1. ذكريات -31 دت مقر العمل سي تي أو

      رحلة العمل -5

      مقر العمل:

      فور انتهاء عملنا بشركة أريكسون السويدية التي سبق ذكرها، عدنا للعمل أنا وزملائي بشركة الاتصالات، وتم توزيعنا كل حسب اختصاصه، فكان نصيبي أنا وزملائي الذين كانوا معي منذ البداية في قسم التلكس والتلغراف، الذي كان مقره في مدينة مسقط، أتذكر كان القسم يقع بالطابق الأرضي من المبنى المجاور جنوب قصر العلم من جهة البحر شمال السفارة البريطانية التي تقع شمال قلعة الجلالي. هناك أيضاً السفارة الأمريكية التي تقع على السكة شمال السفارة البريطانية، طبعاً هذه المباني لم تعد موجودة.

      يتألف المبنى من طابقين يطل على البحر ـ كما أشرت ـفي الموقع الذي كانت به السفارة البريطانية وقصر العلم الحالي قبل توسيع مساحة القصر.وللمبنى فناء من الخلف ومنه مدخله، أما من ألأمام ومن الجهة التي تطل على البحر هناك براندا (برزة) مرتفعة عن سطح البحر تفصل المبنى عن الشاطئ الصخري، وعلى البرزة أبواب زجاجية يمكن الخروج منها إلى الشاطئ، ويمكن رؤية واجهة مبنى القصر بوضوح حيث يقع القصر على الجانب الأيسر مطلاً على البحر، وكان الخروج إلى هذه البرزة ممنوعاً على الموظفين لأسباب أمنية.

       هذا القسم في السابق يعرف بـ CTO وهو اختصار لمسمى Central Telegraph Office  ويعني مكتب التلغراف المركزي، لست أدري كيف ومتى أتت التسمية، ولكن القسم يختص بإرسال واستلام برقيات العموم، وتعرف البرقيات (بالرسائل التلغرافية) الـ Telegrams.

       خدمة التلكس والتلغراف:

      هناك مكان أيضاً به أربعة صناديق اثنان في الأمام واثنان في الخلف موصلة عكس بعضهما البعض Back to Back تلك الصناديق تشبه بطاولات البيانو (الموسيقية) في الشكل لكنها أكبر عنها بقليل في الحجم، وعرفنا فيما بعد بأنها بدالة التلكس، يتم توصيل المشتركين يدوياً بواسطة حبال سلكية patch cord ولا يوجد مقسم تلكس آلي كالذي تدربنا عليه في القاهرة.

       

      وفي خلف هذه البدالة توجد مجموعة مبرقات Teleprinters و هي عبارة عن طابعات كهربائية تشبه الآلة الكاتبة في الشكل، يتم من خلالها طبع و تحضير البرقيات بواسطة مجموعة من الشباب operators يقومون بطبع وتحضير الرسائل التلغرافية Telegrams في شريط مخرم يخرج من هذه الطابعات ثم يوضع في جهاز آخر ميكانيكي يختصر اسمه بالـ Auto  و يعني Automatic Transmitter هو عبارة عن صندوق معدني 20×40×20 سم) به دوائر كهربائية مكوناً جهاز إرسال يقرأ الشفرات المخرمة من الشريط ويحولها إلى نبضات كهربائية لبثها إلى الجهة المقابلة كرسائل تلغرافية عبر خطوط سلكية أو لا سلكية (عبر الراديو) هذا باختصار عن خدمة التلغراف.

       وفي الجهة المقابلة يتم استلام البرقيات عبر خطوط سلكية أو لا سلكية (عبر الراديو) مباشرة على الطابعات التي تطبع الرسالة مباشرة على الورق (مثل طابعات الكمبيوتر) ثم يتم قصها وتوزيعها حسب العنوان المذكور في البرقية بواسطة صناديق البريد أو بواسطة شخص يقوم بتسليمها باليد ـ ويسمى Messenger أي ساعي بريد ـ حسب التعليمات المذكورة في البرقية التي تكون تكاليفها مدفوعة مسبقاً من الجهة المرسلة.

