1. من ممرات حياتي -ج4د

      أمام كل التناقضات

      أمام هذه التناقضات كلها لم استطع أن أجد لنفسي مكاناً، ورأيت أن الأمور لا تمشي كما ينبغي مع كل ما فعلته وسعيت من أجل تحقيقه للم شمل العائلة لا... لم يتحقق أي شيء، لا من خلال "صندوق الاجتماعي" ولا أيضاً من خلال "ملتقى الأسرة" الذي تبنيت إقامته بعد تقاعدي (ينعقد في ثاني يوم من كل عيد)..

       

      وكان الكل منشغلاً في أمور دنياه لا أحد أعار هذا المشروع الاجتماعي أدنى اهتمام من أجل تفعيله، إلا من فئة قليلة جداً غير مؤثرة، وكان البعض يسعى للأسف إلى إفشاله لست أدري لماذا؟ لا لشيء ولكن الحسد بالرغم أن كل تكاليف إقامته كانت محمولة، وكان المطلوب فقط من الأسر وأربابها الحضور لتعريف أبنائهم على أقربائهم في العائلة. حتى تتواصل الأسر اجتماعيا مع بعضها لمواصلة الأرحام وتشجيع الشباب في العائلة على تقديم تهنئة العيد لأمهاتهم.

       

      وللأسف  بعد رحيل آبائنا من هذه الدنيا انقطعت صلة الرحم بين الأبناء وكذلك انقطعت اتصالنا ببعضنا البعض، ولا يأتي إلا بالتكلف ولم نعد  نصبح أقارب ورحم لكي نؤكد الصلة التي أوصى بها ديننا (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) محمد 22 أو على الأقل كالتي عهدناها في شبابنا، مع أهلنا الذين حرصوا على تواصلهم بالرغم من مشاغلهم في طلب الرزق والذي كان أصعب من الذي في عصرنا هذا بكثير، ولا أقصد عمان فقط بل أفريقيا أيضا، كان آباؤنا يقطعون عشرات الأميال بل مئات الأميال ويقطعون حدود دول (رواندا، بوروندي، أوغندا، تنزانيا، الكنغو) فقط ليتواصلوا مع بعضهم البعض، كان لا وجود للهاتف ولا وجود للإنترنت "ولا هم يحزنون"،،، وهذا التواصل خلق مجتمعاً متواصلاً، وكان سبباً للمصاهرة بين الجاليات و القبائل العمانية، وأيضاً هنا في عمان، أتذكر كنت دائماً مرافقاً لجدي في فترة الستينات والسبعينات مع عمومتي إلى قرية السباخ وبلدة المضيرب وفي مسقط لزيارة أقاربه، ويكفي أن أشير إلى تلك التجمعات التي عهدناها كل صباح في بيت جدي صالح عندما يأتي الجميع من مساكنهم لأداء واجب تحية الصباح، بالرغم من أن عمومتي وأبي كانوا في وظائف حكومية، ماذا كان يدفعهم  لعمل هذا؟ إنه حب الأبوة وحب الأهل، بالرغم من أن تربيتهم كانت فيها شدة وأهلهم يعاملونهم بقسوة عندما كانوا صغاراً. ولم يثنيهم هذا عن التواصل.

      وحسب ما ذكرت في أحد فصول مذكراتي كيف كانت التربية في السابق، ومع ذلك لم يحملوا على أهلهم ضغينة أو حقداً، أتدرون لماذا؟ لأنهم تربوا على أيدي أمهات فاضلات بالرغم من بساطتهن وأميتهن القرائية والكتابية، إلا أنهن يعرفن معنى قوامة الرجل، وصلة الأرحام، ومعنى الجار، وواجبات الزوجة تجاه زوجها التي تعلمنها من الدروس البسيطة التي تلقينها بمدرسة القرآن بالقرية مما جعلهن ينجبن رجالاً أوفياء لأهلهم ولوطنهم.

