-
-
الصورة التقطت يوم الخميس الموافق ٥ ديسمبر ٢٠٢٤ عند تناول وجبة الغداء بمطعم "فولاري" الإيطالي بمدينة السلطان قابوس، ، كان دعانا إليها نبهان، للترفيه عن جدته، بعد ان وجدها متوعكة كنوع من الترفيه، ومن ثم أخذنا مع الوالدة (جدته) في جولة بالسيارة حول حي دارسيت الساحل، و حي دارسيت الطويان وحي مرتفعات دارسيت السكني، لتستعيد الوالدة ذكريات إقامتها بدارسيت في حقبة السبعينات، اللهم احفظها وأطيل في عمرها، وبارك الله في بره لوالديه
اسأل مجرب ولا تسأل طبيب – ٢٦٤
أسأل مجرب ولا تسأل طبيب"..أصل المثل: "أسأل مجرب ولا تنسى الطبيب". أي خذ بنصيحة المجرب ولكن لا تنسى أن تستشير طبيب، ربما ما ينفع ذلك المجرب لا يتفق معك وقد يضرك
بعد أن استقرت إقامتي بمحافظة مسقط لأسباب صحية، عودت نفسي أن أزور والدتي أسبوعيا للاطمئنان على صحتها ببيتها في منطقة الخوير، مستقلا سيارة أجرة عبر تطبيق "أو ' تكسي" الذي سهل لي أمور كثيرة، وأغناني عن العنوة، والذهاب إلى الشارع العام لأستوقف سيارة أجرة
وخلال رحلتي من حي دارسيت إلى حي الخوير، أحب دائما الدردشة مع هؤلاء الشباب؛ لأسبر غور فكرهم، خلال قطع النسافة،... أتحدث مع السائق و أسأله عن أحواله،... عن حال معيشته وعن عمله في مهنة السياقة، كثيرا منهم من يتذمر ومنهم من يتخذ السياقة كمهنة مؤقتة إلى أن يجد عملا افضل
حيث معظم هؤلاء السواقين وجدتهم من خريجي الكليات التقنية؛ منهم من يحمل الدبلوم المتقدم أو البكالوريوس ، في إدارة الأعمال أو تقنية المعلومات
مثل هؤلاء الخريجون، يجب الاهتمام بهم والاستعانة بهم لتوطين الوظائف في البلاد؛ للتقليل من العمالة الوافدة، ليست مسألة عرض وطلب ونترك الحبل على غاربه؛ بل هناك التزام؛ التزام اجتماعي، و مسألة اقتصادية لتحسين الوضع الاجتماعي في البلد، الباحث عن عمل عليه التزام تجاه اسرته، و تجاه أهله، عليه أن يرد الدين الذي عليه لوالدي؛ الذي أنفق من اجل تعليمه، كما عليه التزام ديني ودنياوي، في المجتمع؛ (عمل، سكن، زواج، وانجاب)، لذا وجب التكافل، والتعاون معه، من ناحية الحكومة أولا ومن المجتمع ثانيا، على الحكومة أن تيسر و تهيء له ظروف العمل والمجتمع أن يتكافل معه لإجاد له البيئة الاجتماعية
منذ تولي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق الحكم وهو يسعى لتطوير الاقتصاد العماني، و يولي اهتمامه البالغ لجعل سلطنة عمان وجهة اقتصادية جاذبة للاستثمار الأجنبي، بحكم موقعها الجغرافي ومقوماتها الطبيعية وما يتمتع شعبها المضياف من سمعة طيبة، أن سعي جلالته يتم ضمن إطار رؤية عمان ٢٠/٤٠ التي اشرف على دراستها قبل توليه الحكم، في عهد السلطان قابوس - طيب الله ثراه،
ونرى جلالته حفظه الله؛ منذ توليه الحكم وهو يجوب بقاع العالم يوقع الاتفاقيات ويبرم العقود، ويوطد الصداقات، بين سلطنة عمان ودول العالم، كل ذلك من اجل جلب الاستثمار الدولي لينهض بالاقتصاد العماني، لعل هذا سيسهم في توطين للكفاءات الوطنية
ولكن حتى إلى أن يؤتي ثمارهذا السعي لابد من حل مؤقت لاستيعاب مخرجات التعليم المتزايد لسوق العمل، والحل كما أرى؛ يكمن في الخطوات التالية؛
