-
-
ذكريات -20(د)
من ممرات الحياة -1
الحياة العامة -3
عندما يتكلم الإنسان عن حياته في الماضي فإنه لا يمل، ولا يشبع قد يفقد كل شيء ما لديه ولكن لا يفقد ذكرياته، إلا إذا فقد عقله إنها الحياة على قول الفرنسيين"سي لافي"c'est la vie.
الحياة كفاح
To read the article in other languages; Please click on the word “Language” at the top left of the page, highlighted in brown
ملاحظة: لقراءة هذا الموضوع تلقاءيا اطبع على "جوجل سيرش" السناوي الأسرة ثم عنوان أو رقم الموضوع
الحياة كفاح
الحياة كفاح، "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة" هذه العبارة مشهورة قالها أحد الزعماء المصريين وهي ما زالت منقوشة على النصب التذكاري لهذا الزعيم في وسط القاهرة لتذكر كل مكافح من أجل البقاء، إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض وما عليها. وفي الآية 6 من سورة الانشقاق يقول سبحانه و تعالى في محكم كتابه: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه).
وعندما قال مصطفى كامل تلك العبارة عن الكفاح كان يقصد بها المثابرة من أجل العيش بكرامه وحرية ضد استعمار الفقر والاستعمار من بني البشر واستعمار الجهل.
تلك العبارة كانت الشرارة التي فجرت ثورات الشعوب في الخمسينات والستينات في الوطن العربي ضد الظلم والاستبداد والتخلف والجهل.
إني حزين على ما أراه من تشتت في الأمة العربية، وهم أول من أنزلت عليهم كلمة "اقرأ". وهم من يمتلكون دستور الحياة، من رب العالمين، قبل دستور الدول التي تنادي بالمثلية.
وعندما أراجع دفاتري القديمة المتهتكة، لأرى ما كتبته في طفولتي وشبابي من خواطر وذكريات في إبراء، وفي أفريقيا ومطرح ودبي وأبوظبي والقاهرة وبريطانيا التي سافرت إليها في سبيل العلم، أوفي المهمات الرسمية إلى دول أوروبا وآسيا وأفريقيا وأستراليا، وعن حياتي العملية والاجتماعية، أحس بأني أمتلك مخزوناً هائلاً من التحف النادرة خاصة تلك المذكرات التي تصحبها بعض الصور؛ لذلك أتمنى من حفيدي عبد الله عندما يكبر أن يورثها لأحفاده لأن معظمها تحكي عن ما قرأته، وما دونته عن تاريخ أجداده في عمان وأفريقيا، وما قدموه من خير لشعوب تلك البلدان والأمم.
بذلك التعليم البسيط، الذي بدأنا به في مدرسة القرآن الكريم بالقرية ومن ثم في مسجد الجامع بإبراء، تخرج دكاترة وعلماء، وقادة ومهندسين وإداريين من درجة وكيل إلى وزير، ومن لم يكمل تعليمه منا في الصباح دخل تعليم الكبار، وأثبتنا لحكومتنا الرشيدة بأننا، جديرون وأهل للمسؤولية مستلهمين بفكر قائد نهضتنا المباركة، وهاهي عمان استعادت مجدها، وأظهرنا للعالم، بأن "قديم الصوف ولا جديد البراسم" والمثل يقول أعطيني شعباً أعطيك قائداً.
وعندما سمعت أحد المذيعين، يوم 19سبتمبرهذا العام، في البرنامج العام يقرأ ملخصاً من الموسوعة العمانية، وجاء فيها ذكر سيرة معلمنا الجليل سعيد بن عبدالله، أحسست بالفخر بأني كنت واحداً من الطلبة الذينتتلمذواعلى يد ذلك الرجل في مسجد السباخ وفي مسجد الجامع بإبراء،،بذلك التعليم البسيط في مبادئ النحو جعلني أكاد أن أقفز إلى الصف الأول المتوسط في منهج الكويت (الصف الخامس) وذلك عندما التحقت بالمدرسة النظامية في دبي عام 67 م وكان بإمكاني أن أكون في صف أعلى لولا الحاجة إلى معرفة في الرياضيات والعلوم التطبيقية الأخرى. لا أظن أحداً من ذلك الجامع درس أقل من هذا الصف عندما التحق بالمدارس النظامية عام سبعين، ومن لم يجد له مقعداً دراسياً في مدارس السلطنة ـ بسبب الازدحام على الإقبال على التعليم ـ احتضنته أبوظبي عندما فتح المرحوم سمو الشيخ زايد بن سلطان حاكم أبو ظبي باب مدارس بلاده لاستقبال الطلبة العمانيين؛ وفاءً لأخيه جلالة السلطان قابوس، وهكذا ساهم ـ رحمه الله ـ في بناء قيادات تولت مسؤولية بلادها. ومن باب الأمانة صاحب الفضل والخير لابد أن يذكر.