       

       واليوم نحن أسرة قد لا يتجاوز عددها عن أربعة أو ستة مع الأم والأب يسكنون في بيت واحد قد لا يكلف أحدنا أن يسلم أو يصبح أو يمسي على الآخر، لأن الوقت لا يتسع، وفي بعض الأسر قد لا يرى الولد أباه في اليوم، أو في الأسبوع، لأنه يذاكر، أو أنه نائم، أو أنه خرج ليذاكر مع أصدقائه، أو في رحلة استأذن لها من أمه، و في بعض الأسر نجد أن المرأة بعد أن تنهض من فراشها قد لا ترى زوجها إلا بعد العصر، أو ربما عند المغرب، وعندما تحضر إلى البيت (ما لها نفس)، لأنها مرهقة من العمل، وفي الصباح قد تخرج مبكرة من الفراش على أطراف أصابعها، دون أن تودع زوجها،بحجة أنها لا تريد أن تزعجه،أي من الحمام إلى العمل؛ لأنها تأخرت، أو أن رئيسها لديه اجتماع مبكر. أقول هذا عن ما نما على علمي كمثال وليست كل الأسر.

       

      الزوج لا يعلم عن حاله إلا الله، لا يأكل من يد زوجته إلا نادراً، أو ربما يوم الجمعة لأن الشغالة في إجازة، والزوجة قد لا ترى أبناءها لأن الشغالة "ماشاء الله (الشغالة) ما مقصرة تعرف شغلها". وتصبح الشغالة هي الأم بالتبني للأبناء، أو الضرة غير المباشرة للزوجة، وإذا انتابت الزوجة الشك يبدأ مسلسل استبدال الشغالات.. أمام هذه السلوكيات فإن الزوج لا يجرؤ على فتح فمه وإلا سيلام، ونرى أنه لا دور هنا للأب، فدوره معطل بواسطة الطرف الآخر، وإذا ما تجرأ محاولاً الإصلاح فأنه يتهم بالتعصب والغضب، والتخلف خاصة من أقربائها الآخذين عليه مواقف سلبية، وسيتهم بالتصلب، والتشدد والتعصب الديني،، فإما أن يسكت ويحل وضعه بحكمه أو أن يرى له طريقاً لأخرى.

       

      والولد لا يقترب من أبيه طالما يحصل على ما يريده من أمه، وهي مستعدة لتلبية طلبات ابنها تكفيراً عن غيابها، والزوج مهدد بالطلاق إذا فك فمه، أو حاول إبراز قوامته، والطلاق يعني للزوج دفع المصاريف التي تلوي ذراعه، أو لي الحبل على عنقه  (كمؤخر الصداق، والمتعة والعدة، وفصل شراكة قرض الإسكان، وسمِ ما شئت، وإذا استطاع التحرر من قيده فإنه يبدأ حياته من "الصفر" من جديد، بعد ماذا؟ بعد أن فني شقاء عمره في تحقيق حلم لبناء بيت وتكوين الأسرة التي حلم بها.

       

      الكلام الذي سبق ذكره لست أعني به كل الأسر،أو أسرة بعينها في عصرنا هذا، أبداً على الإطلاق، ولكن المقصود البعض منها والتي يغيب عنها الوعظ الديني. ومن خلال ملاحظتي الشخصية لبعض الأسر التي تقطن المدن وتأثرت بالحياة المادية هناك، وأمل أن ننتبه إذا كنا نريد مجتمعاً راقياً وأصيلاً ويكون الفرد فيه وفياً لأهله، وغير اتكالي، مخلصاً، ولديه ولاء لأهله وانتماء لوطنه.

