1. ذكريات 32-1 دت قسم الهاتف

      رحلة العمل -6

      مقر العمل

      قسم الهاتف:

      قسم الهاتف كان في مبنى آخر يعرف بالـ(مركوري هاوس) وهو مبنى منعزل عن (سي تي أو) ، والمبنى لا يبعد كثيراً عن ـ (سي تي أو) كما سبق ذكره ـ به البدالة اليدوية التي يتم من خلالها توصيل المكالمات الدولية وأيضاً يعرف القسم (أر تي) اختصاراً لكلمة (هاتف راديو) إذ كانت الاتصالات الهاتفية الدولية في السابق قبل عام 1970م يتم توصيلها عبر الراديو اللاسلكي على الموجات القصيرة والعالية، لم يكن هناك مقسم للمكالمات الخارجية وذلك لعدة أسباب منها أن الاتصال الخارجي كان يتم عبر دوائر الراديو بالإضافة إلى أن جودة المكالمات غير مضمونة، إذ تتوقف جودتها حسب الظروف المناخية، والشيء الآخر كانت المكالمات قليلة، لذا كانت البدالة اليدوية بمثابة مقسم فرعي صغير كبدالات الهاتف داخل المؤسسات إلا أن التوصيل يتم يدوياً عبر خطوط الراديو إلى مقسم هاتف دولي، وفيما أظن كان المقسم في دولة البحرين.

       ولكي أوضح الصورة بشكل أكثر تبسيطاً فأبسط الأمر للأخوة والأخوات غير الملمين بعملية الاتصال: الأرقام الثلاثة الأولى من رقم الهاتف تدل على نوعية الخدمة وموقع المقسم على سبيل المثال: هاتف نقال، أو ثابت، وموقع المقسم في المنطقة: (45678 123 00) وعندما نتصل بالخارج نضيف صفرين (00) بداية الرقم أو إشارة زائد (+) فيتم تحويل الاتصال إلى المقسم الدولي أو مقسم المكالمات الخارجية والأرقام التي تلي الصفرين أو إشارة الزائد تخبر المقسم الدولي عن البلد المراد الاتصال به ويسمى الرمز بالكود أو رمز البلد أما بالنسبة لعمان فرمز اتصال هاهو: ( 968+ ) والإمارات (971+) وهكذا ولكن في حالة البدالة اليدوية فإن عامل البدالة يقوم نيابة عنا عندما نتصل بالرقم: (143) فقط علينا أن نعطيه اسم البلد والرقم المراد الاتصال به.

       المعرفة العامة:

      موظف البدالة أو موظفي الخدمات المساندة خاصة الذين يعملون في الخدمات الدولية كالهاتف الدولي، واستعلامي الدليل والتلكس والتلغراف على سبيل المثال،يجب أن تتوافر فيهم شروط اللباقة وسعة الصدر وحسن الحديث، بالإضافة إلى الثقافة العامة بقدر المستطاع، وأن يكون الموظف قادراً على امتصاص غضب الزبون لأن الزبون كما يقال: (هو من يدفع راتبه) أي راتب الموظف، والشركة الأجنبية السابقة كانت تدقق عند اختيار الشخص المناسب وتوظفه في وظيفة أقل من مؤهلاته وليس العكس،وذلك من أجل أن يتقن العمل ويبدع فيه، ثم يحفز بالمكافآت ورسائل التقدير، ويرقى؛ ليتأهل فيما بعد لوظيفة أعلى.

       أتذكر أني حضرت مرة مقابلة شخصية أجريت لعدد من المتقدمين لوظيفة موظف هاتف دولي وأخرى لتلكس وكان المختبر(بكسر الباء) أحد الأوروبيين، ومن إجراءات الاختبار أن أخرج هذا المختبر قلمه من جيبه ورماه في الأرض ثم طلب من المتقدم أن يلقطه، ويحضره له، وكرر هذه العملية عدد من المرات ليرى مدى قوة الاحتمال والصبر عند الموظف قبل أن يقرر له الاختبار التحريري.