كما نعلم، لكل شيء نهاية كما له بداية، "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"،وهذه قاعدة الحياة وسننها، والإنسان لا يملك السيطرة على عامل الزمن، لأن الزمن هو سر نبض الحياة واستمرارها، وعندما تتوقف الساعة البيولوجية عند الإنسان يتوقف عندها كل شيء، وعندما تختل هذه الساعة يختل الإنسان في تصرفه، تماما كالساعة التي بقلب كل حاسب آلي أو كالتي في أي أداة إلكترونية أو ميكانيكية آو كونية، لأن الله سبحانه تعالي خلق كل شيء في الكون في تناغم بما فيها العباد، بحيث يسير كل شيء على إيقاع وتزامن معين(وكل في فلك يسبحون) بدءا ًمن الذرة الفيزيائية إلى الكواكب،والآيات في كتاب الله سبحانه تعالى الدالة على ذلك كثيرة، وهناك دلائل كثيرة لا حصر لها، يعجز علم البشر عن تفسيرها وهذا أتركه لمن يعشق البحث والاستنباط.
عندما التحق والدي بالجيش في منتصف الستينات هو وزملائه من أهل الحارة والقرى المجاورة، ربما لم يكن مقتنعاً في البداية بما كان سيقوم به إلا أن "الحاجة كانت أم الاختراع" كان يبحث عما يقتات منه بكرامة، دون أن يذل نفسه في مهنة قد لا تليق بمقامه، كالركض خلف الحمير بعد أن كان تاجراً مرموقاً هو وأبوه في أفريقيا. ولعله رأى أن التحاقه بالجيش سيساعده في تحقيق الذات وما يصبو إليه. حيث كان مولعاً بثورة ضباط الأحرار في مصر، و رأى بأنهما كانت للثورة في مصر أن تتحقق لو لم يكن انضمام أفرادها للجيش. ثم أن التحاقه بالجيش كان قد أتى بتنسيق وترتيب مسبق وتشجيع من صديق أبيه شيخ القبلية آنذاك؛لخدمة الوطن مما زاد هذا التشجيع في همته.
التحاق والدي بالجيش لم يحل مشكلتنا المادية، بالرغم من راتبه الثابت الذي كان يتقاضاه.ما كان كما نعتقد، بلا شك كنا نعتقد بأن الوضع سيتغير للأفضل، ولكن عندما انتقلنا للسكن في مطرح، ترتب على ذلك الانتقال كثرة الإنفاق من الراتب في أشياء كثيرة كانت تتوفر لنا مجاناً في إبراء ومنها ماء الشرب على سبيل المثال، الذي كان يجلب في علب من الصفيح على ظهور الحمير في مطرح، وأيضا إيجار السكن والنقل ناهيك عن نفقات المستشفى (العيادات) حيث كان البحث عن العلاج هو السبب في هجرتنا إلى مطرح لعلاج أختي الكبرى ـ رحمها الله ـلقد كان علاجها مصدر قلق لوالدي طول الوقت. الثلاثون قرشاً الذي كان يتقاضه من الجيش عبارة عن راتبه لم يكن يكفي حتى لسد الرمق "شربة ماء" هذا ناهيك عن هموم تعليمنا حتى يضمن لنا مستقبلاً تعليمياً جيداً، ربما ذلكما دفعه لنقل مقر إقامتنا من إبراء إلى مطرح بالإضافة إلى التقليل من تلك الصعاب و المشاوير من مطرح إلى إبراء متكبداً في تلك المشاوير العناء والمشقات ووعورة طريق وادي العق حتى يطمئن على صحة ابنته المريضة.
يرى البعض من المقربين بأني أتميز بالحيوية والنشاط والعمل الدؤوب، ذلك الرأي كان فعلاً صحيحاً، لقد اكتسبت هذه الصفات والمهارات من خلال تجاربي العملية الطويلة في الحياة، والاعتماد على الذات، و السفر في سبيل نيل العلم والمعرفة، هذا بالإضافة كوني توليت مسؤولية رعاية الأسرة في سن مبكرة جداً، كنت في ذلك الوقت لم أتجاوز العشر سنوات من العمر، أو اثني عشر سنة بالكثير.