      مكتب التلغراف الـ CTO يتكون من عدة غرف على شكل دهاليز متصلة ببعضها عبر فتحات مقوسة واسعة، عدا ثلاث غرف، واحدة خصصت كمكتب لرئيس القسم وهو بريطاني بدرجة مهندس، يشاركه عماني بدرجة مهندس أيضاً وينوب عنه، وغرفة أخرى خصصت للصيانة الالكترونية، ويشرف عليها أيضاً بريطاني بدرجة مساعد مهندس وغرفة ثالثة تستخدم كمستودع للورق وبها موظفة هندية تضرب على الآلة الكاتبة Dispatch Clerk مهمتها طباعة العناوين على المظاريف التي تغلف فيها البرقيات للتوزيع.

       الـ CTO قسمان تحت إدارة واحدة قسم البرقيات والتلكس الـ CTO وقسم الـ (Mux Control وهو القسم الفني للـ CTO يحتوي على جميع الخطوط التي تربط المشتركين و به أجهزة الإرسال التلغرافي والتلكس عبر دوائر الراديو الـ TOR Telegraph Over Radio وعبر الأقمار الاصطناعية أو السلكية الـ (VFT) Voice Frequency Telegraph و يضم القسم بعض الدوائر التلغرافية المستأجرة الخاصة تعرف بـ leased circuits وهي عبارة عن خطوط تلغرافية مباشرة من نقطة إلى نقطة بين مكتب فرع ورئاسة شركة هذا نوع من الدوائر الدولية يستخدم في السابق من قبل شركات المقاولات العالمية الكبيرة التي كانت تعمل في تعبيد الطرق في عمان.

      دوائر التلغراف المؤجرة:

      هذا النوع من الدوائر التلغرافية، تعرف بالدوائر المؤجرة، تستأجرها مؤسسات الصحافة لاستلام الأخبار من وكالات الأنباء، وتستخدمها شركات التنقيب عن النفط، وشركات المقاولات الكبيرة التي تتطلب أعمالها التواصل مع مكاتبها الرئيسية باستمرار داخل وخارج السلطنة وتستخدمها شركات الطيران للحجوزات وللمعلومات عن مواعيد الإقلاع والوصول وعن أحوال الطقس، وعن عدد الركاب والحمولة في الطائرة الخ.. وأيضاً البنوك، لكن البنوك تستخدم التلكس بصفة أكثر للتحويلات المالية بما يعرف اختصاراً(TT) أيMoney Telegraph/Telex Transfer وأيضاً تستخدم التلكس الشركات التجارية والمؤسسات الحكومية، وكما تعلم قد حلت محل هذه الخدمة الآن الفاكس (Fax) وهو اختصار لكلمة الـ (Facsimile) والبريد الالكتروني e-mal أما فيما يتعلق بسرعة تلغراف العموم فهي ثابتة (50 بود.) ولا أعتقد أن تلغراف العموم يستخدم الآن إلا نادراً وفي المناسبات؛ لأن كل شيء تغير في قطاع الاتصالات.

       بالنسبة للإخوة من مواليد الثمينات أو التسعينات من القرن الماضي قد لا يفهمون معنى خدمة اتصال تلكس أو خدمة اتصال التلغراف، هذه الخدمات فعلاً اختفت الآن ولم تعد موجودة وحل محلها الـ(Fax) اختصاراً لكلمة الـ Facsimile، وقد عرب مصطلح هذه الخدمة من قبل الاتحاد العربي للمواصلات "بالتبصلة" اختصارا لعبارة "طبق الأصل" أسوة بالخدمة التي كانت تقدم أيام الخلافة في نقل الصكوك لكنه لم يستخدم. وحل محل خدمة التلكس أيضاً البريد الإلكتروني وخدمة الإنترنت.

       مصطلح برقية:

      كثيراً ما نسمع ويتكرر في نشرات الأخبار عندما تتم مبادلة التهاني أو التعازي بين رؤساء الدول و يقال: (تلقى برقية تهنئة أو تعزية ومؤاساة من الرئيس الفلاني) هذه البرقيات في السابق كانت ترد عبر تلغراف العموم، و لم تعد موجودة في عصرنا الحاضر.

      في الحقيقة البرقيات Telegrams الواردة من خدمة التلغراف لم تعد تستخدم الآن، لقد مسحتها تكنولوجيا العصر، إنما بقي اسمها يتداول كمصطلح برتوكولي في المخاطبات الرسمية ورسائل التهاني بين حكام الدول. في وقتنا الحاضر ترد ربما عبر وسائل أخرى حديثة كالبريد الإلكتروني على سبيل المثال الفاكس، كما هو شائع في التعامل، وكلمة "برقية" مصطلح تعبيري تقليدي يستخدم للتعبير عن نوع الرسالة وعن الوسيلة التي وردت عبرها، حتى كنا نسمع في السابق (بأن فلان وصلته برقية)، أو "أرسل برقية" ويقصد بأن أرسلت له أو استلم رسالة صوتية، أو كتابية عبر اللاسلكي (الراديو).