١- تصنف جميع احتياجات السوق العماني من الوظائف والمهن إن لم يكن قد صنفت من قبل، لتتناسب مع احتياجات السوق العماني، وعدم اقتباس عند الحاجة نماذج تصنيف من دول غير عربية، حتى لو كانت دول مسلمة، لإن الحياة المعيشة تتفاوت بيننا وبين هذه الدول
- يجمع هذا التصنيف في ٣ فئات؛ فئة الماهرة و فئة شبه ماهرة و فئة غير ماهرة، الفئة الأولى لا يشغلها إلا من حملة الدكتوراه أو الماجستير أو البكالوريوس، سواء كانت إدارية، مالية أم هندسية وخلافها من المهن الأخرى، الفئة الثانية لا يشغلها إلا من حملة شهادة الدبلوم العالي، او الدبلوم المهني، وأيضا سواء كانت إدارية، مالية أم هندسية وخلافها من المهن الأخرى، الفئة الثالثة يشغلها حملة الدبلوم العام وما دون ذلك شريطة أن يكون شاغلها يتقن مباديء اللغة الانجليزية التي تؤهله في فهم الأرقام والمصطلحات وقادر على التحدث حتى لو بشكل بسيط خاصة إن كان أجنبي إن لم يكن يتحدث اللغة العربية، هذه التصنيفات من شأنها أن تجود العمل
٣ تدرس كل حالة من الفئات الثلاث على حِدَةٍ لمعرفة مدى حاجتها من العمالة الوافدة أو التعمين ولمدة معلومة من الزمن
٤ ينشأ مكتب يختص بالتحقق من شهادات الوافد إذا كانت مستوفية للمهن المذكورة للفئات الثلاث، ويختص ايضا بالتحقق من كل وافد لا يعمل إلا في المهنة المصرح بها وتفرض غرامة مالية لكل عامل وافد غير ملتزم، أومواطن أقبل على تشغيل وافد في مهنة غير مصرح بها
يجب أن نعلم أن من يأتينا من الوافدين للعمل في بلداننا ليسوا جميعهم من نخب مجتمعاتهم، بل كثير منهم من بسطاء الناس، وفقراءهم، وأقلهم تعليما كالعمالة البنجالية على سبيل المثال لا للحصر، الذين يأتون من الأرياف وربما من الأحياء الفقيرة التي تفتقد للخدمات، أو من المناطق البعيدة عن التحضر، خاصة من الطبقة الأمية من العمالة التي تعمل في قطاع البناء والزراعة و قطاع نظافة المرافق العامة، يحملون هؤلاء سلوكهم السيء الذي تعودوا عليه في بلدانهم، على سبيل المثال لا للحصر؛ الاساءة في استخدام المرافق العامة وعدم الاكتراث في المحافظة على النظافة والصحة العامة،، والسلامة المهنية، وخلافها التي تكلف الحكومة مبالغ طاءلة ممثلة في خدمات البلدية؛ لصيانتها
هذا ناهيك عدم تحدثهم اللغة العربية، أو الانجليزية (لغة التجارة)، مما يجعلك التحدث معهم بخليط من اللغات؛ العربية والانجليزية و بمفردات من لغتهم، وهذا الخليط من مفردات اللغات على مدى البعيد سيأثر على هوية البلد كما حدث في بلدان ساحل شرق افريقيا؛ نشأت فيها اللغة السواحلية خليط من مفردات اللغة العربية،الهندية، الفارسية، والانجليزية، أو كاللغة في جنوب اقريقيا لغة "انجلو أفرو" خليط من مفردات اللغة الإجليزية والافريقية
هذه أمور لا ينتبه لها كثير منا، أو قد يتجاهلها البعض، أو يستصغرها،. اللغة هوية البلد ليست من ثقافتها فحسب؛ كيف ستشرح للزاءر عن تاريخ وحضارة بلدك؛ قلاعها حصونها، تراثها، وفلكلورها وعراقتها؛ بلغة مكسرة لا تعكس الواقع، الانسان العربي دون غيره غيور على بلده واسلامه، وعلى حكومته، مهما كان بينه وبينها من خلاف ملتصق كالإبن والآب "لا خير فيمن لا يغار على عرضه، ووطنه، ودينه"؛
