-
-
الصورة (AF 2):
مع جدي صالح على سياراتنا" الفورد" و في الجانب الآخر من السيارة زميل جدي أو صديقه في الرحلة ومما يبدو أنه من سكان بلدة"موينجا".
الحياة في أفريقيا-3د
سفر أبي إلى أفريقيا لأول مرة:
To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع
سافر أبي إلى إفريقيا لأول مرة بصحبة عمي ناصر ليلحق بأبيه وهناك تزوج والدتي، وكان سفر أبي من عمان أسبابه ظروف معيشية صعبة كان يعيشها، لعله في سفره يجد مسعى آخر لتخفيف الديون التي تراكمت عليه، وظل أبي يعمل مع أبيه في إفريقيا ببلدة "موينجا" في التجارة والنقل إلى ما بعد ولادة أختي حسينة وعندما حملت والدتي بأخي على، قرر حينها أن يرجع إلى عمان ليأتي بأمه وأخته لتتزوج بابن عمها العم سالم بن منصور، وفي طريقه إلى عمان تركنا في أوغندا ببلدة "نميوا" Namwiwa عند خالتي مياء ببيت زوجها الوالد ناصر بن منصور وعشنا في بيت الوالد ناصر وأخيه العم سالم اللذين كانا يعيشان مع بعض في بيت مستأجر يمارسان من خلاله نشاطهما التجاري.
ومما سبق يبدو أن جميع العائلة كانت في أفريقا عدا جدتي صفية أم أبي وابنتها (العمة شمسة) وابن عمة أبي (العم سيف شقيق العم علي بن خالد).
كان ذلك بعد وفاة الجد حمود بن جندب ووفاة ابنه منصور وابنته نصرى.
سافرت جدتي صفية وعمتي شمسة برفقة أبي إلى أفريقا، وكان جدي صالح متزوج على جدتي صفيه بفاطمة بنت عمار أخت الوالد راشد بن عمار إلا أنهما انفصلا بعد مجيء جدتي صفية إلى "موينجا" لعدم توافق وتعايش الضرتين مع بعضهما.
ويقال بأن الجد صالح تزوج من شمسة بنت محمد بن حامد الرشادية قبل أن يتزوج من فاطمة بنت عمار عندما كان يعيش في بلدة "مهويزا" بإفريقيا، وقبل ذلك تزوج في عمان من عزيزة بنت حمود الطوقية (عمة سعيد بن حمد الطوقي: (الممتهن الخياطة) وهي أم لسلمى بنت سعيد العيسرية والدة زوجة أخي علي.
وحكت لي والدتي أيضاً بأن جدتهم ريا بنت عبيد الطوقية كانت متشوقة لترى ولادة حفيدها (أبي) من جدتي صفية و لكن الحظ لم يحالفها فقد أدركتها المنية قبل أن تراه.
ولادتي:
من خلال مطالعتي لأحد الكتب عن حياة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو عام 1952م استوقفتني هذه العبارة "ارفع راسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد" هذه العبارة كتبت باللغة العربية في مائة لافته حمراء انتشرت في عرض شوارع القاهرة عام 1954م وهو العام الذي صادف ولادتي، وأيضاً عام قيام الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في ليلة الأول من نوفمبر من عام 1954م، وهو عام تولي الإمامة غالب الهنائي من الإمام محمد بن عبد الله الخليلي في عمان.
كثيراً ما كنت أسمع أهلي يتحدثون عن هذا العام (عام 54م) وأيضاً بعض العمانيين يتخذونه مرجعاً لقياس أو تحديد زمن حدوث مناسبة معينة، عندما لا يتوفر لديهم تاريخ يؤكد حدوثها، وعلى سبيل المثال وفاة أو ولادة شخص ما في العائلة أو سفر أحد أفرادها إلى إفريقيا، حيث كانت فترة الخمسينات فترة أحداث وتغيرات في الوطن العربي والشرق الأوسط وفي عمان أيضاً، ومنها الحرب في الجبل الأخضر، بين الإمامة والسلطنة وهي فترة زادت فيها هجرة العمانيين إلى الخارج خاصة إلى أفريقيا لكسب الرزق بسبب تردي الأوضاع في عمان.