       الخدمات الهاتفية:

      كما ذكرت في السابق قبل عام 1975م عن خدمة التلكس في عمان والتوصيل اليدوي الذي يتم بين مشتركي هذه الخدمة محلياً ودولياً و يتم بواسطة موظفي بدالة مشغلين operators وكذا الحال بالنسبة للهاتف الدولي يتم توصيل المكالمات الهاتفية الدولية بنفس النظام، ومعظم العاملين بهذه الخدمات أيضا من الإناث.

       أما المكالمات المحلية تتم عبر مقاسم محلية قديمة جلبت من بعض الدول التي حدثت نظامها الاتصالي، ويعرف هذا النوع من المقاسم بنظام "ستروجر" هناك مقسمين كانا في عمان مقسم واحد في مسقط مركب في حاوية container مقابل المبنى المذكور "الماركوري هوس" والآخر في مطرح بجوار مكتب الوالي وخدمات كلا المقسمين مقصورة على التجار أو الشخصيات المهمة في كلتا المدينتين ولا تتجاوز سعتها ربما عن 400 خط أو 800 خط مجتمعة لأنها بطيئة التوصيل (إلكتروماكينكية)  electromechanically.

       السلم الوظيفي:

      في نظام الشركة الأجنبية (C&W) لا تعطى المسميات الوظيفية أو الألقاب حسب الشهادة، بل حسب نوعية العمل المكلف القيام به الشخص كالتالي:

      الوظائف الفنية:

      رئيس قسم، مهندس، مساعد مهندس، فني، مساعد فني، موصل خطوط، يناظرها بالانجليزية(Section Head, Engineer, Assistance Engineer, Technician Assistance Technician. Line Man, or Cable Jointer). هذا الأخير عادة ما يكون بدرجة فني.

       لا تمنح الألقاب بعدد السنين ورئيس القسم يحب أن يكون قد تدرج في جميع المهن الفنية أو الإدارية إذا كان غير فني، والمهندس تقع عليه مسؤولية الإشراف على الأمور الفنية سواء كان في إصلاح وصيانة أجهزة المحطة، أو الأشراف على الفنيين و يحب أن يكون قادرا على تصميم الدوائر الالكترونية أو التعديل في الأجهزة كلما تطلب منه الأمر ذلك فعمله ليس في المكتب بل في ألورشه.

       لكل مسمى وظيفي امتحان يجب اجتيازه، لا يكتفى بما يحمله الشخص من مؤهل دراسي ما لم يكن معادلاً معرفياً للمعايير البريطانية الفنية. ولا تمنح الترقية إلا بعد اجتياز امتحان كل وظيفة، أي بمعنى لا تمنح الترقية بعدد السنين، في نفس الوظيفة والسبب لا بد من فهم النظري بجانب العملي، وصعوبة تلك الاختبارات بما تتضمنها من مسائل رياضية جبرية، وتصميم دوائر إلكترونية وذلك لحاجة الأجهزة القديمة عندما لا يتوفر لها قطع غيار فإنها تعدل، وطلبات المشتركين لدوائر الاتصال التلغرافي تفصل، حسب الطلب على سبيل المثال: (إذا كانت استقبالاً فقط، أو استقبالاً وإرسالاً بالتناوب، أو استقبالاً وإرسالاً مزدوجاً في نفس الوقت، أو كان المطلوب ربع سرعة، نصف سرعة، سرعة كاملة، و هكذا). كانت أعلى سرعة للتلغراف المؤجر حتى التحاقنا بالقسم (75 بود أي 75 نبضة/ثانية).

      الوظائف التشغيلية:

      مشرفSupervisor  موظف (بدالة / تلغرافOperator  هذا النوع من العمل يتطلب إلماماً متوسطاً وما أعلى باللغة الانجليزية، ومهارة في الطباعة، وقراءة الرموز الشفرة code والاختصارات التلغرافية، بالإضافة إلى بعض المعلومات الفنية وأيضاً طرق المحاسبة والجغرافيا.

       الوظائف الإدارية:

      مديرManager  رئيس قسم Section Head مشرف Supervisor كاتب Clerk  سائقDriver عامل Labor هذه الأعمال التي ذكرتها تتطلب المؤهلات والخبرة التي نعرفها في وقتنا الحاضر.