واذكر هنا عندما كنت في حقبة السبعينات أو بداية الثمانينات من القرن الماضي؛ عندما كنت في مدينة ميونخ بالمانيا في بعثة تدريبية بشركة "سيمنز" العالمية التي كانت تمد سلطنة عمان بأجهزة شبكة الأتصالات. كنت اخرج للتجول في أسواق المدينة بصحبة اثنين من زملائي في الدورة التدريبة، فكلما دخلنا محل للتبضع أو مطعم يتجاهلنا البائع عندما نتحدث معه باللغة الانجليزية، وعندما نرى هذا التصرف منه نتركه وننتقل إلى محل آخر، إلى أن نجد من يرد علينا بالانجليزية، وغالبا ما يكون من أصول غير الماني، ولما سألنا عن السبب قيل لنا الألمان لا يعيرون اهتمامهم إلا من يتحدث لغتهم في بلادهم
من المواقف الطريفة، التي تصادفني أحيانا عند تجوالي في سوق مطرح القديم، أو المنطقة التي بها الأسواق الشعبية؛ وتدار محلاتها من قبل العمالة الوافدة، من البنجال والهنود؛ كمنطقة "سكة الظلام" وسوق الذهب، والأحياء السكنية بحلة "منازي موجا" والمحلات المحاذية للطريق البحري، "الكورنيش" وأيضا عندما اذهب إلى حي روي التجاري الذي به محلات بيع التجزئة، وغيرها يتحدثون معي الباعة الأجانب باللغه الهندية، وكأن على بالهم بأن كل العمانيين يتحدثون الهندية ومنهم من يعتقد بأن تاريخيا دول الخليج بما فيهم سلطنة عمان ما هي إلا امتداد لدولة الهند بسبب كثرة عدد هؤلاء الأجانب بهذه الدول
وهذا نوع من الاستعمار الثقافي، أو الاستعمار الناعم، أو الاستعمار التجاري الاقتصادي، العمانيون لم يحكموا بلدان شرق افريقيا بقوة السلاح، بل وجدوا في تلك الحقبة شعب فقير، متخلف، وفرضوا عليهم تقافتهم التي وجدوها الافارقة بمرور الزمن تناسبهم عن ثقافة الغرب، هكذا تجلت هذه الثقافة في اللغة السواحيلية
أذكر ذات مرة، كنت أمارس رياضة المشي في الصباح بحديقة دار سيت، المواجهة لمسجد النور، بعد أن انتهيت من الرياضة، جلست على احدى المقاعد تحت إحدى المظلات المخصصة، للاستراحة، وإذا برجل هندي طاعن في السن، يبدو من مظهره من سكان مدينة ممباي بالهند، من طاءفة "البنيان" (الذين يرتدون الإزار الأبيض والقميص الأبيض)، فيما أظن، ربما قد تجاوز العقد الثامن أو أنه في العقد التاسع من عمره، اقترب مني وجلس بجانبي، و أدركت أنه من المسنين الذين يشعرون بالوحدة، و يبحثون عن رفيق للتحدث معه. وبادر فور جلوسه؛ يسألني باللغة الهندية؛عن جنسيتي، أو من أي بلد أتيت، ولكن في البداية لم افهم من كلامه شيء، و ماذا يريد مني، ...يعتقد بأن كل من في عمان يتحدث الهندية، وأشرت له بحركة يدي بأننني لا أفهمه، وكررت له ذلك لفظا بالعربية، ومن ثم بالانجليزية ولكنه لم يتوقف عن السؤال؛ و أدركت في النهاية بالفراسة والتخمين: بأنه يود معرفة هويتي فأشرت له إلى الدشداشة والكمة التي ارتديهما، ثم كرر لي السؤال "مسقط...مسقط". وادركت بأن الهنود مازالوا يطلقون على سلطنة عمان "بمسقط" المسمى القديم الذي عرفت به في القرن التاسع عشر، عندما انقسمت عمان بعد وفاة صانع امبراطوريتها السلطان سعيد بن سلطان، انقسمت إلى دولتين، دولة إمامة عمان في الداخل، في عهد الإمام الخروصي والإمام الخليلي، و دولة سلطنة ومسقط وزنجبار، في الساحل، في عهد السلطان فيصل بن تركي، والسلطان تيمور بن فيصل، ثم تغير المسمى في عهد السلطان سعيد بن تيمور إلى سلطنة مسقط وعمان بعد هزيمة دولة الإمامة في حرب جبل الأخضر، و وحدها السلطان قابوس في عهده؛ لتصبح بمسماها الحالي سلطنة عمان
- عبد الله السناوي - شارك
-