       

       

      من واقع الحياة في الحاضر دون مبالغة:

      هذا الذي سأتحدث عنه مما يبدو أنه من واقع حياتنا في الحاضر، ولا أبالغ فيه، بكل تأكيد، قد لا يكون في القرية ولكني مقتنع بأنه موجود في المدينة، لأن المدينة بها إغراءات كثيرة من ملبس ووسائل إعلام وجيران أجانب وانفلات واختلاط، ولوجود مفهوم أيديولوجيات "حرية المرأة" ومساواتها بالرجل، وحريتها في العمل و التنقل، والخروج، والسفر دون الحاجة إلى مرافق أو محرم، لا أحد يسأل المرأة عن ذلك، وكأنها غير مسلمة وليس لديها من الإسلام شيئاً، ولا عقيدة تؤمن بها؛ لأن المسألة أصبحت حرية شخصية، أعطاها لها القانون.هذا الزخم المذهبي العالمي سبب مشاكل اجتماعية كبيرة في الدول العربية خاصة عند المحافظين.

       

      سمعت كثير من المداولات عند بعض الأصدقاء يتحدثون عن إساءة استخدام المرأة للحرية، في المجتمع الإسلامي، لا شك بأن هناك فئة قليلة في مجتمعنا إذ لا يستفيد الزوج من الحرية التي منحها القانون للمرأة لا مادياً ولا معنوياً حتى يعوضه ما فقده من غياب زوجته عن بيتها، وانشغالها عنه، لا يستفيد مادياً كما نرى ولا معنوياً (بدنياً) من لهثتها للعمل، ومع هذا في حالة الطلاق يدفع لها الزوج تعويضاً بالإضافة إلى مؤخر صداقها بما يسمى "المتعة" عن الفترة التي استمتع بها. أي استمتاع هذا؟ إذا كانت الزوجة العاملة ترجع إلى البيت منهكة بلا روح؟ أما للنوم أو للاسترخاء من مشاق العمل أو للترفيه عن نفسها بمشاهدة مسلسلات الفضائيات، إذا كان ذلك الكلام صحيحاً.

       

      أن كل ما يفترض أن تعطيه  لزوجها من شعور وإحساس ورعاية يذهب في العمل،وراتبها يذهب لشراء بما تتباهى به أمام زميلاتها، وكل ما تتقاضاه من دخل يذهب لأقساط سيارتها والخدامة أو لمدارس أبنائها الخاصة للمباهاة أو عوضاً عن جلوسها لمذاكرة دروسهم، والباقي للكوافير والعبايات الباهظة وطلب المأكولات من المطاعم. هل هذا هو فعلاً واقع في مجتمعنا أم مبالغ فيه؟

       

      وقد سمعت الكثير ورأيت البعض منه ولو أنه على خفيف وجملة ما قيل في هذا الموضوع: (إذا ما فكر الزوج أن يعزم أهله أو أقاربه لتناول الطعام في بيته تقوم يومها القيامة وتصاب الزوجة بالذعر وربما بالحمى خوفاً من انتقادات أهل الزوج)، بالرغم أن الأكل يؤتي به من المطاعم، إلا أن ترتيب البيت وإصلاح الإهمال في البيت قد يكون هو المشكلة،. وللتخلص من فكرة العزومة قد تخلق الزوجة بعض الأعذار غير المقنعة ثم تتطور إلى مناوشات، ثم إلى زعل كل هذا للتهرب وقتل الفكرة. مثال لذلك (غياب الخدامة)، وصيانة دورات المياه في البيت والكهرباء وتجديد الأثاث، وقد يصل الأمر إلى المشاجرة للتخلص من فكرة العزومة. هذا شيء غريب أراه للأسف في مجتمعنا.

