1. من ممرات حياتي ج2د

      سنين الكفاح

      لست أدري لماذا تأخرت كل هذه السنين عن الكتابة، حتى بعد تقاعدي عن العمل تأخرت مدة طويلة، حدث ذلك بالرغم من عشقي للتدوين، كما أن تفرغي عن العمل الرسمي كان حافزاً وكفيلاً بأن يجعلني أكتب الكثير عن ذاتي خاصة بعد أن انتقلت إلى بلدي (ولاية إبراء) لأعيش فيها متفرغاً بعيداً عن الضوضاء والإزعاج في مسقط، هذا الانتقال كان كفيلاً أن يجعلني بل أن يهيئ لي جو الكتابة المناسب، لكن،،، لعل السبب كان نفسي، قبل أن يكون زمني، ربما لم أكن مستعداً خاصة وقد كنت أعود من متجري مرهقاً من مقابلة الزبائن الذين أشغلت نفسي بهم.

       

      أيضاً لداء السكر الملعون الذي كان يبعث في الخمول، أظن أنه كان أحد المسببات الرئيسة التي أخذت مني كل قواي الجسمانية والعقلية لم يعطني فرصة التفكير، وممارسة نشاطي المحبب إلى قلبي. وكان الجزء الأكبر من الوقت يضيع في داوم العمل بالمكتبة التي امتهنت العمل فيها بعد  التقاعد، لهدفين أراهما نبيلين كنت قد رسمتهما لنفسي الأول هو المساهمة في توفير الكتب النادرة المطلوبة لطالبي العلم بالولاية، والهدف الثاني كسب الرزق من وراء بيعها حتى أتغلب على مشكلتي المادية من جراء التقاعد الإجباري المفاجئ والمبكر نتيجة خصخصة قطاع  الاتصالات.

       

      ومن العوامل النفسية التي شلت تفكيري وحالت دون القيام بممارسة أي هواية، هو أنني لم أكن راضياً كل الرضا عن حياتي العائلية وحياتي الاجتماعية، حيث تفكيري كان دائماً منشغلاً في إيجاد الحلول لهما، وفي كيفية إيجاد الحل الجذري لهما ومعالجة  المشكلات التي كانت تظهر من حين لآخر من جرائهما، وكنت أشعر دائماً بالاضطراب النفسي عن كل شيء، ودائماًـ متعب - مرهق، من كل شيء لا يوجد لدي الاستقرار النفسي بالرغم من كل المحاولات التي بذلتها لتبني الإصلاح،والبحث عن الحلول المناسبة سواء كانت مادية أم معنوية إلا إني وجدت نفسي في النهاية عكس التيار في دوامة صراع مع القدر:(أنا في وادٍ وغيري في وادٍ آخر، نتيجة جري الآخر وراء مغريات الحياة، والشهرة في العمل على حساب الأساسيات و الصعود على ظهري، أسلوب أنثى العنكبوت السوداء "الأرملة السوداء" كما يعرفها العلماء هذا الأسلوب جعلني أدرك بأن ذلك أمر مسلم به بإيديولوجية حرية.... كقول الشاعر: "حفظت أشياء وغابت عنك أشياء"  هكذا "جرت الرياح بما لا تشتهي السفن".

       

      ماذا عساي أن أفعل؟ بعد خمسين عاماً من الكفاح، هأنذا في العقد السادس من العمر وحيداً معظم الوقت، معتمداً في معيشتي على معاشي التقاعدي، قضيت ثلث حياتي في صراع إداري داخل المؤسسة التي عملت بها لمعالجة سلوكيات إدارية سلبية وثقافات متباينة، بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية، وكنت محارباً في جبهتين في آن واحد غير قادر على التوفيق بين سكينة الإيواء والاستقرار النفسي في العمل. لم انعم بالسعادة أو الاستقرار النفسي في حياتي.

       كانت حياتي شبيهة بمصارعة الموج خشية غرق البحر، كلما نهضت في الصباح قابلتني مشكلة، فأصعد إلى درج وأرجع عشرة أدراج إلى الخلف، آملا الصعود دون جدوى ولسان حالي كقول المثل العماني "سقاط في مله". (كسقوط نملة في وعاء من الصيني).

       

      قد يبدو ما أقوله ليس مهماً، وقد لا أختلف عن ملايين من البشر من سكان كوكب الأرض تعصف بهم ظروف الحياة. المهم لمن يقرا هذه المذكرات سيجد ما قصدته تماماً بالكتابة وبالذات ليكون سجلاً عن حياتي الشخصية بقدر ما يكون مذكرات قد يستفاد منها ومن تجارب مرت بي في الحياة.

       

      هناك كثير من المقربين لا يعرفون الكثير عني ولا يعرفون عن حقيقة واقعي، وعن الجانب الإيجابي عني قبل معرفتهم بالجانب السلبي، هناك كثير من الأمور أردت لأحفادي أن يعرفوها عن أجدادهم وعن بلدهم ومجتمعهم وقد يجدون من المعلومات التي تطرقت إليها عند سردي لبعض ممرات حياتي في سيرتي الذاتية هنا، لعلهم يجدون كثيراً ما قد يكون نافعاً في تكوين شخصيتهم وهويتهم، ومن الحقائق التي قد تكون ضالة عن أذهان الكثير منهم.