ربما أكون قليل الاختلاط بالناس، خاصة مع أقاربي من هم في سني، وبطبعي أنا ميال إلى العزلة والانطوائية ـ للأسف ذلك صحيح ـ لأني أحب رياضة التأمل بالإضافة إلى الرياضة البدنية ورياضة المشي بالذات، وهذا في اعتقادي هبة أوهبني الله سبحانه تعالى إياها، حيث أجد فيها المتعة و الراحة النفسية، خاصة عندما أكون مع الذات، ولا أحب النقاش أو الكلام غير المجدي وغير هادف، أو مناقشة موضوع مشكلة لا يمكنني المساهمة في حلها.
لا أرتاح للمداولات الدنيوية التي تتم في مجالس العزاء أو في المساجد، و لا أرتاح للدردشة غير المستحبة عند حضور جنازة الميت، هناك أمور ومسائل لا يمكن للمرء حلها، أو حتى أن يعيرها اهتمامه وليس عليه إلا أن يسكت ويتجنبها؛ لأنها آنية وآتية عن جهل، ولا يمكن للكل أن يتجانس معها، ويقول المثل "من شب على شيء شاب عليه"حيث لا يمكن للفرد أن يحل محل "الأمم المتحدة" لحل مشاكل الناس، خاصة عندما تكون في مجتمع "متعلم جاهل"لا يطبق ما يتعلمه.
الفرق بين الجيل السابق والجيل الحالي، الذي أتى في عصر النهضة، أعتقد في التربية، فقد اعتمد الجيل السابق على الذات في كل شيء وينطبق عليه المثل: (الشدائد تصنع الرجال)، أما الجيل الحالي أتى و الحمد الله في نعيم في زمن الرخاء كل شيء ميسر، وأرجو أن يستفيد البعض من تيسير التكنولوجيا في حياتهم، وعدما لإساءة في استخدامها لأنها تؤدي إلى التقاعس عن أداء الواجب الاجتماعي، والاتكال على الوافد. نحن القدامى نحزن عندما نرى الهدر في الموارد،وإساءة استخدام التسهيلات الممنوحة لنا من قبل الدولة.
يجب تؤاخي الحذر والاحتراز، إذ أصبح لدينا شركاء في البيت و في الشارع وفي المكتب وفي المرافق العامة، لم تعد لنا خصوصية كما كنا في السابق حيث اختلط الحابل بالنابل وكأن الذي بنيناه هو من أجل إسعاد الغرباء ومساعدتهم في تنمية اقتصاد بلدانهم، دون أن ندرك وأن نفكر في أنفسنا، صرنا مستصغرين الأمور، مستبعدين عصر شد الأحزمة. ليست "الآخرة مستأخرة" كما يقول المثل، نحن في عصر لا يستبعد فيه أي شيء.
لقد كافحت في حياتي كثيراً وأصبحت الآن منهكاً كمساحة قلم الرصاص.لم يكن الحظ في يوم من الأيام حليفي في حياتي، ولا يعلم ما بذلته من جهد وعن كفاحي في الحياة إلا الله.
بعد تقاعدي المفاجيء خضت تجارب عديدة واشتغلت في مختلف الأعمال و في كل أصناف العمل، من أجل التخلص من ديوني البنكية و تأمين سبل الراحة لأبنائي.
وللأسف من غير المتوقع، خاب ظني في بعض الأخوة من أبناء وطني الذين مددت لهم يد العون وتقاسمت معهم هموم التجارة، وقدمت لهم ما لدي من خبرة ولكن، للأسف أخذوا ما عندي وسلموه لأصدقائهم الأسيويين، فقط من أجل الـ commission ذلك المبلغ الزهيد الذي يتلقونه في نهاية كل شهر، مقابل تسهيل الأمور لهم في الدوائر الرسمية واستغلال الاسم التجاري.
و بالرغم من تلك المنافسة غير العادلة لكنني قبلت التحدي، واستطعت أن أتجاوز المحن لأحقق سمعة جيدة في السوق ويعود الفضل بعد لله سبحانه و تعالى، للأخوة في المؤسسات الحكومية الذين تعاملت معهم في إبراء، منحوني ثقتهم، وأيضا كانت الخبرة العملية لها دور بما سخرته من إمكانيات علمية وتكنولوجية وإدارية، خبرة اكتسبتها من عملي السابق ليتحقق لي النجاح، إلا أن الصحة خانتني في النهاية، وكانت هي التحدي الأخير الذي هزمني.