       

      وإذا ما حدث العكس مثلاً بأن استضيف إلى بيت أهل الزوج، يحدث نفس الشيء ولكن بشكل آخر، كاختلاق عذر عدم وجود اللباس المناسب لدى الزوجة أو أنه يوم الراحة بالنسبة لها من الدوام، أو لعدم وجود وقت الفراغ بسبب الأعمال المنزلية المتراكمة، وهكذا،،،، المهم ألا تمر تلك العزومة مع أهله بسلام، سواءأ كانت لبيت أم  لم تلب، ولكن إذا كانت العزومة من طرف أهل الزوجة فإن الآمر يختلف "يقاد الزوج كالشاة"، وقد يزور الزوج أهل الزوجة أكثر مما يزور أهله، وقد لا يرى أهل الزوج أحفادهم، إلا في السنة مرة في أيام العيد، هذا إذا صادفهم الحظ.

       

      هذا هو وضعنا الاجتماعي الحالي إذا كان هذا كل ما يقال صحيح، فإنه ضريبة ندفعها من أجل التقدم.... لا جار، لا رحم، لا دين، لا أخلاق، تبذير، وسوء في التدبير، وإسراف في الإنفاق، وسوء في الأخلاق وسوء في التدبير، والسبب لأن "السفينة بربانين. وننسى "(إن الله يأمر بالعدل والإحسان و إيتآء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل 90

       

      قد لا يصدق البعض مما قلته وأنه من ضرب الخيال، خاصة ممن اتخذوا موقفاً سلبياً ضدي, ولكن ليس المهم أن يصدق، أنا لم أعمم، ولست بحاجة لرأي ولست بفاتح الموضوع للجدال أو النقاش، ولا أشير هنا إلى أناس معينين "إلا لمن سارق الديك على رأسه ريش" هي عادة أصبحت عندي أخاطب فيها نفسي على ورق كلما امتعضت من أتخذ بديلاً من المجادلة، أدون كل ما مر و يمر بي من يسر أوعسر، والمجال مفتوح للأقارب لمن لديه رغبة الاطلاع على مدوناتي على سبيل الفضول أو المعرفة.، لا شك الكل مرحب بهم وبكل سرور.

       

      ولكي أكون منصفاً مع الجميع أقول ليست كل الزوجات كما أشرت، فإن ست البيت التي لا تعمل قد تكون طباعها وإدارتها لبيتها تختلف، وأيضاً الزوجة من الأقارب، فمعاملتها لزوجها أيضا تختلف، وتنظر إليه هو الزوج وهو الأخ الأكبر لها، ولن يتخلى عنها  (عن ابنة عمه، أو خاله أو عمته، أو خالته، أو ابنة حارته، أو قبيلته)، لأن الناس الذين حولها لن يتركوها وشأنها، سيقفون جنبه ضدها يلومونها إذا قصرت أو أخطأت في حقه، ويعتبرون تصرفها السلبي إساءة للعائلة أوللقبيلة. بعكس الزوجة التي لا تربطه صلة رحم مع أهله، أو من بيئة أخرى، أو من غير مواليد موطنه. وأقول لمن يعللون بأن الزواج من الأقارب غير صحي طبياً، أقول لهم لكنه صحي أخلاقياً، الصحة يعالجها الطبيب ولكن الأخلاق من سيعالجها إن لم تكن الزوجة صالحة؟ (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرن) الروم 21، لسنا خلقنا للنكد وعدم الاستقرار.

       

      ومشكلة الأزواج تكمن في  المقام الأول عند غير الأقارب في خطأ الاختيار، والاندفاع في الشكل والكلام المعسول عند الاختلاط في الدراسة أو العمل، ويفقد المرء السيطرة على عاطفته، عندما يجد رفيقته جريئة تستطيع لي ذراعه بسلاحها بسهولة ليقع في شباكها، ثم يكتشف فيما بعد بأن هناك حقائق استبعدها، وتركها للظروف، مثل المستوى الثقافي والاجتماعي، أو التوافق الجسماني (الجنسي) والإنجاب. وهذه الحقائق قد يكون خبراء علم النفس أو الاجتماع هم الأجدر في تفسيرها ولكن أحببت أن أبينها من الواقع.

      1. عبد الله السناوي - شارك