       من عرف لغة قوم أتقى شرهم:

      تحضرني هنا قصة عن موظفة هندية وجدتها في القسم كيف تدرجت من موظفة تلكس يدوي Telex Operator  ثم إلى وظيفة كاتب (ضاربة على الآلة الكاتبةClerk  إلى أن أصبحت منسقة بمكتب أحد مدراء العموم.

       لا أعلم سبب توظيفها في بدالة التلكس وهي لا تنطق اللغة الانجليزية إلا بالشيء اليسير ولا تستطيع تركيب أكثر من كلمتين في جملة، إذ كانت شركة الاتصال في ذلك الوقت تحرص ألا توظف الأجانب إلا في الوظائف التي تتطلب إلماماً كاملاً باللغة الانجليزية. وأول ما عينت في الـ CTOعينت بوظيفة "فني مراقبة" Watch Keeping Technician وكان عملي بنظام الورديات، وإحدى مهام عملي فحص هذه البدالة كل صباح لحصر عدد الخطوط العاطلة عن العمل، و كان جميع العاملين على هذه البدالة من العنصر النسائي أربع موظفات في كل وردية على ثلاث ورديات، وعندما أذهب لفحص هذه البدالة أو لإصلاح عطل لا أسمع هذه الموظفة التي ذكرتها تتحدث حتى مع زميلاتها دائما صامتة، حتى إني اعتقدت خلال الثلاث سنوات التي اشتغلتها هناك بأنها خرساء.

       أما بقية الأخوات ما شاء الله كالطيور التي تهوي للمبيت في الأشجار وقت الغروب، بالذات في وردية ما بعد الظهر بعد انتهاء دوام المسئولين، وكان فني المناوبة عليه الأشراف على موظفي ورديات التلكس والتلغراف بالإضافة إلى عمله عند غياب مشرف هذه الأقسام، فأنا خجول بطبعي و دائما أتجنب المرأة الجريئة، خاصة عندما أكون وسط عنصر نسائي بحت، وكان البعض منهن تطلق العنان لحديثها المحرج دون المبالاة بوجود رجل.

       وكنت ألاحظ عندما تأتي "لوبو" لأخذ مفتاح دورة المياه من عندي تستغرق وقتاً طويلاً حتى تعيده، ولاحظت أيضاً عند قرب انتهاء وردية المساء للموظفات بنصف ساعة أو أحيانا ًبساعة لا يبقى أحد من الموظفات عدا هي فقط، وعندما اسألها أين الباقي، ترد: (بأنهن أستأذنَّ من المشرف وذهبن)، وكنت أعلم بأن لا أحد منهن ترغب في وردية ما بعد الظهر لأنها تنتهي بعد المغرب، مما تعيق بعضهن عن حضور حفلات الزفاف. فلذلك كان البعض مهن تضطر بيع ورديتها لهذه الموظفة، الشيء الذي كان يبسطها والشيء الآخر أنها تتخلص من ألسنتهن اللاذعة.

       لذا كانت تستغرق وقتاً طويلاً في دورة المياه. ولكن يبقى السؤال كيف لهذه المخلوقة أن تفهم الكلام الذي يعنيها وهي لا تفهم اللغة التي ترشق بها، وفهمها أيضاً في اللغة الانجليزية ضعيف. وعندما عدت من سفري لتأدية الامتحانات وجدتها قد نقلت و أصبحت منسقة في مكتب رئيس القسم، و تفاجئت، كيف لهذه المسكينة الهادئة، أن تصبح منسقة؟ تطبع و تصوغ الرسائل بالانجليزية وهي لا تفهم شيئاً عن هذه المهارات، فاستغربت عندما قيل لي بأنها كانت تعرف كل شيء وأعمال السكرتارية من اختصاصها، وعندها مهارة الكتابة أكثر من مهارة التحدث، وأيضاً هي تتقن اللغة الثالثة التي تسمع ما كان يقال ضدها. وعندما انتقلنا إلى المبنى الجديد بروي عينت هذه المرأة منسقة بمكتب أحد مدراء العموم، وكان هذا المدير "لا يستطيع حك أذنيه" دون أن يستشير "مسز لوبو". وليس لهذه المرأة جمال يغري الرجال ولكن لديها العلم وحسن الإدارة.

      1. عبد الله السناوي - شارك