر في هذه الصورة هو عماني من سكان ممباسا حيث زار جدي حمد ومن ثم جدي صالح ووالدي في "موينجا" وهو الشخص الذي أوكل إليه تعليمي وتكفل أقامتي معه فيما بعد في ممباسا.

      1. عبد الله السناوي - شارك