       

      الصحة البدنية:

      ويرى البعض من المقربين بأن عندي الحيوية والنشاط والعمل الدءوب، هذا كان فعلاً صحيح، لقد اكتسبت هذه الصفات والمهارات من خلال تجاربي العملية الطويلة في الحياة، والاعتماد على الذات، والسفر في سبيل نيل العلم والمعرفة (مطرح، إفريقيا، دبي، أبو ظبي، مصر، بريطانيا، وحضور عدد من الدورات التدريبية والمؤتمرات في أكثر من 30 دولة عربية وأسيوية وأوروبية وأمريكية، هذا بالإضافة كوني توليت مسؤولية رعاية  الأسرة في سن مبكرة جداً، حيث كنت في ذلك الوقت لا أتجاوز العشر سنوات من العمر، أو اثنتي عشرة سنة.

       

      ربما أكون قليل الاختلاط بالناس، خاصة مع أقاربي من هم في سني، وميال إلى العزلة، والانطوائية، للأسف هذا صحيح، لأني أحب رياضة التأمل بالإضافة إلى الرياضة البدنية، رياضة المشي، وهذا في اعتقادي بأنها هبة أوهبني الله سبحانه تعالى حيث أجد فيها المتعة والراحة النفسية، خاصة عندما أكون مع الذات، ولا أحب النقاش أو الكلام غير المجدي وغير الهادف أو مناقشة موضوع مشكلة لا يمكنني المساهمة في حلها.

       

      فروق الأجيال:

      الفرق بين الجيل السابق والجيل الحالي، الذي أتى في عصر النهضة، أعتقد في التربية، الجيل السابق اعتمد على الذات ينطبق عليه المثل: (إن الشدائد تصنعنّ الرجال) أما الجيل الحالي أتى في زمن الرخاء كل شيء ميسر، وللأسف لم يستفيد البعض من تسخير التكنولوجيا في حياته، بل البعض أساء استخدامها وأدت إلى تقاعسه عن أداء واجبه الاجتماعي، والاتكال على الوافد. ونحزن نحن القدامى عندما نرى الهدر في الموارد، وإساءة التسهيلات الممنوحة لنا من قبل الدولة، وأصبح عندنا شركاء في البيت وفي الشارع وفي المرافق العامة، لم تصبح لنا خصوصية، واختلط الحابل بالنابل وكأننا ما بنيناه من أجل إسعاد الغرباء ومساعدتهم في تنمية اقتصاد بلدانهم، دون أن نفكر بأنفسنا، مستصغرين الأمور مستبعدين عصر شد الأحزمة.

       

      لقد كافحت في حياتي كثيراً وأصبحت الآن منهكاً كمساحة قلم الرصاص، و لم يكن الحظ حليفي في حياتي في يوم من الأيام، لا يعلم عن كفاحي في الحياة وما بذلته من جهد بعد تقاعدي المفاجئ إلا الله،. خضت تجارب عديدة واشتغلت في مختلف الأعمال وفي كل أصناف العمل، من أجل التخلص من ديوني البنكية وتأمين سبل الراحة لأبنائي.

       

      وللأسف من غير المتوقع، خاب ظني في بعض أبناء وطني الذين مددت لهم يد العون وتقاسمت معهم هموم التجارة، وقدمت لهم ما لدي من خبرة، لأعلم أنهم أخذوا ما عندي وسلموه لأصدقائهم الأسيويين، فقط من أجل "الكوميشن" المبلغ الزهيد الذي يحصلون عليه  في نهاية كل شهر، مقابل "مرط اللقمة من فم أخيه" وبعد ذلك تسهيل الأمور لهم، بل أكثر من ذلك استغلال الاسم التجاري.

       

      وبالرغم من تلك المنافسة غير العادلة لكنني قبلت التحدي، واستطعت أن أتجاوز المحن لأحقق سمعة جيدة في السوق وذلك بفضل ما سخرته من إمكانيات علمية و تكنولوجية وإدارية وخبرة اكتسبتها من عملي السابق، حتى يتحقق لي النجاح، إلا أن الصحة خانتني وكانت هي التحدي الأخير الذي هزمني.

       

       صحتي لم تمكني من الاستمرار (مدة الصلاحية التي منحني إياها الجسم من طاقة قد انتهت) لقد بلغت الستين بعد كفاح ما يقارب أربعين عاماً من العمل الجاد، الدؤوب في القطاعين العام والخاص، وبدلاً أن أكون قد كسبت المال من وراء هذا الشقاء كبقية الزملاء خرجت ومعي الداء الذي قيد حركتي، وأقعدني البيت، وقائمة من الأمراض مما يبدو أنها لا تنتهي، ولا يستوجب ذكرها أيضاً في هذا المقام، وفي النهاية رفعت الراية البيضاء مستسلماً وفضلت الانسحاب، حتى لا أتسبب في مشكلة لأسرتي وأبنائي تحول دون إعانتي وإعانتهم، والحمد الله رب العلمين، مؤمن بالله كما جاء في كتابه العزيز سورة الذاريات الآية 22:(وفي السماء رزقكم وما توعدون).

       

       

      1. عبد الله السناوي - شارك