وفي المهجر تابع العمانيون عن كثب وبشكل خاص الثورات العربية التي كانت تحدث في مصر، الجزائر، ليبيا، اليمن، العراق، وسوريا التي قامت ضد الاستعمار أو ضد ملوكها الاستبداديين، مستلهمين من المبدأ الذي كان يتزعمه جمال عبد الناصر تحت "مشروع القومية العربية"، وفترة الخمسينات، والستينات لم تكن فترة تحول مقصورة على الدول العربية فحسب، بل كانت تشمل الشرق الأوسط برمته، وجزء من جنوب أسيا وربما أتت هذه التحولات والمتغيرات من جراء مخلفات الحرب العالمية الثانية التي انتهت في منتصف الأربعينات, بفرض الدول المنتصرة سيطرتها الاقتصادية بسبب ما حققته من مكاسب ضد الدول الصغيرة.
وفي عمان كان الوضع مختلفاً نوعاً ما، لم يكن فرض الأجنبي سيطرته على الحكم هو السبب فحسب، تلك السيطرة التي تمت تحت بند اتفاقيات التفاهم التي أبرمته بريطانيا مع سلاطين عمان السابقين، ولكن أيضاً بسبب الصراع الداخلي على السلطة الذي تمخض عنه الاتفاقية التي أبرمت بين زعماء الإمامة والممثل الأجنبي للحكومة والتي عرفت باتفاقية السيب (المصدر عمان الديمقراطية – حسين غباش) اتفاقية السيب كان من ضمنها السبب في عزل داخلية عمان اقتصادياً، وتشجع الهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا الذي وجدوا فيه الملاذ الاقتصادي الوحيد الذي يمكن أن يعوضهم عما عانوه في بلادهم في فترة الخمسينات قبل ظهور النفط في الخليج في الستينات، حيث كانت اتفاقية السيب بمثابة الحصار الاقتصادي، بسبب الضرائب التي تسببت في عدم تسويق المنتجات الزراعية مما ساعد على إهمال عمانيي الداخل زراعتهم والتي كانت تعتبر في يوم من الأيام المصدر الأساسي لقوتهم الذي اعتمدوا عليه في معيشتهم.
إذن، أنا من جملة أبناء فترة الخمسينات أبناء أعوام الثورات والانقلابات السياسية في الدول العربية والدول الإفريقية، أنا من أبناء عمان الذين ولدوا في أعوام التحرر من الظلم واستعباد الاستعمار للشعوب في الدول النامية.
الجلوس في البرزة:
وعندما نشأت وبلغت سن الإدراك وجدت أهلي من مستمعي الإذاعات وملازمي الاستماع لإذاعة هيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC التي كان يغطي بثها معظم دول الشرق الأوسط، كما هو الآن، وكان الاعتماد عليها كثيراً في المهجر لسماع الأخبار عن الدول العربية ودول شرق الأوسط عامة؛ نظراً لافتقار بعض هذه الدول لإذاعات محلية ذات بث أوسع خارج نطاق حدودها الإقليمية، وأيضاً لافتقارها المصداقية فيما تبثه وتنقله من أخبار، وكنت دائماً أجد أهلي في أفريقيا في أغلب أوقات المساء يجتمعون جالسين على كراسي أو مقاعد خشبية في البرزة بعد صلاة العصر، مشكلين حلقة لشرب الشاي وتناول القهوة العمانية والاستماع لما يبثه المذياع (الراديو) من أخبار والمناقشة التي تأتي بعدها.
وكان من أبرز المثقفين ومتابعي برامج إذاعة الـ BBC هو عمي علي بن خالد السناوي (ابن عمة والدي)، وقد نشأت وأنا أرى تلك الحلقات من الجلوس في البرزة أمام دكاننا ببلدة Muyinga "موينجا" بجمهورية بورندي، حيث كان يأتي إليها معظم التجار العمانيين من سكان البلدة وأحياناً يأتون ضيوفاً للمبيت قادمين من المناطق المجاورة أو عابري سبيل، ومعظم هؤلاء هم تجار تربطنا بهم صلة رحم أو قرابة سواءأ كان من قريب أو من بعيد، خاصة سكان Muyinga، من أمثال الوالد سعيد وسالم أبناء مسعود السعودي (أولاد خالة جدي صالح وجدي حمد)، وأيضاً عبد الله بن محمد الطوقي الملقب "بالريح" ويلقبه الأفارقة أيضاً بـ "ماتشو مبايا" بمعنى سقيم العينين من كثرة ما يعرك عينيه، وغيرهم ممن يأتون من البلدان المجاورة لبلدة موينجا، وكان تجار "موينجا" أغلبيتهم عرب ما عدا عائلة واحدة باكستانية أو هندية وهي عائلة عبد الرحمن، وربما بعض الأسر من جنسيات أخرى قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
الجلوس في البرزة ألـ veranda في المساء، من السمات التي يحرص عليها العمانيون في أفريقيا للتلاقي خاصة في بوروندي وأوغندا وأيضاً في تنزانيا Tanzania وهي جلسة استرخاء يلتقي فيها الجيران لتبادل الحديث وتناول قهوة المساء التي عادة ما تصحبها مأكولات خفيفة تتفنن في إبداعها ربات البيوت، كـ "اللقيمات"، والموز الهندي المقلي، و"السمبوسة"، والكعك، و"المندازي"، و"السيويا" وخلافها من الأكلات العمانية، أو "العمانية الأفريقية" التي تقدم مع القهوة تعرف عند العمانيين (بالتقدوم).
