1. ذكريات –18(د)

      (سيح العافية - 6

      أهالي سيح العافية (السناويون) -1

      "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا"الفرقان 54

      لاشك بأن كثيراً من سكان إبراء الجدد الذين قدموا من الولايات المجاورة للإقامة فيها بعد عام 1970م،أو قبل عام 1980م لا يعرفون من كان يعيش في سيح العافية قبلهم، وهذا شيء طبيعي لأن القرية تصبح مدينة، والولاية تصبح محافظة، والناس تتنقل من مكان لآخر سعياً وراء الرزق، وللعيش الأفضل.

       

      إبراء كمثيلاتها من الولايات نالت نصيبها من التحسين والتخطيط والتطوير والتحديث، ولكن هذا جاء متأخراً بعد أن هاجر عدد كبير من سكانها في السبعينات والثمانينات إلى العاصمة للعمل في مسقط، بسبب توفر الأعمال وتوفر الخدمات والمساكن الحديثة.

      لم تدخل الكهرباء إبراء إلا في أواسط الثمانينات كما أنها كانت غير مستقرة، انقطاع متذبذب، كثيراً ما كان ينقطع التيار عند القيلولة بسبب زيادة الأحمال على الشبكة. استمر هذا الانقطاع لفترة طويلة حتى أتذكر كيف كان والدي يتضايق من هذا الانقطاع بما يتسبب له في تعطيل أعماله خاصة في ثلاجات محله التجاري لبيع المواد الغذائية.

       

      حتى الآن ونحن على مشارف عام 2016م ما زال الناس يعتمدون على السيارات لنقل المياه إلى بيوتهم لا توجد شبكة مياه حكومية، وعندما أتيحت الفرص لبعض أهل إبراء للإقامة في مسقط رحلوا عنها، واتخذوا مسقط مقراً دائماً لإقامتهم، ويأتون إبراء في الإجازات والمناسبات.

       

      تغير الجيل وجاء الجيل الثاني من سكان إبراء من الذين ولدوا خارجها، وأخذ مجيئهم إليها يتقطع، وأقتصر الأمر على الأعياد والمناسبات. وبعد موت ذويهم،انقطعوا حيث لم تعد لهم قبلة المجيء إليها، هذا ليس لأنهم تعودوا على حياة المدينة ولكنهم لا يرون شيئاً يشجع للمجيء إليها، معظم شيابهم (كبارهم) توفوا، وأصبح الناس لا تعرف بعضها البعض، والقرية غابرة، أطلال وأكوام من الطين، كما لا تسمح الإمكانيات المادية لبعضهم إقامة مسكنين في القرية إضافة إلى مسكن المدينة التي استقر سلفاً بها ومقيماً فيها. فالمنطق شيء والغيرة والحماس والواقع شيء آخر، وليس كل الناس سواء في الظروف المعيشية،حيث لا يمكن المقارنة،،، على الأقل هناك فروق في المستوى الثقافي والمستوى العملي، إذ ليس كل ما يتوفر في المدينة قد يتوفر في القرية.

       

      ولكن هؤلاء المهاجرين لم ينقطعوا عن ولايتهم أو قراهم، بل يأتون إليها كلما سنحت لهم الفرصة، للمشاركة في المناسبات العامة والاجتماعية وغيرها،كما أنهم لا يبخلون بشيء، بل يساهمون حسب الإمكانيات بالتبرعات المادية للمرافق العامة كلما طلب منهم ذلك، لأن ذلك نابع من إحساس وواجب وطني، وشعور عميق بالانتماء لقريتهم. من جانب آخر، ذلك لا يعني أن يهمشوا لمجرد كونهم يعيشون في مسقط، حيث مازالت بيوتهم وممتلكاتهم وممتلكات أبائهم وأجدادهم موجودة، وأصلهم لا يمكن أن يمحى بسهولة، أو أن يمسح بـeraser مساحة قلم الرصاص؛ إنه التاريخ الذي يضم في بطنه سجلاتهم.

       

       

      إن الانتقال للعيش من مكان لآخر ليس حكراً على أحد، على كل حال هذا لا يهم، فعمان بلد واحد، ولكن هناك بعض الخصوصيات التي يجب أن تراعى وتحترم.والإنسان لا يمكن أن ينسى موطنه وقريته وحارته التي نشأ فيها وترعرع، ركض هنا وهناك، ولعب، وزامل، وصادق، إنه المكان الذي بدأ فيه حلم مشوار حياته، هو المكان الذي قد يكون فيه بدايات تعليمه، هو المكان الذي كانت فيه آماله وأحلامه.