صحتي لم تمكنني من الاستمرار (لأن مدة الصلاحية التي منحت إياها من طاقة بدأت تنتهي) لقد بلغت العقد السادس بعد كفاح 40 عاما من العمل الجاد الدؤوب في القطاعين العام والخاص الحر، وبدلاً من أن أكون قد كسبت المال من وراء هذا الشقاء كبقية الزملاء خرجت ومعي الأمراض المزمنة التي قيدت حركتي، وقائمة من ألأمراض التي يبدو أنها لا تنتهي، لا يستوجب ذكرها في هذا المقام، وفي النهاية سلمت بالواقع، و رفعت الراية البيضاء وفضلت الانسحاب، حتى لا أكون عالة على أبنائي، والحمد الله رب العلمين أنا مؤمن بالله كما جاء في كتابه العزيز في سورة الذاريات: ( وفي السماء رزقكم وما توعدون).
تعقيب "ذكريات -20"
يقول المثل العماني: "الذي ما ذاق التعب ما يعرف قيمة الراحة"، عندما نكتب نحن القدامى بحماس عن الماضي، فإنه نابع من حرصنا على ما تحقق لبلادنا من رخاء وتقدم، وما تعبنا عليه نخشى أن يذهب سدى. وأيضاً لكي ننقل صورة حقيقية عما كانت عليه الحياة في السابق من مشقة وتعب خوفاً على أبنائنا من الانفراط، والتأثر بالأفكار الغربية التي أدت إلى سقوط أكبر حضارة إسلامية كان يمتلكها العرب في العراق والشام، واليمن ماذا تبقى؟ الله يستر على مصر.
كل ذلك بسبب ماذا؟ نتيجة عدم الولاء لولي الأمر والإدعاء بالمعرفة، ما كل ما في الغرب ينطبق على الشرق، الشرق شرق والغرب غرب، للأسف العرب أساءوا استخدام المال، لقد وظفوه للصراعات بدلاً من الصناعات.
الحمد الله رب العالمين، بارك الله فيكم، هذا لطف منكم، ترتفع الروح المعنوية للإنسان عندما يكبر،وعليه ألا يسعى إلا للشكر، وأن يقدر ما قدمه للمجتمع، وألا يهمش كعلكة اللبان عندما ينتهي منها السكر ترمى.
لقد بذلنا كل ما في وسعنا، وسخرنا كل ما تعلمناه وتدربنا من أجله، ولم تقصر الدولة كانت سخية، في مجال التدريب والتأهيل، أغدقت كثيراً من المال في حقبة السبعينات والثمانينات من أجل رفع الكفاءات، كان الواحد منا يبعث إلى بريطانيا لعدة شهور فقط من أجل أن يتقن اللغة الانجليزية ليحل محل الوافد في بلاده، قبل إنشاء الجامعة كانت البعثات والدورات إلى الخارج لا تنقطع، وها نحن نسلم لكم الدفة عسى أن نكون قد وفقنا بأن نكون سلفاً خيِّراً لخير خلف، لقد قطعت عمان شوطا بعيداً، وتعتبر الآن في مصاف أرقى الدول في تطبيق النظام، لدينا بنية تحتية جيدة شوارعنا المرصوفة وصلت إلى أبعد المناطق وأكثرها نأياً، ولدينا أمن جيد ورعاية صحية جيدة، وتعليم جيد ونظام توظيف جيد وشعب جيد بشوش خلوق قنوع سموح مسالم، مثابر غيور لبلده ومحب لقائده الذي أنجز الكثير لبلده، صار كثير من المعاملات التجارية والخدمية تنجز بلمسة زر على هاتف محمول.
دول عربية كبيرة سبقتنا في مجال التعليم، لم تحقق ما حققناه نحن لبلدنا مازلت تلك الدول backward متأخرة بسبب صراعات داخلية غير قادرة على تلبية مطالب شعبها، هذا لأننا لدينا قائد نعتز ونقتدي به، ولديه هدف هو إسعاد شعبه واستعادة أمجاد بلاده، البركة فيكم أنتم الشباب المتعلم، ونسأل الله دوام النعم والصحة والعافية لقائدنا المعظم.
- عبد الله السناوي - شارك
-