      ولكي أبين مدى الحاجة إلى الثقافة والمعرفة العامة حدث أن أتصل مرة أجنبي بالهاتف الدولي أو استعلامات الدليل ـ كما حُكِيَ لي ـ من أوروبا أو أمريكا في وردية ليلية والتي عادة ما يكون فيها المناوب من المتدربين بسبب قلة الحركة، وسأل هذا الأجنبي الموظف باللغة الانجليزية عن رقم هاتف وزارة التربية والتعليم في عمان، ولسبب ما لم يستطع هذا الموظف التعرف على السؤال بسبب اللكنة التي كان يتحدث بها الأجنبي ثم سأل الأجنبي الموظف: (هل ذهبت إلى المدرسة؟)، فأجابه الموظف بنعم فرد عليه الأجنبي قائلا: (هذه الوزارة هي المسئولة عن تعليمك).

       وفي موقف آخر كنت في وردية المساء (فنياً مناوباً) وأتت مكالمة على طابعة التلكس لموظف البدالة من أجنبي يطلب توصيلاً برقم فندق Holiday Inn وكان هذا الفندق قد افتتح حديثاً في مدينة صلالة ولم يستطع الموظف التعرف على اسم الفندق فاعتقد بأن طالب المكالمة أخطأ في الطباعة فترجمها الموظف:Holiday in أو in holiday أو on holiday وطالت الدردشة بينهما حتى كاد الأجنبي أن يسأم ويقطع المكالمة فاستدعاني الموظف للتدخل، ولما فهمت المشكلة بينت للموظف عن هذا الفندق وعن سلسلة عالميته.

      الفضول المعرفي مطلوب في أحياناً كثيرة إذ يجعل الشخص متميزاً ومهماً عند الغير مهما كان صغر عمله، أتذكر عندما كان يُناقش موضوع الترقيات أو علاوات الموظفين في اجتماع الإدارة، كان الموظفون يعرفون النتيجة من "فراش الشاي" قبل أن تنشر.

       الخدمات قبل عام 75:

      هكذا كما سبق ذكره كانت مكالمات الهاتف الدولية يتم توصيلها يدوياً عبر بدالات مماثلة لبدالة التلكس، وقد تزامنا مع التركيبات الجديدة، التي كانت تتم في عام 1975م.

      حدِّث الهاتف الدولي باستجلاب مقسم إلكتروني من إيطاليا تم تركيبه في نفس الفترة التي كان يتم فيها مشروع البنية التحتية لقطاع الاتصالات بواسطة شركة أريكسون.

      قبل هذا كانت خدمات الاتصال في عمان وفي الفترة حتى عام 1975م أربعة أنواع: هاتف محلي، ويتم عبر مقاسم صغيرة قديمة "ستروجر" ودولي عبر بدالة يدوية، وخدمة اتصال تلكسي محلي ودولي عبر بدالة يدوية، وخدمة تلغراف العموم، وخدمة تلغرافية أخرى بنظام شفرة (المورس) تتم عبر قنوات الراديو اللاسلكي للسفن بالإضافة إلى خدمة القناة اللاسلكية لخدمات الطوارئ الـVHF  الصوتية) التي خصصت دولياً لأغراض البحث والإنقاذ البحري تعرف بالقناة (رقم16) وتلتقطها أيضاً الطائرات ويعرف هذا النظام عالمياً بنظام (سولاس) ) اختصاراً لعبارة "سلامة الحياة في البحر"، وفي بداية عام 2000 م، لا أتذكر تماما ألغي (المورس) عالمياً واستبدل بنظام (جي أم دي أس) اختصاراً لعبارة (النظام العالمي للطوارئ والسلامة البحرية) تستخدم فيه وسائل الاتصال الحديثة عبر الأقمار الاصطناعية، ويشترك في هذه الأنظمة محلياً عدد من الهيئات الحكومية المعنية أهمها خفر السواحل والبحرية السلطانية والوزارات المعنية بالتلوث البحري.

       أما دور شركة الاتصالات فيقتصر على تنسيق الاتصال وتلقي نداءات الاستغاثة. عندما كنت مديراً للتشغيل شاركت في عدة اجتماعات في هذا الشأن بالمنظمة البحرية الدولية (أمو) التي مقرها بالعاصمة البريطانية لندن، ومن الإنجازات التي افخر بها مشاركتي الكبيرة في إدخال خدمة التلكس الملاحي كجزء من النظام الجديد (نفتكس) اختصاراً لعبارة: (التلكس الملاحي) خدمات الطوارئ وما يصطحبها من إجراءات مجانية بالإضافة لخدمة الملاحة البحرية و(نفتكس) تختص بمعلومات الطقس والسلامة البحرية حيث تبثها كنصوص إخبارية مقروءة عبر راديو المحطة الساحلية.

      1. عبد الله السناوي - شارك