       

      عندما تصفحت بعض دفاتري التي دونت فيها سيرة أهلي، وجماعتي، رأيت نحن أهل سيح العافية أسرة واحدة أقارب لبعض، إذ يعود الفضل في ذلك على الظروف التي وحدتنا في الغربة، في أفريقيا، والزواج من أجل التكافل الاجتماعي، الزواج من الأقارب ومن المطلقات والأرامل، وكمثال على ذلك، جد أبي حمود بن جندب بن خماس، وجدت أقاربه بين 80 ـ 90 في المائة من السناويين، وله أصهار في قبائل أخرى من طرفه أو من طرف أبنائه، أو أحفاده، و أشرت على البعض منها بالأرقام (321) في الفقرة التالية.

       

      فعائلة حمود بن جندب من أكبر العائلات التي لها أقارب في حارة سيح العافية. ووجدت أيضا نسبة كبيرة من أفراد أهالي سيح العافية السابقين ـ إن لم يكن كلهم ـ اغتربوا في أفريقيا، فكيف لا؟ فهذا ليس بغريب على قبائل الحرث، نحن نعلم من خلال مصادر كتب التاريخ بأنهم كانوا السباقين للاستيطان في شرق أفريقيا، ليس في البلدان الساحلية فحسب، بل تجاوزوا إلى أبعد من ذلك على سبيل المثال إلى ( تنزانيا، أوغندا، الكنغو، رواندا، بوروندي) وسأتطرق إلى تلك الحقيقة في فقرات لاحقة كلما أتيحت لي الفرصة حتى يكون أحفادنا على دراية بسيرة أجدادهم.

      الكتب التي تحدثت عن تاريخ عمان في أفريقيا معظمها عن التاريخ السياسي، ولم تتناول الحياة الاجتماعية إلا الشيء اليسير جداً، وكلها عن زنجبار، لا شيء عن البلدان التي ذكرتها.

      قرية سيح العافية قرية صغيرة في مساحتها ويسكنها السناويون، وهم يمثلون في السابق قبل عام 1975م نسبة ما يقارب 90 في المائة إن لم يكن أكثر، تنحصر مساكنهم في السابق بين المقبرة العلوية، والمقبرة الحدرية، ومن الغرب يحد مساكنهم الوادي، ومن الشرق لا تتجاوز المساكن في السابق عن طوي الساح. معظم السكان أقارب، وتوجد للقبيلة فروع وهي عبارة عن بيوت صغيرة في ولاية القابل بالدريز، وفي ولاية المضيبي بالروضة وسمد الشأن، الأغلبية من أبنائها متعلمة في السابق والحاضر، في السابق تعلموا في المدارس الأجنبية بأفريقيا وفي الحاضر بالمدارس النظامية في عهد صاحب الجلالة، ومنهم من درس في الإمارات، ولدى أبناء سيح العافية مناصب في الدولة خاصة في القوات المسلحة والأمن والادعاء العام، وفي الصحة أطباء وممرضون، وفي الخارجية سفراء، وفي الاتصالات مهندسون وفنيين و مدراء، وفي جامعة السلطان قابوس دكاترة، ومحاضرون، وفي التربية وفي القطاع الخاص بالبنوك وشركات النفط ، ومعظمهم يقيم في مسقط.

       

      ولكي نرى مدى الصلة التي تربط القبيلة ببعضها و ارتباطها بأسرتنا (أسرة أولاد حمود بن جندب) سأبينها في الفقرات التالية التي اعتمدت على مصادرها بشكل أكبر من جدتي صفية بنت عامر أم أبي ـ رحمها الله ـ قبل وفاتها بمدة، وكما يعلم البعض بأن الجدة صفية حفيدة أحد وجهاء القبيلة، و أيضا الجد حمود بن جندب (جد أبي) هو حفيد سيف بن حسين (والد أمه)، هذا إلى كونه أيضاً احد التجار المرموقين في جمهورية بورندي بأفريقيا في الأربعينات من القرن الماضي، وله سمعة تجارية جيدة لدى الحكومة البلجيكية التي حكمت البلاد في تلك الفترة بين عام 1945-1962م، كما له أيضا ًمساهمات اجتماعية حيث تبرع بجزء من أرضه لإقامة مسجد عليها عرف باسمه، ثم لاحقاً باسم مسجد بلدة كتيجا بجمهورية بوروندي، ومازالت ملكية الأرض مقيدة بالسجل العقاري باسمه (حمود السناوي) لأن القانون المحلي هناك لا يسمح بتغيير الاسم إلى دور العبادة غير الرسمية للبلاد. و المسجد قائم حتى الآن قيد التوسيع.

      1. عبد الله السناوي - شارك