ويتفاخر عرب عمان في أفريقيا أمام بعضهم البعض بمدى ولاء نسائهم لهم، بطريقة غير مباشرة،على أنهن "ربات بيوت ممتازة" وذلك بما يصنعنه من تقدوم ومأكولات للضيوف من شأنه أن يرفع رأس الزوج، ويتفاخر الزوج بكمية وأنواع الطعام الذي يقدمه لضيوفه خاصة لغير المعتادين لزيارته، حيث يعتبر ذلك بمثابة تعبير عن إخلاص الزوجة لزوجها، وحسن إدارتها لبيتها وأيضاً رسالة من خلال الضيوف لنسائهم، وقد لمست هذا عندما كبرت قليلاً وبدأت أفهم عند مرافقة جدي لزيارة أصدقائه وملاحظة ما يدور بينهم من مزاح ودعابة ونادراً ما نرى عرب أفريقيا دون كرش بسبب التخمة من جراء الأكل وقلة الحركة، ويلحظ الفرق بظهور الكرش فيهم عن باقي زملائهم في عمان الذين اعتادوا على المشي في إنجاز أعمالهم.
وأظن قهوة البرزة في المساء تعتبر من المجاملات الاجتماعية الحميدة في كل أفريقيا والتي يحرص عليها عرب "بورندي", و"رواندا" للراحة من عناء اليوم، وهذه العادة أيضاً موجودة في باقي المناطق من أفريقيا، ولا تقتصر على زيارات العرب بعضهم لبعض أو لمقر شخص واحد معين، إلا إذا كان كبيرهم أو من له شأن عند الأسرة. وأذكر بين فترة وأخرى كانت تخرج عائلتنا بكاملها بقيادة جدي صالح لزيارة شقيقه (جدي حمد) ببلدة "رهيجي" وكنا نلتقي هناك بعائلات أخرى قادمة من مناطق أخرى وكان بيت جدي حمد يضج بالزوار، وتمتلئ برزة دكانه بالرجال والشباب ونادراً ما تجد الرجال في شرق أفريقيا يجلسون داخل البيوت إلا للمبيت أو لتناول وجبة الغداء أو العشاء، ربما هذا من آداب الضيافة بسبب ضيق المساكن،ومن حرص صاحب البيت على أسرته أو أهل بيته، وأيضاً لطافة الجو كانت تشجع على الجلوس على الشرفات (البرزة)، وتتيح الفرصة للمضيف مشاركة الجلوس مع ضيوفه دون أن يعطل عمله أو يغلق دكانه.
لم تتح لي فرصة التنقل في أفريقيا، بين "موينجا" و"رويجي" إلا مع جدي، وأتذكر مرة واحدة ذهبت معه إلى بلدة "مكينكا" برفقة صديقة ربما كان عبد الله بن محمد (الريح) ذهبنا إلى البلد التي يقيم فيها عمي علي بن خالد،. وأذكر في هذه الرحلة أن صار لنا حادث عندما كنا قادمين من رويجي وقرر جدي فجأة الذهاب لرؤية الوالد علي، لست أدري لماذا؟ ربما كان الوالد علي مريضاً، وأذكر كانت الرحلة ليلاً عندما انزلقت بنا سيارتنا الـ "Ford" وارتطمت من جانب مؤخرتها بجذع شجرة "القرطوس"، بسبب الطين الناتج عن هطول الأمطار، وفقد جدي بسبب الانزلاق السيطرة على السيارة وفقدت أنا الوعي بسبب الصدمة إلى أن وصلنا مكينكا. وتغوطت في ملابسي ربما كان عمري في ذلك الوقت لا يتجاوز الأربع سنوات وقد ذكرتني والدتي بتلك الحادثة.
- عبد الله السناوي - شارك
-